نشرت فى الدستور
10-9-2008
تعتعة
رمضان والموت والثروة والجنس
- المفروض أن واحدا مثلى، أتيحت له فرصة الكتابة المنتظمة فى صحف سيارة لعدة سنوات، أنه كلما حلت مناسبة، أسهم فى المشاركة فيها برأى أو رؤية أو ذكرى أو أمل أو ما شابه، حين حل رمضان هذا العام لم أجد فى نفسى جديدا أضيفه لما قلته عبر سنين عددا، ومهما كانت تفاصيل الذكرى أو طرافة الموضوع، فقد كنت أبدأ بالتنبيه إلى ذلك التسويق التبريرىالسطحى للصيام، والذى يساهم فيه الزملاء الأطباء مساهمة مسيئة لكل من الصوم، والعلم على حد سواء، فأدعو الله أن يغفر لهم حسن نيتهم وهم يزعمون أن الصوم يعالج ضغط الدم والسكرى والنقرس والبدانة المفرطة وحب الشباب …إلخ!!، وأنبه بلا طائل إلى أن خطورة مثل ذلك على كل من العلم والدين هى بلا حدود، الصيام عبادة، لا تحتاج إلى تبرير أو تفسير، والعبادة لها وظائف كثيرة عبر التاريخ، نعرف بعضها اجتهادا، ولا نعرف أغلبها إلا نتائجا تقريبية، العبادة إما أن نمارسها أو لا نمارسها، لا أكثر ولا أقل. ولم أجد أبدا صدى لما أقول، فعدلت أن أساهم فى المناسبة، آملا أن نتقين من أن الأصل هو أن نصوم لأن ربنا قال صوموا، لا أكثر ولا أقل، وهو يجزى به.
- طيب، أدع رمضان هذا العام ، واكتب فى قيمة الإنسان المصرى، خصوصا بعد التعتعتين اللتين نشرتهما هنا بتلاحق مزعج، الأولى:”إننى لو لم أولد مصريا..”، أما الثانية فكانت ردا على ما وصل للناس من التعتعة الأولى من مظنة تبرير عدم الانتماء بعنوان “لوددت أن أكون مصريا”، تذكرت ذلك حين حضرنى سؤال عن حقيقة قيمة الإنسان المصرى فى نظر الحكومة حتى تدعوه إلى أن يحافظ على حياته (كقيمة) بتلك الصورة الجديدة فوق علبة السجائر؟ ذلك أنه حضرت إلى مجموعة ظريفة من قناة فضائية جدا لا أعرف اسمها ، واحضروا لى علبة سجائر وعليها رسم ذلك الأخ المواطن المصرى الطيب الذى يحتضر، وسألونى عن رأيى فى التأثير النفسى لهذه الصورة على المدخنين، وكنت قبل ذلك أبتسم كلما رأيت عبارة، “..التدخين ضار جدا بالصحة ويسبب الموت”، وأتذكر القول السائر (لعله فى إحدى فوازير نيللى وصلاح جاهين) : “طبْ بسْ يالله”، بمعنى أن بداخل الإنسان المصرى المقهور الضائع الذى فقد التوجه والهدف والأمل، ثم الكرامة والاحترام والحرية، بداخله رغبة سوداء، تقول له أنه “كفاية كده”، وبما أننا شعب نخاف النار، وفى نفس الوقت نفتقد إلى المبادأة، فنحن – والحمد لله – أقل شعوب العالم انتحارا، ويؤخذ هذا دليل على الحكمة أو حب الحياة أيهما أكذب، وبالتالى كنت أتصور أن هذه العبارة تشجع على تحقيق ما لا يريد أى مدخن أن يعلنه لنفسه، فلما شاهدت الصورة، قلت “الله ينوّر”، هكذا تتجسد الدعوة بالسلامة، هل يا ترى من وضع العبارة أو الصورة على علبة السجائر كان يعرف ما وصلت إليه قيمة الإنسان المصرى فى نظر نفسه حتى يدعوه بهذه الصورة أن يحافظ على حياته، أن يحافظ على هذه القيمة الغالية “نفسه”؟ بأمارة ماذا؟ توقفت فجأة عن الكتابة متسائلا: بالذمة هل هذا كلام يكتب أو يقال فى رمضان، لقد سجلت البرنامج قبل رمضان، وكان خليقا بى أن أنساه أو اتناساه فى هذه الأيام المباركة، يا ترى إذن: فيم أكتب بما يليق ببركة رمضان؟
- فجأة تطل علينا صورة المرحومة الجميلة سوزان تميم، وبجوارها صورة رجل الأعمال الفاضل، عضو مجلس الشورى ولجنة السياسات وأشياء أخرى، وهو برىء برئ حتى تثبت – لا قدر الله– إدانته، فتحضرنى إجابة لسؤال عبيط طالما تردد فى خاطرى، ولم أجد له إجابة، طبعا الإجابة ليس لها علاقة بنتائج التحقيق، لكنها توارد خواطر، فطالما قفز إلى خاطرى، سؤال يقول: ماذا يفعل الثرى بفائض ماله غير أنه يشغل نفسه بمزيد من جمع الفائض، خاصة أن ليس له معدتان، ولا أربعة عيون، ولا حضنان، ولا شيئان، ولا وقتان، ولا قلبان، أسأل هذا السؤال وأنا أعتبر نفسى ممن عليه أن يجيب عليه، لأننى ثرى، بمعنى أننى أكسب أكثر مما أصرف، وأمتلك أكثر مما أعرف، وأستطيع أن أحصل على كل ما يخطر على بالى فى حدود قدراتى وطموحى بل وخيالى، (وأنا أعرف كيف أحجمما يخطر على بالى)، حين شاهدت جمال المرحومة، وتعاطفت مع المتهم الأشهر، وتساءلت عن المتهم الأغمض، قلت: هل هذا وقته؟ اللهم إنى صائم.
- وكل عام وأنتم بخير آخر (غير الذى نحن فيه)