الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ربنا موجود، والقيامة لم تَقُمْ

ربنا موجود، والقيامة لم تَقُمْ

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 8-1-2014

السنة السابعة

العدد:  2322

ربنا موجود، والقيامة لم تَقُمْ(1)

أنا عاجز عن التشاؤم، ناهيك عن اليأس النعّاب القبيح. قلت مرارا أننى لا أملك أن أسمح  لنفسى أن تسترخى فى رفاهية اليأس مدعيا الحكمة.

أنا متفائل على المدى البعيد، وعلى المدى القريب، التفاؤل الذى أتحدث عنه ليس له علاقة بالدنيا التى لونها بمبى، ولا بالدنيا التى هى ربيع والجو بديع، ولا حتى بالربيع العربى، أنا أعيش ما وصلنا إليه، بما له وما عليه، وصلنا إليه باجتهاد وحماس وشرف، وغفلة وعمى وتضحيات، أو بفعل فاعل، أو بكل ذلك، وفى نفس الوقت أنا لست نادما على التخلص من فترة التهميش وغابة  التمييز والغطرسة والاستحواذ الذى كتم على أنفاسنا حتى كان ما كان، التفاؤل الذى أتحدث عنه هو تفاؤل مؤلم، كل ما يصلنى هذه الأيام يزيد ألمى فازداد تفاؤلا بلا اختيار.

 حين أتابع هذا  العمى الذى يطمس أبصار الشباب الهائج المائج الذى لا يرى وهو يخرب بلده إلا موقع قدمه، ولا يسمع إلا أوامر من يسيّره، أقول حين أتابع هؤلاء وأتقمص بعضهم، وقد  تنازلوا عن حقهم فى التفكير، وفى شرف  الانتماء لوطن، وعن حمل أمانة الإنسان الذى خلقه الله تعالى فى أحسن تقويم، يزيد ألمى ويزيد تفاؤلى رغما عنى.

 وددت لو سألت أحدهم هل فكّر قبل أن ينزل اليوم، كل يوم، وأى يوم، ليفعل ما يفعل، كيف يحافظ على ما خلقه الله به، فى أحسن تقويم: بأن يكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيستثنى نفسه من أن يظل مردودا إلى أسف سافلين،  ليكون له أجر غير ممنون، يصلنى أحيانا أن هؤلاء المساكين قد توقفوا عند مرحلة الإنسان الذى هو فى خُسْر، ولم يدخلوا ملحق الاستثناء أيضا ويتواصُون بالحق ويتواصُون بالصبر، حين أشاهد هذه المجموعات، وبالذات من الشباب، وأتصور أنهم رفضوا أن يدخلوا امتحان “الملحق” فظلوا فى خُسْر، وفى أسفل سافلين، أدعو الله أن يقيهم شر أنفسهم، وأواصل معايشة ألمى المتفائل .

فى تفاؤلى المؤلم هذا أستعين بأمرين: الأول أن الله موجود، وأنه العدل المطلق، وأنه أحكم الحاكمين، فما يكذبك بعد بالدين، الدين الذى أرسله رب الناس، ملك الناس، إله الناس، لكل الناس، أليس الله بأحكم الحاكمين، الأمر الثانى الذى يحافظ على تفاؤلى فيزيد من ألمى وأرجو وأعمل على أن يزيد من عملى، هو علاقتى بعامل الزمن، فأنا أحسبها بالثوانى حين أتذكر أن الله سبحانه سوف يحاسبنى على كل ثانية، ثم أعود أحسبها بآلاف السنين إلى ملايينها حين أنظر فى تاريخ تطور الحياة وكيف حفظها الله بكل هذه القوة والروعة برغم كل قوى الشر والدمار وعوامل الانقراض عبر التاريخ، أنظر إلى الأحداث: لا يوما بيوم، كما تظهر أكوام الغم فى صحف الصباح ومثلها، وإنما من خلال حضور ربى على مدى الزمن، وكلما خسرنا – خسر الإنسان الشريف المؤمن المبدع – جولة ، أقول هذه جولة استغرقت عاما أو بعض عام، أو حتى ثلاثين أو ستين عاما، لكنها خسارة ملحوقة حتما خلال قرن أو عدة قرون ما دام ربنا موجود، وما دام هناك زمن باق، أعنى ما دامت القيامة لم تقم بعد،

 ماذا أملك غير أن أملأ الوقت بما هو أحق بالوقت،

 فمن أين يأتى اليأس، مهما بلغ الألم؟

آه…

الحمد لله

[1] – تم نشر هذا المقال فى موقع اليوم السابع بتاريخ 29-10-2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *