جريدة الأهرام
24-7-2012
د. يحيي الرخاوي: المصريون يصنعون الفرعون
ويفككون نظامه دون أن تنهار دولتهم
أجرى الحوار : كريمة عبد الغنى
منذ الثورة وحتي الآن.. أحداث سياسية ومتغيرات اجتماعية كثيرة مرت بها البلاد.. فرعون يسقط.. شعب يثور.. قوي سياسية تتصارع علي كعكة السلطة..
تيارات إسلامية تخرج لتمارس السياسة وتمسك بزمام السلطة.. انفلات أمني وأخلاقي.. كل هذه الأحداث في حاجة إلي إعادة قراءة أو تحليلولكن بطريقة مختلفة يأخذ البعد النفسي والاجتماعي لهذه التطورات. الدكتور يحيي الرخاوياستاذ الطب النفسي في حواره لـ الأهرام رصد الشخصيات والمواقف والأحداث وقدم لنا رؤيته السياسية ببعدها النفسي لهذه الاحداث
ما هو تقييمك للوضع الحالي في مصر ؟
الوضع الحالي في مصر واعد، غامض، حافز، غريب، لا يمكن تقييمه هكذا بجملة واحدة كما وصلني من السؤال، فهو واعد لأننا مازلنا في مرحلة الأمل أن يتواصل السعي بعد تخلصنا من كابوس القهر والاحتقار، الأمل مازال يتواصل لنشكل بديلا أفضل، المحاولات مازالت مستمرة، والانهيار لم يتم تماما، أما أنه غامض فلأنه قد طالت فترة الانتظار( أو الانتقال) دون أن تظهر ملامح محددة لما يمكن أن يسمي دولة لها معالم، المجلس العسكري أنهي دوره، والرئيس لم يبدأ بعد، وللأسف بدأ بممارسة مهام رئاسته برحلات الخارج وهو يذكرنا بالدكتور عصام شرف، وقد انكشف اهتزازه بأسرع من المتوقع في موقفه من الدعوة لعودة مجلس الشعب ثم التراجع، وقبلها حلف اليمين، ومن تصريحاته الملوحة دون تحديد، واتصالاته المريبة دون شفافية، أما أنه حافز، فإن الغموض والوعد إذا اجتمعا فإنهما لابد أن يكونا حافزا لكل واحد يهمه أمر مصر أن يسارع بتجديد المعالم للبدء في العمل، ولكل ذلك: فهو موقف: غريب علي خبراتنا السابقة خلال ستين عاما، فنحن لم نشارك أبدا في تقرير مصيرنا خلال هذه العقود، ولا في اختيار حركتنا الجامعة معا، ولا في الخطأ معا، ولا في فرص التصحيح فعلا.
ـ ما هي الآليات التي نحتاجها لبناء الوطن من جديد ؟
نحن نحتاج إلي أبسط ما تحتاجه أمة من الأمم، بدءا بوجود دولة مهمتها تطبيق القانون، كل القانون، فورا وكاملا، نحتاج أن نملأ ساعات العمل بالعمل، كل في موقعه، وأن نؤجل المطالب الفردية والفئوية ولو ستة أشهر، وأن تتوقفالمظاهرات حتي السلمية نهائيا، وأن يتحمل الإعلام مسئوليته فينتقل من الإثارة والتهييج( والتهريج أحيانا) إلي الإنارة والتوجيه وشحذ الوعي، ليس بالنصح والإرشاد، وإنما بتحديد قيم ورؤي ومناهج يمكن للمواطن أن يغير بها سلوكه، وطريقة تفكيره، مقارنة بما كان عليه مما أدي به إلي أن يحتقروه ويهمشوه، دعك من شعارات ضرورة تحقيق الثورة أهدافها، أهداف الثورة تتجدد باستمرار وما يتحقق منها يولد غيره وهكذا.
ـ هل تغيرت لدي المصريين بعض المفاهيم والأعراف بعد الثورة ؟
هذا السؤال عجيب عجيب، حين يصلني أدهش علي السهولة التي يطرح بها ونحن نستعمل كلمة التغيير وكأننا نغير رباط عنق أو لون الأظافر.
التغيرات تحدث دائما في كل البشر طالما أن الحياة تمر، لكن أن تختزلها إلي ماذا حدث بعد25 يناير؟ أو بعد11 فبراير وبعد سنة ونصف؟ فهذا اختزال يسطح الرؤية ويفسد فهم طبيعة التغيرات البشرية والتغيرات الحضارية يستحيل أن يتم تغيير بشكل له دلالة في هذا الوقت القصير، دعونا نركز علي ضرورة إسهامنا في التغيرات التي علينا أن نبدأ في إحداثها للمصريين من واقع أخطائهم وإنجازاتهم معا، حتي لا يكون كل حديثنا وصفا وتفسيرا ودمتم.
ـ هل يمكن أن يقنع الشعب المصري في وقت من الاوقات المقبلة أن ان يحكمه فرعون جديد؟
المصريون لا يصنعون الفرعون بهذه البساطة، هم واثقون من عمق تاريخهم انهم كما يصنعونه يستطيعون أن يفككوا نظامه دون ان تنهار دولتهم أو تهتز حضارتهم الأعمق، ثم أنهم لا ينقلبون علي الدكتاتور ولكنهم ينهون خدمته إذ يبدو أنهم يحددون له عمره الافتراضي مسبقا، حتي إذا حان الحين سقط مثل الفاكهة العفنة بهزة من ساق الشجرة، وإذا كانت الهزة قوية فقد تسقط معها كل الفاكهة الفاسدة فتكون ثورة.
ـ ماتفسيرك أن كثيرين ينتقدون التيارات الاسلامية في أسلوب تدخلها في السياسة وعلي الرغم من ذلك يحصلون علي أصوات الناخبين ؟
الشعب المصري شعب متدين بطبعه، وبمجرد التلويح له بكلمة الإسلام أو ربنا أو حتي الجنة، فإنه يميل بعواطفه بغض النظر عن مجال إطلاقها في السياسة أو التجارة أو الحب أو الدين يميل إلي من ينجح في التلويح بها، وقد بدأت خبرة الناس الجديدة بتصديق احتمال أخذ رأيهم مأخذ الجد في الاستفتاء علي تعديلات الدستور، وإن كان الجو العام قد ركز علي إشاعة حول المادة الثانية التي لا يعرف أغلب من ذهبوا للاستفتاء معظم نصها حرفيا، فجاءت موافقة الأغلبية علي التعديلات لهذه المادة كا اشيع عنها وليس للتعديلات التي لا يكاد يعرفها أحد.
فلما جاءت انتخابات مجلس الشعب استمر التدافع في نفس الاتجاه بالقصور الذاتي، وحين تبين للناس أن المسألة ليست كذلك من خلال الأداء السييء الذي قام به من تصوروا أنهم سوف يمثلون إسلام هذا الشعب وتدينه تراجع الشعب عن اندفاعه نحو الخدعة وتراجعت الأصوات.
ـ يري البعض أن التيارات الإسلامية وبالتحديد الإخوان لديهم نهم الاستحواذ علي السلطة فما تفسيرك لذلك ؟
أنا أتعجب من هذا التعبير الاستحواذ علي السلطة المفروض أن الحاكم القوي الشجاع إنما يتصدي لحمل المسئولية ومن حقه أن يستحوذ علي السلطة حتي ينفذ برنامجه، السلطة ليست كعكة أو تورتة ينبغي توزيعها بين الفرقاء، السلطة هي أداة لتنفيذ برنامج معين، ولا يصح تفريق المسئولية بين مختلفين لمجرد الإرضاء أو الظهور بمظهر التسامح والتوفيق. إن علي من يأخذ بمقاليد السلطة أن يتحمل حمل كل الحقائب، لنحاسبه علي كل التصرفات في كل المجالات، فإذا نجح فهذا خير لنا وله، وإذا فشل تحمل وحده وبالاستحواذ نتيجة فشل الاستحواذ، نخلعه ليستحوذ غيره علي السلطة لنختبره وهكذا، لا ينبغي الكلام عن الأئتلاف إلا إذا احتاج الأمر جمع فريقين متقاربين للحصول علي أغلبية مريحة وفاعلة، إن هذه التقسيمة بتوزيع الحقائب والمسئوليات بين الفرقاء، تعفي الرئيس المسئول من تحمل كل الأمانة إذ يمكن أن يحيل فشل كل قطاع إلي من أخذ قطعة التورتة الفلانية، وكأنه يؤجر الوزارات مفروشة!! يتصرف فيها ساكنها حسب طلباته.
ـ أتعتقد أن تلك التيارات ستنجح في الحياة السياسية علي المدي الطويل ؟
لابد أن نفرق بين الإسلام الشعبي، والإسلام الرسمي، والإسلام الإيماني، والإسلام الحضاري، والإسلام الإبداعي، ونمو كل هذه التيارات وتفاعلاتها مع بعضها البعض وارد ولن يبقي منها في المدي الطويل إلا ما ينفع الناس ويمكث فيالأرض.
مستقبل الحركة الإسلامة هو مثل مستقبل أي حركة سياسية جماهيرية أو حتي ايديولوجية حزبية، فالأمر يعتمد علي تطورها وعلي مدي مرونتها وحركية وإبداع من يقوم بتنفيذها علي أرض الواقع، وعلي مدي مسئوليتها عن نفع الناس وحفظ كرامتهم وأمنهم، وإتاحة الفرص المتكافئة، وسوف يختبر الناس من يزعمون أنهم يمثلون الإسلام، وقد يفوتون لهم بعض الوقت، لكنهم إذا اضروهم أو عوقوا مسيرة تقدمهم أو أبعدوهم عن دينهم الحقيقي فسوف يلفظرنهم إن عاجلا أو آجلا بالصناديق أو بثورة أخري.
ـ مامدي تأثير المشهد السياسيي علي تعاملات المصريين ؟
للأسف الشديد نحن لا نعرف أن السياسة تظهر في الشارع قبل مجلس الشعب ومجلس الوزراء، وهي تمارس في المقاهي، وتعاش في المدارس والملاعب دون أن تسمي سياسة، إذا نزلت بلدا ودخلت مراحيض عامة تستطيع أن تحكم علي المشهد السياسي، لو لاحظت كيف تصف العربات علي رصيف واحد أو اثنين بالطول أو بالعرض فأنت تحكم علي المشهد السياسي، المشهد السياسي ليس الآراء المرسلة، ولا التباهي بالنقد والشجب حتي القذف، ولا التركيز علي قضايا دائرية، أو الكلام عن الثأر والانتقام، كل ذلك تخريب ورغي وهو ضد السياسة البناءة، آن الأوان أن يقوم الاعلام بدوره، ثم إن علي كل واحد دون استثناء أن يسهم في لم المشهد السياسي، لصالح بناء الدولة وسيادة القانون، وسوف يظهر كل ذلك في تعاملات المصريين وإنتاجهم وجمالهم.
ـ في ظل الظروف التي نعيشها وكثرة المظاهرات الفئوية بأشكال منها العنيف او السلمي فهل هذه ظاهرة صحية أم تنذر بأمر سيئ ؟
لم تعد هذه المظاهرات هكذا ظاهرة صحية إطلاقا مهما بلغ الظلم الواقع علي هذه الفئات المطحونة،هذه الفئات المظلومة هي أكثر وطنية وانتماء من الذين يطلبون منهم حقوقهم، لكن كل وقت وله أدان، البلد الآن تغيير في حالة أقرب إلي حالة الحرب، وأي تظاهر ولو سلميا يخسرنا الحرب هو بمثابة خيانة في الوقت الحاضر، فعلينا أن نتحمل مسئولية بلدنا، لقد تحمل هؤلاء المظلومون المنهكون الكثير، مع الإهانة فليكملوا جميلهم ويتحملوا بعض ذلك مع الكرامة حتي نستطيع أن نرد لهم حقوقهم.
ـ استطاع الرئيس محمد مرسي في أول خطبة ان يحصل علي إعجاب حتي من لم يصوتوا له ولكن قراره بعودة مجلس الشعب آثار حفيظة الكثيرين ضده، تري هل يستطيع أن يعيد الثقة وينال رضاهم من جديد ؟
مازلت أعتقد أن هذا الرجل يمثل الفلاح المصري ما له وما عليه، هذا فلاح مصري، وطالب نجيب، ومبعوث متفوق، ومتدين متواضع، ورئيس طموح، واستاذ في جامعات أمريكا ومصر وأب وزوج وشرقاوي، ومعتمر وحاج، وقليل الخبرة السياسية، وهو مثل كل خامة مصرية أصيلة يمكنه أن يستعيد الثقة وأن يخلص ويبذل إذا أحسن التعلم من أخطائه وقرأ التاريخ واتسعت رؤيته إلي بقية العالم وأقدر حذره وحذر النتيجة ليس فقط من فصيلة وإنما من كل القوي الخفية التي يعرفها والتي لا يعرفها.
ـ أتري انه من الأوفق الذي يحقق الصالح العام ان تتولي حكومة ائتلافية تضم كل التيارات أم حكومة يتولاها الإخوان المسلمون ؟
سبق أن أجبت في الرد علي حق الحاكم في الاستحواذ حتي تتحدد معالمه، ويمكن أن نحاسبه علي مشروعه ورجاله وأدائه ونتائجه، وأكرر أن الدولة ليست تورتة يقسمها بين الفرقاء، وإنما هي أمانة يقوم بها كاملة من يتصدي لها هو وفريقه حتي يتبين الحق من الباطل، ويستطيع الجميع اتخاذ موقف إيجابي من النقد لا الرفض الجاهز شريطة أن نعد من الآن أسلوب وتوقيت التغيير إن لزم الأمر.
ـ هل نحن فعلا شعب لايستطيع التعامل مع الديمقراطية وإذا كان هذا صحيح فكيف يمكن تأهيلة لذلك ؟
قلت رأيي في الديمقراطية ألف مرة، هذه بضاعة فاسدة، وآلية ملتبسة ولولا أن كل بدائلها افسد منها وأخبث وأخطر حتي الآن، مارضيت أن أسهم في التعامل بها: أحيانا يكون تعاطي الدواء ضروريا رغم أن له مضاعفات خطيرة لمجرد أنك مضطر إلي ذلك، لقد أثبت هذا الشعب الرائع أنه يستطيع أن يتعامل مع الديمقراطية بعيوبها- أفضل من شعوب كثيرة يتباهون بها ولا يكشفون عوراتها بالقدر الذي يحفز إلي البحث عن بديل أرقي وأعمق لتعيش وعي الناس وليس فقط رأي الناس الظاهر الملعوب فيه، بالمال أو بدغدغة الغرائز الدينية أو القبلية أو بالتزييف الإعلامي.
ـ كنا نفخر بسلوكيات الثوار في ثورة يناير ولكن بعدها تفجرت سلوكيات وأحداث فوضي فسرها مرتكبوها بأن الثورة منحتهم الحرية، متي يصل مفهوم الحرية الصحيح للمواطن البسيط وكيف نوصلها اليه ؟
أنا لم أفخر بسلوك الثوار إلا لمدة بضعة أسابيع، بل إنني لم أقبل تقسيم ناس بلدي إلي ثوار وفلول، ولا إلي علمانيين وسلفيين، هذه كلها صفات مؤقتة قفزت إلي السطح، وكان ينبغي أن ننتبه إلي عدم التمادي في تقسيم الناس هكذا، أنا أفخر بأن هذا الشباب الذي لم يذق طعم الحرية الحقيقية في حياته، والذي أهين وأهمل وهمش منذ ولادته، هذا الشباب استطاع بتلقائية ومثابرة أن يتقن الأدوات الحديثة للتواصل، وأن يطلق صرخته بمجرد أن أتيحت له الفرصة، حتي لو كانت بفعل فاعل، فقد انتبه أغلبهم إلي أنه آن الأوان أن يعملوا ما يرد لهم إنسانيتهم وحقوقهم وحقوقنا، وأن عليهم أن يمسكوا بعجلة القيادة، لكنهم حين لم ينتبهوا إلي الطابور الخامس، والمؤامرات المحلية والعالمية، وهم مبتدئون في مدرسة السياسة الملغزة، اختلط الحابل بالنابل وتراجع ما نفخر به من نبل وطهارة وفروسية ليحل محلهما هو ضده من انعدام المسئولية ومواصلة التخريب الذي قد يصل إلي حد الخيانة.
ـ هل متابعة الحوارات ومتابعتها طوال الوقت لها أثر سيئ من الناحية النفسية وبماذا تنصح ؟
الذي يجري في وسائل الإعلام المرئية بالذات، وكذا المسموعة، إلي درجة أقل المقروءة ليس حوارا، ولا هو جدل حي لتبادل الآراء، أغلبها مناقشات عقلية متفذلكة وكأننا أمام مباراة لفك ألغاز شطرنج، يموت الملك في ثلاث خطوات!!، لاحظت المناقش لا يحاول أن يستمع لما يصله من خصمه، أو محاوره، وهو يعجز أن يتقمص احتمال صحة الرأي المخالف، ويضع نفسه مكان من يحاوره، ثم يتصور بمسئولية أخلاقية ووطنية ما يترتب علي رأيه إذ يصل إلي مشاهديه، رأيه من المشاهدين، بدلا من أن يركز علي كيف هي صورته عندهم، بغير كل تلك الشروط يصبح أي حوار أقرب إلي الثرثرة، أو تزجية الوقت، أو ما يسمي طق حنك
أحيانا أعجز أنا شخصيا عن متابعة بعض الحوارات وتلح علي أسئلة مثل: هوه عايز يقول إيه بالضبط؟ طب وبعدين؟ لحد إمتي؟ وغير ذلك،
ـ نسبة الاكتئاب قبل الثورة هل اختلفت بعد الثورة وبعد انتخاب الرئيس، وما أعلي نسبة في الثلاث مراحل؟
رفضت مرارا، ونبهت كثيرا أن الكلام عن مشاعر الناس بلغة أسماء الأمر الأمراض النفسية هو أمر غير علمي، وغالبا غير مفيد، لأنه يختزل أعظم ما في وعي الناس إلي اسم مرض ودمتم، الحزن، وليس الاكتئاب المرضي، هو حقمن حقوق الإنسان الطبيعية، ومن لا يعرف كيف يحزن لا يعرف كيف يفرح، والفرح ليس نقيض الحزن بل هو مكمل له، الحزن اليقظ الشريف هو منبع حيوية العلاقات البشرية الصعبة الضرورية، أما تغير نوع الحزن فهو وارد لأن هناك حزنا سلبيا قبيحا يجرج صاحبه إلي الخمود والسلبية والانسحاب واليأس، وربما كان هذا هو الحزن الغالب أيام القهر والتهميش والاحتقار من الحكم السابق، أما مع بداية الانتفاضة الواعدة بالثورة فقد انتهي هذا تماما، عند معظم الناس، وتفجرت مشاعر رائقة ورائعة، وفي نفس الوقت حذرة ومتوجسة، وأيضا طفلية ورومانسية ومثالية، وكل هذه المشاعر هي بعيدة بشكل أو بآخر عن الحزن الناضج المسئول، الذي كنت أرجوا أن يتسحب بهدوء مؤلم إلي عموم وعي الناس، قبل أن تعم الفوضي وتقفز إلي السطح المشاعر البدائية الغوغائية المخربة تحل محل الثورة، فزادت نغمة اليأس والتيئيس، فتضاعف الحزن السلبي، أما السؤال عن الحزن وعلاقته بانتخاب الرئيس فأظن أن المسألة انتقلت إلي ما يشبهوضع الاستعداد،standby ب انتظارا للخطوة التالية، انتخاب الرئيس في ذاته لم يطمئن، لأنه لم يلحقه ما يدل علي حسم الإعلان عن بدء بناء مؤسسات الدولة الجديدة، خصوصا أن الرئيس شارك في هذا الاهتزاز بتردده وتراجعاته، ومحاولته إرضاء جميع الأطراف بلا مبرر ظاهر، المسألة ليست تقسيم تورتة الحكم علي الفرق المشاركة، وإنما حمل أمانة الناس بواسطة من أعطاه الناس ثقتهم، هذا لم تظهر له معامل، فحل الترقب: إنتظر لنري، محل الحزن كما ذكرت
ـ بماذا تنصح الناس للبعد عن الاكتئاب وهل ستختلف التعليمات التي كنت تنصح بها قبل الثورة عما تنصح به حاليا ؟
أنا لا أحب النصائح المباشرة، ولا أعتقد أن موقفي اختلف عن ذي قبل، كل ما أريد أن أنبه إليه هو أن نرفض حكاية دع القلق وابدأ الحياة، ليحل محله عش القلق الضروري واقتحم به الحياة لتصنعها أفضل، وأن يحل محل الشعارالمستورد أيضا لا تخف شعارنا الأقويخاف وخوف، هذا موقف حواري أقوي، وأنه من خاف سلم، فهذا هو النصح المسئول المتحفز، وأخيرا الخوف من الله واسع، ليكن الله معك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
ـ ماهي رؤيتك للمستقبل المصري وكيف نستطيع تحقيق الرخاء والعدالة الاجتماعية ؟
أنا متفائل رغم كل شيء ولا أحب الكلام بلغة الرخاء في الوقت الحالي ونحن نبحث عن الكفاية، أما العدالة الاجتماعية فهو لفظ قديم فضفاض، نحن نريد العدل اجتماعيا ودينيا وابداعا وحركة، وسوف نحققه وعلينا أن ندفع ثمنه، العدل هو الذي يحقق أهداف الثورة وكرامة البشر عن طريق دولة متحضرة مؤمنة مبدعة، ونحن أهل لذلك.