نشرة الإنسان والتطور
بقلم : يحيى الرخاوى
2001-1980
نشرة يومية من مقالات وآراء ومواقف
تعتبر امتداداً محدوداً لمجلة الإنسان والتطور
17-6-2009
السنة الثانية
العدد: 656
(نأسف بالنسبة للحلقات السابقة فقد كتب ديوان “سر اللعبة” بدلا من ديوان “أغوار النفس” وقد تم تصحيح الثلاث حلقات السابقة)
تشكيلات “الحقيقة”
بقية المتن:
بس والله يا عالَــمْ لمْ قِــدِرت.
لَـمْ قِدِرت آعمَى بْـنَوَاضْرى،
حتى لو كان العمى دا”رَأْسـمـَاَلكْ”،
أو كما سـَمـُوهْ حديثا “مَـشـِّـى حـَاَلكْ”،
يعنى “طـَنّشْ، إنتَ مالـَك”.ْ
لاحظت أننى استعمل كلمة “الحقيقة“ أكثر من اللازم، وهى كلمة نجدها أكثر تواترا فى قاموس الفلاسفة عنها عند العلماء أو الفنانين، وإذا كانت قضية الفيلسوف من بعض نواحيها هى البحث عن الحقيقة، فإن مصيبة المجنون (إن صح التعبير) هى مواجهة الحقيقة فجأة دون استعداد أو إعداد, ويبدو أن ورطة الطبيب هى فى اضطراره إلى أن يشهد هذه المفاجأة رضى أم لم يرض، ولو أمعنا النظر فى مدارس الطب النفسى لوجدناها تختلف بقدر اختلافها فى تقييم هذه الخبرة الإنسانية; “مواجهة الحقيقة الداخلية والمطلقة عارية عادة، أو مشوهة أحياناً أو محّرفَةْ كثيرا”.
1 – فريق يدمغها بالأسماء والأوصاف المرضية السلبية معلنا بذلك أنه ينبغى ألا نستسلم لـ… (أو حتى نصدق) رؤية المجنون، بما أنها رؤية مصنوعة، أو على الأقل لا تستحق، مادام لم يستعد لها بكامل مسئوليته، ولم يقدم عليها بعمق وعيه، إذن فالهزيمة التى اجتاحته من هذه الخبرة هى هزيمة لا أكثر، وبالتالى فهى تضعه حيث وضع نفسه “مريضا شاذا فحسب”،
هذا الفريق يختبيء عادة تحت لافتة رؤية عضوية أو سلوكية ظاهرية، ويكتفى بذلك.
2 – وفريق يعلى من شأنها، ويصفها بألفاظ الاحتجاج والحرية والثورة، ويعزو الهزيمة التى منى بها المريض، إذا رآها، إلى قسوة المجتمع وغبائة، ويفترض أن هذا الموقف رغم سلبيته هو أفضل من “الانضباط الأعمى”، ومن النجاح الأجوف المغترب (على حدّ رأيه)، وهو يتصور بهذا أن هذا التقبل فى ذاته خليق بأن يجعلها خطوة للامام، وليست ضربة قاضية تنهى الجولات قبل بدايتها هذا الفريق له رؤية فنية توصف عادة بأنها رؤية حرة، ويندرج تحت هذه الرؤية – مثلا – الحركة المناهضة للطب النفسى antipsychiatry.. ولكن هذا لا يتعدى الموقف الفنى المثير إلى الموقف العلمى البناء، ولا إلى الموقف الثائر الملتزم، إن مآل هذه الرؤية إذا تمادت هو التسيب السلبى، ومزيد من إجهاض الخبرة الملوّحة.
3 – وفريق ثالث يرى هذه المواجهة فى حجمها القاسى والمؤلم، وموقفها الناقد اللاذع ولكنه لا يعلى من شأنها بقدر ما يتخذ موقفا مسؤولا إزاءها، فهو معها للنهاية، شريطة أن يتحمل صاحبها مسؤوليتها ”معها”، فوظيفة الطبيب هنا أن يقلب الهزيمة نصرا، (لا أن يوقف إطلاق نيران الحقيقة فحسب) وهو فى هذه الرحلة لابد أن يرى المريض من زاويتيين: مرة من خلال فهم واستيعاب ما جرى من حيث أنه رفض العمى والرتابة، ثم يراه مرة ثانية من موقف الحزم حتى اللوم بهدف تحجيم الشطح المحتمل، حيث المرض يعلن العجز عن تحمل حدّة البصيرة ونبض الحس الأعمق، وعلى الطبيب أن يحاول من خلال هذا وذاك أن ينتصر بهما معا فى ولاف أرقى، وياليته يفعل!
محاولة تحديد المعالم:
إن تحديد ماهية ما يسمى “الحقيقة” هنا لا يتعلق مباشرة بما جاء فى المتن، وإن كنت انتهزت الفرصة (1976) لمحاولة تحديد بعض معالمها كما كنت أراها قائلا:
“هى حركية الوعى بالوجود تمتد إلى داخل النفس لتكشف تاريخنا الضارب فى ما وراء الحياة، وتمتد إلى مستقبل التطور لترى روعة التكامل الممتد بلا نهاية، وهى تتصل بالناس عرضا لترى امتداد الفرد فى المجموع وتواضع رحلته الذاتية وضرورة الاتصال المثمر بالناس، وقد نرى هذه الحركية فى لحظة، أو ساعات، أو طوال العمر كله.. فهى المواجهة، أما نتاجها فهو إما الجنون أو الإبداع عموما، متضمنا الإبداع العلمى، وكذلك التصوف (الإبداع الذاتى).
اكتشفت أن هذا التحديد المبدئى الذى كتبته بالنص (تقريبا) سنة 1976، له علاقة وثيقة بما توصلت إليه ونشر بعضه فى هذه النشرات المضطردة التى تنشر حاليا (2009)، مثلا فى نشرة “العين الداخلية”، ثم إنه تطور بشكل مباشر قارب حد محاولة تحقيق فرض: العين الداخلية، وبالذات فى خبرة المرض، وأفضل هنا – مع الاعتذار للتكرار لمن قرأ الحالة – أن أقتطف ما تيسر من حالة “فصامى يعلمنا الفصام” لأنها تبين تشكيلات الحقيقة من واقع مواجهة مريض يستعمل هذه الكلمة بطريقته فيستقبلها الطبيب على مستويات مختلفة وهو يصحح نفسه (هذه المرة: سوف ننشر الهوامش الشارحة التى سبق نشرها منفصلة، بعد مقاطع الحوار مباشرة كالتالى):
من نشرة : 28-4-2009 :
“فصامى يعلمنا الفصام دون أن ينفصم”
….
رشاد: …هو بس أنا عايز أقول إن أنا شايف الحقيقة فى نفس الوقت لما باجى أطلبها بلاقى إن هى مش الحقيقة…
د.يحيى: واحده واحده، أصل الدكتورة (التى قدّمت الحالة) كتبت لنا كلام زى ده، واحنا عايزين نوضحه مع بعض شوية شوية
رشاد: تمام
د.يحيى: انت كل جملة قلتها أو حانقولها حانحاول أنا وانت نعيشها، …………، إنت بتقول أنا شايف الحقيقة بس لما آجى أطلبها بلاقيها مش حقيقة، مش كده؟
رشاد: لأ يعنى، أنا باقول أنا شايف اللى أنا فيه ده حقيقة
د.يحيى: الحقيقة يعنى اللى أنت فيه دلوقتى، أيوه كده، ما توسعهاش قوى
انتبهت أن استقبالى الأول كان تقريبيا وبسرعة، لكن بعد استيضاحه هكذا تبين أن رشاد إنما يعنى بالحقيقة “ما هو فيه” وليس الحقيقة التى خطرت لى، وأيضا تعبير “أطلبها” كان يعنى “أطلبها” من الطبيب، أى يسأل الطبيب عما إذا كانت خبرته التى يعايشها واقعية (هى الحقيقة) أم لا. (وليس يطلبها أى يسعى إلى “سبر غورها” كما تراءى لى فى البداية)
رشاد: ولما باجى أطلبها من أى دكتور يقول لى إنت حاسس كده، ولكن هى مش حقيقة
د.يحيى: الدكتور اللى بيقول لك هى مش حقيقة، ولا أنت اللى بتكتشف إنها مش حقيقة
رشاد: لأ، قعدتى مع الدكتور هى اللى بتبلغنى إنها مش حقيقة
د.يحيى: وهوّا الدكتور إيش عرفه؟ حاجة غريبة خالص!!
رشاد: مش دكتور بقى!؟
د.يحيى: إيش عرفه الحقيقة من اللى مش حقيقة، هوّا ولى أمر الحقيقة؟ إنت شايف الحقيقة زى ما أنا شايف الكوباية دى، مش كده؟
رشاد: آه
د.يحيى: بأمارة إيه بقى الدكتور يقول لك إنها مش حقيقة؟ هو ربنا سلم الحقيقة لشوية ناس وأخذها من ناس تانيين
رشاد: بس معروف إنه دكتور متخصص فى حاجة زى كده
د.يحيى: يعنى هوّا متخصص فى الحقيقة؟ هوه متخصص فى أكل عيشه، وتصليح المايل، والترييح، والدواء والحاجات دى
رشاد: يعنى هى حقيقة؟
د.يحيى: ليه لأه؟
رشاد: يعنى هى حقيقة؟
د.يحيى: مش إنت شايفها؟
رشاد: آه
د.يحيى: تبقى حقيقة 100%، سواء اللى قلته للدكتورة، سواء اللى انت حاتقوله دلوقتى، سواء اللى أنت مش حاتقوله، تبقى حقيقة 100%، بالذات بالنسبة لك، مش لكل العيانين ولا لكل الناس، ده على حد ما وصلنى من كلامك مع الدكتورة، وحتى لو ما وصلنيش أنا باعتبر إن الحقيقة هى اللى انت شايفها، نعمل إيه بقى فى البداية بتاعتى الغريبة الغلط دى؟ غلط قصدى بداية مش معتاد عليها العيان مع الدكاترة، مش كده؟
هذا الأسلوب الذى ظهر فى هذا الحوار هكذا عن “حقيقة” رشاد بفرض انها “حقيقة” فعلا ، وقد تطور معى تطورا خطير عبر عشرات السنين حتى أصبحتُ لا أعتبر أنها مجرد “حقيقته” (حقيقة المريض) أى ما يعتقد، أى وجهة نظره، بل رحت أتبنى أن تكون فى بعض الخبرات الأعمق بمثابة “الحقيقة الأخرى”، من حيث أن المريض يدركها بأدوات حسه الداخلية، فى حين أننى – الطبيب – لا أملك مثل هذه الأدوات بهذه القدرة الكشفية، وحتى إن ملكتها فلا أملك غالبا إلا أن أرى داخلى أنا وليس داخله هو، طبعا هذه ليست قاعدة ولا تنطبق إلا على الهلوسات والضلالات النشطة الحقيقية التى ترصد، أى تُدْرك، بالعين الداخلية، وأقول “تدرك من الإدراك” أى من perception، ولا تنسج فكرا أو خيالا نسبة إلى التفكير أو التخيلThinking أو Imagination
رشاد: تمام.
د.يحيى: نعمل إيه فى الدكاترة بقى ؟
رشاد: لأ الدكاترة بصراحه ممتازين، حرام
د.يحيى: ماشى، بس الظاهر هما مضطرين إنهم ينكروا عليك الحقيقة لمصلحتك؟ همّا ممتازين، صحيح كتر خيرهم، ثم همَّ بيعملوا اللى هما عارفينه وخلاص، هوه حد يقدر يعمل أكتر من اللى هوه عارفه!!
... لا أنصح بأن يمارس أى زميل هذا الأسلوب إلا من يدرك يقينا احتمال صحته، وإلا أصبح تطبيقا لأخطر وأغلط مبدأ يقول “ناخد المجنون على قد عقله” هذا المثل هو عكس ما يجرى فى مثل هذا الحوار المنطلق من الاحترام المطلق لاحتمال أن خبرة رشاد هى “حقيقة” وأحيانا هى “الحقيقة”.
(وهذا هو ما جاء تقريبا فى المتن منذ ثلث قرن)
رشاد: تمام
د.يحيى: عارف الدكتورة (…) قاعدة عاملة كده ليه؟ (تبدو عليها الدهشة)، عشان مش شايفة الحقيقة
رشاد: ليه ؟
د.يحيى: أصل الجماعة بتوع الدوا والفلوس يا رشاد حاطين حاجز بين الدكاترة والحقيقة، ييجى عيان غلبان زيك يقول لهم الحقيقة يقولوا له لأه ، إنت مش شايف، بس عشان الدكتورة بنتى دى يمكن صغنتوطة قامت صدقتك شوية، وراحت مخضوضة، وقالت مش فاهمة ، مش فاهمة، وعرضت علينا حالتك يمكن نفهم سوا.
هذا تفسير ما جاء بالمتن الأصول إنى أعالجه واكفى ماجور عالخبر بكره يعقل بالدواء المعتبر
رشاد: وبعدين؟
د.يحيى: بداية صعبة، معلش
رشاد: لأ لأ، مافيش حاجة، بس نخليها حقيقة؟ يعنى نتكلم على إنها الحقيقة؟
د.يحيى: أنا رأيى اللى ربنا حايحاسبنى عليه إن: “أيوه” ولو كبداية.
رشاد: هى دى الحقيقة؟
د.يحيى: ليه لأه؟ تعرف يا رشاد: أنا كل أمنيتى قبل ما أموت، أنا كبير فى السن شوية كتار، إنى يعنى أوصَّل للناس اللى انت قلته ده، الناس يعنى اللى لسه ماتشوهوش، ما تْلاعَبشى فى مخهم.
رشاد: تمام
د.يحيى: إحنا نبدأ نشوف اللى احنا شايفينه حقيقة، إحنا والناس اللى زينا كده، وبعدين نشوف إيه الحكاية، يعنى بقى يمكن تُفرج، تطلع إنها حقيقة لوحدها وخلاص، أو تطلع إنها جزء من الحقيقة، أو يطلع إن فيه كذا حقيقة، المهم تكون البداية كده
برغم ما يبدو فى هذا المنطق من صعوبة، وكأنه درس فى الفلسفة، إلا أنى لاحظت أن المرضى يلتقطونه أسهل بكثير من الأسوياء العاديين،
(يتفق ذلك مع ما أتى فى المتن الشعرى من أن المريض قد يرى أعمق، مهما تشوهت رؤيته، فنتعلم منه)
رشاد: ياه !!
د.يحيى: لما ساعات عيانين يجولى من كتر الدكاترة ما قالوا لهم زى ما قالولك كده، إنهم غلطانين وكلام من ده، يصدقوا الدكاترة ويكدبوا نفسهم، يقول لك أصل الدكتور قال إن اللى أنا شايفه غلط، قال إنه غلط يبقى غلط، من غير ما يفسروا يعنى إيه غلط ويعنى إيه صح
رشاد: ما هو ده عشان دكتور متخصص
د.يحيى: متخصص فى إيه؟ هوا متخصص فى التخصص بتاعه، مش متخصص فى الحقيقة، مش أحنا قلنا إن مفيش دكتور إسمه أخصائى الحقيقة؟
رشاد: لأ لأ، لأ طبعا
د.يحيى: طيب يا أخى كفاية كده النهاردة؟ أنا لخبطتك
رشاد: لأ لأ إزاى إتفضل
د.يحيى: نعم؟
رشاد: اتفضل إتكلم
هذا التوقف، وعرض إنهاء المقابلة له أهمية خاصة، لاختبار استقبال المريض جرعة الكشف، مع اختلاف نوع الحوار، ومن ثم اختبار رغبته فى مواصلة الحوار، فى مقابل الخوف من التمادى، ثم إن إعلان الطبيب لحيرته هكذا مبكرا، قد يشجع المريض أن يأخذ دورا إيجابيا غير دور انتظار التفسير الجاهز الدامغ من سلطة علوية.
د.يحيى: لو انت مصدقنى، عشان يبقى تصديق بحق وحقيق، مش دهشة وتفويت، أصل صعب يا ابنى إنك تصدقنى، أنا ساعات ما باصدقشى نفسى
رشاد: لأ، لأ، مصدق مصدق إنشاء الله
د.يحيى: نعم؟
رشاد: مصدقك بس كل اللى أنا عايز أعرفه يادكتور يعنى أنا اتحطيت ليه فى المكان ده
د.يحيى: هه؟؟
رشاد: يعنى الحقيقة دى جاية منين؟ حد قاصدها ولا هى جاية لوحديها؟
د.يحيى: طبعا حد قاصدها، بس الحد ده جواك
ابتداء من هنا يبدأ تفسير مباشر لما اعتبره الطبيب حقيقة “داخلية” وليس حقيقة “خاصة”، وهذا ما أسميه “الواقع الداخلى” باعتباره واقعا فعلا يمكن أن يُرى (بالعين الداخلية) أو يسمع (بالأذن الداخلية) …. إلخ.
رشاد: يعنى حد قصدها.
د.يحيى: بس من جواك، من كتر ما أنت مش عارف إنه جواك، والدكاترة برضه مش مصدقين الاحتمال ده، بتروح الحاجات طالعه بره، وترجع لك كإنها جاية من بره، مع إنها مقصودة من جواك
رشاد: مين يعنى
د. يحيى: أظن اسمه رشاد برضه، فى الغالب يعنى.
رشاد: طب إزاى يادكتور ؟
د.يحيى: مش حاقول لك، قصدى مش عارف، مش متأكد، ما هو لازم نقبل إن فيه حاجات كتير حا نشتغل فيها واحنا مش عارفين كل حاجة عنها، بس نشتغل فى اللى اتفقنا عليه، ونركن الباقى على جنب، مثلا لما نقول إن حد قاصدها، يبقى حد قصدها، ما هو يا رشاد ما فيش حاجة بتحصل بالصدفه كده قوى.
لاحظ طرح التفسير باعتباره احتمالا يساعد رشاد أن يقبله، علماً بأنه احتمال فعلا (فرض) لا يثبت إلا جزئيا بفاعليته العلاجية، وليس ببرهنته منطقا مسببا.
رشاد: لأ طبعاً، يعنى هو القاصد “نفسى”، تقصد تقول كده؟
د.يحيى: يعنى إيه نفسى، سبب نفسى يعنى، أنا مش فاهم، يا عم سيبك دلوقتى من كلام الدكاترة، “نفسى” و”مش نفسى”، هو النفسى يعنى مش حقيقة؟ نفسى يعنى بيتهيأ لك قصدك؟ طبعا لأ، حا يتهيأ لك ليه يعنى؟
رشاد: طيب، إمال مين طيب اللى عمل كده
د.يحيى: اللى جواك
رشاد: اللى جوايا؟
د.يحيى: آه، واحد زيك بالظبط، ما هو فيه كتير زيك جواك، إيه المانع
رشاد: ما تبتدى معايا بقى يادكتور
د.يحيى: هه ؟!!
رشاد: باقول ما تبتدى بقى.
…………………
………………..
فى مقابلة تالية، نشرة 26-5-2009
تواصلت مناقشة كلمة “الحقيقة“: كالتالى
د.يحيى: … ما انا صارحتك أهه، ومع ذلك عمال تعيد وتزيد، أنا عايزك تاخد كلامى ده وتربطه بالكلام الأولانى فى أول مقابلة بتاع الحقيقة ومش الحقيقة، اللى انا فهمته غلط فى الأول، وبعدين اتفقنا على إن كل اللى انت عايشه حقيقة، بس محتاج تفسير من الناحية دى، ومن الناحية دى، لحد ما نتفاهم، مش كده ولا إيه؟ إنت من أول لحظة سألتنى ده حقيقة ولا مش حقيقة، وانا قلت لك ما دام عايشه، يبقى حقيقة، ونتفاهم.
رشاد: يعنى حقيقة؟
د.يحيى: إستنى بس، ما هو الاختلاف بييجى بعد كده، أنا باقول لك هى حقيقة من جوه، وانت بتفاصل مرة جوة ومرة برة، حا نقعد نتكلم بقى جوا وبره ولا نعمل حاجة سوا سوا
* * *
ثم بعد انتهاء المقابلة قبل الأخيرة نشرة 2-6-2009 انتهيت إلى الخلاصة التالية،
الخلاصة:
تم التعامل مع رشاد -مثلما ننصح أن يحدث مع معظم المرضى- على أن المسألة لم تعد أن ما يقوله المريض (الذهانى خاصة، والفصامى بوجه أخص) هو “حقيقته”، وإنما هو الحقيقة الماثلة بداخله، أى الواقع الداخلى، ويختلف دور المريض فى تحوير هذه الحقيقة إلى ما هو “حقيقته” بقدر ما تتدخل عملية التفكير (الخيال الذى هو نوع من التفكير) فى تحوير إدراك perception هذه الحقيقة (كإدراك حقيقى للداخل) بتأويلها إلى (ضلالات) أو إسقاطها (كهلاوس) أو إعادة تشكيلها بالخيال (صور خيالية Image)
* * *
عودة إلى المتن بعد ذلك وهو يتصدى لنقد الموقف التسكينى (الإخمادى أحيانا) السائد فى العلاج التقليدى فى الطب النفسى.
بكرة يعقل بالدواء المعتبرْ
شرح على المتن:
الخاطر الذى يتبادر إلى ذهن أى طبيب، وهو موقف إيجابى طبيعى هو أن يبادر بعلاج المريض، خاصة إذا كان المرض جسيما وهو ما يسمى عادة بالجنون (المرض العقلى)، ولا لوم عليه فى ذلك إلا إن المسألة ليست، بهذه البساطة، حيث أن وضع مسافة مهنية باردة بين الطبيب والمريض تحتاج إلى نوع من الميكانزمات العامِيَةْ التى تنشّىء المريض بشكل أو بآخر.
الأصول إنى أعالجـه، واكفى ماجور عالخــبـر”.
”بكره يعقل! بالدواءٍِ الـمـُعتبرْ”.
بس والله يا عالَــمْ لمْ قِــدِرت.
لَـمْ قِدِرت آعمَى بْـنَوَاضْرى،
حتى لو كان العمى دا”رَأْسـمـَاَلكْ”،
أو كما سـَمـُوهْ حديثا “مَـشـِّـى حـَاَلكْ”،
يعنى “طـَنّشْ، إنتَ مالـَك”.ْ
هذه إشارة قاسية إلى النموذج الطبى القمعى الذى يرى المرض حريقا لابد من الاسراع فى إطفائه بالعقاقير حتى لو لم يتبق بعد ذلك إلا الرماد، وهو يسلك لتحقيق ذلك سبيل المبالغة فى استعمال العقاقير، واعتبار المرض النفسى مجرد تغير كيميائى فى المخ وظيفة تحجب الرؤية عن الطبيب النفسى، وترحمه بالتالى من التعرض لتعمق الوعى ومواجهة حقيقة وجوده ذاته كما ذكرت، أما ‘الذى منه’ فهو إشارة إلى سوء استعمال بقية الأساليب السطحية مثل العلاج السلوكى وأحيانا العلاج بالكهرباء (العمياء وليس إعادة التنظيم الانتقائى) والجراحة، وأقول إن كل هذه الأساليب لها فاعليتها وروعتها ووظيفتها إذا كانت جزءا من كل متكامل على مسيرة التطبيب النفسى، أما إذا كانت بديلا عن العلاقة الانسانية أو كانت مجرد خفض للطاقة وتهدئة للثورة فإنها قد تعمل فى عكس الاتجاه الخلاق.
الحلقة القادمة رقم (5) بعنوان: قلت: إعْقَل يا ابْن نـَفـْسِي.
وهذا هو المتن مسبقا كما وعدْنا:
قلت: حاسِبْ ما الـْفـَضـَايحْ والجُرَسْ.
قلت إدّيها عمَى حيسِى، وزوّد فى الحَرَسْ.
نطّّ غَـصـْبـِن عنـِّى، ورّانى إنّـى هوّه.
بس جـــُوّهْ ! ! !
قلت أَخطف نظره عالماشى واغَمَّضْ مِن جديد،
هّيه نظره -واللىّ خَلَقَكْ- لم تَنِيـتْها
بصيت لقيت الزفّه بتلف الضريح لم بطّلت، وتقول مـَدَدْ!!
بـَسّ الـَعـِـماَمةْ اتـْغـَيـَّرتْ:
والحاجات، هى الحاجات الـمِشْ حاجَاتْ.
الطبيب أصبح مهندسْ للعـُقـَولِ
الـَبايْـظَهْ (يعنى .. !!)،
واللى برضه اتْصلـَّـحـِتْ.
(الطبيب دا هوّ انا، مش حد غيرى)
اللَّهْْْ عليهْ، والسِّتْ بـِتـْمسِّى عليهْ!
والشاشةْ، والواقعْ، خـُلاصـْةِ القـَوْلِِ، منظومِِ الـَكـَلامْْ:
آخـِرْ تمامْْ، فـِى حَـلْ مُعـضـِلـَةِ الأنَــــامْ:
”لّما كنا نـَحـْنُ فى عصر الـَقـَلقْْ،
”نستعيذُُ بربّنا مما خلقْْ”،
يبقى لازْمَـنْ كلنا نقلق قوى،
واللى ما يقلقشى لازْمَنْ يِكتئب،
إمّالِ ايـِــهْ…؟!
ثـُمَّ إنّّ اُلأُم لازِمْْ، إِنـّها تْـحـِبّ عـِيـَالـْهـَا
دا لزوم فك العقد إلـلى فى بالها.
فلقد ثبتْْ: إن الـعُـَقدْْ “وِحـْشـَةْ قوى”!!.
هـَذَا الذى قد أَظـْهـُرُه الـْبـَحـِثِ الـفُلاَنـِى،
”لمّا عد التانى ساب الأولانى”.
ثم أوصى: “أنْْ يكون الكــلْْ عالْ.
إذْ لابـُدْ أنّ الـُكوَيـِّسْ:
هـُوَّا أحـْسـَنْ مـِالَّذِى مـُا هـُوشْ كُوَيـِّسْ.
إمـَّاِل ايـِهْ؟”
[هذا برنامج “عفاف هانم”،
بـتسأل حضرة الدكتور فلان]