يحيى الرخاوى طبيب نفسى
نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 5-7-2014
السنة السابعة
العدد: 2500
حوار مع مولانا النفّرى (87)
“موقف القوة”
وقال مولانا النفرى فى “موقف القوة”
وقال لى:
بين ما قام بالقوة وبين ما قام بالقيومية فرق.
فقلت لمولانا:
القوة أشكال وأنواع، وهو القوى، فلا حرج من الفرح بالقوة، ولا ضير من طلب القوة، أما القيومية فقليل من يعرفها ويضعها فى موقعها وقد أكون منهم.
المؤمن القوى أفضل وأحبّ إليه، ولكن فى المؤمن القوى خير وفى الضعيف خير، أنا أحب القوة وأشعر أنها أمانة يحملها صاحبها، وبقدر ما تبلغ يبلغ ثقلها ويعظم تبعتها، لكننى أحب الضعف أيضا فهو محور بشريتى، فرحت فعلا أنه: فى كلٍّ خير.
لم يخطر لى يا مولانا مقارنة بين القوة والقيومية، أنا أحب القيوم ولا أريد أن أبحث عن معنى غير ما يصلنى منه، القيوم هو القيوم، الحى القيوم، قد يوصف إنسان بالقوة، لكنه لا يوصف بشر بأنه قيوم، فما حاجتى أن أعرف أكثر وقد وصلنى ما يكفينى، ثم إنه كان ينبهك يا مولانا لتنبهنا عن الوسيلة أكثر مما ينبهك عن الصفة، فما قام بالقوة قد يكون شرا وقد يكون خيرا، أما ما يقوم بالقيومية فهو الدعم الأقدر والأبقى لحفظ الحياة واستمرار العبادة التى تعمّر الأرض وتنفع الناس فتبقى – لا يمكن أن يوجد فى القيومية شر أو عبث أو ضرر-.
هو سبحانه شديد القوى، وهو القادر المتين، ومنه نستمد القوة الحقيقية التى تصلنى أكثر على أنها العدل، وهو العدل، لكل هذا فقد تعجبت أنه يمكن أن تختلط القوة مع القيومية عند البعض فيحتاجون إلى التذكرة بهذه التفرقة.
مع استمرارى فى النهل من هذا الموقف، رحت أنصت إليك وهو يقول لك:
وقال لى:
قوة القوى وضعف الضعيف من أحكام وصف القوة.
فقلت:
فأطمأننت يا مولانا لترحيبى بالضعف البشرى الرائع لأنه هو هو من أحكام وصف القوة، وتأكدت من فروضى حين جاء ذكر الجهل باعتباره من مظاهر أقوى القوى، وإن كنت لم أتبين على وجهه التحديد المقصود بوصفه أنه “لا يميل”، كما جاء فى مقطع آخر فى نفس الموقف:
وقال لى:
أقوى القوة جهل لا يميل، فمن دام فيه دام فى القوة،
ومن تميل فيه تميل فى القوة.
فقلت لمولانا:
طمأنتنا مرارا على روعة وأهمية جهلنا العظيم، مفتاح المعرفة، ومكمِّل العلم الذى هو ليس ضده، أما أن يرتبط الجهل هكذا بالقوة ويشترط فيه عدم الميل فهذا: جديد، رائع، صعب.
أن تقبل، بل وترحب بالجهل فتمضى فيه وبه تتكشف لك محيطات المعرفة فهذا يحتاج فعلا إلى قوة التحلى بالحيرة والسعى واحتمال الغموض والرؤية المخترقة الظلام والعمى، ليكن هذا هو أقوى القوة، أما أنه لا يميل فقد رحت أتصور كيف يميل الجهل، ربما إذا تصور صاحبه أنه الجهل الذى هو ضد العلم، فإنه لابد أن يميل به الناحية الأخرى، وربما إذا رجحت كفته عنده لدرجة التوقف عن السعى، فكل جهل حقيقى هو رائع يفتح لنا أفقا أوسع فأوسع إلى جهل أروع وأعرف إلى وجهه، فهو بهذا لا يميل حيث يحتفظ بزاوية سهم كدح المثابرة لا تتغير، ليكون هو الأصل دون استبعاد غيره.
لتكن الاستدامة منه وفيه هى مزيد من القوة، ليكن الميل فيه هو أن يكون ميلا فى القوة، فقد بلغنى من هذه العبارة ما يمكن أن أسميه “قوة المرونة”، فلو لم أمِلْ فى جهلى وبجلهى لَتَصَلَّبَ منى وربما انكسر وأنا أكتشف أنه ليس هو، فالجهل الأصيل المرن لا يميل عن القوة وإنما هو يميل بقوة، فأميل فيه بقوة، فيظل مطاوعا يمثل أقوى القوة.
لعله كذلك