نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 14-6-2014
السنة السابعة
العدد: 2472
حوار مع مولانا النفّرى (84)
من: موقف “العبادة الوجهية”
يقول مولانا النفرى فى موقف:
“العبادة الوجهية” (3)
يقول مولانا النفرى:
وقال لى:
صلاة المتهجد بالليل بذر يسقيه ماء عمل بالنهار.
وقال لى:
اللسان يسقى ما بذر اللسان والأركان تسقى ما بذرت الأركان.
فقلت لمولانا:
لا أعرف يا مولانا لماذا توقفت أمام هذا الموقف أكثر من غيره، ربما لأننى فرحت بما وصلنى من تنبيهك لنا – عبر استلهامك من فضل عطائه – لجوهرية وأساسية العبادات الراتبة والأركان. الذين ينبهرون بهذا الشعر الذى يجرى على لسانك استلهاما ويدرجونه أحيانا – بل غالبا – تحت مسمى “قصيدة النثر”، يرسلون رسالة بقصد أو بغير قصد إلى المتلقى المستسهل أو المتعجل أننا فى مجال شعر خالص، الشعر الحقيقى يا مولانا هو ثورة على اللغة باللغة، والخوف من التعامل مع هذا النص الرائع من منطلق نقد الشعر هو أن نتجاوز – دون أن ندرى – موقع وجوهر العبادة الوجهية – مثلا – ومن ثّمَّ بما ذلك نبض الأركان فى الطريق إليه.
أعلنت الأسبوع قبل الماضى فرحتى بالاهتداء إلى مؤشرات تبين لى احتمال العبادة الوجهية وأن تكون الصلاة هى بوابة وواجهة البداية، شريطة ألا تكون نهاية المطاف، وذلك حين ذكر لك بما أنت به فى القيام والركوع والسجود، وهل القيام والركوع والسجود إلا فى الصلاة العبادة الوجهية، ثم هأنذا ألتقط ما يدعم ما ذهبت إليه حين يذكرك فى نفس الموقف بصلاة التهجد أثناء الليل “وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ”، العبادة الوجهية تشمل إذن الصلاة نهارا وليلا ودائما.
فى الأسبوع الماضى رحت أحذر ألا تكون العبادة الوجهية هى غاية المراد أو محطة الوصول، وها هو ينبهنا من خلالك أنها مجرد بذرة لابد لتكون حية مثمرة مورقة: أن تنُبت، ولكى تنبت لابد من أن نسقيها، نسقيها بماذا؟ فيسعفك فتسعفنا بأنه لا يسقيها إلا “عمل النهار”، ما اجمل ذلك وألزمه.
صلاة المتهجد بالليل بذرٌ يسقيه عمل النهار، حين أركز مع مرضاى على أن العمل عبادة وشفاء، يصدقوننى، حتى وإن عجزوا عن التنفيذ، أكثر مما يصدقنى الصحيح الكسلان(وإن صلى وإن صام)، نحن البشر، وفى مصر خاصة أو ربما فى كل الدنيا نحتاج هذه الأيام أن ننثر بذور صلاة تهجدنا بالليل لنرويها بعمل النهار، بإذنه وفضله. هل يا ترى تصل الرسالة لأصحابها؟ لنا؟ هل نقدر على حمل أمانتها؟ فالعبادة الوجهية ممثلة فى الصلاة نهارا والتهجد بالليل ليست تهجدا صرفا وإلا تموت البذور فى موقعها، فهى تحتاج إلى سقيا بالعمل طول الوقت.
لا أريد أحبس “الأركان” فى عبادات معينة فلعلها تشمل ما هو أوسع وأرحب ولعل ما جاء فى نفس الموقف بعد ذلك مباشرة من أن الأركان تَسْقِى ما بذرت الأركان فتتفجر ينابيع الرحمة والحياة.
توقفت أبحث عن ما يبذره اللسان، ألم يقل لك يا مولانا فى نفس الموقف:
اللسان يسقى ما بذر اللسان
يا ترى ماذا يبذر اللسان؟ هل هو يبذر “الحرف” فقط؟ علّمتنا يا مولانا أن نحذر من أن يحل الحرف محل العلم والمعرفة والوقفة والجهل جميعا؟ ماذا يبذر اللسان يا ترى حتى يسقيه اللسان؟
قد يكون اللسان أجهز وأقدر وسيلة فى العبادة الوجهية بوجه خاص، والله سبحانه ما أرسل من رسول إلا “بلسان قومه” ليبين لهم، و”لسان الصدق” هبة ورحمة من ربنا سبحانه وتعالى، وهو اللسان الذى يبشر المتقين وينذر قوما لدَّا، ولقد يسر لنا ربنا ما أراد توصيله لنا بلسان عربى مبين، فبذور اللسان الواعدة تحتاج الاستسقاء من لسان صدق مبين، وبذور الأركان تسقى ما بذرت الأركان، وهنا ننتبه أن ما يتلى باللسان فى الأركان ليس هو كل الأركان، فالجسد ينثر بذوره أيضا، وكذا القلب وكذا الوعى المتصاعد، ولكلٍّ لسانه النابض المتواصل.
وبعد
هل تصدق يا مولانا أننى وأنا أبحث فى عقل عمنا جوجل الجمعى أنه هدانى إلى ما سبقٍ كتبتُهُ فى موقعى شخصيا استلهاما من وحى هذا الموقف نفسه وكان ذلك حين تجرأت فخاطبت ربنا مباشرة فى “حوار مع الله” (نشرة 31-12-2011 “حوار مع الله 43) ولم أكن قد توقفت عند الصلاة كبوابة للعبادة الوجهية، ولا عند التهجد، ولا عند ما يبذره اللسان والأركان فيرويه اللسان والأركان، بل إن استلهامى من هذا الموقف كان قد اقتصر على انتقاء معايشة الروع أثناء الوقوف بين يديه، والتعجب من أوامره “بكتابة القدس المسطور” ومخاطبته “كاتب النور”….الخ.
فلتسمح لى يا مولانا أن أعود الأسبوع القادم إلى ذلك لعلى أنجح فى الربط بين الثلاث استلهامات.