الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (41) : من موقف “المحضر والحرف”

حوار مع مولانا النفّرى (41) : من موقف “المحضر والحرف”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 17 -8-2013

السنة السادسة

العدد: 2178

   حوار مع مولانا النفّرى (41)

من موقف “المحضر والحرف

قال مولانا النفرى فى موقف “المحضر والحرف”

   وقال لى:

اخرُج من العلم تخرج من الجهل

 واخرُج من العمل تخرج من المحاسبة

 واخرُج من الإخلاص تخرج من الشرك

واخرُج من الاتحاد إلى الواحد

واخرُج من الوحدة تخرج من الوحشة

واخرُج من الذكر تخرج من الغفلة

واخرُج من الشكر تخرج من الكفر.

فقلت لمولانا:

ما هذا يا مولانا؟!! واحدة واحدة ربنا ينير بصائرنا حتى نتحمل!!

هذا هو التحَدّى بعينه

لكن ما دمتَ قلته فقد قاله لك

وما دام قد قاله فعلينا أن نتحمل مسؤوليته وأن نغوص فى أعماقه، ألم توصل لنا من خلال ما قاله لك فى نهاية هذه الجزئية من هذا الموقف إلى أن ثم سبيلا إلى أن نخرج من “الغفلة” وأن نخرج من “الكفر”، فماذا هناك أروع من هذا؟ وأكمل من هذا؟ وهل يطلب أى كادح إليه إلا هذا؟!

كل الفقرات – إلا واحدة – كانت تقول: أُخْرَج مِنْ “…” تخرج مِنْ “…”

ولم يقل لك تخرج إلى مَنْ إلا فى الفقرة الرابعة

ها… هذه هى بداية الحل …!! ربما

أنا مستعد أن أخرج من كل شىء وكل خاطر وكل وسيلة وكل آخر، ما دام الخروج هو إلى “الواحد”، وأيضا ما دامت نهاية كل هذه الخروجات هى الخروج من “الغفلة” ومن “الكفر”.

هيا نقرأ رحلات الخروج من “الآخر للأول” ما دمنا اتفقنا على أن روعة الغاية الماثلة لم تظهر إلا فى النهاية، باعتبارها “غاية كل الخروج”، بعد أن وصلنى أنه لا خروج إلا إليه.

***

نرجع فى الاتجاه العكسى واحدة واحدة لعلنا نفك اللغز

ولماذا نسميه لغزا؟، فما دمت قد استلهمته مما قاله لك، فهو ليس لغزا.

ليكن:

  • لكى أخرج من الكفر علىّ أن أخرج من الشكر، فكيف ذلك؟

 لابد أن “الشكر” غير الحمد، الحمد لله رب العالمين، هذه الآية وكل الفاتحة، هى هذه الأية بكل الفاتحة، إذن ماذا؟ الحمد لله، والشكر أيضا لله، لكن لعل ما بلغنى هنا هو أن ثم شكرا آخرا قد يلهينى عن حمد الله، ربما يكون ذلك الشكر على نعمة لم أتحمل مسؤوليتها، أو الشكر الموجه لغيره بعد أن نسيت أنه ليس إلا عبد لله مثلى، فهو وسيلة لما أفاضه علىّ من خلاله، أو لعله الشكر الذى يتجه لمن تفضل علىّ بتقدير شكلى بعيدا عن رحابه، وبمقاييس ليست من حسابه، كل هذا شكر محدود أو فى غير محله، والخروج منه هو خروج من الكفر، ربما الأمر كذلك.

نرجع خطوة أخرى (تذكر: صعودا من الآخر للأول):

 طبعا أريد أن أخرج من “الغفلة”، ما أخبث وأغبى عتمة الوعى حين نتصور أنها الطريق إلى الاقتراب منه ونحن فى ذهول الوجد، الذكر المكرر الشكلى المعاد قد يصل بى إلى هذا النوع من تعتيم الوعى الظاهر، وكأنى فى رحلة إلى وعىٍ باطن وما هو كذلك، بل هو وعى خادع، وبالتالى يكون الخروج منه خروج من الغفلة، الذكر اليقظ المبدع يتجدد مع كل صوت ومع كل لفظ مهما كان هو نفس الصوت ونفس اللفظ، لا غفلة فيه ولا تغييب، ليكن الخروج من هذا النوع الذاهل إلى ذلك النوع التنوعى من الذكر اليقظ الذى يجدد اللفظ لا يكرره، فهو خروج من “الغفلة”، فأهلا به وحمدًا.

  • أرجع – أصعد – خطوة أخرى لأواجه الخروج من الوحدة، فأذكر وأتذكر أنه لا “وحدة” بالمعنى الذى يعانيه الإنسان المعاصر، وأحيانا يفخر به، إلا إذا نسى أو أنسىَ أنه معه ظاهرا وباطنا، داخلا وخارجا، دقيقا وممتدا، إذ من أين تأتى الوحدة وهو معى بى كلى كل ميكروثانية، الله!! أكتشف الآن أن كل من يشكو من الوحدة – بوجه حق أو بغير وجه حق – لابد أنه نسى هذه الحقيقة الأولية البسيطة، دوام الائتناس به ينفى أية وحدة قبل ظهورها، هذا مع التذكرة بأن هذا الائتناس به لا يعنى الاستغناء عن الائتناس بخلقه، العكس هو الصحيح، فالائتناس بخلقه هو طريق إليه، شريطة ألا يخدعنا حتى نحسب أننا لا نحتاج إليه، تتراجع الوحدة حتى تنمحى حين يكون هو ثالث اثنين ورابع ثلاثة وخامس أربعة إلى ما لا يسع كرسيه إلا السموات والأرض، فمن أين تأتى الوحدة!! الخروج من الوحدة هو الخروج إليه فهو أكيد الوجود ودائم الحضور، فهو خروج من الوحشة، سواء كانت وحشة بسبب الانفراد بالذات أو وحشة نتيجة نسيان الواصل الأعظم بينا وبين بعضنا طول الوقت.
  • وصلتنى الخطوة التالية صعودا إلى أول الوقفة اسهل وأوضح:

 “فالاتحاد” التصاق قد يتجمد على ما هو عليه، أما “الواحد” الأحد فهو جمّاع الكل فى واحد بحركية دائمة دائبة مبدعة متغيرة كادحة إليه، التقطتُ أنفاسى أخيرا وأنا أخرج من الاتحاد إلى الصمد لم يكن له كفوا أحد.

حين وصلنى هذا المعنى أسلس، وأهدأ، لم أعد أفزع من تكرار الأمر بالخروج.

  • أما أن خروجى من الإخلاص يخرجنى من الشرك، فقد كنت أحسب أنه لا إخلاص إلا لوجهه، وأن فى هذا الاخلاص خلاصى، لكن يبدو أن ثم إخلاصا آخر قد يخدعنى حين أتوهم أننى أخلص إليه فى حين أننى لا أخلص إلا للوسيلة إليه، أو إلى اسم يحل محله، أو إلى حرف يدق فى وصفه، كل هذا قد يكون مدخلا لهذا الشرك الأخفى من دبيب النملة، فهو الشرك لو أننى لم ألتفت إلى احتمال حضوره طول الوقت فى كل وسيلة وكل اسم وكل حرف طول الوقت، وعلىّ اذن أن أخرج من أى إخلاص لأى من ذلك حتى لا يحول بينى وبين الإخلاص المطلق، فهو الوحيد، وهو لا إله إلا هو، وليكن خروجا خالصا من كل شرك حتى لو كان أخفى من دبيب النملة.
  • لا أريد أن “أخرج” من العمل، ولا أعرف ما هى العلاقة بينه وبين المحاسبة، إلا تذكرت كيف أنه من أغرب وأخبث ما طرأ على العمل مؤخرا (أو من قديم، لا أدرى) هو أنه أصبح هدفا فى ذاته له حسبة مستقلة عن ما وقر فىالقلب ليصدِّقه، إن هذا أو ذاك لابد أن ينحرف بالعمل عن غايته، من هنا – كما وصلنى الآن – يكون خروجى من مثل “هذا” العمل هو خروجٌ من هذا الانفصال عن الأصل بالمحاسبة التى تخايلنى أحيانا لتبدو أنها هى فقط منبع العمل ومصبه، فيبدو أن علىّ أن أنتبه ألا يكون العمل الذى أكرر كثيرا كم أقدسه هو حسبة بعيدة عنه، وإلا فهو للمحاسبة وليس لوجهه، فوجب الخروج منه ومن المحاسبة لأجد نفسى لا أعمل إلا لوجهه.
  • وأخيرا نعود إلى الخروج من العلم، وكم علمتنا يا مولانا من خلال ما أوصاك به، كيف أن العلم الذى ضده الجهل هو الخدعة الكبرى، بل والشرك أحيانا، وكيف أن الحرف الجاف فى ذاته لذاته هو الوثن الأخبث، هنا تعود بنا إلى هداية مكملة نصالح بها العلم الحقيقى الذى يخرجنا إلى الجهل، فهو يخرجنا إلى ما يكمّله ولا يتم إلا به، إلى الجهل المعرفى الذى هو ليس ضده (ليس ضد العلم الحقيقى).

……..

أنا ألهث يا مولانا فأعذرنى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *