الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (36): من موقف “معرفة المعارف”

حوار مع مولانا النفّرى (36): من موقف “معرفة المعارف”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 13-7-2013

السنة السادسة

 العدد: 2143

 

 حوار مع مولانا النفّرى (36)

من موقف “معرفة المعارف”

وقال مولانا النفرى فى موقف “معرفة المعارف”

   وقال لى:

              لمعرفة المعارف عينان تجريان عين العلم وعين الحكم،

             فعين العلم تنبع من الجهل الحقيقى وعين الحكم تنبع من عين ذلك العلم.

              فمن أغترف العلم من عين العلم أغترف العلم والحكم،

             ومن أغترف العلم من جريان العلم لا من عين العلم نقلته ألسنة العلوم وميلته

              تراجم العبارات ولم يظفر بعلم مستقر

             ومن لم يظفر بعلم مستقر لم يظفر بحكم.

فقلت لمولانا:

أحيانا يصلنى يا مولانا ما قاله لك عن احتمال تزييف العلم، فأزداد حذرا من الانبهار بالعلم، خاصة العلم الذى يسمى علما حديثا، ذلك الذى يضعه البلهاء منا ضد الجهل على طول الخط، ويقدسونه، فنحرم فضل العلم الحقيقى، وفضل الجهل والغيب وجهاد السعى والكدح،

لكنك تعود اليوم يا مولانا تبلغنا ما قاله لك عن فضل العلم وكيف علينا أن نغترف منه ولكن بحذر وانتقاء ومسؤولية.

بصراحة لا مخرج من هذه الحيرة إلا بالرجوع إلى البداية التى اتضحت لى منك عنه شيئا فشيئا حتى صارت أساس النور الذى أهتدى به إلى ما هو أصلح إليه ولنا،

هذه البداية هى أن العلم ليس ضد الجهل والجهل ليس ضد العلم.

ثم يصلنى الآن منك – عنه – هذه التفرقة بين عين العلم وجريان العلم وألسنة العلوم، ثم إنك تشير أيضا إلى “العلم المستقر” الذى يؤدى بمن يظفر به إلى حكم مستقر.

بالله عليك – يا مولانا – إذا أنا فحصت هذه الرسائل المتداخلة وحاولت أن أطبقها على ما يصلنى – يصلنا – هذه الأيام مما يسمى “علما” كيف يكون الموقف؟ وهل سوف يسمح لى هؤلاء “العلماء” الجهابذة! أن أنطق حتى بلفظ العلم أصلا فى مؤسساتهم؟، أم أنهم سوف يتهموننى بالهرطقة والخروج عن تعاليم كنيستهم، لو حاولت أن أبلغهم أن علمهم ليس هو العلم الأوحد، ولا هو العلم الأحكم، وأن تراجم العبارات إنما تشير إلى عجز الحرف عن احتواء الحق، فهى تميل بهم حتى لا يظفروا بعلم مستقر؟

نرجع إلى نص هذه المقولة اليوم فنقرأ “العين” على أنها “ينبوع ينبع من الأرض ويجرى”، فتحضرنى الجنتان اللتان“فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ” ، ولا أتوقف عندهما، هاتان العينان لا ينفذ عطاؤهما، وهما متكاملتان، وفى نفس الوقت يزداد كمال كل منهما بالنقصان، كلما نهلتَ منهما فاضتا أكثر.

أنتقل بعد ذلك إلى المكافأة “بعلم مستقر” فيقلقنى ما قد يصل للعامة من كلمة “مستقر” فأتذكر وأذكّرهم بما سبق أن حاورتك فيه يا مولانا فى موقف “المحضر والحرف” حين عرجت إلى ما قاله لك من أن “العلم المستقر هو الجهل المستقر” وهناك انتبهتُ، ونبّهتُ، كيف وصلنى هذا الاستقرار على أنه الاستقرار الحركى، والتوازن النامى أبدا، فهو ليس الاستقرار السكون، ولا الاستقرار الوصول.

ثم نعود إلى مائدة اليوم فيصلنى كيف يتدفق العلم من الجهل الحقيقى وهذا ما يجعله علم حقيقى، والعلم الحقيقى له عين وله جريان وله ألسنة، ويبدو أن عين العلم تقع فى بؤرة الدراية قبل وبعد ودون اختزال إلى “ألسنة” تجرى بها، مع ضرورة الألسنة فى موضعها، فإذا ما وصلنا إلى بؤرة الدراية ونحن نغترف من “عين” العلم، ونحذر من الوقوف عند ألسنته، أو الميل مع جريانه، فهو الحكم، والحكم ليس أحكاما تصدر ولكنه بؤرة البؤرة دون حاجة إلى ألسنة.

صعب يا مولانا كما تعلم لكنه يستأهل

صعب أن أرى جريان العلم ولا أغترف حتى لا يلهينى عن عين العلم

وصعب أن أرى تراجم العبارات ولا أقف عندها وأتباهى بها

لكن من أراد مواصلة السعى والكدح: عليه أن يغترف من كل ذلك وهو يواصل نحو المركز إلى المحيط، يتمحور حوله: حتى يظفر بعلم مستقر فى حركة، فيظفر بحكم له نور وبركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *