نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 30-3-2013
السنة السادسة
العدد: 2038
حوار مع مولانا النفّرى (21)
من موقف “الصفح الجميل”
يقول مولانا النفرى:
وقال لى:
حكم الأقوال والأفعال حكم الجدال والبلبال.
وقال لى:
حكم الجدال والبلبال حكم المحال والزلزال.
فقلت لمولانا
عرّيت يا مولانا، من خلال ما قاله لك: العلم: والمعرفة وحتى الوقفة كنظام الوقفة ثم هاأنت ذا تعرى لنا الأقوال، فأقول هذا هو فما أكثر ما أبعدتنا الأقوال عن الأفعال، وإذا بك، … به، تعرى لنا الأفعال أيضا، فماذا يا مولانا يتبقى لنا نتحرك به ونتعارف من خلاله ونتفاهم ونتبادل، أى أقوال يا ترى؟ كل الأقوال؟ وأى الأفعال؟ كل الأفعال؟ وكيف نميز بعضها عن بعضها.
ولكننى نسيت أنك إنما تنقل لنا ما يصلك، الحمد لله رب العالمن، الآن فهمت معنى أكثر وضوحا للجدال الذى نهى عنه ربنا فى الحج جنبا إلى جنب مع الرفث والفسوق، طيب فما حال البلبال، هو الوسوسة السوداء والربكة العشوائية، لكنك يا مولانا لا تتركنا حتى نستوعب هذه الصدمة، فتنقلنا وقورا إلى ما أبلغه إياك عن مزيد من أوصاف الجدال والبلبال وأنه حكم المحال والزلزال، الأقوال المحال هى ما لا يمكن تحقيقه أو التحقق منه والأفعال الزلزال هى الأفعال للأفعال: تفكك ولا تعيد التشكيل.
حمدت ربى يا مولانا أننى سمحت لنفسى بالانتقاء مما قاله لك، وهأنذا أعترف أن الأكثر هو ما لا يصلنى، فشعرت أن هذه النقلة أنقذتنى من التعسف والاختزال وادعاء ما لا أعرف، ومع ذلك فكلما انتقيت قولا بدا لى سهلا من موقف بدالى واضحا، سرعان ما أجد التحدى مائلا، فأرفض التراجع مثل الآن.
وصلنى أن الأقوال التى تنتهى عند الأقوال، مثل المناقشات والمناظرات والحجج والبرهان كتابة ومشافهة وهى التى تعتمد على التدليل والافحام تصبح غاية فى ذاتها، فهى مضيعة، ليست وسيلة لما بعدها، لا هى التى تنبض بما فى عمقها، ولا هى التى تحمل المسؤولية التى تترتب عليها، فهى مضيعة للوقت ومركب للاغتراب تعطل طريقنا إليه، يارب لا يكون بريد الجمعة من هذه الأقوال.
تعلمت بعض ذلك من ممارستى العلاج الجمعى بالذات فى “هنا والآن” طول الوقت، هذا التركيز فى اللحظة الآن يكاد يسحبنا حالا إلينا إليه يحمينا تماما من اللامعنى، نحن نبدأ الجلسة بسؤال “مين اللى عايز يشتغل” (وليس مين عايز يتكلم أو يحكى) الدعوة “للشغل” غير الدعوة “للكلام” لكنك يا مولانا لم تدعنى أهنأ باكتشافى فخشيت أن يدرج حتى هذا الشغل الذى هو فعل وتفاعل الجماعة فى “هنا والآن”، أن يدرج فيما هو “أفعال” فيتساوى فى الضياع مع الأقوال فى كونه بلبال أو محال أو زلزال، لكن أبدأ، أنا أكاد أكون على يقين أن الشغل فى “هنا والآن” هو بعيد عن الأقوال وعن القيل والقال، وأن به عمق آخر يرتقى به إلى مرتبة ينفى عنها هنا الاحتمال، ما وصلنى من هذه الخبرة طوال أكثر من أربعين عاما هو أن روعة “هنا والآن” هى ما تمنع الأقوال أن تنتهى فى الأقوال، وهى ما تمنع الأفعال أن تقتصر على الأفعال، فيتبقى من آثارها ما يتبقى مهما كان ضيئلا، وتبدأ مسيرة التنشكيل إليه مهما كان متواضعا وغير معلن، حتى لصاحبه فيواصل الطريق، فنواصل الكدح إلى المعرفة فالوقفة دون أن يسمى أى من ذلك ذلك.
يا رب سترك
الله أعلم