الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (17) موقف “الاختيار”

حوار مع مولانا النفّرى (17) موقف “الاختيار”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 2-3-2013

السنة السادسة

 العدد: 2010  

 حوار مع مولانا النفّرى (17)

موقف “الاختيار”

مقدمة:

الآن، اليوم حالا، تأكدت من عجزى عن الإلمام ولو ببعض ما قاله سبحانه لمولانا النفرى!! وضعنى خيار “الانتقاء” الذى سمحت لنفسى به فى مأزق إعادة التعرف على قدراتى وسط هذا المحيط من النور الظلام إلى النور الغيب إلى النور الجهل إلى النور ليس كمثله شىء، قدرات على قدر حالها، فحمدت الله أننى توقفت باكرا عن مخاطبته مباشرة وأنه هدانى إلى هذه المحاولة الأكثر تناسبا مع ضعيف مثلى، وأمِلتُ أن أحاور مولانا فيما أستطيع وليس فى كل ما قاله له، وذلك بعد أن داخلتنى الوساوس والشكوك حول مصداقية النقل من الشفاهية إلى الكتابة ومن الكتابة إلى النسخ، ومن النسخ إلى الطباعة، ناهيك عن النقل من القلب إلى اللسان، ومن اللسان إلى العقل الأول، ومن العقل الأول إلى العقول الكثيرة تتجمع نحو الوعى الأوحد المتخلق أبدا.

رحت أقلب اليوم لأختار ما يصلح للحوار مع مولاى، وتجنبت مغامرة “القُرعَة” التى مارستها الأسبوع الماضى، فإذا بأغلب ما تقع عليه عيناى لا يصلنى بما يسمح لى بحوار، فاستسلهت، واستغفرت، وانتقيت من موقف الاختيار ما يلى:

من موقف “الاختيار”

قال مولانا النفرى أنه:

قال لى:

ما لى باب ولا طريق.

فقلت لمولانا النفرى

إذن ماذا؟ إذن ماذا يا مولانا، كنت قبل أعوام كثيرة أفرح بالتفرقة بين الشريعة والطريقة والحقيقة، كان ذلك تذكرة صوفية، وأنا لا أعرف الصوفية، ولا أنا أنكر فضل الذين يتصفون بها، ولا أعتبرك يا مولانا صوفيا بالمعنى الذى يرددونه، لست أدرى لماذا، أنا أحب صفة “العارف” أكثر من صفة الصوفى، وأعتبر ما يسمى صوفية، أحدى قنوات المعرفة، لا أكثر، ثم ها أنت تهز هذه الصفة أيضا مع أننى كنت قد أصبحت أفضل المعرفة باتساعها،و آنس لها عن “العلم”، خصوصا العلم المؤسسى، وشجعنى هذا التوجه اكتشافى الجديد لعطاء العلم المعرفى بكل تجلياته وخاصة العلم المعرفى العصبى، ثم إنى أحببت كلمة “إقرأ” أول ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أحصرها على القراءة (والكتابة) بل امتدت بى إلى البصيرة بالخارج والداخل إذِ اقترن أمر الله لرسوله الكريم بالقراءة أن تكون “باسم ربك الذى خلق”، كلما وصلت يا مولانا من وحى ما قاله لك إلى وسيلة أخرى تهدينى إلى كدح آخر عرَّيْتَها يا مولانا، أو عرّاها لك فتعرَّت، ماذا أفعل؟

إذا كان ليس له باب ولا طريق، فما السبيل إليه؟ ولا حياة إلا بسلوك السبيل إليه؟!! إذا كان له باب فهو باب يؤدى إلى باب إلى باب إلى باب فهو ليس بابا، وإذا كان له طريق، فهو “لا طريق”، فمن ناحية: كل الطرق تؤدى إليه، وكل الساحات تؤدى إليه، وكل الأنفاس تؤدى إليه دون استئذان أصحابها، إذن فهى ليست طرقا أصلا، حيث لا يكون الطريق طريقا إلا إذا كانت له أبعاد توصل غاية محددة، أما إذا اتحدت الطرق فى ساحة رحمته كل الوقت، كل الثوانى، كل أجزاء الثوانى كل الأمكنة كل الاتجاهات، فهى “لا طريق”.

هذا ما وصلنى من أنه:

ليس له باب ولا طريق

حضوره لا يحتاج أن نطرق بابا أو أن نستأذن

وهو أقرب من أن نسلك إليه أى طريق

هل هذا هو ما قاله لك يا مولانا؟

 أنت تعلم يا مولانا أننى غصت فى محيط “الإدراك” منذ شهور، وإذا بى أكتشف المزيد عن مساحة العقول الأخرى، والقلوب الأخرى، ومستويات الوعى الأخرى، وإذا بى أتعرف على الحركة أكثر فأكثر،  وعلى العملية تلو العملية فيتراجع المحتوى دون أن يختفى، ويخجل “التفكير” من فرط غروره السابق، وقد يعتذر،  فلا أقبل عذره، لأنه يقوم بواجبه فى حدوده، لا مانع.

أحسن الإنصات إلى المادة الحية، وغير الحية وهى تسبّح بحمده، فأفهم كيف أنها لا تطرق بابا ولا تسلك طريقا، لا تحتاج إلى باب أو طريق فلماذا نحتاج نحن لهذا أو ذاك،

 تعلمت وأنا أعوم فى محيط الإدراك الكثير عن عظمة ما يحدث أثناء النوم، دون إلهام بمحتواه وإذا به يقول لك هنا فى نفس هذا الموقف “موقف الاختيار”.

وقال لى:

نم لترانى فإنك ترانى، واستيقظ لتراك فإنك لن ترانى. 

فقلت لمولانا النفرى

ما أحلى دعاء النوم عندنا يا مولانا:

“باسمك ربى وضعت جنبى، اللهم إن قبضت نفسى فاغفر لها وإن إرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين”، الذى يكتمل بدعاء الاستيقاظ “الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتنى وإليه النشور”.

 هل يكون الموت يا مولانا هو نوم آخر؟ هو شعر آخر؟ هل نموت لنراه فنراه، ثم دعنا نأمل أن نستيقظ لنراه أيضا! هذا أصعب لأننا متى استيقظنا فإننا غالبا ما نُشغل بنا، لا به، فهو ينبهك يا مولانا – لتنبهنا – أنك إن استيقظت لتراك، فلن تراه، أما إذا استطعت – استطعتنا – أن نحتفظ ببعض ما كان أثناء النوم ولم تلهنا أنفسنا عنه، فهو سبيل آخر للطمع فى رحمته.

ما أصعب الصعب حتى بعد اللجوء إلى الانتقاء.

بعد أن انفرج مأزقى اليوم بهذا الانتقاء الهادئ، وأنا أختم حوارى معك قفز لى من نفس الموقف ما قاله لك يا مولانى  فى وسطه تقريبا أنه:

وقال لى:

إذا تكلمت فتكلم وإذا صمتَّ فأصمت

فقلت لمولانا النفرى

فقلت أضيف  هذا القول إلى ما وصلنى اليوم دون تعليق، لعل من يحتملنا يكتشف كيف أنه حين يكون الكلام كلاما، ويكون الصمت صمتا، لا نحتاج إلى باب أو طريق،

ثم إنه لا يقلل من قيمة ما يحدث فى النوم أنه يجرى بلا كلام كالكلام، وبدون صمت كالصمت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *