نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 22-8-2015
السنة الثامنة
العدد: 2913
حوار مع مولانا النفّرى (146)
من موقف: “عهده”
الليل والنهار يتخلّقان – بإرادته – باستمرار!!
منذ أربع أسابيع يا مولانا، – وأنت لا بد تذكر- فوجئتُ حين قلت لنا كيف أنه قال لك فيما قال (فى موقف وأحل المنطقة)
وأنا مُـليِّل الليل ومنهِّر النهار
توقفت فرحا حذِرا يا مولانا، ودعنى أعيد ما قلت لأننى لاحظت أن أحدا من أصدقائنا لم ينتبه إليه، قلت:
“فأفرح بهذا التعبير النادر، فالليل ليس كيانا قائما بذاته يتبادل مع كيان النهار المنتظِر دوره، ولكنه نبض إيقاع تبادل الوعى بفضل خالقه ومجدده باستمرار، وكذلك النهار”
ثم أردفتُ:
وحين تخبرنا أنه قال لك أنه “مليّل الليل، ومنهّر النهار”، يصلني أنه هو الذى يجعل الليل ليلا وهو الذى يجعل النهار نهاراً، وبالتالى هو خالق قانون النبض الحيوى الأساسى فى تنظيم الكون الأكبر والكون الأصغر وما بينهما، ومع بعضهما البعض.
الليل والنهار هما الدورتان التى يتخلق منهما كل إيقاع يوماوى circadian،
نحن لا نتسلم الليل والنهار كيانين زمانيين يتبادلان الأدوار،
تماما كما أن النوم واليقظة هما طوران فى إيقاع حيوى متجدد، (وأيضا دورات الأحلام داخل النوم)، كلها دورات تتخلق بفضله وقدرته باستمرار، فنتخلق من خلالها من جديد باستمرار.
حين ربط لك (كما ذكرنا الأسبوع الماضى) كيف أن الأبد (الذى هو وصف من أوصافه) قد سبّح له فخلق من تسبيحه الليل والنهار، استبان لى أكثر ما ذهبت إليه مما وصلنى من تعبير “مُليّل الليل، ومنهِّر النهار”.
ثم ها نحن نتعلم من هذا الموقف ما يضيف أبعادا أوضح لحركية ما هو ليل، وما هو نهار فى ما هو إيقاع حيوى على طول المدى.
حين قلت لنا ما وصلك حدسا أنه جعل الليل والنهار سترين على الأفكار والأسرار، اطمأننت بما تفتح لى فى هذه النشرات فى مكان آخر (أمكنة أخرى) مثلا: فى محيط الإدراك المعرفة، والقلوب العقول، والأفئدة التى ترى وتسمع، ولكن دعنا يا مولانا نستمع للنص أولا:
“الليل والنهار ستران يدوران على جميع من خلقت
وقد اصطفيتك فرفعت السترين لترانى”
قد يستطيع المتعجل أن يفهم كيف أن الليل ستر، ولكن كيف يكون النهار سترا، إذن لا بد أن هناك معنى آخر لما هو ستر فى هذا المقام، معنى لا يتضح إلا إذا توقفنا وأمعنا النظر فى دورات الإيقاع الحيوى، فلا بد أن الستر هنا إنما يعنى حركية ما وراء الطور الظاهر من هذا التبادل الإيقاعى المنتطم، بما يحويه ويعتمل فيه ويتشكل به ومعه، يسلم ويستلم للطور المكمل له وهكذا،
فضل من الله ولطف ورحمة ألا ينكشف لنا كل ما بنا، وكل منا يحمل موجز الأكوان طولا وعرضا معا،
هذا فوق ما يطيق بشر وحده، فلا بد من ستر ليس فقط على ما يحدث بالليل، ولكن أيضا على ما يجرى، – ونحوى- بالنهار.
هل يجرؤ أى منا أن يرفع الستر تلو الستر، وأن يتحمل مسئولية ذلك؟،
وهل يستطيع إذا شاء؟
أما من اصطفاه خالقه فرفع السترين، ولو لبعض ثانية، فقد رآه، ليكون هذا الجزء من الثانية هو كل شىء وكل زمن، وكل حق، وكل أبد
فوجبتْ الوقفة، ولو لهذا الجزء من الثانية، وإلا اختطفه كل كون،
ألم يلحق بهذا قوله تحديدا:
قف فى رؤيتى وإلا اختطفك كل كون
خيل لى أن علامة الرؤية يا مولانا هى استيعاب دورات الليل والنهار بفعل خالقهما “معا” فى كلٍّ بلا زمن، أى فى ما هو “ابد”،
ألم يبدأ هذا الموقف فى فقرة باكرة (الثالثة) بقوله لك:
مقامك هو الرؤية
وهو ما رأيت من ورود الليل والنهار
وما رأيت من كيف ورود الليل والنهار
وإنى أرسل هذا رسولا من حضرتى
وأرسل هذا رسولا من حضرتى
وكيف مددت الأبد
وكيف أرسل بالنهار وكيف أرسل بالليل
فقد رأيت الأبد
ولا عبارة فى الأبد
بهذا التحذير الطيب أنه “لا عبارة فى الأبد” نتذكر كيف أن الأبد – وهو وصف من أوصافه- حين سبّح له، خلـَقَ من تسبيحه الليل والنهار.
تصلنى قوة، ورهبة، وروعة، وروع مقام الرؤية بعد رفع الستائر، بما يحمل ذلك من احتمال استيعاب الإيقاع، وربطه بأصله، ومواكبة دوراته، فأفهم أعمق تعبير أنه “لا عبارة فى الأبد”، وأتوقف، لأن كل تعبير عن الرؤية، أو مع الرؤية، هو اختزال لما لا يوصف، وتعيين لما لا يتعين.
ما كل هذا الفضل الذى حظى به من جاهد حتى اصطفاه ليتحمل رفع الستائر؟ وما كل هذا الخطر الذى يمكن أن يعاينه هذا المصطفى الذى رفعت له الستائر؟
أحترم التحذير
فأتحفظ على كل عبارة تحمل أى احتمال إجابة
فلا عبارة فى الأبد