نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 11-4-2015
السنة الثامنة
العدد: 2780
حوار مع مولانا النفّرى (127)
موقف الصفح الجميل
وقال مولانا النفرى:
وقال لى:
الراغب فى الدنيا هو الراغب فيها لنفسه
والراغب فيها لنفسه المحتجب بها عنى
القانع بها منى.
وقلت لمولانا:
أنا أحترم الدنيا ولا أضعها نقيض الآخرة إلا فى سياق يفيد ذلك تحديدا،
الدنيا دار خلقها الله لعباده يبدأون منها إلى وجهه تعالى
الدنيا هى مجال للتعمير وللسعى الجاد الخالص لما يتخلق منها وإلى ما بعدها إليه،
الله وعد أن يؤتى ثواب الدنيا لمن يريده وأن يؤتى ثواب الآخرة لمن يريده فهل بعد ذلك كرم ورحمة؟!
تعلمنا من واقع حمل الأمانة، وعظم المسئولية أن لكل “ماذا” أو لماذا؟: “إذن ماذا”؟، وبالتالى فالله يعطينا ما نريد لنحمله إلى غايته وناسه.
هذا إلزام لحاملى الأمانة أن يحدد كل إنسان تصدى لحملها موقفه من ذلك: عليه أن يجيب نفسه: إلى أين؟ وإلى من؟، فإن كان راغبا الدنيا لنفسه، فقد عمِىَ وخسر، إذا احتجب بها، عنه وعنهم، أى أنه إذا قنع بها أو استزاد منها طمعا، فقد ضل سواء السبيل.
أما الذى يرغب الدنيا لتزيده قدرة على العطاء، وعلى الكدح وعلى النفع فهى طريق إليه.
هذه الرغبة فى الدنيا للدنيا أو الرغبة فى الدنيا كمحطة نهائية إلى نفس راغبها والتى اسميها “الدنيا بالاحتكار للاحتكار” هى نقمة لا مزية، بل لقد استلهم مولانا من ربه أنها عقوبة بالغة يعاقب بها الله المذنب بأن يرغبه فى الدنيا للدنيا، فهو يقول ما وصلنى فى نفس الموقف أنه “أغضب ما يغضبه”:
وقال لى:
الذنب الذى أغضب منه هو الذى أجعل
عقوبته الرغبة فى الدنيا
والرغبة فى الدنيا باب إلى الكفر بى
فمن دخله أخذ من الكفر بما دخل
وقلت لمولانا:
إلى هذه الدرجة يا مولانا تكون الرغبة فى الدنيا للدنيا عقابا وبابا إلى الكفر حتى يتناسب العقاب مع مقدار الدنيا التى يستحوذ عليها الغافل عن غضب الله، وكلما زاد قدر احتكار الدنيا للذات دون خلق الله زاد قدر الكفر “أخذ من الكفر بما دخل”!!
هذا التناسب الطردى بين قدر الدنيا المحتَكَرَة وقدر الكفر الذى نغوص فيه هو تنبيه جيد لمن ينسى أو يتناسى، وإذا كان الله بفضله يؤتى كلاًّ منا ما يطلب فإنه يحمِّله فى نفس الوقت أمانة توصيله لأصحابه، ومن ثم تعمير هذه الأرض والسعى إليه
وما أصعب ذلك، وأشرفه، وأكرمه.