نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 28-3-2015
السنة الثامنة
العدد: 2765
حوار مع مولانا النفّرى (125)
مزيد من موقف “المحضر والحرف”
وقال مولانا النفرى أنه:
وقال لى:
الحرف مكانُهم بما به بدا
والحرف علمُهم بما عنه بدا
والحرف موقـفـُهم لما له بدا
فقلت لمولانا:
توقفت يا مولانا عند حروف الجر هذه، وأعتقد أننى سبق أن حدثتك عن علاقتى بحروف الجر، وأننى لا أقبل – بسهولة- أن تحل محل بعضها البعض كما يزعمون، فإن لم أكن قد فعلت، فهأنذا أفعل، “به” غير “عنه” غير: “له”.
o المكان يملؤه شكلً مَا، فإذا وصلنى الحرف باعتباره ليس أكثر مما خطه القلم أو نطقه اللسان فى المكان، فقد دل موقعه ورسمه على معناه المحدود، ربما فى معجم أو تفسير، فإن اكتفيت به رسما يملأ المكان فهذا هو غاية دوره، ومنتهى معناه (وليس الوسيلة إليه).
o الحرف يا مولانا إذا تجاوز رسمه ليفيد معلومة أكبر، ورسالة أقدر، وربطا أدق، صار كلاما مفيدا، أو عِلْماً يقول، فهو يكشف عن ما يريد إبلاغه، ولا يعود لرسمه فى ذاته قيمة، إلا بما أفاد عنه من علم، وإن كان هذا العلم ليس هو غاية المنتهى.
o ثم إذا انتقلنا إلى مرحلة النظر فى مسار هذا العلم إلى غايته أمكننا أن نميز موقعه منه، فإن توقف عند مجرد الربط والتشكيل فيما هو علم مهما بلغت قيمته فقد تقّزم، خاصة إذا اسْتَبعد غيرَه، أما إذا صار موقفا قيمته فيما يوصلنا إلى ما هو غاية أبعد، وليس فقط فيما يقوله أو يعلنه فهو العلم الوسيلة “إليه”.
دعـّمنى فيما ذهبت إليه هكذا ما قاله لك قبل ذلك بقليل فى نفس الموقف، حين قلتَ يا مولانا:
وقال لى:
الذين عندى:
لا يفهمون عن حرف هو يخاطبهم
ولا يفهمون فى حرف هو مكانهم
ولا يفهمون عنه وهو علمهم
كنت قد دافعت فى موقع آخر، وظروف أخرى، عن عدم الفهم باعتباره إدراك أعمق (نشرة 8/12/2012 حوار مع مولانا النفّرى “5”) أو فهم آخر أهم، بل لقد فتح لى اعترافى بحق الإنسان ألا يفهم، فيفهم أفضل، فتح لى فرصة أن أوضح طبيعة “الجهل” المعرفى الذى تدعونا لاحترامه والنهل منه، ألم يقل لك فى نفس الموقف أيضا: أعدى عدو لك إنما يحاول إخراجك من الجهل لا من العلم وأيضا: إنْ صدَّك عن العلم فإنما يصدك عنه ليصدك عن الجهل؟
وصلننى يا مولانا أن “الذين عندك” – وهو تعبير جميل مُطَمْئِنٌ جدا – قد وصلوا إلى موقع يجعلهم ليسوا بحاجة إلى الفهم الذى يبعدهم عنهم/عنه، وإلا فهم غير جديرين أن يكونوا عنده، فهم يستمعمون للحرف وهو يخاطبهم، ويستغرقون “فى” الحرف ليطمئنوا إلى أن ثَمَّ مكانا ينطلقون منه، ثم هم لا يفهمون فيما يفيدهم الحرف من علم إلا طريقا إليه، فهو يردف لك يا مولانا قائلا:
أشهدتهم قيامى بالحرف فرأونى فيما شهدوه جهة
وسمعوا منى وعرفوه آلة
فقلت لمولانا: هذا هو، هذا هو يا مولانا:
وظيفة الحرف حين نرى كل أبعاده ونضعه فى مكانه هو أن نرى من خلاله الجهة التى نتوجه
منها إليه، فنشاهده فيما نرى من خلاله ، وأن نستعمله آلة نسمع بها ما ينبغى أن نسمعه منه، لا ما قد يخدعنا إذْ يستقل عنه
لعل هذا يا مولانا يؤكد لنا من جديد حاجتنا إلى الحرف طول الوقت، شريطة أن نحسن التوجه به إلى وجهتنا إليه، وأن نحذق تحديد موقعه “كآلة” تضبط مسيرة الهارمونى نحوه
تذكرت الآن كيف صالحتنا على الحرف من قبل من خلال تحديد موقعه وأنه ساتر وستر
هذا ما حاورتك فيه سابقا (نشرة 12-4-2014 حوار مع مولانا النفّرى “75”) حين قال لك فى نفس الموقف:
العارف يخرج مبلغه عن الحرف فهو فى مبلغه
وإن كانت الحروف ستره
فمهما خرجنا عن الحروف فنحن فى حاجة إلى سترها، لنتجاوزها بها ومن خلالها.