نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 3-1-2015
السنة الثامنة
العدد: 2682
حوار مع مولانا النفّرى (113)
من موقف المحضر والحرف
وقال مولانا النفرى:
وقال لى:
معناك يبصر بلا طرف، ويسمع بلا سمع
وقال لى:
معناك لا يسكن الديار ولا يأكل من الأثمار
وقال لى:
معناك لا يجنّه الليل ولا يسرح بالنهار
وقال لى:
معناك لا تحيط به الألباب ولا تتعلق به الأسباب
فقلت لمولانا:
أبحث يا مولانا عن معنى المعنى منذ بضعة عقود، وخاصة فى تنظيرى عن الانفعال والوجدان (العواطف) حتى وصلت إلى أن المعنى إذا احتوى وجدانه لم يعد بحاجة إلى وجدان يضيفه أو حتى إلى وجدان خارجه، “فالمعنى فى ذاته” هو “الوجدان” “القرار” “الفعل” “الوجود”، لكننى أبدا لم أتطرق إلى أن الإنسان نفسه كله معنى.
ما وصلنى اليوم يا مولانا أن هذا محتمل: الإنسان معنى!!
نعم: الإنسان إذا اكتمل إنسانا أصبح معنى لا يحتاج إلى مزيد من التعريف، أو الوجدان أو التوصيف أو التصنيف.
هذا تكريم فوق ما تصورت وأتصور
وهو هو مسئولية فوق ما تصورت وأتصور
ما كل هذا الفضل؟!
وما أثقل تلك الأمانة
لا أخص ما قاله لك – لا هنا ولا غير هنا – بك شخصا فردا مختِلفا مُمَيَّزاً بقدر ما أرى الإنسان الحقيقى المكرم من خلالك، ومن خلال ما قاله لك:
إذا جمعت ما قاله لك فى هذه الأسطر الأربعة، فإن أخشى ما أخشاه هو أن أصل إلى أن “معناك” “ليس كمثله شىء”، فيختلط الأمر على العامة وغير العامة، أنت تعرف يا مولانا أننى ضد الحلول، وأننى لم أرك أبدا إلا إنسانا عاديا يذكّرنا كيف خلقنا الله جميعا عاديين نسعى إليه كدحا، فدعنا نتعلم بعض المراد:
حين يصبح الإنسان معنى يبصر بلا طرف، ويسمع بلا سمع، ولا يسكن الديار ولا يأكل الأثمار، حتى يكاد ينفصل عن ما هو بشرىّ، أرفض ذلك وأبحث عن معنى الإثبات فى النفى
فأضيف كلمة “أيضا” للجملتين الأولتين فأقول: ببصر بلا طرف “أيضا”، ويسمع بلا سمع “أيضا”،
وأضيف للجملتين التاليتين “فقط” فأقول: معناك لا يسكن الديار “فقط”، ولا يأكل من الأثمار “فقط”،
يسرى ذلك على ما جاء بعد ذلك.
معناك لا يجنّه الليل ولا يسرح بالنهار “فقط”
فأرتاح بعض الشئ، ولكننى أشعر أننى تجاوزت حقى، ومع ذلك أننى لم أبلغ كل المراد
أما قوله لك أن “معناك” “لا تحيط به الألباب، ولا تتعلق به الأسباب” فقد أرجعنى من جديد إلى أن هناك أبعد من الإحاطة بالعقل، وأن معناك لا يحتاج إلى أسباب لظهوره، أكثر مما هو هكذا مما لا نعرف إلا ما قيل فيه بالنفى.
كل هذا يا مولاى قربنى إليه أكثر مما قربنى إلى معناك أو أليك.
فَرِحْتُ يا مولانا،
فقد وصلنى مثل ذلك أو بعض ملامح فى هذا الاتجاه مؤخرا من مصدرين: الأول رحلاتى الشخصية فى محيط الجهل المعرفى أتعرف على الغيب، والثانى: رحلاتى العلمية فى محيط العلم المعرفى أتعرف على الوعى، ولا أنا عرفت الغيب لأنى لو عرفته لما عاد غيبا، ولا أنا ألممت بماهية الوعى بكل تجلياته ومستوياته ودوراته ونبضاته، لكن ما وصلنى من كل هذا هو ما طمأننى إلى هذا النص مما استبعدت معه معنى “الحلول” الذى أرفضه، أو أحذر منه علىّ وعلى الناس، ورجحت أنه يعنى التوجه الذى نأمله.
مع الرجوع إلى الوحدات الزمنية المتناهية الصّغر، المتناهية جدا جدا وانت سيد العارفين يصلنى أن ما قاله لك هو واقع محتمل، ولكن فقط فى جزء من أجزاء الثوانى، ذلك أننى عجزت برغم قبولى الرسالة أن أتصور أنه يمكن أن يطول هذا المعنى أكثر من ذلك، وليس معنى هذا أنه منفلت أو بالمصادفة، لكن ما وصلنى هو أنه يعاود الظهور بهذه المواصفات، كلما لاحت فرصة لذلك عبر الكدح والوقفة والاستلهام.
تعلمت يا مولانا أن هذا الجزء من الثانية وهو يعاود الظهور ليختفى، يكفى ظهوره هكذا لهذه الهنيهة ليكون معنى معناك، ومعنى الإنسان الذى هُداه أن يهتدى إليه، ولو لجزء من الثانية بهذا الحضور المكرم الرائع القيوم.
عذرا يا مولانا، وإلى الأسبوع القادم