نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 13-12-2014
السنة الثامنة
العدد: 2661
حوار مع مولانا النفّرى (110)
من موقف العهد
“ليس أخفى من دبيب النملة”!
وقال مولانا النفرى فى موقف “العهد”:
وقال لى:
إنما تأخذ أجرك ممن أصبحت له أجيراً.
وقال لى:
إنما أنت أجير من تعمل من أجله.
فقلت لمولانا:
فى بلدنا يا مولانا جملة كنت أسمعها وأنا صغير وأرددها أحيانا دون الوقوف عندها، وهى تلحق أحيانا طلبا ما ولو كان طلب صدقة ولا أقول تسولا، هذه الجملة تقال عادة ببساطة بعد طلب الصدقة: “والأجر والثواب على الله”، أقول كنت أفرح بهذه الجملة لكن غالبا لم تكن قد وصلتنى الفرحة التى وصلتنى الآن مع مزيج من الرهبة والأمل.
اليوم، وصلنى معناها أكثر إضاءة واختراقا، وعرفت مغزى لماذا يرددها العامة، الفقراء منهم أكثر “والأجر والثواب على الله”
ننظر الآن فى رحابك، بل فى رحابه.
وقال لى:
إنما تأخذ أجرك ممن أصبحت له أجيراً.
هذا صحيح، لا يوجد أصح منه إلا قوله تعالى: “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ….”، لا أتوقف عند الصلاة والنسك فهى له بداهة، (ياليت!!) لكننى أتعمق لأتبين أعماق ومدى أن يكون محياى ومماتى له بلا شريك، هذا هو:
الجهاد الأكبر هو أن تكون حياتى بكل بضع ثانية منها، قبل وبعد إعادة الولادة فيما يسمى الموت، هى له، فيكون مماتى له أيضا.
لابد أن هذا ممكن وإلا ما أمرنا الله به.
هذا هو
إذن ماذا؟
هذا أمر صريح
هل نقدر يا مولانا أن نهب الحياة بما فيها الموت لخالقها دون سواه، خالقها هو صاحبها، هل فى ذلك شك؟ فهى له!، وعلى من لا يعجبه ذلك سرا أو علانية، على أية درجة من الوعى، أن ينظر فيما هو، وما يفعل، وأن يسأل نفسه فى لحظة إفاقة: يا ترى من الذى سوف يوفينى أجرى الحقيقى لما أفعل سواه؟ كل من يستأجرنا ليس له عندنا إلا ما اتقفنا عليه مقابل الأجر فكيف نشرك ربنا فيه؟ يبدو أننا إذا أخلصنا التوحيد، فالعمل كله لله والأجر كله منه، وما يصل غيره أجيرا أو مستأجرا، هو فيض منه لاشراكة فيه.
وراء كل مستأجر ومؤجر من يملكهما معا، إليس الأذكى والأكسب أن نكون أجراء عند المالك الأول/والآخر؟ أما إذا غابت عنا تفاصيل الصفقة الأدنى، وركزنا على الأجرة أو الجائزة الأقرب والأجهز فى شكل ثناء شخص بعينه أو اعتراف هيئة محلية أو عالمية لها حق الاعتراف، أو منح ورقة ممهورة بأختام كثيرة، أو خزانة مال، أو رفقه جاه، فهذا شرك صريح ليس أخفى من دبيب النملة.
هل من سبيل إلى أن نهب كل ذلك وما ليس كذلك، من قبل ومن بعد إليه؟ نعم، لو أننا ركزنا على الزمن فملأناه لحظة بلحظة بما هو أحق به إليه فكان ذلك كذلك “لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ”،
إلى هذه الدرجة!؟
نعم يتأكد ذلك فى الجملة التالية من جديد
“إنما أنت أجير من تعمل من أجله”
فإذا كان كل ما تعمل، كل ما هو أنت، كل ما هو منك، كل ما هو بك، هو من أجله وحده، فكل ما يصلك غير ذلك، بل ويصل غيرك، هو أيضا فيض من أجرك منه.
يحضرنى يا مولاى يقين يطمئننى حين أعمل بلا ناتج قريب أو ظاهر أو مشجع أو واعد، فنكاد نكف – أنا ومن معى – عن العمل – مثلا فى علاج مريض مزمن مستعصٍ – ولا يدفعنا إلى مواصلة ما بدأنا بدون أية نتائج إلا نقطة تذكرنا أننا أجراء من أجل من خلقنا معا لا من أجل أن يشفى هذا المريض بالذات، وإذا بنا نكتشف أن ذلك يصل إلى المريض فيحرك جزءًا من ألف مما نرجو، أو يميل به درجة واحدة من دائرة كاملة إلى ما نأمل، فنصدق ونتأكد من أننا نعمل من أجله قبل وبعد ما نتصور أننا نعمله من أجل مريض بعينه،
وإذا بهذه الأجزاء المتناهية الصغر، وهذه الدرجات الدقيقة التوجّه، تتجمع دون أن ندرى لنصنع بالتدريج والمثابرة وعيّا مشتركا، يتكثف مع بعضه البعض، ونعرف معنى جديدا كيف أن “الأجر والثواب على الله” من الباب الأوسع بعد أن كدنا نيأس.