الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (10) موقف “العز”

حوار مع مولانا النفّرى (10) موقف “العز”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 12 -1-2013

السنة السادسة

 العدد: 1961

 حوار مع مولانا النفّرى (10)

موقف “العز”

قال مولانا النفرى:

أوقفني في العز وقال لى:

“….أين من أعدّ معرفته للقائى، لو أبديت له الجبروت لأنكر ما عرف، ولمار مور السماء يوم تمور موْرا..”

فقلت لمولانا النفرى

..وكنت أحسب ان المعرفة بشمولها أكثر من آلية وسبيل هى الطريق الأسلم إليه إذا ما  قورنت بالتفكير المفاهيمى والعقل المنطقى، لعلك لاحظت يا مولانا كم نبهتُ فى “ملف الإدراك” طوال الأشهر الماضية على أنه سبحانه يُدْرَكُ ولا يُفْهَمْ، وكنت أتصور أننى من خلال هذا المدخل،عرفت كيف تعمى القلوب التى فى الصدور، فنضل الطريق، وقدّرت أن الإدراك دون التفكير والعقل الطاغى هو الأقرب إلى المعرفة اللازمة التى قد تساعد فى الوصول إليه، وإذا به الآن يبلّغك أن تنبهنى ألا أتمادى فأتصور أننى بذلك قد مهدت بمعارفى هذه للقائه، وقد كنت قد بالغت فى التأكيد على ما وصلنى آمِلا أن أوصله لمن استغرق فى إثباته بالعقل الظاهر والأدلة الساذجة، ناصحا إياه أن ينتقل إلى مدارك الإدراك ليعرفه أكثر وأنور.

منذ سنوات كنت أردد فى الندوات، وفى حديثى مع إبنى محمد، أن وجود الله لا يمكن إثباته هكذا، وأنه موجود بلا إثبات، وقد رد علىّ محمد حينذاك أنه – شخصيا – يمكنه إثباته من خلال موقفه الإبداعى فى“علم نفس اللغة”، وكتب مدخلا ربما كان بداية اجتهاده إلى ذلك وهو بعنوان “لغوية الوجود المؤمنة” على ما أذكر، وقد قرأت مداخلته تلك ولم افهم منها إلا أقل القليل، وأخبرته بذلك، وعذرنى، ولا أعرف لماذا توقف إن كانت هذه هى بدايته منذ سنوات، ثم إنى ذكّرته بها قريبا حين فتحت ملف الإدراك، وقال لى إنه سيعيد كتابتها ربما أفهمها، ولم أتابعه ولم أضغط عليه ولكننى أنتظره، يا ترى هل يصلك يا محمد ما وصل إلىّ من هذا المقتطف من هذا الموقف، وأنت الذى عرّفتنى بمولانا النفرىّ، وأعلم مدى حبك له وكم أنت حريص على كلماته، كما أتصور أنك ترفض ما أفعل بها الآن؟ هل ترى يا محمد كيف أعادنى هذا المقتطف إلى موقفى القديم وأن الله سبحانه هو هو، وفقط، وأنه حتى الإدراك والوجدان و”لغوية الوجود المؤمنة” ليست هى الوسائل للقائه، وإنما ربما كانت مجرد أنوار على الطريق إليه.

يبدو أنه علىّ الآن – من خلال خطابه لك يا مولانا –  أن أتراجع عن كل هذا، يبدو أننى حتى بعد أن نزعت من الفهم والتفكير المفاهيمى حقهما فى احتكار المعرفة والوصاية عليها، ولجأت إلى الوجدان والإدراك متصورا أنهما السبيل إلى المعارف الأعمق والأقدر، يبدو أن هذا أيضا ليس هو الطريق إليه ما دام ينبهنى من خلالك يا مولانا ألا أعد معرفتى للقائه.

فماذا أعد إذن للقائه؟

يبدو أنه ليس علىّ أن أعد أى شىء إلا ….، إلا ماذا؟

طبعا أنا لا أستطيع أن أتحمل ذرة من غضبه، ولا صوتا من لسان جبروته ، وحسب توصيته لك يبدو أن علىّ أن  أنكر كل معارفى وأنا فى طريقى إليه،  حتى لا أعرض نفسى لما لا تحتمل، حين أكتشف أن المعارف كلها التى حصلتها وأنا أحاول أن أمهد طريقى إليه، ومن ثم طريقهم إليه،  ليست صالحة، أو على الأقل ليست كافية للقائه،  فأنتبه راضيا، قبل أن تفاجئنى تعرية غفلتى حين أسمع صوت جبروته فأضطر فورا وفجأة أن أنكر كل ما عرفت، كل معارفى التى كانت تسندنى إليه، فيختل توازنى وأتمايل دهشة وخوفا وعشما، وأمور مور السماء (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً)  (1)

ألآن وصلتنى الرسالة

إذن “هو” قبل المعارف يا مولانا وبعد المعارف، وما علىّ إلا أن أظل كادحا إليه كدحا لأ لاقيه، الكدح هو السبيل إليه، قد تسنده المعارف الإدراكية الوجدانية ، لكنها ليست الوسيلة للقائه، لا بد أن أزيحها جانبا قبل أن اضطر لما قد يجرى لى من هول اهتزازى من جبروت عظمته، الآن فقط فهمت لماذا كان على “صُهَيْب” أن ينسى، قبل ان يخلط الإيمان بلحمه ودمه”، لا بد أن استعين بمعارفى لا أجعلها أداة لقائى ، قد تـُلقى ضوءا على الطريق، لكنها هى نفسها ليست الطريق، فكيف خـُدِعتُ وأنا أعدها للقائه؟ يبدو أنه علىّ بعد أن أعرف أن أنسى مثل صهيب (2)، لكن صهيب بعد أن نسى، كان إذا ذُكِّــرَ ذكر، فهل يا ترى مسموح لمثلى بالعودة بعد أن أنْكَرَ ما عَرَف أن يعود ليعرف ما عرف دون أن يتصور أنه الأداة للقائه؟

 الرحمة يا مولانا، فالأمانة أثقل من طاقة احتمالى.

سوف يقولون أننى أزيد شعرك الجميل غموضا بخيبة شروحى هذه، وقد أزيده صعوبة، لكننى لجأت إلى مخاطبتك احتراما لقصورى وتسليما بعجزى، حتى لو انكشف قصورى أكثر وأنا أحاول أن أساهم فى توصيل ما وصلنى إلى عدد أكبر فأكبر.

“رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”

[1] –“....يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا  سورة الطور

قال أهل اللغة : مارَ الشيءُ يمورُ مَوْرا ، أي تحرك وجاء وذهب كما تتكفأ النخلة العيدانة ، أي : الطويلة.

وقال الضحاك : يموج بعضها في بعض . مجاهد : تدور دورا . أبو عبيدة والأخفش تكفأ ، وأنشد للأعشى 

كأن مشيتها من بيت جارتها* مور السحابة لا ريث ولا عجل

وقيل : تجري جريا . ومنه قول جرير : 

وما زالت القتلى تمور دماؤها  *   بدجلة حتى ماء دجلة أشكل

[2] – أحكى معنى كلمات هذا الحديث الشريف من الذاكرة دون أن أذكر متى سمعته، أو مِنْ مَنْ، وقد بحثت عنه مؤخرا، وياليتنى ما فعلت، لأننى وجدت أن بعض كلماته تعزى إلى على بن أبى طالب رضى الله عنه، لكننى وجدت وصفا يعزى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يدعمنى فيما أنا فيه، لكنه وصف عمار بن ياسر الذى قال فيه رسول الله (ص) “كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه”، لكن يظل ما سمعته هو الأقرب إلىّ فأقول ما معناه إن رسول الله وصف صهيبا بما معناه: “صهيب مؤمن نسى، وإذا ذكر ذكر، خلط الإيمان بلحمه ودمه، ليس للنار فيه نصيب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *