الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار/بريد الجمعة

حوار/بريد الجمعة

“نشرة” الإنسان والتطور

28-8-2009

السنة الثانية

 العدد: 728

حوار/بريد الجمعة

 مقدمة:

“رمضان كريم”

هل تعرف معنى هذه المباركة الطيبة كل عام؟

أنا لا أعرف معناها تحديدا، ولا تاريخ ظهورها، ولا إن كانت خاصة بالإسلام المصرى أم أنها سنة شريفة عامة يتبادلها كافة المسلمين وغير المسلمين عبر العالم.

دعنا لا نعرف أصل وفصل هذه الأمنية، أو هذا الدعاء ونحن نتبادل الأمانى الصادقة أنه:

“رمضان كريم”

وكفى.

ملحق البريد:

تفضلت د. أميمة رفعت بإرسال بدايات دراستها فى أحلام فترة النقاهة، وقد فضلنا أن نثبت ما أرسلت فى ملحق خاص بالبريد دون تعليق.

والدعوة عامة للمناقشة.

كل بما يشاء.

كيفما شاء.

****

يوم إبداعى الشخصى حوار مع الله (17)

مقتطفات من موقف القرب (1 من 2)  

د. مدحت منصور

عندما كنت أقرأ الحوار مع الله أو المقامات عرفت الفرق بين التلقى والقراءة وعلمت أن القراءة تأتى بالعين والعقل، أما التلقى فبالقلب والروح، وأنا بعد أن تلقيت هذه المرة أحسست أن هناك شيئا قد بقى فى داخلى، أما تفاعلى مع النص فبكلمة “سبحانك”، أما ما فهمت فلا أهتم أصلا إن كنت فهمت أم لا، أدامك الله معلما لنا وأطال الله عمرك ونفع بك الناس.

د. يحيى:

وبك يا مدحت

وبكل من ألقى السمع وهو شهيد.

أ. رامى عادل

هدهدتنى فاستجبت مقيما حوارا ملكوتيا فيك بك معك، انرت غامرا اياى فى محلات اسرارك، وجدتنى عامرابحيوات شرفتنى إلى جوارها، رافقتني.

د. يحيى:

وصلتنى صحبتك يا رامى، وأنست بها.

أ. ميادة المكاوى

أكثر ما يدفعنى للتعليق على هذه اليومية هو ما لفت انتباهى على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية عندما وجدت نفسى وبعد أن أعتبرت اليومية التى تحمل هذا العنوان هى لوغاريتم يصعب على استيعابها وجدتنى أتابع وباهتمام، وقد فوجئت بأنه قد وصلنى شىء ما فرحت به وإن لم أستطع وصفه أو أن أحدد نفسى من فلسفته، حتى لا أفقده، واكتفيت بفرحة الجهل التى أجدها أبقى وأعمق من المعرفة المتفلسفة التى تبعدنى عن ما هو حقيقى وأعمق.

وأخيرا أجد اليومية بتاريخ 24-8-2009، ودون أن أفلسف ما وصلنى أجدها استمرار لما وصلنى من قبل، كما أجدها تناغما رائعا للحال التى أجد نفسى فيها منذ بداية الشهر الكريم.

عذرا لعدم التفسير ولكنى هكذا أقرب.

د. يحيى:

من يكون أقرب له فضل أنه يجعل “الآخر” أقرب أيضا، حتى لو لم يتحرك هذا “الآخر” من موقعه

كل عام وانت أقرب.

أ. على مصطفى

لا أسمح لنفسى ان أقول اننى اديب ويفهم فى الادب ولكن الله يرحمك يا أستاذنا نجيب محفوظ فمنذ ان توفاه الله، لم أقرأ كتابة بهذه الروعة وربنا يديك الصحة والعافية ولا يحرمنا من الحاجات الرائعة دى وكل عام وحضرتك بخير يا دكتورنا الفاضل

د. يحيى:

الحمد لله

وكل عام وأنت بخير جميل

****

دراسة فى علم السيكوباثولوجى الحلقة (21)

تحذير من تعرية مؤلمة، بلا حركة مشاركة

د. مدحت منصور

كل عام وأنتم بخير. النص زعلان شوية بس الناس حتدعى لحضرتك، التفصيص (الشرح) صعب لكن لو أخذنا من كل نص حبة ولو صغيرين حايتجمّع معانا كثير، ويمكن ناس شاطرة تأخذ كتير وكثير، ويبقى المجموع الكلى أكبر، ربنا ينفع بك الناس فى مشوارنا إليه.

د. يحيى:

ربنا يسمع منك

****

دراسة فى علم السيكوباثولوجى الحلقة (22)

عن العلاج النفسى والأيديولوجيا (1 من 2)

أ. عماد فتحى

بالنسبة لموضوع إيديولوجية المعالج وعملية التحيز لهذه الأيديولوجية، أرى وجهة نظر الغرب يمكن أن تكون نافعة، مش عارف!

د. يحيى:

لك الحق أن ترى ما تشاء،

لكن علينا أن نعرف معنى ذلك الذى يشترطونه لتجهيل الهوية الدينية لكل من الطبيب (المعالج) والمريض، كما علينا أن ننظر فى مدى المسافة التى تتخلق بيننا وبين المريض من خلال ذلك، وقد ناقشنا هذا الموضوع مكررا فى باب الإشراف عن بعد.

وكل واحد يعمل فى إطار ثقافته وموقفه ومسئوليته إلى ما يصلح به عمله.

د. محمد على

مش عارف يا دكتور يحيى أنا شايف إن أصحاب الإيديولوجيات أصبحوا قليليين، إلا أصحاب التدين السطحى “اللى” هما ماليين البلد رافعيين حراب الكلام والدفاع عن المذاهب ضد بعضهم والمجتمع ونفسهم.

الحاجة الثانية: إن أصحاب التدين دول تقريبا يمثلوا 70% من العامة، ومن غير خناقة مع الدين يتخانقوا مع نفسهم ويبقى الــ 7% عيان نسيبهم كده أحسن.

د. يحيى:

لم أفهم ماذا تعنى بـ “نسيبهم كده أحسن”

ولست متأكداً من الرقم الأخير هل هو 7% أم 70%، ولا أعرف من أين لك بهذه المعلومات أو حتى الانطباعات بهذه النسب، التى بدأت بها تعقيبك

وأرى أن الأيديولوجيا قد تكون أخفى من أن تُعلن، وربما هى أخطر بهذه الصورة السرية،

كما أعتقد أنه فى نهاية النهاية، فإن الذى يحسم الأمر فى مواجهة جمود الأيديولوجيا هو الموقف النقدى الممتد، والذى يهز كل الأيديولوجيات، بل والعقائد أولا بأول، والذى تتحدد إيجابياته بمدى تحقيق القدرة على التغيّر الفعلى.

****

دراسة فى علم السيكوباثولوجى الحلقة (24)

دفاعات ضد “حركية” تجليات”الحب”على مسار النضج

د. مدحت منصور

“معلش يا “نَصّ”، بنفكُّك علشان تتلم تانى جوانا وتنوّر………”

د. يحيى:

آسف يا مدحت، فضلت أن أعتذر عن نشر بقية تعقيبك لأنه بالغ التكثيف، واكتفيت بنشر اعتذارك هذا للنص، وأبلغك عنه: أن النص قد “قبل” الاعتذار على شرط أن تعيد قراءته دون شرح.

أ. رامى عادل

تلطمنى بعنادها وعدم سماحتها (ما دمتم تتحدثون عن الحب) وأنها براويه، تحب ان تظل مرغوبا فبها، لهذا طهقت منها، ومن تزويغها، وتخبيتها، تهجرني، وتستغلني (وانا كذلك عشان ميزعلوش) واكره جوعها، وصلابتها، تشبهني في افعوانيتها، اكرهها واعشق احتياجي لها فهو يبقينى حيا، يوجعنى فيواسينى ويؤنسنى.

د. يحيى:

موافق

****

دراسة فى علم السيكوباثولوجى الحلقة (25)

الباب الثانى: قراءة فى عيون بشرية

د. أسامة عرفه

أبي الحبيب كل عام وأنت بكل الخير

هل هي قراءة بالعين البشرية أم قراءة في العين البشرية؟

قراءة ما تبوح به وما تداريه وما تحاول أن تداريه أم هي تواصل بين كيانين عبر بوابة العيون؟

وهل تنجح إذا كانت من طرف واحد يحدق يتفحص والآخر يهرب..

وهل يتحمل المعالج فى حوار القراءة المتبادلة أو الشوفان المتبادل..؟

وماذا عن خصوصية هذه الممارسة مع المريض البارانوي تحديدا؟

د. يحيى:

ياه!! أين أنت يا رجل؟

حمداً لله على السلامة يا أسامة!

أنشغلت عليك، ولم أردْ أن أزعجك بالسؤال عنك، فأثقل عليك بأن تبعث ما لم يستثرك فيثيرك،

المهم: وأنت بالصحة والسلامة.

ثم ردا على تعقيبك:

أولا: هى قراءة فى العيون، بالعيون وغير العيون

ثانيا: وفيما يخص هذا العمل (المتن الشعرى): فالقراءة هنا هى قراءة من جانب واحد،  “جانبى”، وهى جماع التشكيل والحدسْ والتحديق التخليقى، والتحريكى، فإعادة التشكيل بما تيسر.

[هكذا أصعب، !! عذراً].

ثالثا: فيما يتعلق بخبرة التحديق العلمى أثناء المقابلة الإكلينيكية العادية، فهى اجتهاد لتحريك “الحزن”، أو “الألم”، مع محاولة المشاركة، إذن هى قراءة من الجانبين، لأنه لو لم يَرَ المريض فى عيون الطبيب محاولته الجادة فى نفس الاتجاه فلن يسمح لنفسه بالكشف عن هذه المناطق الحرجة.

رابعا: أما سؤالك عن:  هل يتحمل المعالج القراءة المتبادلة أم لا؟ فهذا يرجع للخبرة، والمسئولية، والجسارة، والأمانة، والصنعة، وستر الله.

خامسا: وأخيرا، فإن المريض البارانوى بالذات ليس أصعب من غيره، ربما ذلك لأن محاولاتى لم تختبر حتى الأن منطقة التوجس والحذر، فى مقابل الطمأنينة والأمان، وإنما معظم كشفى كان فى منطقة “الحق فى الحزن” و”الحق فى الألم”، وإلى درجة أقل “الحق فى الشوفان” وأيضا: “الحق فى الاعتراف والاحترام”.

وكل ذلك ممكن مع البارانوى وغير البارانوى

ولا أنصح به أحدا، إلا على مسئوليته تحت إشراف!!

****

أحلام فترة النقاهة “نص على نص” حلم (187) وحلم (188)

 أ. رامى عادل

هل حضرتك ممكن تتهرب من علاقه؟ طيب ما هو حقك؟ طيب هو حضرتك بتبالغ ولاّ مصدق انك خطأ، وتفعل عكس ما تأمر به مرضاك او عملائك، مثل انهاء علاقه ما؟ وهل للعلاقه نهايه،؟متى يكون إنهاؤها خزيا؟

د. يحيى:

العلاقة الحقيقية تتجدد باستمرار، من حيث المبدأ، وأن اختلفت تجلياتها حتى لو تغيرت أطرافها.

فهى لا تنتهى أبدا.

فمن أين الخزى؟

أ. رامى عادل

وقلت: يا ربى متى يعرف الناس أن كل شىء هو ضرورى لكل شىء؟ وانا اقول بدوري: هل لا يفعل د يحيى ما يقوله للعملاء المرضي؟ وهل هى حكمة ام نقمه؟ وهل نحن/انت /هم المنافقون؟ وقلت يا ربى متى يعرف الناس؟

د. يحيى:

ولماذا نصر أن نعرف تحديدا ما لا يحتاج معرفة؟دعنا يا رامى نواصل دون “تفعيص”،

والنتائج سوف تتوجه بنا إلى ما هو أصلح، فأصلح، وهكذا.

****

 تعتعة قديمة:

 الصوم‏ ‏يكسر نمطا ثابتا، فرصة أن نتعلّم، ونبدع !!

د. مدحت منصور

أنا مقتنع إن الإبداع ليس حكرا على أحد والناس يبدعون فى مجالات مختلفة مثلا بائع الفول وهو ينادى بصوت جذاب وهو يضع الخلطة السرية والتى تجعل طعم الفول مميزا لا يمكن تقليده والطفل عمر السنتين وهو يبدع للوصول لطبق البطاطس والذى وضع فى منتصف الطاولة كلنا يبدع ولا يجوز حكر الإبداع على أحد. أنا مدخن شره وأتناول القهوة والشاى بكميات ولكن بما أنى عرفت الآن معنى جميلا للصيام فدعنا نصوم إبداعا معا إلى الله وإذا شعرت بالصداع وتلعثم لسانى وثقل فسأتذكر أننا نكتشف أنه يمكن الاستغناء عن أشياء كنا نظن أنه لا يمكن الاستغناء عنها، كل سنة وحضرتك طيب ورمضان كريم والله أكرم.

د. يحيى:

وأنت بالصحة والسلامة

د. على الشمرى

الصوم من اكثر العبادات خصوصية لانه بين الانسان والخالق جل وعلا، ومهما حاول البعض ان ينصبوا انفسهم اوليا بيننا وبين الله فاهنم سيفشلون وعملية الابداع صفة زرعهاالله فى الانسان وتختلف من انسان الى اخر بل مرحلة الى مرحلة من حياة الانسان وحسب اعتقادى والله اعلم ان الصوم اوجده الله من اجل خير الانسان قبل أى شيء اخر فلماذا لانبدع فى عبادة الصوم ؟ فنجعله صوم عن السلبية والفكر الركيك والسلوك العبثى بالاضافة الى الامتناع عن الاكل والشرب ونكون اكثر صدق واكثر انسانية اثناء الصوم ونتخلص من الانماط الرديئة فى تفكيرنا ومشاعرنا وسلوكنا جزاك الله خير الجزاء الاستاذ الكتور يحى تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال

د. يحيى:

وكل عام وأنتم بخير

أ. رامى عادل

ربما لانك تتحدث عن الايمان، وجدتنى أتساءل، هل عمق الرؤيه يجعلنا فى نظر انفسنا مجرمين وحوشا سفله،وهل تصديقنا لذلك \”ان حدث\”ينقل رؤيتك للاخر فيراك كما ينبغي؟ واخيرا هل يتعارض كونك مؤمن مع اجرامك؟بالطبع هذاشطط يليق بى هنا والان.

د. يحيى:

لا شطط، ولا تعارض، ولا يحزنون.

أ. هيثم عبد الفتاح

أعتقد أن فيه ناس كتير بتتغير وتبدع فى رمضان بس، فمثلاً هناك من يبدع فى أصناف الأكل على مائدة رمضان والحلويات على مختلف أشكالها، دا حتى الصلاة وقراءة القرآن فيه ناس بتستنى من رمضان لرمضان علشان تعملها، بس ده بيخلينى أسأل هو ده إبداع وتغير بمعنى آخر هل يمكن أن يسمى هذا التغير الدورى، كل رمضان، رغم ثباته أن نسميه تغير وإبداع؟.

د. يحيى:

لا أظن أن هذا هو الإبداع الذى أعنيه

شكرا

د. إسلام إبراهيم أحمد

هذه الفكرة يا د. يحيى جديدة عليا، فكرة أن كل ما هو جديد، وكسر للنمط فهو إبداع، وهذه الفكرة يمكن أن تفسر لدى بعض الأحاسيس مع كل جديد أفعله مهما كان بسيط.

أنا أعتقد يا د. يحيى أن حتى لو أخذ بعض الناس رمضان بالشكل السطحى فهو أيضا مفيد لهم فهو يفيد على جميع المستويات السطحى منها والعميق.

د. يحيى:

أظن أن هذا هو الإبداع الذى أعنيه

الناس، عامة الناس، تبدع دون أن تسميه كذلك

وهذا أفضل

د. ماجدة صالح

أعجبنى عنوان اليومية واختلف معك فى رفضك لتغير وقت العمل، فموقفى من شهر رمضان موقف مركب نوعا ما. فأنا أعشق هذا الشهر بكل ما فيه من كسر لنمطية الحياة عامة بما فيها أوقات العمل الثابتة (دون الإخلال بالكيفية طبعا)، فأنا أشعر أن هذا الاختلاف على مدى 30 يوم (لا أكثر ولا أقل)، قد يحرك الساكن ويحفز الطاقات ويثرى الحياة.

ورغم عشقى لهذا الشهر فأنا لا أستوحشه ولا أتألم لوداعه، كما هو وارد فى الخطاب الدينى والإعلامى ليقينى أن الخالق سبحانه وتعالى قد وهبنا هذه الجرعة المناسبة فى التوقيت المناسب.

د. يحيى:

وبالقدر المناسب

نعيش الاختلاف المناسب

د. محمد على

اللااااااااااه حلوة أوى يادكتور يحيى، جميلة فعلاً وكأنى بادوّر عليها، حسيتها النهاردة الصبح لأول يوم رمضان، حاجة كده جديدة، زى ما أكون واحد من جديد أو ابتديت عمر تانى، مش عارف، كنت طوال الــ 3 شهور اللى فاتت شايل هم إزاى أصوم فى الحر والشغل والمرواح، وبعدين يقرب رمضان وأشيل الهم أكثر وبعدين بيجى أول يوم فييجى معاه أمر ربنا إن لازم نصوم مهما حصل علشان نحس حاجة جديدة، نعيشها، وهو الإبداع، وكأنك تقصد إن الإبداع من الممكن أنه يكون حياة جميلة أوى وصلانى بجد. شكرا يا دكتور يحيى.

د. يحيى:

التركيز فى الإبداع هو على الجدّة وكسر النمط الساكن،

وناتج النجاح فى التشكيل يقاس بما ينجح فى تأليفه، توليفه من جمال.

أ. محمد إسماعيل

معنى جيد جداً للصوم، ومعنى سهل وبسيط وقريب للإبداع.

الآن عرفت بعض قدرتى على الإبداع، وفرصة الأخرين فى الإبداع

د. يحيى:

صوم مقبول، وإبداع طيب

أ. محمد إسماعيل

هل من الممكن أن يكون الصوم وصلاة التراويح، العمل الذى أقوم به كل عام هو بمثابة كسر للنمط؟ ولكنى خفت أن يكون تكراراً لنمط مستسلم له، كيف أعرف الفرق؟

د. يحيى:

هذا جائز وهذا جائز

كل نمط جديد، حتى لو كان كسراً لنمط سابق، هو قابل للكسر، أو واجب الكسر، حتى لا يستقر نمط واحد جاثما علينا أبد الدهر.

د. عمرو دنيا

شكراً يا دكتور يحيى على المعنى الجديد للإبداع فعلا، فأول مرة أرى أننى حين أقول مش قادر أكتشف بالمشاركة والطيبة والتوجه أننى قادر ونصف، حقيقة مش مجرد كلام، كما وصلنى أننى يمكن أن أتعلم إذا أردت أن أتعلم.

د. يحيى:

هذا صحيح

بارك الله فيك

أ. نادية حامد محمد

أجد صعوبة يا دكتور يحيى فى رؤية ما هو غير ممكن أنه ممكن وجميل وطيب، ده بشكل عام، وليس بجديد فيما يخص موضوع الصيام الذى هو فرض من فروض الله علينا.

مش عارفة هل حضرتك متفاءل زيادة فى ذلك، ولاّ أنا اللى مش متفاءلة بالشكل الكافى.

د. يحيى:

أنا أكرر أننى مضطر أن أتفاءل – على العمال على البطال – حتى أبرر أننى مستمر فى الحياة.

****

 تعتعة الوفد:

 قالوا “إيش” خاطر الأحزاب؟!! قالوا سياسة بحق وحقيق!!

د. على سليمان

الاحزاب فى البلاد العربية عكس مفهوم الاحزاب فى الدول الديمقراطية فى الغرب والشرق تماما فالاحزاب فى الخارج تعتمدعلى مبدأ تداول السلطة (ويعتبرون ذلك من حق الشعب ان يختار الاجدر والاكفأ وما يقدمه من برامج وخطط ومايعتمده من سياسات وإجراءات) والاحزاب فى الوطن العربى تعتمد على مبدأ خدمة الشعب وعدم ارهاقه فى عملية تداول السلطة المعقدة (خلك نائم ومستريح وكل شى تمام) (ويعتبرون السلطة هى مصدر الحكمة والالهام والتشليح اسف اقصد التشريع ممثلثة فى الاحزاب الحاكمه وهى صاحبة الاختيار فقط دون الغير) الى درجة ان الدول التى لايوجد فيها نظاما للاحزاب تحمد ربها على ذلك ليل نهار فوجود مثل هذه الاحزاب فى الوطنن العربى ليس مظهر من مظاهر تكريس السلطة بل يضاف اليه استهبال الناس بانه لايوجد اى تكريس للسلطة فى حزب واحد وهناتضاعف الخطاء مرة بالمصادرة ومرة بعدم الاعتراف بهذه المصادرة فعدم وجود مثل هذه الاحزاب افضل بكثير من وجودها فعلى الاقل مادامت لاتحقق الهدف من وجودها فان عدم وجودها يوفر بعض الاموال التى ممكن ان تنفق على التعليم والصحة وتحسين الطرق وغيرهاويخفف من التوتر الذى تسببه ممارساتها غير الديمقراطية. نسال الله العظيم ان يجعل كل من بيده الحل والربط (واركز على الربط لانه الاكثر بروزا) فى الوطن العربى من المحبط الى الخليج (فى رمضان انشاء الله تقبل الدعوات) ان يجعله (يرى الحق حقا ويرزقه اتباعه وان يرى الباطل باطلا ويرزقه اجتنابه امين يارب العالمين)

د. يحيى:

آمين

أ. رامى عادل

طيب هل عند حضرتك فى المستشفى احزاب وتكتلات وخصوم؟ وكيف تتعامل مع هذا الوضع ان وجد؟ وهل ينحاز بعضهم ضدك؟واخيرا هل لك ساعد ايمن ام لا؟

د. يحيى:

كل شىء جائز

وأنا لى سواعد كثيرة، ليس فقط  أيمن وأيسر (ربما مثل الأخطبوط)!

أ. هالة حمدى

التعتعة جت فى وقتها لأن من أسبوعين كده لقتنى مطلوب منى أنى أروح أرشح ناس معينة فى الحزب الوطنى،  وأنا ولا أعرف أى حاجة عنه، وبعد قراءتى للتعتعة حاسة كده أنى اتلخبطت، هو حزب أى كلام ولا فعلا ليه أهميه ووظيفة بتنفع.

واللى وصلنى من المقالة برضه هو أنه مهما نعمل أحزاب كلام الحكومة هوّا اللى ماشى، وليه نقعد نمثل ونعمل انتخابات وترشيح وحزب وسلطة وكله فشنك.

د. يحيى:

لزوم “المنظرة”،

 ألست معى أن “المنظرة حاجة تانية”؟!

يبدو لى أن الأحزاب الحالية هى لافتات للتصدير، مع أن من نصدر لهم هذه اللافتات يعرفون أنه ليس تحت القبة شيخ، وأن اللافته هى باب مقفول يفتح على خواء ممتد.

أ. هانى مصطفى

قالوا إيش خاطر الأحزاب!!! قالوا سياسة بحق وحقيق عجبنى قوى قول جاهين “إفعل أى شىء تقرره، وستجد مثلاً يبرره”، خلانى أشوف الأمثال بشكل جديد، وكأنها بتوصف الحياة أكثر ما تصدر أحكام قيمية.

د. يحيى:

رحمة الله عليه رحمة واسعة

أوْحَشَنِى

د. محمد على

صعب الموضوع، طلع الموضوع صعب يا دكتور يحيى، كنت فاكر أنى بافهم فى السياسة وأنى أعرف أتكلم فيها لكن طلع الموضوع صعب، أنا باكرهه على بعضه، يمكن علشان التمثيلية اللى بتحصل قدام عيوننا أو النكتة السخيفة اللى عايشينها باخت وطالت.

طب وبعدين…؟!

د. يحيى:

وماذا تجدى الكراهية؟

حتما سوف تُفرج حين تتكاثف جهودنا معا فى كل مكان فى العالم، كل البشر، سوف نبدع حياتنا بما أبدعنا من أدوات جديدة تليق بمسيرة الإنسان القادمة، وما يستحق بعد ما أكرمه الله برحلة تطوره الطويلة.

****

ملحق بريد الجمعة

د. أميمة رفعت

كل عام وأنت بخير، رمضان كريم

بدأت منذ شهرين فى كتابة نقد لأحلام فترة انقاهة، وهى تجربتى الأولى فى الكتابة ولا أعلم مدى توفيقى فيها. لم انته منها بعد ولكننى شعرت أنه ربما كان من الأفضل أن تعطينى رأيك فى هذه المرحلة فإذا كانت المحاولة جيدة أكملت، وإذا خاننى التوفيق توقفت. وفى كل خير.سأرسلها تباعا على حلقات لطولها. شكراً لتشجيعك.

أحلام محفوظ بين الرمز والأسطورة

د. أميمة رفعت

الأحلام لوحات تشكيلية

أقام الفنان محمد حجى ـ الذى كانت رسوماته تصاحب عرض الأحلام فى مجلة نصف الدنياـ معرضا ضم ستين لوحة تشكيلية لهذا العمل فى الكويت فى 6 ديسمبر 2004. لم يسعدنى الحظ برؤية أى منها، وإن كان هذا من حسن حظى فى نفس الوقت حتى أحظى بفرصتى أنا أيضا فى الخيال والتصور دون وصاية أو تأثير من صورة مسبقة.

 ريشة محفوظ

والحقيقة أن ريشة محفوظ فى لوحات أحلامه هذه كانت طيعة فى يده، خفيفة ورشيقة. كانت سريعة أحيانا وبطيئة فى أحايين أخرى ليس عن كسل أو فشل فى التعبير وإنما لهدف يخدم أفكاره بحنكة وبراعة. ففى بعض الأحيان نرى الحلم مرسوما جاهزا أمام أعيننا بتفاصيله الكثيرة التى تزين اللوحة، وما علينا إلا أن نقف أمامها ونطيل النظر، نتأمل كل هذه العناصر المتشابكة وما تعنيه. فمثلا الحلم (14) ملىء بالتفاصيل: النيل، القمر، زهور الياسمين، لمحات فى الخلفية من أركان العباسية، شارع مظلم، مصباح، جنازة، فتاة جميلة، ورد النيل.

 الحلم (20): سطح مياه، هلال ثم بدر، مصباح، عمود من نور، قارب وملاح، شخصية ماردة ضخمة، شخصيتان غير واضحتان فى مقدمة الصورة (ذكر وأنثى).

الحلم (83): كارتة، جواد مجنح، فتاة، مساحة شاسعة من السماء تقطعها مآذن وأسطح منازل وقمة الهرم، ثم كوكب مضىء.

ولنأخذ الحلم (20) كمثال للوحة بها حشد من العناصر ـ وإن كنت لن أطيل فى عرضها فيكفى ما كتبته عن هذا الحلم من قبل :

عنصران فى الصورة أساسيان رسم حولهما الكاتب بقية اللوحة وهما عمود النور الذى يمتد من الأرض إلى السماء وسطح المياه. فالأول يعتبر المحور الرأسى الذى يتقاطع معه الثانى كمحور أفقى. ولأنهما يحددان الأرض والسماء من ناحية وجانبى المياه من ناحية أخرى فهما بذلك يحددان أركان الكون الأربعة. وهكذا تتسع الرؤية فى اللوحة إتساع الكون كله، وتأخذ العناصر المصاحبة معنى جديدا يختلف عن معناها المألوف فى الطبيعة. فيصبح الهلال رمزا كونيا لدورة الحياة،والمياه رمزا للرحم التى تضم وتخلق، والأنثى والذكر رمزا للوجود البشرى فى الكون وهكذا كما فسرنا من قبل. من الواضح إذن أن هذا الحشد من العناصر ليس المقصود منه تزيين الصورة أو صبغها بصبغة رومانسية (برغم جمال ورومانسية الحلم فعلا) ولكنه يحكى حكيا عميقا على أنغام لحن أسطورى، تسمع نغماته العين قبل أن ترى خطوطه

وهذه اللوحات (المذكور أرقامها سابقا) أمثلة للوحات جرت عليها الريشة بخفة وبسرعة…فتحنا أعيننا فوجدناها. كما يولد الإنسان فيجد الكون جاهزا أمامه، ما عليه إلا أن يراه ويتأمله.

ولكن هناك لوحات أخرى رسمها الكاتب ببطىء، وكأنه يريد أن يشرك القارىء معه فى كل خط من خطوطها…فلنقرأ سويا الحلم (100) :

)هذه محكمة وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقا..) يستخدم هنا الكاتب أسماء الإشارة (هذا وهذه) فيقول: أنظر هأنا ذا أرسم محكمة، وهذه منضدة وقاض، وهذا موضع الإتهام وبعض الزعماء، وإنتبه فهذه قاعة الجلسة وها أنا أجلس فيها. نشعر بالبطىء فى الحكى، كما نشعر أيضا بالتركيز على عناصر اللوحة قبل أن تبدأ الحكاية…فما هى الحكاية؟

 (هذه محكمة وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقا لمعرفة المسئول عما حاق بنا، ولكنى أحبطت عندما دار الحديث بين القاضى والزعماء بلغة لم أسمعها من قبل حتى اعتدل القاضى فى جلسته استعدادا لإعلان الحكم باللغة العربية، فاسترددت للأمام ولكن القاضى اشار إلىّ أنا ونطق بحكم الإعدام فصرخت منبها إياه بأننى خارج القضية وأنى جئت بمحض اختيارى لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخى)

طريقة رسم اللوحة هنا تعطى إيقاعا رتيبا للحكاية لا يكاد القارىء يخرج من رتابته لحظات حين يجد الحالم يجلس (متشوقا) حتى يرجع لإسترخائه ثانية عندما يراه (يُحبَط). ثم لا يلبث أن ينفصل كلية عن المحاكمة لأن اللغة التى يدور بها الحديث أصلا غير مفهومة… وقبل أن يصيب القارىءَ المللُ أو يتشتت إنتباهه تماما، يفاجئه الحلم بما هو ليس متوقعا على الإطلاق…فالقاضى يحكم بلغة عربية واضحة بالإعدام على (المتفرج) !!

رسم اللوحة ببطىء حقق هدفين، أولهما هو الإحتفاظ بالصورة فى الذاكرة حتى إذا ما شعر القارىء بالرتابة لم تختف من ذهنه وثانيهما هو تحقيق عنصر المفاجأة. وبالتأكيد نجح الكاتب فى هذا فمن منا لم يُعد قراءة الحلم من أوله بعد سماع هذا الحُكم الغريب وتساءل.. ماذا حدث؟ ولماذا؟

يذكرنى هذا الحلم برواية (الغريب l’étranger) لأربير كامو albert Camus التى تطرح فكرة عبثية الوجود. وبطل الرواية فيها ليس إلا متفرجا على الأحداث حتى تلك التى تخصه مثل موت والدته، بل وتلك التى يرتكبها بنفسه كقتله لرجل عربى بلا سبب. فهو يرى كل شىء من خارجه دون أن يتورط إنفعاليا أو شعوريا مع الحدث، وكأن الكون يتحدث بلغة غريبة عنه لا يفهمها وتخصه وحده، فالقدر هو الذى يحركه كما يشاء وكيفما أتفق وهو لا يهتم.. ولذلك فإيقاع الرواية فى الجزء الأول رتيب أيضا… حتى يُحكم عليه بالإعدام بالمقصلة فيفيق ويفكر ويغضب وينفتح على الكون ويرى الموت..

ومحكمة محفوظ من داخل نفس الحالم تناقش حاله وتقيم شخصيته وذواته المختلفة (نفر من الزعماء)، وربما يكون الكاتب قد إختار وصف “الزعماء” لتسلمهم الزعامة دونا عن ذات الحالم الأساسية، وفى كل هذا (يتفرج) الحالم على داخله من الخارج بسلبية، وكأنهم يتحدثون بلغة غريبة عنه ويناقشون ما لا يخصه. وعند النطق بحكم الإعدام يصرخ خائفا مستغيثا، منتبها ومنَبِها معا، بأنه يعى أن لديه هو أيضا إرادة ما، فقد جاء (بمحض إختياره)… ليكون (متفرجا) !

الحقيقة أن الأحلام التى يتمهل قليلا محفوظ فى بداياتها بإستخدام إسم الإشارة ليست قليلة، واعتقد أنه فى كل منها يريد أن يلفت نظر القارىء إلى مفتاح الحلم، او أن “يحفر” فيه شعورا عميقا لا يمحى حتى إذا لم يحل شفرة الحلم يظل التأثير دفينا عميقا قد يخرج إلى السطح يوما ما. من هذه الأحلام (109)، (123)، (128)، (167)، (168) وغيرهم. وقد نرجع إلى معظمها لاحقا.

الكتلة والفراغ

وظف محفوظ الكتلة وحدها أو بالتبادل مع المساحة الواسعة حولها جيدا فى لوحاته، فتحكما سويا فى الإيحاء بالحركة والسكون كما منحا للمحتوى إطارا ديناميكيا إنطلقت منه أفكاره فإزدادت الأحلام تأثيرا وعمقا.

فى الحلم (4) يبدأ الكاتب بمساحة فارغة (بهو مترامى الأركان، متعدد الأبواب، خال من كل شىء) ثم يبدأ فى ترتيب الكتل بداخله بتناسق لتتزن اللوحة تدريجيا يضع أولا ثلاثة أصدقاء فى أحد الأركان، ثم ثلاثة آخرين فى المقابل فى مكان يبعد عنهم مسافة، فالحالم لا يراهم فورا لبعدهم عنه وإنما (سمع حركة، نظر فرأى..) والتوازن هنا توازن متماثل أى ثلاثة مقابل ثلاثة. ثم يظهر (شخص جليل فى هيئة الزعامة) فى صدر اللوحة، وبقدر عظمته وجلاله يزن اللوحة بخلفية من المدعوين (يملأون المكان) التوازن هذه المرة محسوس وغير متماثل…وهكذا يمتلىء الفراغ بالكتلة مع الإحتفاظ بتوازن اللوحة بتدريجية ناعمة.

ورغم إمتلاء اللوحة بالشخصيات التى ظهرت من فراغ إلا أننا نلاحظ حركتهم بالكاد فى هذا الحلم. لم نر حركة الكتلة الأولى (الأصدقاء الثلاثة) بل وجدناهم واقفين. ولم ير أحد حركة الكتلة الثانية عند دخولها البهو فقد (سُمِعَت الحركة)، وكانت خطوات الرجل العظيم فيها تؤدة ووقار وبطىء حتى أن الحشد فى الخلفية كان لديهم الفرصة ليهللوا مع كل خطوة يخطوها. الحركة الوحيدة السريعة الملحوظة وسط كل هذه الحركات” الساكنة” ـإذا جاز التعبيرـ هى حركة هروب الحالم ومحاولة فتحه للأبواب جميعا. وهكذا يُبرِز سكون اللوحة حركة صاحبنا.

الحركة والسكون وتنوع التوازن فى رسم اللوحة يخدم محتوى الحلم الذى لا نريد التعجل فى عرضه الآن ونفضل تأجيله عند تناول الرموز بالدراسة.

أما الأحلام التالية فهى أمثلة للوحات تشكيلية فوتوغرافية يظهر فيها تبادل الكتلة مع المساحة حولها وتأثيرها على الإيحاء بالحركة وعلى مشاعر الحلم :

  • الحلم (3): هذا سطح سفينة يتوسطه عامود.
  • الحلم (42): السفينة تشق طريقها بين أمواج النيل الرزينة
  • الحلم (27): فى سفينة عابرة للمحيط (…) هبت الريح وإختفى الأفق خلف.

الأمواج الغاضبة

 الحلم (45): على سطح البحيرة ينطلق قاربى البخارى.

فى (3) الكتلة هى السفينة، ولكن تقترب “الكاميرا” منها جدا حتى أننا نرى تفاصيل ما يحدث على سطحها ولا نرى إطلاقا المياه التى تسير أو تقف فيها السفينة. فالكتلة هنا لا فراغ أو مساحة حولها، فتبدو اللوحة كلها ككتلة واحدة صماء لا تتحرك توحى للمتلقى بإنعدام الهواء مما يضفى جوا خانقا على الأحداث وبالتالى على الحوار الدائر على سطحها الملىء أصلا بالعذاب) يتوسطه عامود مقيد به رجل (..) يحرك رأسه بعنف يمنة ويسرة ويهتف من أعماقه الجريحة: متى ينتهى هذا العذاب؟).

فى (42) تبتعد الكاميرا قليلا لنستطيع أن نرى المياه، فنتعرف على النيل وأمواجه الرزينة. مساحة النيل وطبيعة أمواجه توحى بحركة رصينة هادئة تهدهد مشاعر المتلقى، فتغير جو الإمتحان الذى يجرى على سطحها من التوتر والقلق المتوقعين فى هذه الحالة إلى الهدوء وربما بعض الخدر أيضا، فتكون النتيجة ممتازة ويحصل الممتحنون كلهم على شهادات النجاح ويحتفلون بنجاحهم.

 :(27) فى هذا الحلم ربما تكون الكاميرا قد إبتعدت أكثر قليلا عن الحلم السابق وربما لا، ولكن وصف السفينة بأنها عابرة للمحيط يعطى إيحاء بإتساع المساحة حولها (المحيط)، وهى ليست بالتأكيد مساحة صامتة ولا هادئة رزينة كما فى (42) ولكنها تمور بالرياح والأمواج الغاضبة حتى أخفت الأفق. الحركة هنا عنيفة غير متزنة والفضاء حول الكتلة حىَ قاس يتحكم بها كلية فتصبح هذه الأخيرة كلعبة صغيرة فى يده (السفينة كرة تتقاذفها الأمواج)، يصحب ذلك مشاعر غضب وخوف فتكثر مع هذه الصورة ألفاظ تشعل الأحاسيس وتعمقها: فللخوف إستخدم الكاتب (ذعرت، وحيد فى أعماق المحيط، لا نجاة من أهوال المحيط، الأمر كابوس) ثم إستخدم للغضب (إزددت كرها، هممت بدق عنقه، تلعن ساخطة (.

تبتعد الكاميرا أكثر فى (45) لنرى مساحة أوسع كثيرا (سطح بحيرة) وكتلة أصغر (قارب بخارى) فتتسع الصورة ليتمدد مجال الرؤية ويستطيع القارىء رصد المطاردة التى قد تحدث بين قارب صاحبنا البخارى والقارب الآخر الذى يشعر بوجوده (إذا وجد). ويصاحب هذه الرؤية الواسعة الفعل (ينطلق) وهكذا يكون الفضاء حول الكتلة مرتعا لحركة سريعة نشطة منطلقة وربما متوترة أيضا طالما تصاحبها مطاردة.

لوحات تشكيلية فوتوغرافية

ومما نراه كثيرا فى هذه الأحلام هو التصوير الفوتوغرافى الذى يغلق عدسة الكاميرا على مشهد ما ليفتحها على مشهد آخر مختلف فى مكان مختلف أو زمن مختلف مما يشبه المونتاج السينمائى، وهو ما يناسب تماما طبيعة الأحلام فى الإنتقال فى الزمان والمكان بحرية، ومما يميز أيضا الأدب السيريالى الذى لا يتقيد بمنطق واقعى فى الربط بين الأزمنة أو الأمكنة المختلفة.

 وربما من أجمل هذه الأحلام هو الحلم (121):

)رأيتنى أسير فى شارع كورنيش الإسكندرية مستهدفا العمارة التى أرى فى إحدى شرفاتها السيدة الأنيقة بصحبة زوجها وأبنائها الشبان فلما فتر الهدف ذاب المنظر ذوباناً سحرياً ناعماً حتى اختفى وحل محله شارع العباسية ومازلت أسير نحو العمارة الجديدة التى تطالعنى من إحدى نوافذها الفتاة التى لا تُنسى ولكنى وجدت النافذة خالية فقررت الانتظار كالعادة فى محطة الترام ولكنى لم أجد للمحطة أثرا ولا لقضبان الترام أثرا على طول الشارع).

 فقد كان صاحبنا يسير فى شارع كورنيش الإسكندرية مستهدفا عمارة و(عندما فتر الهدف ذاب المنظر ذوبانا سحريا ناعما) ليحل محله شارع العباسية والعمارة الجديدة.

 هنا يبدو الإنتقال من مشهد إلى آخر رقيقا ناعما رومانسيا وتدريجيا ليُعِدً القارىء لمشهد آخر عناصره فى الحقيقة مشابهة لعناصر الأول مع الإختلاف الطفيف، (فالشرفة) فى المشهد الأول تتحول إلى (نافذة) فى الثانى، و(المرأة الأنيقة) فى الأول تتحول إلى(الفتاة التى لا تنسى) فى الثانى. ثم نكتشف أن الهدف الأول (العمارة والسيدة وزوجها وأبناءها) قد فتر عندما إستهدفه وإقترب منه وليس عندما إبتعد عنه.. أى أنه كان سرابا، وأن الهدف الثانى (الفتاة وقضبان الترام والمحطة) لا أثر له أصلا..أى أنه كان وهما. وهكذا يذوب الحلم بأكمله ذوبانا سحريا ناعما من مخيلتنا.. ولا يتبقى منه سوى نافذة خالية معلقة فى الفرا !!

الألوان والضوء والظل

أحلام فترة النقاهة لوحات غير ملونة !! يُستخدم فيها الضوء والظل على شكل فجر ونهار وليل ونور وظلمة، وتتنوع درجات الإضاءة بدقة لتعطى التأثير المطلوب فتحافظ على ضبابية الحلم وغموضه بدرجات مختلفة حتى تعبر عن مستوى الوعى ـ العميق والأعمق ـ دون شرح أو إطالة، إذ أننا هنا نعيش مع الحالم عملية الحلم نفسها وليس روايته أو حكيه.

ومع ذلك فهناك بعض الأحلام إستخدم فيها محفوظ الألوان، ولكن لوحة ألوانه palette لم يكن بها سوى الأبيض والأخضر ثم قليل من الأسود والأحمر…

الأبيض والأخضر يقعان ضمن فئة الألوان الباردة، وهما لونان لا يخطفان الأبصار ولا يجذبان العين، بل أن هناك مدارسا فنية تصف اللون الأبيض ب “اللالون”. ولذلك فوجود الأبيض والأخضر فى لوحات الأحلام لا يفسد ضبابيتها ولا غموضها، بل على العكس تماما فالأبيض يستخدم بدرجات مختلفة فى رسم السحاب والضباب والشبورة المائية وسطح الماء والأسطح الشفافة التى توحى بأنها تكشف عما وراءها بينما هى تحجب الكثير. أما الأخضر فهو لا يَبرز من داخل هذا الجو الضبابى، فموجاته الضوئية أقصر من أن تخترق الضباب، وربما يصطبغ فى وجود الشبورة بصبغة رمادية تحوله إلى رمادى مخضر يزيد من عمق اللوحة وغموضها.

إلا أن المحافظة على غموض الحلم ليست الوظيفة الوحيدة لهذين اللونين، فدراسة الفن التشكيلى بكل أنواعه لا يمكن فصلها عن دراسة اللون وطريقة إستخدامه ومعناه وتأثيره فى الأعمال الفنية بالإضافة إلى تأثيره فى المتلقى لها. والألوان منذ الأزل لها معنى رمزى إستخدمته الأساطير والحضارات المختلفة فى التعبير عند نحت التماثيل مثلا أو الرسم أو الحفر على جدران المعابد وصناعة الأصص والأوانى وغيرها. فكان من الطبيعى أن يرتكز الأدب أيضا على المعنى الرمزى للألوان فى التعبير وتصوير الفكرة.

فماذا يعنى اللون الأبيض فى الأحلام؟

اللون الأبيض هو لون الصفاء والنقاء ولكنه أيضا لون له علاقة بالزمن وأحيانا يعبر عن اللازمن. وكما يُستخدم الأبيض فى رسم الضباب والدخان فيرمز إلى الإرتباك والغموض وضحالة الوعى والرؤية فهو أيضا يُستخدم فى رسم الضوء فيوحى بالوضوح وحدة الرؤية والبصيرة، أى أن فى إستخدامه هدفا مزدوجا، فبتغيير درجة الإضاءة بواسطته يمكن التعبير عن مستويات الوعى والبصيرة المختلفة.

 أما عند إستخدامه مع اللون الأسود فتزداد المتناقضات وتتصارع ليعبرا سويا فى النهاية، فى هذا العمل بالتحديد، عن الإزدواجية الداخلية للإنسان، والصراع بين القوى فى مستويات وجوده المختلفة سواء فى الكون الخارجى أو الداخلى.

 واللون الأسود، مثل الأبيض، يعتبر أيضا لالون فى بعض المدارس الفنية. ويعتبر “جوته ” (فى نظريته عن تقابل الألوان) أن اللون الأبيض يقابل اللون الأسود، وأن الأخضر يقابل الأحمر فيخلق هذا التقابل إيحاء بالتناقض الجميل.

 وقد إستخدم محفوظ التناقض بين الأبيض والأسود فى تجسيد الصراع بين الحياة والموت،

ثم الموت والبعث فى الحلم التالى ـ الحلم (68) :

ما‏ ‏أجمل‏ ‏هذا‏ ‏المكان‏. ‏إن‏ ‏سماءه‏ ‏وأرضه‏ ‏وما‏ ‏بينهما‏ ‏تتألق‏ ‏بلون‏ ‏الورد‏ ‏الأبيض‏. ‏وجوه‏ ‏آية‏ ‏فى ‏النقاء‏ ‏والصفاء‏. ‏أما‏ ‏معجزته‏ ‏الحقيقية‏ ‏فهى ‏أنه‏ ‏جمع‏ ‏أصدقاء‏ ‏العمر‏ ‏الأحياء‏ ‏منهم‏ ‏والأموات‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يثير‏ ‏ذلك‏ ‏دهشة‏ ‏أحد‏. ‏فلا‏ ‏نحن‏ ‏سألناهم‏ عما‏ ‏وجدوا‏ ‏فى ‏العالم‏ ‏الآخر‏ ‏ولا‏‏هم‏ ‏سألونا‏ ‏عما‏ ‏حدث‏ ‏فى ‏الدنيا‏ ‏عقب‏ ‏رحيلهم‏.‏

ولكنا‏ وجدنا ‏أنفسنا‏ ‏جميعا‏ ‏فى ‏اللهو‏ ‏متمنين‏ ‏أن‏ ‏تدوم‏ ‏الحال، ‏غير‏ ‏أن‏ ‏الحال‏ ‏لم‏ ‏تدم ‏إذ‏ ‏هبطت‏ ‏من‏ ‏السماء‏ ‏سحابة‏ ‏سوداء،‏ ‏حتى ‏ساد‏ ‏الظلام‏ ‏وفرق‏ ‏بيننا‏ ‏وأنهمر‏ ‏مطر‏ ‏مثل‏ ‏الشلالات‏ ‏وتتابع‏ ‏البرق‏ ‏والرعد‏ ‏دون‏ ‏هدنة‏ ‏حتى ‏بلغت‏ ‏القلوب‏ ‏الحناجر‏.‏

وهنا‏ ‏تسلل‏ ‏لأذنى ‏أصوات‏ ‏بعض‏ ‏الأصدقاء

قال‏ ‏الأول‏ ‘‏إنها‏ ‏النهاية‏ ‘‏.

وقال‏ ‏الثانى ‘‏إنى ‏لمحت‏ ‏عند‏ ‏الأفق‏ ‏قبسا‏ ‏من‏ ‏الفرج‏ ‘‏.

وقال‏ ‏الثالث‏ ‘‏مهما‏ ‏يكن‏ ‏من‏ ‏الأمر‏ ‏فلا‏ ‏مفر‏ ‏من‏ ‏الحساب‏ ‘

يتلون الحلم تماما باللون الأبيض (فالسماء والأرض وما بينهما يتألق بلون الورد الأبيض). فهو إذن أبيض متألق يشع نورا.

 وقد لفت نظرى إختيار الكاتب للًون الأبيض للورد بالذات. فأوراق تويج  pétaleزهرة الورد مركبة، وهى تشبه الدوائر المتداخلة بنظام وبمثالية مطلقة، ويمكن تأملها كالمندالا mandala، الشكل الذى إعتبره يونج رمزا لجوهر الكون، كماأن الوردة فى الأساطير الإغريقية والرومانية ترمز أيضا لكأس الحياة والحب وربما يقابلها فى الثقافات الآسيوية والمصرية القديمة زهرة اللوتس.

و يعم هذا المكان الجميل النقى المتألق سلامٌ داخلى، فالأحياء والأموات أصدقاء، وينعمون باللقاء واللهو دون دهشة أو سؤال وسط لون أبيض – خال من أى تفاصيل أو عناصر- يجمع عالمين مختلفين (العالم الآخر… والدنيا)، وهكذا يتوه منا المكان والزمن، فتصبح اللوحة مرسومة فى لازمان ولا مكان…

 ثم يبدأ الجزء الثانى من الحلم بقلق خفى يتسلل من طيات أمنية مشكوك فى إحتمال تحقيقها وهى (أن تدوم الحال).. وبالفعل يبدو أن دوام الحال من المحال فتهبط من السماء (سحابة سوداء) !

 وهنا يظهر اللون الأسود واضحا ليتناقض بشدة مع اللون الأبيض الذى ساد فى الجزء الأول منه، كما أن إختلاف مساحة اللونين ملفتة للنظر: فالأبيض مساحة شاسعة غير محددة، بينما الأسود محدد جدا بين خطوط مساحة صغيرة وهى(السحابة) فيبدو وكأنه نقطة سوداء فى بحر أبيض.

 ومع ظهوره، وبرغم ضآلته حجما، يتحول الضوء والتألق إلى ظلام (ساد الظلام)، ويختفى السلام الداخلى ليحل محله الخوف والرعب (فتبلغ القلوب الحناجر) !!!الحقيقة أن جمال اللون الأسود يكمن فى غموضه. فهو فى ظلامه الحالك يحتوى كل الألوان بين جنباته وإن كنا لا نراها. ولذلك فبقدر ما يبعث على الخوف والترقب من الغيب والمجهول بسبب ظلامه فهو يعد بإحتمال إشعاع جديد من داخله بسبب إحتوائه على الألوان والضوء.

ولذلك فقد إختار المصريون القدماء لأنوبيس إله الموتى اللون الأسود للدلالة على قدرته الفائقة فى إعداد الميت للبعث بعد الموت والبقاء الأبدى للجسد، إذ أنه يحبس فى جسده الأسود كل الطاقة الحيوية الكامنة التى يحولها إلى المتوفى فيؤهله للإنطلاق.

فى الحلم تأتى السحابة السوداء فتُفرق بين الأحياء والأموات وتصبح قضيتنا فى النصف الثانى من الحلم هى قضية هذا الفريق الأخير…و هى إحتمال بعثه.

وهكذا نستطيع أن نتصور الحياة وكأنها موجة مضيئة بيضاء يجذبها الموت متمثلا فى ثقب أسود فيبتلعها تماما ويسجنها بداخله لتتشرب بما يختزن من طاقة، فتنساب وتتسرب من أحشائه لتتخلق من جديد على شكل موجة أخرى، تتجمع وتتركز لتشكل نقطة جديدة بيضاْ.

تظهر هذه الطاقة فى الحلم على شكل إنهمار (المطر والشلالات) إذ أن المياه رمز قوى لإعادة الخلق، بالإضافة إلى (البرق والرعد) اللذين يمثلان القوة والقدرة الإلهية. وكما أن الولادة تصحبها آلام المخاض تصحب الخلقَ أيضا آلام رعب لا تحتمل… تظنها (النهاية) ولكن (يظهر فى الأفق فرج.. بعد الحساب).

يصاحب اللونَ الأبيض أيضا اللونُ الأخضر فى الحلم (58) ليتغير المدلول تماما عندما يزخرفا سويا الترام الجديد من الداخل… ونلتقى بهما من خلال رمز الأنثى فى الأحلام.

و هنا ننتقل إلى اللون الأخضر بمفرده : وهو إزدواجى المعنى والرمز، فهو لون الطبيعة والنبات وبالتالى هو رمز الحياة والنمو والرخاء… ولكنه فى الوقت ذاته لون العفن والمرض والموت !

 وفى كثير من الرسوم الأوزيرية رُسِم أوزيريس بوجه أخضر فسًره البعض بعلاقته بوظيفة الإنبات والزراعة وأيضا بإحيائه وإعادة بعثه بعد أن قتله أخوه ست، بينما فسره البعض الآخر بالعفن والموت لكل ما هو فان، مثل الجسد، للإبقاء فى النهاية على جوهر الكائن المقدر له الخلود..

وعندما يوجد الأخضر بجانب المياه يزداد رمز البعث قوة إذ تنتقل طاقة (الماء)، مصدر الحياة، إلى الصورة لتظهرحياة جديدة… وهذا ما نراه فى الحلم (14) :

 تريضت‏ ‏على ‏الشاطئ‏ ‏الأخضر‏ ‏للنيل‏. ‏الليلة‏ ‏ندية‏ ‏والمناجاة‏ ‏بين‏ ‏القمر‏ ‏ومياه‏ ‏النهر‏ ‏مستمرة‏ ‏تشع‏ ‏منها‏ ‏الأضواء‏. ‏هامت‏ ‏روحى ‏حول‏ ‏أركان‏ ‏العباسية‏ ‏المفعمة‏ ‏بالياسمين‏ ‏والحب‏. ‏ووجدت‏ ‏نفسى ‏تردد‏ ‏السؤال‏ ‏الذى ‏يراودها‏ ‏بين‏ ‏حين‏ ‏وآخر‏. ‏لماذا‏ ‏لم‏ ‏تزرنى ‏فى ‏المنام‏ ‏ولو‏ ‏مرة‏ ‏واحدة‏ ‏منذ‏ ‏رحلتْ؟‏ ‏على ‏الأقل‏ ‏لأتأكد‏ ‏من‏ ‏أنها‏ ‏كانت‏ ‏حقيقة‏ ‏وليست‏ ‏وهما‏ ‏من‏ ‏أوهام‏ ‏المراهقة‏. ‏وهل‏ ‏الصورة‏ ‏التى ‏طبعت‏ ‏فى ‏خيالى ‏هى ‏الصورة‏ ‏الحقيقية‏ ‏للأصل؟

وإذا‏ ‏بصوت‏ ‏موسيقى ‏يترامى ‏إلىّ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏الشارع‏ ‏المظلم‏. ‏صارت‏ ‏أشباحا‏ ‏ثم‏ ‏تجلت‏ ‏مع‏ ‏ضوء‏ ‏أول‏ ‏مصباح‏ ‏صادفها‏ ‏فى ‏طريقها‏ ‏أدهشنى ‏أنها‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏غريبة‏ ‏على،هى ‏الموسيقى ‏النحاسية‏ ‏التى ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏استمعت‏ ‏إليها‏ ‏فى ‏صباى ‏ورأيتها‏ ‏تتقدم.

بعض‏ ‏الجنازات‏، ‏وهذا‏ ‏اللحن‏ ‏أكاد‏ ‏أحفظه‏ ‏حفظا‏، ‏أما‏ ‏المصادفة‏ ‏السعيدة‏ ‏غير‏ ‏المتوقعة‏ ‏فهى ‏أن‏ ‏حبيبتى ‏الراحلة‏ ‏تسير‏ ‏وراء‏ ‏الفرقة‏. ‏هى ‏هى ‏بطلعتها‏ ‏البهية‏ ‏ومشيتها‏ ‏السنية‏ ‏وملامحها‏ ‏الأنيقة‏، ‏أخيرا‏ ‏تكرمتْ‏ ‏بزيارتى ‏وتركت‏ ‏الفرقة‏ ‏الجنائزية‏ ‏تسير‏ ‏ووقفت‏ ‏قبالتى ‏لتؤكد‏ ‏لى ‏أن‏ ‏العمر‏ ‏لم‏ ‏يضع‏ ‏هدرا‏، ‏وقمت‏ ‏واقفا‏ ‏منبهرا‏ ‏وتطلعت‏ ‏إليها‏ ‏بكل‏ ‏قوة‏ ‏روحى. ‏وقلت‏ ‏لنفسى‏ ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏فرصة‏ ‏لا‏ ‏تتكرر‏ – ‏لألمس‏ ‏حبيبة‏ ‏القلب‏. ‏

وتقدمت‏ ‏خطوة‏ ‏وأحطتها‏ ‏بذراعى ‏ولكنى ‏سمعت‏ ‏طقطقة‏ ‏شئ‏ ‏يتكسر‏ ‏وأيقنت‏ ‏أن‏ ‏الفستان‏ ‏ينسدل‏ ‏على ‏فراغ‏. ‏وسرعان‏ ‏ما‏ ‏هوى ‏الرأس‏ ‏البديع‏ ‏إلى ‏الأرض‏ ‏وتدحرج‏ ‏إلى ‏النهر‏ ‏وحملته‏ ‏الأمواج‏ ‏مثل‏ ‏ورد‏ ‏النيل‏ ‏تاركة‏ ‏إياى ‏فى ‏حسرة‏ ‏أبدية‏.

معظم الصورة لونها أخضر، مرسومة على شاطىء أخضر يجاور مياه النيل. منذ البداية نتوقع بعث وإحياء !

مثل الحلم (20) هناك حوار بين القمر والمياه، وهو حوار خافت رقيق على شكل (مناجاة) بين الأرض والسماء، بين رمزين قويين : (القمر) الذى يمثل دورة الحياة و(المياه) مصدر الحياة. وبالرغم من أن هذا الحدث يحدث ليلا فى (ليلة ندية) أى فى الظلام، إلا أن (الأضواء) تشع من هذه المناجاة، فنجد الصوت يتحول إلى ضوء. ثم يتحول مرة اخرى (صوت الموسيقى) إلى صورة (أشباح) وتعود هذه الصورة إلى صوت مرة أخرى (موسيقى نحاسية) عندما (تتجلى) مع ضوء المصباح. هذا التبادل بين عناصر الكون المختلفة ؛ السماء والأرض، والصوت والضوء، ثم الصوت والصورة يجسد فلسفة التناظر les correspondences أو التقابل بين عناصر الكون المختلفة. وهى فلسفة روحانية تفترض أن الكون وحدة واحدة، عناصره تتحاور مع بعضه البعض. حتى الماديات فيه تتحاور مع الروحانيات والغيبيات فتذوب كل الفوارق بين المنام واليقظة، والموت والحياة، وبين الصورة الخيالية والأصل الحقيقى.

وهنا تلعب الإضاءة دورا هاما فى توصيل هذا التبادل إلى المتلقى. فمن ليل (مظلم) يشقه(ضوء) مناجاة إلى (ظلام) شارع تتجلى منه أشباح، ثم (ضوء مصباح) تتحول معه الأشباح إلى موسيقى. فلا يدهشنا إذن أن صاحبنا الذى كان (يتريض) فى أول الحلم، فنتخيله بعضلاته وجسده، يتحول فورا إلى (روح تهيم)، ولم يعد هو الذى يتساءل وإنما (نفسه) هى التى تردد السؤال، ولا يتطلع إلى الفتاة بكل قوته وإنما (بقوة روحه).. إنه تقابل آخر ولكن بين الجسد والروح. فهو إذن إنتقالة واضحة من الصورة المادية للأشياء فى دنيانا المألوفة إلى الصورة الروحانية فى عالم له “علاقة ما” بالموت، ظهر مع (الموسيقى الجنائزية). ربما يؤيد هذا ما ذهبنا إليه سابقا من لجوء الكاتب إلى عالم الموت للقاء هدفه المنشود من المعرفة الروحانية بعد أن فشل فى الحصول عليه وسط ماديات الحيا.

 أما البعث الذى أوحى به اللون الأخضر الذى رسمت به اللوحة فنجده مصاحبا لبعث روحه هو شخصيا ثم للفتاة التى تبرز مع الأشباح من الظلام وراء الفرقة الجنائزية….

ولننتظر أيضا رمز (الأنثى) فى الأحلام لنقترب أكثر من الصورة.

أما فى الحلم (63):

هذه أرض خضراء يحيط بها سور متوسط الارتفاع لكنه كاف لإخفاء ما يجرى داخله عمن فى الخارج، وتنطلق من وسطها مسلة طويلة فى رأسها علم، أما سطحها فيمرح بالشباب والحركة. خلت بادئ الأمر أننى فى ناد رياضى. ولكن بعدأن أمعنت البصر غلب على ظنى أننى فى سيرك، فهنا جماعة تسير على أربع. وهنا فريق يتبادل أفراده الصياح والركل. وفريق آخر يتعاقب الحركة ويتبادل الشتائم، أما البقية من الشباب فتشدو بألحان لم يسمع مثلها. وأردت أن أزداد علما فوجدتنى خارج السور فى مدينة كبيرة يشقها شارع عملاق تتكتل الجماهير على جانبيه خارج السور وهى تهتف متطلعة إلى العلم فى رأس المسلة. وأخيرا فتح الباب الكبير. وتهادى منه الموكب، عربة إثر عربة. وفى كل عربة شاب يجلس جلسة ملوكية، ينظر إلى الناس من عل. ويرد تحياتهم باستعلاء واستكبار.

مرة أخرى ترسم الصورة على أرض خضراء، ولكنها هذه المرة محاطة بسور متوسط الطول يكفى فقط لحجب الداخل عن الخارج وتتوسط الأرض مسلة فى طرفها علم!

هذه الصورة ربما تمثل داخل الحالم. وله حدود تحميه وتحجبه عن العالم الخارجى دون أن تفصله عنه تماما، إذ نجد (بابا كبيرا) بين العالمين يُفتح عند اللزوم. وتمثل هذا الداخل أرض خضراء (تنطلق) من منتصفها تماما مسلة !

من العناصر التى إستخدمها الكاتب كثيرا فى رسم لوحات الأحلام “الشكل العمودى ” الذى يبلغ عنان السماء ووضعه فى صدر الصورة ؛ فنجد العامود العملاق، والبرج، والمبنى الشاهق، والمئذنة الرشيقة، والمسلة الطويلة. وهذا البناء العمودى يرمز للعلاقة الوثيقة بين الأرض والسماء. والمسلة بالذات سواء فى الحضارة المصرية القديمة أو المسلات التى بنيت فى حضارات أخرى ترمز للرغبة فى الإرتقاء إلى المستوى الإلهى، والبعض يفسر مسلات هليوبوليس بأنها تجسيد للإله آتوم _ رع نفسه.

وجود المسلة فى منتصف الأرض أى فى مركزها هام للغاية، إذ ان المركز يمثل اللب أو القلب أو الجوهر، فإذا كنا نتحدث هنا عن الذات فالمركز يكون جوهرها ووجود المسلة به يدل على السمو والإتصال المباشر بين جوهر الإنسان وخالقه.. ربما كان العلم الذى فى طرف المسلةهو لتحديد الهوية. وهكذا يكون الكاتب قد حدد شكل الطبيعة البشرية من الداخل برسمها خضراء تعد بالتطور والنمو، وجوهرها متصل إتصالا مباشرا بالله تعالى وهويته لها علاقة بروحانيته.

ولكن هذا الداخل به حركة أخرى تبعد عن مركزها الروحى (المسلة). إنها حركة بهلوانية: مرنة مشوهة، ضاحكة باكية، عنيفة رقيقة.. إنها أشبه بالسيرك !

وتقوم بها ذوات كالمسخ (تسير على أربع، تصيح وتركل وتشتم وتغنى وتشدو) ربما كانت هذه هى صورة الذات فى لاوعى الإنسان،. ولكى يرى بوضوح حقيقتها كان يجب أن ينتقل إلى خارج (الأسوار)… خارج ذاته.

وهكذا يخرج صاحبنا من ذاته ليجد ” الآخر ” فى إنتظاره: (الجماهير)، ويتطلع “الآخر” إلى هويته (العلم) ليتعرف عليه. فتخرج أخيرا من الداخل (عبر الباب الكبير) ذواته المختلفة (عربة إثر عربة). وهنا أرى الكارتة مرة أخرى وحوذيها الذات الحسية والذات الروحية معا. ولكن يستوى فيها الحوذى الشاب فى (جلسة ملوكية) ينظر بإستعلاء !!

هل هذا هو التطور الذى تطوره الإنسان الهمجى الذى فى الداخل وما خرج من ذاته هى فعلا حقيقته فى صورتها النهائية؟ أم هو قناع إضطر لإرتدائه ليخفى حقيقته ليتعامل مع ما (ومن) ينتظره فى الحياة؟

على أى حال يفترض يونج أن ظهور اللون الأخضر فى الأحلام يربط الحالم بواقعه… فماذا عن اللون الأحمر؟

الأحمر لون قوى، يخطف الأبصار، من الصعب الإلتفات إلى لون آخر فى وجوده. وقد وجده المصريون رمزا للعنف والشر ولونوا به ” ست ” إله الدمار الذى قتل أخيه أوزيريس.

الأحمر لون الشغف والوله والمشاعر القوية، ويجده يونج عظيم الدلالة عند ظهوره فى الأحلام.. إذ أنه لون الدم.

وبينما يحافظ اللون الأخضر على ضبابية الحلم إلا أنه لا يمكن الإستمرار بهذه الضبابية فى وجود اللون الأحمر، فلنلق نظرة على الحلمين اللذين ظهر بهما لنرى كيف أثر عليهما :

الحلم (115) :

فى البدء التهب الخصام حول إصلاح البيت بين الساكنة فى الدور التحتانى ومالكة البيت المقيمة فى الدور الفوقانى وترامت الأصوات إلى الحارة الصغيرة ففُتحتْ نوافذ وأبواب وأيَّد البعض مالكة البيت. أما الكثرة فأيَّدت الساكنة واحتدم الجدلثم تطايرت الشتائم حتى أنذر الغضب الأحمر بسفك الدماء.

فى هذا الحلم يندلع الصراع بين ساكنتين للبيت (ساكنة الدور التحتانى) و(مالكة الدور الفوقانى)، وما يهمنا الآن ليس رمز البيت أو مكانة الدور (فوق أوتحت)، وإنما ما يلفت نظرنا فورا هى المشاعر القوية التى تسود الحلم : خصام وجدل وشتائم ثم غضب ودماء.

يبدأ الحلم بإيحاء باللون الأحمر دون ظهوره حقيقة (فى البدء إلتهب الخصام).. فالإلتهاب أحمر اللون. ونظل ننتظر ظهور اللون صراحة حتى يقترب الحلم من نهايته دون أن يظهر، فتحتقن اللوحة كلها به وتحتقن معه مشاعرنا، حتى (يحتدم الجدل وتتطاير الشتائم) ونفاجأ بظهور اللون على مشاعرالغضب فنشعر به ولا نراه فيزداد الإحتقان، ثم يصل إلى ذروته بالإنذار، مجرد إنذار، بإنفجاره مع (سفك الدماء).. لنظل متأهبين منتظرين ونحن فى حال !!

ويختلف الحلم (124) عن هذا الحلم:

كثيراً ما اجتمعنا بمكان يقع بين الحقول من ناحية والطريق العام من ناحية أخرى، حتى قال لى صاحبى إن هذا الموقع لا يضمن السلامة فى كل الأحوال ومن لحظتها سكن القلق فى صدرى حتى استيقظت ذات صباح على ضجة وصياح فقمت إلى النافذة فرأيت جموعا لا يحصرها حصر وجماهير لم أميز فيها سوى الغضب الأحمر.

ألفاظ هذا الحلم أهدأ من الحلم السابق (فالسلامة) مهدَدة مما يبعث على مجرد (القلق). و(الضجة والصياح) لم يكن معهما شجار ولا صراع مثلما كان فى الحلم السابق.

ثم تمتلىء اللوحة تماما بالجموع والجماهير، ولكن الغضب هنا ينفجربسرعة فيغطى لونه الأحمر على كل ما فيها حتى أن صاحبنا لم يميز سواه (لم أميز فيها سوى الغضب الأحمر).

إحتقان الحلم السابق أثر على الرؤية بلا شك، فلا يمكن الرؤية بوضوح والمشاعر كلها على المحك بهذه الصورة، أما إنتشار اللون الأحمر فى الحلم الثانى فقد غطى على كل العناصر حتى إستحالت رؤيتها… إنها ضبابية من نوع آخر، ضبابية ساخنة، أوحى بها محفوظ للمتلقى بإقتدار.. برغم إستعماله للًون الأحمرالذى يتحدى الضباب.

ما سبق هو عرض سريع للإطار التشكيلى الذى تضمن محتوى الأحلام. أما أدوات الكاتب للتعبير عن هذا المحتوى فهى كثيرة نبدأ بأهمها وهو : ” راوى الأحلام “. ما رأيك؟ هل أستمر أم أتوقف؟ أميمة

د. يحيى:

أشكرك لثقتك برأيى

لا يوجد أى احتمال للتوقف

لا أظن أن التعليق فى هذه المرحلة مفيد بل هو قد يكون معطلا،

حين ينتهى عملك هذا، وسوف ينتهى كأحسن ما يكون، يمكن أن تكون هناك فرصة لنقد النقد

إياك أن تتوقفى.

والدعوة للرأى لمن يشاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *