الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حـوار بريد الجمعة

حـوار بريد الجمعة

“يوميا” الإنسان والتطور

9-11-2007 

حـوار بريد الجمعة

مقدمة:

برغم ما وصلنى من تحفظات على مستوى الحوار هكذا، إلا أن أغلب الآراء كانت فى اتجاه الإبقاء عليه، وقد كان رأيى مع أغلب الآراء، أملا فى تواصل أوسع، وشبكية أثرى اختلافا.

أغلب الآراء أيضا رفضت تخصيص يوم بذاته من أيام الأسبوع لموضوعٍ بذاته، وقد تراجعنا لذلك عن ذلك، (فيما عدا الخميس – محفوظ- والجمعة –الحوار).

ثم نبدأ اليوم بالصديق الابن د.كريم محمد شوقى

د. كريم محمد شوقى (سلطان الأسطورة) 3-11-2007

تعتعة!! دا بقا زلزال بقوة عشرة ريختر… والجهل نعمة، وفيه كرامه زيه زى الجنون، وحضرتك مصمم تفوقنا من الجهل والكسل اللذيذ والعته البليد. استخدام الاسطورة للربط بين التداوى الشعبى والتداوى بالأدوية الحديثة وصّل لى معلومات جديدة قد تساعدنى على مساعدة مريض أتحمل أنا مسئوليته الآن؟.

د. يحيى:    

يارب سهّل

شكراً، يا كريم، بصراحة أنا أعتبر قيمة الكتابة بقدر ما تسمح بمثل هذا التغيير فى الموقف أو فى السلوك خصوصا حين يصل النفع إلى مريض يحتاجه مثلما تقول. ولعلك تعرف موقفى من التطور بصفة عامة. وأن اسم الجمعية التى تصدر عنها هذه النشرة، وهى ما تبقى من مجلة الإنسان والتطور، هو جمعية الطب النفسى التطورى والعمل الجماعى!!، (هل وصلتك دلالة إضافة “العمل الجماعى” إلى اسم الجمعية؟) أنا لست أدرى كيف رحّب الناس بهذه المجلة طوال عشرين سنة دون التطرق بشكل مباشر إلى قضية التطور بما ينبغى كما ينبغى، مع أننى لم أكف عن الإشارة إليها سواء بالنسبة لموقفى الشخصى من الوجود والموت والله سبحانه وتعالى، أو لموقفى العلمى والمهنى من المرض النفسى، وخصوصاً “الفصام”.

د. كريم محمد شوقى

يبدوا أن الواحد لازم يقفل علي نفسه ويقعد يقرأ عشر سنين متواصلة عشان يعرف يجاريك أستاذى الفاضل

د. يحيى:    

ليس هكذا تماما، (مش قوى كده)! أنا لو قرأت مليون صفحة لايمكن أن أصل إلى ماوصلت إليه من خلال قراءة النص البشرى لمريض واحد، متجادلا مع نصِّى البشرى الذاتى، كنت دائما أنصح طلبتى تحت التدريب أقول لهم إن رحلة سنوات مع مريض فصامى واحد سوف تعلمك كل الأمراض، وربما كل البشر وكل الحياة.

د. كريم محمد شوقى

فرضك بشأن مرض عصام مثير للجدل وصعب الهضم نوعا ما، رغم بساطته, أعتقد أن حضرتك علمتنا أن الفطرة و ما شابهها…، أن أى تناول لها بالكلام يشوهها ويفسد معناها وبالتالي كان الله في عونك وأنت تكتب هذا الفرض (أعتقد أنك ترددت كثيرا قبل أن تتناول الفطرة بالكتابة).

د. يحيى:    

فعلاً ترددت لكننى غالبت ترددى حين ألحت علىّ هذه الورطة بالالتزام اليومى التى بدأت أعتقد أنها قادرة أن تزيل بعض هذا التردد، وخاصة وأن جرعة الطب النفسى (قراءة النص البشرى)  تتزايد باستمرار، وهى تثير من الفروض الجديدة، ما يستحق النظر وإعادة النظر.

د. كريم محمد شوقى

حضرتك علمتنا أنه مفيش فرض صح وأخر خطأ، ولكن هناك فرض مفيد …أتمنى أن يكون هذا الفرض الصعب السهل قد أفاد عصام وكانت النتيجة هي إتجاه السهم للمسار الصحيح

د. يحيى:    

بصراحة لا أخفى عليك أن عصام هو صديق حالى، وأن استجابته الإيجابية لاتبدو فى الأفق، وأنها ليست شرطا لصحة الفرض، وذلك أن عوامل كثيرة تحدد ذلك كما تعلم، ربما لهذا جاء تحفظى فى النهاية أنه إن لم يستطع عصام أن يستفيد منها، فلنفعلها نحن.

د. كريم محمد شوقى

بس فيه شئ مش فاهمه…ناس كتير بيعيشوا حياة زى حياة عصام، بيحصل تباعد بين القشرة والفطرة…يا ترى ليه مش بيتفسخوا هذا التفسخ الرهيب

د. يحيى:    

عندك حق، بجد عندك حق، وأرجو أن أستطيع الإجابة عليك من خلال الاستمرار مع عشرات الحالات ومع أنفسنا ومع عطاء المعرفة من كل مصدر آنىّ وسابق، وفى هذه النشرة إن شاء الله وطال العمر مع أننى أرى أن اللغة تزداد صعوبة على من يسميهم الابن يوسف عزب الشخص العادى، لكن أرجو أن تصل إلى تعقيدات ابن أخى الذى تتعاطف أنت معه يا كريم هلا سمعته

د. محمد أحمد الرخاوى (أحوال وحالات) 5-11-2007

فى تعاملى اليومى مع عامة الناس يشق علىّ جدا التعامل مع كتل الجمود فى المحلك سر، ولذلك أوافق تماما على أن الفطرة هى الحركة المركزية الغائية إليها – الفطرة – وإلى المطلق.

د. يحيى:    

يا محمد، يا محمد، شكرا لاقتطافك أهم ما جاء فى حديثى عن الفطرة، وشكرا لمشاركتك، أنا حين كتبت أن الفطرة هى حركة وليست “مفهوما” كنت مترددا خشية أن أُفهم خطأ أو ألاّ أفهم أصلا، أما حين كتبت أنها “هى الحركة إليها“، فقد فزعت أكثر، وأنا مازلت حتى الآن لا أفهم جيدا ما كتبته أنا شخصيا، وأشعر أننى سأعود إليه كثيرا، فإذا كان قد وصلك ما خطر لى بالرغم من ذلك، وبهذا الوضوح، حتى أضفت إليها “المركزية الغائية” كما أضفت توجهاً محددا: “إلى المطلق“، فهذا شئ يفرحنى ولا يطمئننى، يفرحنى أنك تحاول، ولا يطمئننى  لأن المسائل شديدة الصعوبة، وينبغى أن نحذر الإسراع هكذا بالفهم أو بالشرح.

د. محمد أحمد الرخاوى

أضيف أن خطر الانقراض يأتى حالا من الحركة العكسية – أى ضد الفطرة – فى صورة تَعَمْلُق هذا التوقف المميت؟

د. يحيى:    

ليكن يا محمد، ليكن، لعلك تتبعت ما نشرتُه لاحقا عن توضيح ما عنيتُه بالفطرة ردا على ما وصلنى من هجوم، وفى نفس الوقت من سوء فهم لاستعمالى كلمة الفطرة، حتى أننى تعهدت أن أواصل العودة إلى شرحها وبدأت بالحديث عن الفطرة والجسد يومية 6-11 ، كما أننى مازلت لا أجد لكلمة الفطرة ترجمة إلى الانجليزية، وأرفض رفضا قاطعاً أن تكون الترجمة Instinct، ثم تأتى أنت لتعقد الأمور أكثر، ماذا تعنى بقولك “تعملق هذا التوقف المميت“؟

د. محمد أحمد الرخاوى

… أعنى انسلاخ الغائية بتفاعلاتها الجدلية الآنيّة الحيوية؟

د. يحيى:    

الله يسامحك، برغم أننى لا أنكر جديتك واجتهادك! هل تعرف أن من أهم ما ساعدنى أن اتجنب مثل هذه العبارات هو ما قرأته يوما من “إن الحديث عن الجدل هو ضد الجدل”، ومع ذلك فليس عندنا بديل على ما يبدو، أما عن إضافتك كلمتىْ “الآنية الحيوية” فقدد وصلنى أنك أصبت بعض الهدف لو كنتَ حقا تشير بـ “الآنية” إلى روعة الالتزام بمبدأ “هنا والآن”، أما استعمالك لكلمة “الحيوية” فقد طمأننى إلى أن ثَمَّ من يشاركنى علاقتى “بالبيولوجيا الحقيقية“، التى اختزلوها إلى كيمياء وتشريح فى معظم الطب النفسى الأحدث، لست أفهم كيف يتجنب هذا الطب الذى يتعامل مع كل هذا اللحم الحى وحركية الوجود والموت، كيف يتجنب مواجهة هذه المسائل عن الموت والوجود التى يعريها المرضى ليل نهار.

د. محمد أحمد الرخاوى

الأصل هو الموت والحياة احتمال يفشل فيه الكثير. الحياة هي اليقين بالموت واعبد ربك حتي يأتيك اليقين !!!!!! قال نجيب محفوظ “الموت لا يجهز علي الحياة وإلا أجهز علي نفسه “لولا الموت لما كانت هناك حياة ولولا الحياة لما كان هناك موت، دورات متلاحقة من محاولة التشبث بأمّ الحقائق وروعةالوجود وهوالموت، لكي يتم الابداع كله!!!!

د. يحيى:    

أذكر أن هذه التوجهات كانت أطروحتى بعنوان (دورات الحياة وضلال الخلود “ملحمة الموت والتخلق فى الحرافيش”)، ويمكن أن ترجع إليها من جديد إن شئت فهى فى الموقع .

والآن أدعوك معى إلى الصديق يوسف عزب الذى أرسل تعليقاته بأثر رجعى مثل الأسبوع الماضى، وأنا مضطر إلى تجاوز أغلبها إما لأن مواضيعها أصبحت بعيدة تاريخاً. وإما لأن التعليقات غامضة وقصيرة، وقد لا تسمح بالمشاركة مع أغلب الأصدقاء.

أ. يوسف عزب (بعض وصف بعض مصر(1) & من ملف القيم والأخلاق 16-10

تعليقى الرابع: هو (يوسف يعنى الكاتب، أنا) مش عارف الناس الغلابة عايشة إزاى  (؟).

وتعليقى الخامس: إزاى يقول كده..؟ هو مش عارف الناس سقفها قد أيه؟

د. يحيى:    

أهلا يوسف… اسمع يا عمنا، أنا أقول ما عندى، ورزقى على الله، أنا لو عملت حساب الناس الغلابة الذين تعنيهم فلن أفتح فمى، أو أنطق حرفا، أحسب أنك تعنى أولئك الذين يستعملون دفاعات ثقيلة وجاهزة تمنعهم من إعادة النظر، أنا يا يوسف لو عملت حساب سقف الناس الذى تشير إليه، والذى يبدو أنك تراه منخفضا جدا، فلن أفعل شيئا هكذا هنا، ولا فى أى مكان آخر.

حين أرجع إلى مجلتنا (الورقية) “الإنسان والتطور” التى مازال الكثيرون يذكرونها بالخير، أجد فيها ما هو أصعب شكلا، وأخطر شطحاً، ومع ذلك فقد بقى منها عند من أعرف ومن لا أعرف ما يطمئننى أن اثق “فى الناس” – “عامة الناس”، وألا اضع لهم سقفاً من عندى يمنعنى شخصيا أن أواصل سعيى إليهم.

يكفينى يا يوسف ما وصل للابن د. رفيق حاتم وهو حيث هو، وقد ربط بين ممارسته الطبية فى بلاد الفرنجة، وبين ما تطرقنا إليه هنا عن مفهوم الغيب، صحيح أن رفيق سقفه عالٍ، وهو متخصص، ولا يمثل عامة الناس، لكن إيش عرفنى أين يقع سقف الباقين.

أ. يوسف عزب حوار الجمعة 19-10

الحديث بتاع الدكتور رفيق مذهل وعظيم الفائدة (الله ينور يا د/ رفيق) خاصة حديثة عن الغيب،

(ثم دعنى) أستاذنكم فيما ورد بذهنى عن الإيمان بالغيب: فقد أصبح لدىّ اعتقاد أساسى بأن العبادات شُرِعَتْ لصالح كفاءة وعمق واتزان حياة البشر للحفاظ على طريق ما .. طريقٍ غير معلوم.

 إن الله باكتماله لايحتاج عبادات من البشر، وفى هذا الإطار أخيرا، رأيت أن الإيمان بالغيب هو ترجمة مباشرة لمفهوم أن يضع الإنسان فى ذهنه أن هناك احتمال أخر لايعرفه”

د. يحيى:    

أنا لا أميل يا يوسف إلى البحث فيما شُرِعَت له العبادات، لأن هذا ليس من اهتماماتى ولا من مهمتى، العبادات شرعت لأنها عبادات، وقد رفضتُ طول عمرى – مثلا- تعداد فوائد الصيام التى يبالغ فى سردها الأطباء كل رمضان، حتى تبدو لى أنها رشوة خائبة للمؤلفة قلوبهم تبرر مشروعية الصيام، وكأن الصيام شرع لهم ليحققوا رجيما ربانيا، أو ليعالجون به ضغط الدم، أوالسكرى، أنت لم تقل ذلك، لكن الشئ بالشئ يذكر. العبادات يا يوسف تؤدى عندى وظيفة ضرورية، وهى “معنى الالتزام الغامض بالإيقاع الحيوى المتجدد”، سواء هى شُرِعَتْ لذلك أم لا، ثم إنها تشحذ وسائل التواصل الأخرى مع العوالم الآخرى، مع المجهول، مع الغيب، مع المفتوح النهاية، التواصل بالجسد خاصة، كما أنها تحضّر فى الوعى بالممارسة لا بالكلام تحضّر “المجهول/المعلوم/المجهول”، تحضْره بانتظام راتب، بالنسبة لى، أنا أستطيع أن أجزم أن محوراً ما يتكون حوله وجودى الخاص من خلال تكرارها، كل هذا دون الدخول فى التفاصيل عمداً، وعدم الدخول فى التفاصيل هو أيضاً جانب من الإيمان بالغيب.

أنا لست مع الذين يناقشون العبادات بالألفاظ، أو بالشرح، أو بالتفسير أو بمبدأ الفائدة العاجلة، ولا أعرف بديلا عن العبادات يحقق لنا هذه العلاقة المنتظمة مع الكون إلى مَنْ وسع كرسيه السماوات والأرض سبحانه وتعالى، لا أعرف كيف، ولا أريد أن أعرف جدا، ولا أستطيع …

آسف يا يوسف، يبدو أننى أحدّث نفسى، فلتسمح لى أن أعرج إلى رسالة من صديقة جديدة تبدو أنها حسنة الظن بنا جدا .. إلخ.

أ. سندس محمد (من رسالة خاصة طويلة جدا، ليست تعليقا على موضوع بذاته)

(أنا) … بافهم الناس، وباعرف ما فى نفسيتهم وعمقهم، أحيانا باحس بيهم، وباعرف بيفكروا فى إيه وده شئ طبيعى؟

د. يحيى:    

يا سيدتى، شكرا لرسالتك التى بلغت عدة صفحات، وعذرا للاكتفاء بالرد بهذه السطور التى تفيدك أن رسالتك الأولى قد وصلت، نحن نقدر تقديرك لما نحاوله، هو تشجيع رائع، ثم أعود إلى تحذيرك من الاطمئنان الشديد لمثل هذا الحدْس (بافهم الناس..إلخ)، فهذا أمر يعتقده كثير منا، وعلينا أن نعتبره مجرد “فرض” محتمل صحته، وذلك حتى لا تترتب عليه مشاكل أكبر من حسن نيتنا، وأنا أرى أن المبالغة فى تقدير احتمال صدق مثل هذا الفرض قد يفسد العلاقات بين الناس، عكس ما ذكرت فى رسالتك.

أ. سندس محمد

… أرجوا المساعدة، فكرت فى مرحلة إنى لازم اتكلم مع حد فاهم، حد يساعد، لأن الاكتئاب القومى ده بقى صعب، هيا دى الحياة؟ كده حرااااااااام.

د. يحيى

يا شيخة حرام عليك أنت هذه المبالغة، ثم إنى لا أحب هذا التعبير “الاكتئاب القومى“، هذا التعبير الذى شاع مثلما شاعت تصريحات شبه علمية حول تواتر نسب الأمراض فى مصر!! بطريقة غير مفيدة مثل أن 20 % من الشباب عندهم اكتئاب!! لنفرض أن هذا صحيح “ثم ماذا“؟

 أما حكاية “لازم اتكلم مع حد فاهم” فهى مهمة فعلاً، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الحدّ طبيب نفسى، وبصراحة ليس ضروريا طول الوقت أن نصدق أن “الفضفضة” هى الحل، أحيانا تكون بمثابة تفريغ صندوق به قمامة جفت وتآكلت، ويكون الكلام عنها نوعاً من إحياء عفونتها، بلا داع، كل هذه الإشاعات التى تدعونا أن “نطلّع إللى جّوانا” علينا أن نراجعها، وفى نفس الوقت علينا أن نتمسك بحقنا فى “البوْح“! لكن لمن يرانا من أهل الثقة”، وليس باستمرار، ثم أين هم؟ دعينا نقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفضفض لربنا أكثر من الناس “اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس” … الخ شريطة أن نتذكر أنه سبحانه قريب قريب، لا يحتاج إلى تأشيرة من أى سفارة لمخاطبته أو سؤاله دعاءً ورحمة، وأن هذا لا يغنى عن البوح للناس.. لكن…

أ. سندس محمد

…يارب الناس تفهم بعض بقى وتحس ببعض، وتقدر تعين بعض، وأقدر أبقى أقوى وأكون أفضل، الحياة حلوه (لكن) بعض البشر بيجعلوها مش كده، بيفهموها غلط، ومش بيدركوا ولا بيقدروا، والغريب إنهم عايشين، وفاكرين إنهم صح ؟

د. يحيى:    

… وأنت أيضا تظنين أنك “الصح”، وأنا ايضا أظن أننى الصح، كل واحد فى نفسه مَلِكْ، لابد أن نتحمل بعضنا البعض مختلفين، ونحن نتمنى أن نعين بعضنا البعض، وأن نفهم بعضنا البعض كما تقولين، شكرا يا سيدتى وتعالى معنا نرى ماذا يقول الصديق النشط المثابر الظريف، الابن رامى عادل.

أ. رامى عادل  (فصام عصام) 5-11-2007

الفطرة هيه أنك تبقى على طبيعتك، … أقصد إنك تعيش حياتك على قد ما تقدر، وتلوّن الأيام….

د. يحيى:    

حلوة “تلوّن الأيام”، هذه يارامى (إحذر عملية خلط الألوان يارامى مع أنها ضرورة رائعة) لكننى توقفت كثيرا عند قولك “تبقى على طبيعتك“، وهل أنت أو أنا، أو أى واحد يعرف طبيعته، حتى يمكنه أن “يبقى على طبيعته”؟ مازلت أكرر ما كان يتقرب به بعض الصوفية وهو يذكر الله قائلا “ربى كما خلقتنى .. ربى كما خلقتنى” لأنه لا يعرف طبيعته، ويدعو الله أن يعينه أن يكون كما خلقه دون تحديد، بحيث يستجيب ربنا لدعوته، والله سبحانه أدرى كيف خَلَقَهُ، خَلَقَنَاَ.

أ. رامى عادل (الفطرة والجسد)  6- 11-2007

عينى فى عينك وواخدين  وضع جسدى بنتشكّل، وساعات أيوه ساعات.. بنقابل ربنا،  إحنا بين ايدينا، بنتشكل، ومن جوانا، وبنتمرد على كل وضع، وبنتحرر وبنتغير، وساعات بنطير، ومعانا ربنا جوانا، تمام زى  العصافير، ونحب، ونغنى، نمسك  مزامير نلبس   طراطير.

د. يحيى:    

أوافقك يا رامى وأنت تعقِّب بكل هذا الشطح الجميل على مقال الفطرة والجسد، أوافقك لأن الكلام المنظم أحرجنى وأتعبنى ولم أعرف كيف أرد، أوافقك حتى أننى أتوقف عن الرد عليك بالألفاظ..، من أهم ما استفدته منك يارامى أن مزاجك يتقلب بنشاط طازج حسب اليومية، فالذى يسمعك تغنى هكذا، لا يصدق أنك توقفت بهذا الصمت الجميل عند نهاية يومية “الموت والوجود” واكتفيت بتكرار جملة واحدة وردت فى آخرها.

أ. رامى عادل (الموت والوجود أو الموت والجسد) 7-11-2007

“… أننا نحمل الموت إلى تاريخنا الشخصى وذلك بنقل معنى حياتنا للآخرين”؟

د. يحيى:

مجرد اقتطافك هذه النهاية أثلجتنى، وأعتقد أن عودتنا إلى هذا الموضوع الصعب كما طلبت د.سناء قد يفتح لنا آفاقا جديدة وصعبة للحوار فيما بعد، ربنا يستر.

د. سناء  (عن الموت والوجود) 7-11-2007

We need such books, (كتاب “الموت والوجود”) in my opinion, because we learn from them even a little………… Not grasping the whole is not a good excuse to let all go…. But doctor, in your opinion….how you define death? and existence?         

د. يحيى:    

يا سناء، لم أعرف أنك أنت تلميذتى الهاوية إلا هذا الصباح، ياسناء ربنا يخليك، مازلت أذكر تشجعيك بمناسبة أغنية “وبدال ما يثور يفن” وأنت تكتبين إلينا بالانجليزية حتى عنوان اليومية، وقد تعمدتُ هذه المرة ألا أترجم ما كتبتِ، وأنا أمتلئ غيظا من أحفادى وأصحابهم الذين لا يعرفون الكتابة على حاسوبهم إلا بالانجليزية، لهذا لن أترجم ما كتبت أنت هذه المرة لأغيظك، وليعرف سؤالك من لايعرف الانجليزية من ردّى عليك هكذا:.

..أنا لم أتساءل فى نهاية يومية “عن الموت والوجود” لماذا نترجم وننشر هذه الكتب لأننى أعترض على نشرها أو ترجمتها، بل كان تساؤلى نوعا من الاحتجاج على أن تكون الترجمة لمجرد الترجمة، ما الفائدة إذا نحن لم نتحمل يا سناء مسئولية ما ننشر ونترجم بأى قدر حقيقى.

إذا لم يصلنا بعض ما أراده المؤلف أو المترجم أو الناشر، فنحن لا نستحق هذا الجهد، لقد تصورت أن كل من يقرأ مثل هذا الكتاب الرائع الذى بلغ 610 صفحة من الحجم الكبير كما قلت، ثم يخرج منه بنفس الإجابات التى كانت عنده قبل أن يقرأ عن الموت بالذات، عن الوجود، أتصور أن الأفضل لمثل هذا الشخص أن أنصحه ألا يقرأه أصلا، أنت لا تتصورين كم أفادنى هذا الكتاب وطوّر فروضى حول الموضوع، كما صحَّحَ بعض فكرى، وحفزنى للمزيد من البحث حوله.

شكرا لتشجيعك يا سناء مرة ثانية، أما طلبكم أن أقول لك تعريفى لما هو “الموت”، و”لما هو الوجود،” فاسمح لى أن أذكرك أنه لا يخنق المعنى إلا حبسه فى تعريف جامع مانع، كثير من التعريفات هى سجن للمعنى، ولكن دعينا نستمع لرأى الصديق الابن د.أسامة عرفة فى هذا الموضوع الشائك .

د. أسامة عرفة:

هل سنتناول الموت لأجل تشكيل الحياة؟؟.. يعني هو إحنا عرفنا نعيش لما نشوف (إزاى) هنعرف نموت ..؟؟

هل الموتى في الحياة أو بعضهم قادرين على الحياة في الموت أم الأحياء في الحياة هم الأقدر على ذلك؟

في العلاج الجمعي هل يمكن الشغل في الموت الموت في هنا والآن ؟؟

د. يحيى:    

بصراحة يا أسامة كنت أحسب أنك ستدلى بدلوك فى هذه المسألة، وإذ بك تغمرنا بأسئلتك الذكية، وبما أنها أسئلة ذكية، فهى تحمل إجاباتها غالبا، فاسمح لى أن أكتفى بأن أضع لبعضها هوامش مثيرة، وليست إجابات بالضرورة.

– أتصور أن الوعى بالموت، كوعى آخر، يجعله حياة كامنة ومن الآن.

– الأحياء، فى الحياة هم القادرون على الموت والحياة معا .

– الموتى فى الحياة لاهم قادرين على الموت ولا على الحياة.

– فى العلاج الجمعى يمكن الشغل فى الموت فى الهنا والآن كأروع ما يكون، وإذا أتيحت الفرصة يا أسامة سوف أفصّل لك ذلك.

وبعد يا أسامة، إن الدخول فى هذه الأمور هكذا قد يحير القارئ الزائر أكثر فأكثر، وأنا لا أعرف حلاَ لهذه المسألة، وقد واجهتها كما لاحظت وأنا أتناول مسألة الفطرة، وعلى فكرة قضية الوجود والموت عندى لا تنفصل عن قضية الفطرة كحركية متنامية، ولكن قبل ذلك دعنى أسمع رأيك فى قراءتى(لحلمىْ محفوظ (5)، (6) يومية 8-11-2007).

د. أسامة عرفة:

ماذا لو جمعنا الحلمين معا فى حلم  واحد افتراضاً ثم نعيد قراءتهما من منظور ظهور (البلياتشو والأستاذ) باعتبارهما رموز لحركية وتفاعل الكيانات الداخلية .. معا أو مع الواقع الخارجى.

ولاّ بلاش شقاوة؟؟

د. يحيى:    

طبعاً بلاش شقاوة، أنا خجلان من الجملة التى أضفتها للحلم (6) وغالبا لن أكرر مثل ذلك أبدا مع أن شيخى محفوظ سمح لى بها بعد نقاشه مع الشيخ محرم بمكالمة هاتفية موثقة، أنا يا أسامة أجد صعوبة متزايدة فى نقدى لأحلام فترة النقاهة هكذا واحدا واحدا، ويبدو أننى ورطت نفسى إذ ألزمتها بمنهج قراءتى النقدية للأصداء، وهأنذا أتبين أكثر فأكثر أن هذا شئ وذاك شئ أخر، ولا أعرف إن كنت سوف أستمر هكذا أم سأجد منهجا آخر.

ربنا يسهل، والآن هات ما عندك عن الفطرة.

د. أسامة عرفة: الفطرة  الجسد و تصنيم الألفاظ

جاء في مقالكم المكثف أن الفطرة حركة في مقابل السكون الفطرة حركة واتجاه..

د. يحيى:    

أظن أننى كنت أريد التأكيد أكثر على أنها “حركة فى اتجاهها“.

د. أسامة عرفة:

أود أن أشير أن الاسلام لم يقل غير ذلك بل قال ذلك نصا وروحا.. لنتأمل قوله تعالى:”  ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها“، فطرة تركيب جدلية ثنائية القطبية على مدى طيف شديد الامتداد بين الفجور والتقوى، وعليه فاختزال الفطرة إلى الفجاجة من ناحية أو النقاء من ناحية أخرى يؤدي إلى المحصلة صفر، إذ يسقط هذا التركيب الجدلي.

 ثم نتأمل قوله تعالى : قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها:  وهو يعرض لفعل حركي جدلى ممتد من قطب في اتجاه القطب الآخر فجورها –تقواها وهو “زكاها – دساها“، حركة التزكية في الاتجاه من الفجور إلى التقوى ودساها فى الاتجاه من التقوى الى الفجور

د. يحيى:    

لن أعلق على تعليقك حتى لا أفتح الباب للمناقشات اللفظية التى لا تنتهى حتى قبل آخره، لقد وصلنى توجهك، وأنا أوافق عليه من حيث المبدأ، فقط أريد أن أذكرك بما جاء أغلبه فى مقالى عن الفطرة والجسد، من حيث أن أغلب الفقهاء، إن لم يكونوا كلهم، قد اختزلوا الفطرة إلى عكس ما تقول وأتصور، ثم دعنى أعلن لك أن هذه الآيات الكريمة لم يصلنى منها أى استقطاب إلا فى نقطة البداية حين ألهمها ربها ما ألهمها، أما بعد ذلك فقد وصلتنى حركية الفطرة، والفطرة الحركية من خلال “زكاها” التى ليس لها معنى إلا “نمّاها”، فعرفت منها، ومن كل ما أعرف، أننا نحن الذين ننميها بهذا الجدل الذى يحتوى فجورها لا ينفيه، وفى نفس الوقت يتصاعد بتقواها ولا يكتفى به، فتكون الحركة كدحا إليه هى هى طريق “نمّاها“.

إياك يا أسامة أن تتصور أننى أفسّر النص الكريم بالعلم العاجز، هذا ما وصلنى استلهاما لا أكثر، وهى مسئوليتى فردا، حتما ودائماً.

دعنا أنت وأنا نعتذر للقارئ الزائر إن كان لم يستطع متابعتنا، ونختم بصوت هادئ ونحن نستمع إلى الابن صاحب الفضل اسلام أبو بكر على هذا الموقع. وقد كتب لى هذا الأسبوع كثيرا شاكرا حوارى معه، الأسبوع الماضى، وأننى ذكرت فضله، مع أننى لم أوفيه إلا بعض حقه، ماذا عندك يا إسلام اليوم؟

أ. إسلام  (حوار بريد الجمعة) 2-11-2007

…عن مستويات الوعى، أعتقد أننى أريد أن اجتهد أكثر فأكثر كى اتلاحم فكريا وكليا مع مصطلح “تحريك مستويات الوعى معا”، حتى أفهم أكثر فأكثر؟

د. يحيى:    

تصور يا إسلام أن التقاطك لتعبير “تحريك مستويات الوعى معاً” كان من أروع ما طمأننى أن وضع هذه الكلمات الأربعة بجوار بعضها هكذا، قد أوصل شيئا ما إلى من أريد، شيئا هاما ورائعا، أرجو أن نقدر على الإحاطة به بهدوء: “واحدة واحدة”. تقول يا إسلام: “حتى أفهم أكثر“، وأنا أيضا أريد أن أفهم أكثر وأكثر، ولكن لنتذكر “معاً” أن المسألة لا تتوقف عند الفهم ولكنها -يارب – تمتد إلى “المعايشة” و”الخبرة” و”الوعى” و”المعرفة

… دعنا لا نتوقف، وسوف نفهم ونعرف ونعمل معاً مادمنا قررنا أن نعيش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *