“يوميا” الإنسان والتطور
14-3-2008
العدد: 196
حـوار/ بريد الجمعة
مقدمة:
يظهر هذا الحوار اليوم، وأنا خارج البلاد، وغالباً سوف أعود هذا المساء، إلا أنى قدرت أنه لابد أن يدخل الموقع قبل عودتى، لذلك تركته قبل أن أسافر منذ يومين حتى لاتتوقف النشرة، (بصراحة أشعر أنها إذا توقفت يوما فهى سوف تتوقف إلى الأبد، لا أعرف لماذا، ربما هذه واحدة من بديهيات نظرية “القصور الذاتى”)،
وأنا أعدّ مسودة هذا الحوار، وصلنى فجأة تبادل آراء بين دكتورين محمدين رخاويين: إبن أخى، وإبنى، وهو حوار نابع من خلال ما بدأته مع كلٍّ منهما على حدة فى هذا الحوار البريدى المفتعل منذ صدور هذه النشرة، وأيضا هو متعلق بقضية أساسية تناقشها هذه النشرة منذ صدورها (أول سبتمبر 2007) كما ناقشتها المجلة الأم “الإنسان والتطور” أيضا منذ صدورها (يناير 1980)، وهى قضية نعيشها جيلا بعد جيل، ولايبدو أن لها حل قريب، لكن المؤكد أن لها حل عظيم آتٍ لا ريب فيه، أو ننقرض!!
لا أريد التعريف بالمتحاوريْن، فالمتتبع لهذه النشرة، أو حتى لبريد الجمعة فقط، لابد وأنه تعرّف عليهما المرة تلو المرة، بما يكفى، فقط سوف أذكر بعض ملامح رسمتها لكل منهما (وليست ملامح أى منهما بالضرورة) وذلك لمن لم يتابع بريد/حوار الجمعة بانتظام:
الدكتور محمد أحمد الرخاوى هو ابن شقيقى، وأنا أحبه (أحب شقيقى)، ولى موقف مع محمد ابنه هذا، ابنى، أنا أيضا أحبه حباً من نوع آخر، هو حب حَذِر، متحفظ، قاسٍ، ومتحمل، ومرحبٌ، ورافضٌ، هو قد هاجر إلى استراليا بعد السعودية ولحقته أسرته، وهو طبيب استشارى أشعة حصل على الزمالة، واستقر هناك جسديا وسكنيا ومهنة، ولم يستقر!
أما الدكتور محمد يحيى الرخاوى، فهو إبنى من ظهرى، وهو مدرس فى كلية الآداب قسم علم النفس جامعة القاهرة، وقد سافر أيضا مهاجراً إلى نيوزيلندا منذ سنوات (لا أذكر عددها) لكنه عاد بسرعة، وهو يعمل، ويتحاور، ويتشاجر، “ويتعشى” (أمس) معى فى كل هذا (أى ضدى)، منذ ولد، وحتى تاريخه.
محمد ابن أخى – كما لاحظ من تابعنا – فى بريد الجمعة ساخط بالطول وبالعرض، على الشرق وعلى الغرب، علينا وعليهم، على الجميع، إلا على نفسه، وهو يستشهد بآيات قرآنية كريمة كثيرة، لا تصلنى كما أعرفها، حيث أشم رائحتها –التى ألفتُها- فى ما يصلنى منه عبر البحار، لعل العيب فى أنفى.
محمد إبنى مفرط فى التفكير والمحاولة والمراجعة والتنظير والتحدى، أختلف معه بشدة ظاهرا، لكننى ألمح باستمرار نقطة لقاء وراء اختلافاتنا كلها تقريبا، أحاول أن أبحث عن مثلها عند ابن أخى، فأفشل (ربما – مرة أخرى – العيب منى)
برغم تشابه الأسماء، والالتقاء عند نفس الجد، بنفس الاسم (الرخاوى) فإنه لا توجد شبهة توريث، لأن الأفكار والمعاناة والمحاولات – أخطأتْ أم أصابتْ – لا تورث، لكن الشبهة قائمة فى إتاحة هذه المساحة كلها لهؤلاء الثلاثة الأقارب من الدرجة الأولى والثانية،
ولكن عندك، هل أرسل لنا أحد شيئا بهذا الحجم ولم نُجزْ نشره هكذا؟
ومع ذلك لا أنكر خجلى من الاستيلاء على هذه المساحة هكذا، وأبرر هذا الذى أفعله بما يلى:
أولا: إن القضية التى يتحاوران حولها ليست خاصة،
ثانيا: إنهما يمثلان جيلا مْهِمَّا (50 سنة ابن أخى، 46 سنة، إبنى) وهو غير جيلى طبعا، مع أن جيلى، والجيل الذى سبقنى، بل ومن سبقه أيضا عاشوا جميعا نفس الأزمة، موضوع الحوار، لأسباب أخرى فى ظروف أخرى،
ثالثا: إن ثمة خبرة مشتركة بين المتحاورين فكلاهما هاجرا، إلى نفس المنطقة تقريبا، (استراليا-نيوزيلندا) واحد رجع، وواحد بقى، ولعل رسالة تصل الأصدقاء من الاتفاق والاختلاف معا.
رابعا: إننى على سفر ولم استطع أن أكتب الحوار المعتاد،على راحتى، فانتهزتها فرصة لأملأ، المساحة المعتادة (!!)
………….
أكتب كل ذلك ولم أطلع على حوارهما بعد،
كل ما همّنى هو أن حجمه مناسب، كذا صفحة!!
قبل أن أترك لهما الحوار، الذى لن أعلق عليه طويلا اليوم، أقدم اعتذارا جديدا للأصدقاء المعقبين (اختيارا أو اضطرارا) ولنا عودة. مكتفيا بعينة محدودة أرد فيها على بعضهم من باب إثبات حسن النية وادعاء “الذوق”، والباقى يسامحوننى.
*******
قبل الحوار العائلى/العام
من د. يحيى إلى د. جمال التركى وأ. عماد الشمرى [العراق]:
وصلنى على الموقع ثم محولا من د. جمال التركى، بريد يقترح فيه أ. الشمرى:
…. أن تتضافر الجهود لإنشاء “محطة فضائية عربية للعلوم النفسية ” تكون أكثر قربا في قراءة الواقع النفسي العربي و تحليله و التصدي لمشاكله حتى يتعرف المواطن على علمائه، فلاسفة، مفكرين…. الخ
د.يحيى:
الأخ الكريم د. عماد الشمرى. كان قد وصلنى اقتراحك قبل أن أطلع على بريد الموقع، ثم وصلنى عبر الموقع، وهانذا أكتب لك الآن نص الخطاب الذى أرسلته إلى جمال، بهذا الشأن، ويهمنى أن أرسل لك صورة منه وفيها رأيى بالذات حول الاقتراح.
عزيزى جمال
قرأت الاقتراح المتحمس للزميل أ. عمار الشمرى وقرأت ردكم الكريم الواقعى عليه، ونظرا لخبرتى بالإعلام ومصائبه وأفضاله معا، فإننى أرجو أن تتروَّوا كثيرا جدا جدا قبل الإقدام على هذه الخطوة مهما بلغ الإغراء،وإلا وجدنا أنفسنا تحت رحمة شركات الدواء دون اختيار، وأنت أدرى بما يترتب على ذلك حتى بعد عمر طويل
آسف، ولكن ربما كان هذا الرأى نابعاً- على الأقل جزئيا – من خبرتنا فى المنتدى (الإنسان والتطور) واختبار مدى الجدية فى التواصل
عذرا أن أربط الخاص بالعام، ولكننى لم أستطع إلا أن أبوح لك بما عندى كله احتراما وشكرا لك، وللزميل صاحب الاقتراح (أ. الشمرى) مع تقديرى واعتذارى
د. أسامة عرفة: الإدمان ظاهرة (5-3-2008)
مع عولمة السوق واختزال الآخر الى سلعة استهلاكية أو كائن مستهلك هذا الاختزال والتهميش لكل ما له قيمة أرقى في الانسان، يضيع الهدف وتتوارى أهمية منظومة القيم وتتحول طاقة الحركة الإنسانية من طاقة حركة بنائية إلى طاقة حركة دائرية مغلقة، محلك سر هنا يأتى المخدر المهدئ لتهميد الطاقة المحتقنة في المسار الدائرى المغلق وتأتى الإدمانات المنشطة لمحاولة إطلاق هذه الطاقة وتحريرها من الحركة الدائرية
د.يحيى:
أنت أدرى يا أسامة، فتخصصك الدقيق هو فى الإدمان، أرجو أن تكون قد تابعت بقية النشرات، وأن تواصل الإضافة والنقد من خلال خبرتك فعلا، لأننى سأرجع إلى الإدمان كثيرا وطويلا، فهو مدخل إلى مشكلة هامة، نتعرف من خلالها على أنفسنا معا، كما ذكرت سابقا.
د.ناجى جميل: “تخثر الوعى والثقافة” (1-3-2008)
لا أوافق امبريقيا على فكرة أنه لا يوجد ما يجمعنا بهذا الشمول فى ظل القبول والسكون الظاهرين. أكيد فيه حاجة عامة مؤدية إلى هذا، ربما ثقافة الاستسلام والسلبية.
د.يحيى:
يا خبر يا ناجى!! إذا كان ذلك كذلك، يعنى إذا كان الذى يجمعنا هو ثقافة الاستسلام والسلبية، فيستحسن ألا نجتمع. أم ماذا رأيك؟
أ.أيمن عبد العزيز: “قراءة فى أحلام فترة النقاهة” (28-2-2008)
برجاء توضيح جملة “الأصل والوصل فى ناحية والإنكار الجمود فى ناحية أخرى”.
د.يحيى:
الأصل الوصل هى حركية الوجود كله، وأظن أنها ترتبط علميا (مدرسة العلاقة بالموضوع) ببرنامج الدخول والخروج in-and-out program سواء المقصود من ذلك حركية “النزوع للعودة إلى الرحم ثم بعيدا عنه”، التى يمكن أن تتمثل أبسط فى إيقاعية النوم واليقظة.
ومما يقصد من ذلك أيضا ما يمكن قراءته فى حركية التواصل بالآخر “الموضوع” أو حتى فى الممارسة الجنسية الصحيحة، التكامل البعث، وكل من هذا لا ينجح إلا بالوصل الفصل،
الوصل الدائم سكون ميت، والفصل الدائم عزلة هامدة.
أما من الناحية الصوفية فربما نفهم حركية الفصل/الوصل وبالعكس، من قول أحدهم “كل من انفصل عن أصله يطلب أيام وصله”، ضمن حركة كدح جهادى توجها إلى المطلق فوجه الله، ثم نعود إلى الذات المحدودة نسكن إليها لتتوجه من جديد إليه، وهكذا باستمرار،
أما أن يكون ذلك فى ناحية والإنكار والجمود هو عكسه (فى ناحية أخرى) فأظن أنه أمر لا يحتاج إلى توضيح.
“الفروق الثقافية والعلاج النفسى(2) الحاجة لكل أنواع الحوار (25-2-2008)
أ.أحمد صلاح عامر:
هل المواكبة هى شكل العلاقة بين المعالج والمريض أم أنها مواكبة داخل المريض نفسه بين ما عليه وما هو “سيصبحه”، اختلط الأمر علىّ ؟
د.يحيى:
المواكبة هى أساسا شكل العلاقة بين المعالج والمريض، (بين أى منا وأى آخر. فى محاولة علاقة !).
أما أنها مواكبة داخل المريض نفسه، فأنا لم أقصد ذلك أبدا،
إن تركيبات المريض المتعددة، أو ذواته، تتبادل وتتجادل باستمرار لو كان نموه مازال نشطا، وهى تنشط بالعلاج الصحيح إذْ يستعيد حيويتها بعيدا عن “الحركة فى المحل”، إذْ تكسر الدوائر المغلقه الواحدة تلو الأخرى وهذا لا يسمى مواكبة،
وأرجو أن أتمكن من إيضاح أكثر فيما بعد
****
أ. عبير محمد رجب:
لا أستطيع فهم كيف ينجح الفرد الذى يمارس حوار الكر والفر فى العلاج النفسى!! وعلى هذا الأساس فهل الشخصية السيكوبائية هى أنجح الأشخاص فى القيام بالعلاج النفسى؟ وإن كان كذلك فكيف يؤتمن أى منهم على تغيير أو تعديل مسار النمو لدى المريض؟
د.يحيى:
يا بنت الحلال: حوار الكر والفر يُفْرض على المعالج فرضاً، وهو ليس أبداً من صفات المعالج، المريض هو الذى يبدأه، وأحيانا يصر عليه، وبالتالى فهو لابد أن يجد من يحذقه أمامه كأنها مبارزة، لكن بدلا من أن تكون المبارزة للقضاء على أحد الخصمين، فهى تجرى هنا فى هذه الحالة للحفاظ على الخصم، بل بصراحة على الخصمين، بل إنها ليست للحفاظ عليهما فقط، بل هى لإطلاق سراحهما من سجن نفسيهما.
أ. عبير محمد رجب: تخثر الوعى الوطنى (تعتعة)
إذن ماذا؟
ما الذى يجمعنا وقد تخثر الوعى إلى كل هذه القطع المتباعدة؟
ألا توجد حلول واقعية لما وقعنا فيه، لا أدرى كيف أستفيد من هذه اليومية؟
د.يحيى:
وهل المجتمع العلاجى الذى تعملين فيه إلا جزيرة يتخلق فيها وعى جديد ضام مفيد؟
وبعيدا عن العلاج توجد مجتمعات جيدة وجديدة تتخلق فى كل مكان فى العالم
ومع تخلق كل مجتمع جديد – جزيرة بشرية واعدة – يتخلق وعى جديد، فتتعدد الجزر الصالحة للحياة بسرعة وقوة ثم تأتى التكنولوجيا الأحدث فيتخلق التواصل رغما عنا، ونعيش معاً بقوانين جديدة وعلاقات جديدة،
ما المانع؟
قولى: “انشالله”!
****
د.محمد عبد الفتاح خليل: “الفروق الثقافية والعلاج النفسى(1)”
لفت نظرى التعليق على المعرفة بأنها: “هى نشاط يشمل الجسد والوجدان والحركة”
وان لم استطع فهم المقصود جيداً ولكن أعتقد أن جزءاً من الفكرة قد وصل لى.
د.يحيى:
أنا يكفينى يا محمد هذا الجزء، وأعتبره – بجد – أهم من أى حماس يا شيخ.
أ.هيثم عبد الفتاح: “ظاهرة الإدمان: خلفية وتساؤلات!”
لا أعتقد أن الأبحاث العلمية الموضوعية والإعلام من الممكن أن يمثلا سبباً ضمنياً لزيادة ظاهرة الإدمان. وأعتقد أن دورهم ليس سلبيا تماماً ومع ذلك هذا لا يلغى إمكانية وصول رسائل سلبية قد تغذى هذه الظاهرة المرضية.
د.يحيى:
أنا لم أقل أنهما سبب فى ظهور الظاهرة، ولكننى نبهت
أولا: أن زيادتها لا تقلل الظاهرة
وثانيا: أنهما يتزايدان والظاهرة تتزايد فى نفس الوقت
ولا يمكن أن نعزو هذا إلى ذاك أو العكس بهذه البساطة.
****
أ.أحمد صلاح عامر: “حوار بريد الجمعة”
وصلنى إنى كنت قاعد كل ده بحاول أفهم وماكنتش عارف إن ينفع أقول أى حاجة على بالى دون مراجعة، حبيت التلقائية أكثر ما كنت، ولكن فاشل فى تطبيقها.
د.يحيى:
يا بوحميد، الفهم ليس ضد التلقائية، والتلقائية هى عدم إعاقة الفهم السلس، وهى ممكنة حتى بدون فهم (أعنى بفهم كامن) وأنا واثق أنك على الطريق السليم مادمت تمارس وتقرأ، وتقرأ وتمارس، وتراجع كل ذلك باستمرار.
أ.محمد اسماعيل: (المواجهة 1) 26-2-2008
كيف نولد بدون الميكانزمات مع أن الوراثة تلعب دوراً ما فى ضعف بعضها على حساب الآخر.
د.يحيى:
برغم اعتقادى أن الميكانزمات ليست إلا برامج نيورونية يمكن أن تورّث، إلا أننا نولد قبل تشغيلها، وبالتالى فنحن نرث برامج قابلة للشحن، فالتشيعل فالتحور ..إلخ، فهى ليست ثابتة، ولا جامدة، وهى أيضا قابلة للتبادل والتخفيف والجدل ..الخ مما سنعود إليه حتما يوما ما.
****
حوار “قطاع خاص”!!
والآن ننتقل إلى هذا الحوار (قطاع خاص) بين أولاد العم (الرخاوى) على شرف المعقِّب!!
د. محمد أحمد (الرخاوى):
الظاهر ان احنا حنخش فى جدل “رخاوى”
د. محمد يحيى (الرخاوى):
شكراً يا عم محمد على التفاتك، ومن قبل على التفات يحيى الرخاوى لردى على كل من يومية “الشعور بالذنب فى السياسة”، ويوميات “الذل”، ربما كانت أهم وظيفة لكل هذا الذى يفعله يحيى الرخاوى بهذه اليوميات هى إثارة حوارات يبدو أننا نفتقدها دون حتى أن ندرى؛ فشكراً له بجد الجد.
أما بعد، فأنا شخصياً رافض فى الحقيقة إنى أدخل فى حكاية الجدل الرخاوى دى. دى عيلة صعب يا عم، صعب قوى، لذا دعنا نأتنس بالناس ونتكلم دون هذه الصفة الرخاوية التى أرى أن فى بعض التواضع عنها ثواباً. ثم إنك محمد الرخاوى، وأنا محمد الرخاوى (واللى حصل حصل، بل إن هناك كثيرين، غيرنا، ممن اسمهم أيضاً محمد الرخاوى)، هل ينقص الناس لخبطة وارتباك بسبب كل هؤلاء الرخاوية الذين يتمسكون بالقول فى جميع الاتجاهات بعنفوان يخض؟ أليس من حقهم أن يكتفوا منا بيحيى الرخاوى وحده؟ لا يا عم، هذه الصفة العائلية تحتاج لمقاومة حتى تتسع الدائرة وتتنعم (من النعومة) شوية، إن كان لها أن تتسع أو تتنعم.
د. محمد أحمد (الرخاوى):
أولا يا محمد يحيى مسألة الشرق والغرب دى من قضايا عمرى، زى مانت عارف فضلت رايح جاى لحد ما قررت مؤقتا انى ابقى هنا بجسد عليل ووجدان ملئ بألم لا يداويه رؤية، ووعى يرهقنى أكثر مما أتحمل طول الوقت.
د. محمد يحيى (الرخاوى):
كان الله فى عونك يا أبا حميد. بس الحقيقة أنا متصور إنك هنا أو هناك فى نفس الحالة، زينا كلنا كده يعنى. مينا غرباوى كان قال لى يوم ما وصلت نيوزيلاندا (مهاجراً): لو انت كنت مبسوط فى مصر حتنبسط هنا، لو ما كنتش مبسوط فى مصر موش حتنبسط هنا. فاهم قصدى (قصدى: قصده!!)؟؟
وبعدين بصراحة هذه الصيغ اللغوية كبيرة شوية. أنا زيك مسألة الشرق والغرب بهدلتنى وسفرتنى ورجعتنى، والحقيقة إنى فخور إنى أخذت قرار الرجوع النهائى قبل أقل من 60 ليلة من حصولى على ما يتمناه كل من يهاجرون من: ضمان قانونى ورسمى للإقامة والانتماء والاستمتاع الدائم بما أنت فيه (آسف أن أقول لك إن تجربتك المِتْرَوْحَنَة، التى كنت أتابعها جيداً، كانت أكثر ما دعانى لاتخاذ القرار بهذا الحسم العنيف). بهدلتنى مسألة الشرق والغرب دى لغاية ما قررت فى الحقيقة إنى أتعالى عليها شوية (بلعبة التركيز على نظرية المعرفة وخاصة اللغة بوصفها التشكيل الرئيس للمعرفة، ودول هم اللى باعتبرهم قضية عمرى أنا بقى، دلوقتى).
إيه حكاية الشرق والغرب دى بقى بإذن الله؟؟ ولحد إمتى حنفضل نشعر بمهانة الانتماء لما لا ننتمى إليه فعلاً؟ ومهانة عدم الانتماء لما يمكن أن ننتمى إليه جداً، وفوراً، وغصباً عن حبة عين أى خائب ممكن يخاف مننا أو يبخل علينا لمجرد إنه افتقر من جوة؟
د. محمد أحمد (الرخاوى):
زى ما ابوك قال وعاد المسألة فعلا خرجت من اطار شرق وغرب، المسألة بقت تحدى وجودى صارخ لا ينتصر فى نهاية النهايات الا بتوجيه مستويات الوعى وكل الكدح وكل العمل الى غائية قد تكون مجهولة ولكنها حاضرة طول الوقت.
د. محمد يحيى (الرخاوى):
كلام جامد قوى، محتاج له مقالات لوحده. موش باهزر وبس والله، أنا موافقك جامد فى حاجات أساسية. سأعود لقولك الأخير هذا (المسألة بقت تحدى صارخ…..إلخ) فى مقال سأستغلك لكتابته بإذن الله. لكن تعالى لحكاية الشرق والغرب دى بقى. من زاوية معينة، أظن هى اللى تهمنا بحق وحقيق فى الحوار ده، وما دمنا لا نتكلم بقصد عملى سياسى أو اقتصادى، ولكن بقصد معرفى أساساً -ليصب فى الحياة، إن قدرنا- لا مؤاخذة بقى يعنى إيه حكاية إن المسألة خرجت من إطار الشرق والغرب؟ هى خرجت إمتى بالذمة؟ يعنى قصدى هية إمتى كانت دخلت أصلاً بالنسبة لك وبالنسبة لى وبالنسبة لجيلنا عموماً وبالنسبة للأجيال اللى بعدنا؟ معلهش خللى يحيى الرخاوى على جنب دلوقتى بس. احنا عايشين فى عالم غربى من زمان أصلاً، المشكلة موش فى إنه كان شرقى فى يوم من الأيام وانهزم لإنه شرقى، موش فى إنه شرقى ولا غربى، المشكلة هو فاشل ولا ناجح، وانت عارف طبعاً الإجابة، إنت واللى يتشدد لك. بصراحة لما ابويا (زى ما بتسميه هنا) يقولك إن المسألة خرجت من إطار الشرق والغرب يبقى متأخر قوى.
شرق إيه يا عم محمد؟؟ يا عم محمد أنا اتولدت فى شارع منيل الروضة وانت اتولدت فى مصرالجديدة، كانت شقق (موش بيوت) فيها كهربا وبتطل على أسفلت وخرسانة ومترو وأوتوبيس وتروللى وكل ما هو غربى النشأة والتصميم، ووعينا أنت وأنا (ونحن حول الخمسين الآن) على الراديو (الترانزستور كمان) والتليفزيون والتليفون والعربية/السيارة وكل ما يسابق فى سرعته سرعة حياة الغربيين بدون لازمة، وكل ما يحرمنا من روعة “الاضطرار” للبطء والتمهل والصبر…إلخ، بل إن أبوينا الشقيقين كانا يركبان العربية والمترو والتروللى والفسبا وحتى قطار الدلتا فى الجامعة وفى المدرس وما قبلها، كما أننا تعلمنا الأبجدية الغربية جنباً إلى جنب العربية. أى شرق وأى غرب بالذمة؟؟ هو كل ده شرقى؟ ولا كل ده موش مهم فى نظرك؟؟!!!
لما ييجى أبويا (زى ما انت بتسميه هنا) ما ياخدش باله من ده كله، ويقول إن المسألة خرجت من إطار الشرق والغرب عندما بدأ يتعامل مع الكمبيوتر والإنترنت بالذات؛ يبقى بصراحة هو اللى متأخر قوى، لأ ويبقى ظالمنا قوى، قوى قوى كمان. ثم إن ابويا ده حالة خاصة جداً أساساً، وخصوصاً فى حكاية الشرق والغرب. أبويا ده “مخاوى” (همَّا اللى بيقولوا عليه كده، يعنى تلاميذه اللى بيحبوه وبيشوفوه وهو بيعامل العيانين والناس اللى أصغر منه بالذات، [وبعدين ده رامى عادل هو اللى زقنى وقال لى: قول متخافش]). وموش مخاوى بس، لأ ده بالقصد وبالعِنْيَة. ساعات يتهيألى إنه حكاية تعدد الذوات دى هو اللى عملها مع نفسه بالقصد، فى الأول كان عاوز يفهم العيانين، واسترشد له بكام نظرية كده، وبعدين كبرت معاه، ويبدو للأمانة إنها زودته (يعنى أضافت إليه) بالكثير، لكن كمان بقى صعب عليه يلمها (هواللى بيقول كده والله). طبعاً لما يبقى مخاوى يبقى الشرق أنسب له ميت مرة. يقوم يعايرنى إن أنا ماليش ذوات كثير؟؟ يا أخى ربنا خلقنى عندى فقر فى الذوات، أنا ذنبى إيه؟ ذنبى إيه إنه خلقنى فى عالم مفيهوش بنى آدمين كثير ليهم ذوات كثير (حتى لو كان عالم غربى)؟؟ بصراحة بقى ثرائى موش مرتبط بتعدد الذوات قوى، ولا بالضرورة. موش يمكن فيه ثراء ثانى؟؟!! موش يمكن فيه اتساع ثانى؟؟ أقولك مثلاً: المجاز، ده بقى أنا بافهم فيه، والحقيقة إن يحيى الرخاوى ظالم نفسه جداً برغبته “غير المجازية” فى صياغة ما يعيش فى اللغة (ولا حتى فى الفيديو حينفع)، بدليل الموقع ده، لأ، قصدى اليوميات دى. معلهش الاستطراد طال منى، كان قصدى أقولك إن حكاية الشرق دى خلصانة من زمان، وبواقيها استثنائية، وموش حينفع لكل من يرى نفسه متمايزاً عن الغرب إلا إنه يستوعب الغرب وهو يحاولها.
يا عزيزى يابن عمى أغلب الظن أننا عندما نقول الشرق لا نعنى شرقاً، بل نعنى “زمان”، خاصة ذلك الزمان الذى لم تكن عبقرية الفلسفة اليونانية (أصل الفكر الغربى) قد أظهرت فيه كل هذه القدرة على مراكمة المعلومات الجزئية لصياغة العالم المصنوع وفرضه وفرض قوانينه وقوانين أسواقه على حساب عبقرية أخرى هى عبقرية قوانين التاريخ الحيوى الأكثر أصالة وشمولاً وتجذراً فى قلب الوجود نفسه، أو على حساب عبقرية ثالثة هى عبقرية الصياغة المجازية للعالم أو للوجود (الصياغة المجازية ليست أقل دقة –على الإطلاق ونهائياً- من الصياغة الحرفية، أو التى تسعى للحرفية، وهذا كلام علمى، آسف لا أحب استخدام سلطة العلم، ولكن لزم التنويه بعجالة).
أى شرق -إذن- هذا الذى نعنيه عدا ما هو “قبل” هذا التطور التكنولوجى التجارى القاهر؟؟ من الطبيعى أن تجد فى إطار هذا التطور، كما هو الأمر فى أى إطار آخر، من هو شاطر ومن هو خائب، من هو سابق ومن هو متأخر. ونحن الخائبون المتأخرون، وعلينا أن نتشطَّر (نبقى شطار) بعيداً عن حجج الشرقية اياها. لو اتشطرنا قوى، سنجد أننا نحيى الحق (الذى نسميه شرقاً مؤقتاً) حتى لو لم نتعمد. مين ده ان شاء الله اللى ممكن يغير جيناتى اللى فيها حق (برضه بنسميه شرق، أو حتى إسلام، مثلاً)؟؟
على فكرة يا محمد يا أحمد: فى الغالب التأخير ثمنه غالى قوى. أظن جزء من الثمن اللى بندفعه، أنا وانت، ويحيى الرخاوى كمان، هو ثمن التأخير فى الاعتراف بكل ده، يعنى بالهزيمة. يا أخى ما يعترفش بالهزيمة إلا الجدع. اللى واخداه العزة بالإثم بيدفع الثمن أغلى بكثير، أصله بيتعطل. ألا تظن معى أن تأخرنا عن إدراك هزيمتنا هو مسؤولية كبيرة تقع أساساً على عاتق إصرار جيل آبائنا على التمسك بما تمتعوا به مما لم يستطيعوا أن ينقلوه إلينا إلا كإشاعة هوية وجدناها فارغة ومنهزمة وملزمة بسبب أبوتهم الطاغية؟؟ يا عزيزى هذا التأخير تأجيل أكثر قسوة مما أدعونا إليه؛ فعلى الأقل دعنا نكتشف ولا نقول إنها ثورة الاتصالات والكمبيوتر والإنترنت؛ فما هذه إلا السلالة الشرعية جداً لما بدأت به المسألة من أسفلت وسيارة وتليفون وسينما وخلافه. لقد تمتعت أجيال من قبلنا بزيادة السرعة فى كل شىء، وبالتكنولوجيا، وأنجبونا وهم متمسكون بها تمام التمسك، متنافسين فيها كل التنافس، فكان عليهم أن يعيدوا صياغة حكاية الشرق والغرب، ولكنهم اختاروا أن يتأخروا ليتمتعوا بتعدد غير متسق. ولم يكن هذا التأخير إلا لحساب تعميق هزيمتنا كشرقيين جميعاً، أى لحساب تعميق لن يمكننا إنكاره وادعاء أن مجىء الكمبيوتر والإنترنت (أول امبارح) هو ما أزال الحواجز بين الشرق والغرب. ولو لم نستوعب عمق الهزيمة المتمثلة فى أن حياتنا فى معظمها غربية؛ وأن التلفيق لمداراة الهزيمة لم يفعل إلا أنه عمقها، لو لم نستوعب ذلك سنظل نعمقها أكثر فأكثر ونحن لا ندرى.
لا أنا ولا أنت نعرف شرقاً بمعنى الثقافة المعيشة التى تتمتع بدرجة من التناغم والتكامل تمكننا من الحديث عنها بوصفها مقابلاً حقيقياً لما يمثلونه فى الغرب. نحن منتهكون من زمان قوى، وخسرناها من زمان قوى، وقد اكتسب جيلنا (أنت وأنا) الوعى كله فى ظل هذا الانتهاك وهذه الخسارة وهذا الاستهلاك لكل ما هو غربى. لا أظن أن من حقنا أن نصور أنفسنا ونتكلم بوصفنا ممثلين لأى شرق. ربما ما لدينا محض حنين لماض أكثر طبيعية وأقل اغتراباً، تماماً كالحنين الذى تجده فى كثير (جداً) من عملهم (الغربيين) الفنى (خاصة السينمائى) والمعرفى (خاصة فى تناولهم للحداثة والعقل الغربى) والعملى (خاصة عند المهتمين منهم بالبيئة)، أى كذلك الذى تجده فى “نقدهم لأنفسهم”. ربما نتمتع بقرابة مشوشة مع مصطلحات ومفاهيم وثقافة تنتمى لذلك الماضى الشرقى، ربما لدينا فرصة متميزة فى عجزنا عن الانتماء الكامل لهذا النجاح المغترب والانتصار به، ولكننا غربيون. باختيار أو باضطرار نحن غربيون. وحكاية الشرق والغرب تحتاج لإعادة صياغة متمهلة وأمينة، إعادة صياغة تجعل من فرصتنا (المتمثلة فى عجزنا عن المواكبة والانتماء الفخور) ووطأتنا (المتمثلة فى اضطرارنا للعبور عبرهم، بكل ما نحمله من اغتراب وهزائم وذل)، إعادة صياغة تجعل من هذه الفرصة وهذه الوطأة جدلاً ينقلنا لما بعدهما، وهو ممكن.
د. محمد أحمد (الرخاوى):
انت عارف الآية اللى بتقول أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض، اللى ينفع الناس دلوقتى هوتشكيل نوعية جديدة تماما من الوعى والحياة كى لا ينقرض النوع فعلا يا محمد
د. محمد يحيى (الرخاوى):
ما ينقرض يا عم محمد!! الله!!. يا عم محمد لما نتكلم على مستوى مسؤولية الانقراض دى؛ يبقى لازم لغتنا تختلف تماماً. اللعب على مستويات اللغة موش بالسهولة دى ربنا يكرم أصلك. هو أنا ولا انت حنمنع انقراضه؟؟ بإيه؟؟ بالدربكة دى كلها؟؟ ده انت جايب عاليها واطيها ومضلمها ف وشنا!! وموش عاوزها تنقرض!!؟؟ اللغة التى تنظر من أعلى لدرجة تتوقع الانقراض لازم تفضل متعالية عشان ما تناقضشى نفسها بالمجان كده. يعنى قصدى إن اللى بيتكلم عن الانقراض لازم يبقى عارف إنه بيتكلم عن شىء أكبر منه بكثير، عن دائرة أو مستوى أكبر من وعى اللغة العادى بكثير (هو أحد مستويات الميتا meta)، ولازم لغته تبقى منتمية لهذا الشىء أو هذا المستوى أولاً، وطول الوقت. أقولك ازاى: أنا مثلاً لو حاتكلم عن الانقراض لازم حاكون واخد بالى طول الوقت إن قوانينه وقوانين البقاء أكبر منى بكثير، وإن أنا حتة فرد تافه، يا حينفع يلتحم بيها بصيغة تفضل وتعمَّر؛ يا هيرحل زيه زى غيره، واهو العـدد فى الليمون. فِكْرَك ربنا ناقصنا إن كنت إنت ولا أنا؟ ولا احنا بنخبى أنانية شديدة واستعجال موش من حقنا؟؟ يعنى بنستعجل نهاية على مزاجنا، بس بنسمى ده كله “خوف من انقراض النوع”؟؟ ثم انت لو مصدق يوم القيامة بحق وحقيق حتعرف إنه فيه انتماء لما هو أكبر مما يمكن أن ينقرض، هو الانتماء الوحيد اللى ممكن يحميك من انقراضنا. أنا موش بخوِّفَك من يوم القيامة، دى موش مسؤوليتى وموش ده مستوى الحوار اللى ينفع فيه كده. أنا بس شايف فى لغتك ما ينبغى أن يتسق مع كونها ممكن تنقرض ويبقى ده خير برضه، خير على مستوى احنا موش شايفينه بس. لو انتميت للمستوى ده يا محمد، موش حتخاف تنقرض، موش حتنقرض، ولما تنقرض موش حتبقى انقرضت، أو يبقى كان لازم وضرورى وحتماً ولابد تنقرض عشان الأكبر منك والأحسن منك ما ينقرضش.
إوعى تقوللى (انت ولاَّ عمك) إن ده تخلى عن مسؤولية البقاء والاستمرار، عن مسؤولية نقل الجينات التى أحملها وأحمل مسؤولية إبقائها وتطورها. ده برضه مستوى من اللغة لازم يبقى متسق مع نفسه. يعنى قصدى إن أنا بموقفى ده فى الحقيقة باوافق على قوانينها، باوافق على اللى حاصل بما إنه من قوانينها (هيجل العظيم بيقولك: العالم الحقيقى هو كما ينبغى أن يكون عليه)، المطلوب منى هو إنى أستوعب قوانينها، وبهذا فقط يمكننى أن أبقى على ما أمثله. وبعدين أنا لما أقول أحاول أستوعب قوانينها، قصدى: بما فى ذلك النقلة اللى عملوها اللى انت مسميهم اصحابى فى الغرب (أهو انت! اصحابك انت ياخويا! وانت اللى عايش فى وسطيهم موش أنا)، فلما أستوعب قوانينها وألاقى لى صيغة أستوعب بيها يمكن أتطور، وتبقى هى دى مسؤوليتى.
إيه!!! موش من حقى أتصور إن هو ده الحل؟؟ أظن إنه حل مناسبنى على الأقل، خصوصاً وانا باحاول طول الوقت مابْـقاش مقصَّر (بطريقتى، وفى حدودى يا سيدى، انت حتحاسبنى؟؟)، وخصوصاً إنه هى دى الصيغة اللى بتخرجنى من تعددية يحيى الرخاوى فى اتجاه واحدية واتساق مستويات اللغة، حتى ولو تناقضت جدلياً.
وبعدين بتقوللى “اللى ينفع الناس دلوقتى هو تشكيل نوعية جديدة تماماً من الوعى والحياة”، يا نهار احوس!! مين ان شاء الله؟؟ مين ده اللى حيشكل نوعية جديدة من الوعى؟؟ وعايزنى اكسبها؟؟ أنا بصراحة عاوز اكسبها وشايفك ممشينى فى سكة بتخسرنى مهما تعملقت الألفاظ، وساعات باحس كده مع يحيى الرخاوى نفسه (من غير حكاية تعملق الألفاظ دى)، للأسف. نوعية الوعى الجديدة ونوعية الحياة الجديدة بتتشكل من غير كلامنا ده يا عم محمد، ولعلمك ساعتها لا أنا ولا انت حنقبلها أصلاً، وده الطبيعى على فكرة، لكنها حتكون أهم منى ومنك ومن يحيى الرخاوى. وعلى فكرة برضه؛ هو اللـى علمنـى كده لما طلب منـنا قراءة كتاب تى. إس. إليوت عن الثقافة. كتاب رائع وإليوت مشاور فيه على إنه لما الثقافة تتغير هو نفسه موش حيقبلها بسهولة وحيرفض، لإن لا نوعية الوعى ولا نوعية الحياة بتتغير بسبب إن أى حد “عارف” نوعية الحياة أو الوعى الصح، أو الأصح، هى بتتغير لما تكتمل مقومات تغيُّرْها ومقومات عمل منظومة جديدة، يصعب على القدام أن ينتموا إليها. اقرا معايا يوميتين (رائعتين بالمناسبة) هما: “طقوس السبوع وجدلية الانفصال/الاتصال” العدد 144، بتاريخ 22/1/2008، وبعدها يومية “التراث الشعبى: حضور فى الوعى؟ أم ديكور للحكى؟” العدد 166، بتاريخ 13/2/2008، ثم قل لى بذمتك، من منا “يستطيع” أن يعيش ثقافته الشعبية وأن يأتنس بوعى جمعى حاضر بهذا الشكل؟ يحيى الرخاوى عبقرى لا شك فى ذلك، وقديمه حاضر، ولكن هل تستطيع أنت يابن امبارح؟ دى حسبة على بعضها، نسق أو منظومة فى تناغم فعال، هو ده اللى ما يخليهاش ديكور للحكى. يا أخى ده ولا هو نفسه قادر، لإن لا الحسبة ولا المنظومة متوفرين النهاردة. اقرا برضه كده طيب يومية التعتعة (تخثر الوعى الوطنى (والثقافة)، العدد 183، بتاريخ 1/3/2008)، دى مرحلة انتقالية يا نستحملها “بقوانينها” يا ما نستحملهاش، إنما نتصور إننا عارفين الحل؟:: صعب. نحن لا نعرف إلا أن نصغى لفطرة خلقنا الله عليها، وهذه لا تحمل حلولاً تفصيلية، ولذلك علينا أن نسامح، لا محبة متعالية فى السماح كما يدعى الغربيون، ولكن تواضعاً واعترافاً بخيبتنا، لا بشرقيتنا، فلم يعد هناك ما يمكنه أن يخفى حقيقة كون هذه الأخيرة (أى شرقيتنا) “عزة بالإثم”.
د. محمد أحمد (الرخاوى):
تعملق أصحابك فى الغرب ظانين أنهم قادرين عليها ودخلوا فى الذنوب عشان يتعلموا زى ما انت قلت، بس الدافع مكانش العلام فالتطور؛ ولكن العند بالعمى الحيسى كى يقننوا عدمية وجودهم، إلا من أدرك حقيقة كل المأزق
د. محمد يحيى (الرخاوى):
بالراحة يا عم محمد، الله يكرم والديك. أولاً الذنب ده دخوله موش بالمزاج، الذنب ده دخوله هو الأصل، هو اللى عمله آدم وخرج بيه من الجنة، واحنا كلنا –بما نحن من ولاد آدم- داخلينه داخلينه. المشكلة موش فى اللى بيتحمل مسؤولية فعل آدم، دى مافيهاش اختيار، المشكلة فى اللى بيحاول يزوغ. يا عم الباشا كلنا اتدبسنا، أنت إن أردت أو لم ترد حملتها وكنت ظلوماً جهولاً، حتروح منها فين؟ أنا بس كنت بشاور على إن مدعى الرقة، تحاشياً للذنب، بيستهبلوا، أصل حيروحوا منها فين؟؟
ثانياً: حكاية إن همَّا “دخلوها بدون دافع العلام فالتطور”. يا أخى الواحد بيخش الحاجة عشان دافع ما، حتى لو كان تافه، لكن النتيجة اللى بتتحقق بتتحسب له أو بتتحسب عليه بغض النظر عن الدافع، حتى لو كان الدافع التافه. إنك تخش الحاجة هو ده الموضوع، الباقى، يعنى الفعل ونتايجه؛ ليه قوانين هى قوانين الحياة موش قوانين النية، ولا حتى قوانين الرؤية. أما حكاية إنهم بيقننوا عدمية وجودهم؛ فاحنا إيش عرفنا يا عم محمد؟؟
د. محمد أحمد (الرخاوى):
كمية الانتحار والأمراض النفسية والشقاء واللامعنى أكبر من كل ما تتخيله هنا يا محمد وليس من رأى كمن سمع.
د. محمد يحيى (الرخاوى):
(على فكرة أنا باعتبر نفسى من الرائين لا من السامعين) عندك حق، شقاء طبعاً ولا معنى، لكن هذه اللغة لا تطمئننى نهائياً. قائلها يبدو وكأن لديه المعنى والصحة واللاشقاء، وكأن للشقاء والأمراض النفسية واللامعنى دلالات واحدة هو يعرفها. إذا وافقتنى أنها أمانة حملناها بسبب كون “كل منا” ظلوماً جهولاً، أفليس هذا ثمناً مقبولاً لمن لم يتجاوز عتبة الانهزام فى التحدى؟؟ أفليس من الواجب علينا أن نواجه هذه الاختيارات بدلاً من الخنوع دونها بادعاء الرقة والدعة والسكينة والعبادة التى تمنعنا من الانتحار؟؟ موش عارف!!
د. محمد أحمد (الرخاوى):
طبعا احنا عندنا بلاوى سودا ولكن بشكل تانى وهنا ياتى المأزق الوجودى الرهيب حيث تمخض أغلب نوع الحياة هنا وهناك على إما ادعاء حريات وتجارب دون وجود أى غائية، أو عندنا، فيما يسمى الشرق، جمود واستمناءات وهمية لا تمت للحياة ولا للوجود بأى صلة
د. محمد يحيى (الرخاوى):
طيب أديك قلتها أهه، بالذمة ده بقى وصف للحياة؟ ولاّ هو محض كلام واحد شايف كل ما هو أسود وعارف يركز عليه؟ أو موش عارف يركز غير عليه؟، موش فيه احتمال الحياة تبقى أكبر وأشد من كل رؤيتك دى؟ بل وتقدر تستوعب كل المظاهر دى لصالحها (يعنى لصالح تطورها) زى ما عملت طول تاريخها الحيوى؟ بأى حق والنبى، وبحق من نبَّى النبى نبى؛ نحكم عليها كل الأحكام دى؟؟ يعنى أنا وانت جينا منين أصلاً عشان نقول إننا عايشين فى حياة لا تمت للحياة ولا للوجود بأى صلة؟؟ ولاَّ انا وانت لينا قوانين خاصة يعنى؟؟!!!!
د. محمد أحمد (الرخاوى):
العاقل مثلى ومثلك ومثل أبوك (اى من جن) على رأى أبوك هو من يرى كل ذلك ويرفضه ويحاول برغم كل شئ
د. محمد يحيى (الرخاوى):
لا والنبى الله يخليك ارحم! أنا شخصياً يا عم موش حابب إنى أبقى فئة خاصة تدّعى عقلاً متفوقاً يراه الآخرون جنوناً. بالنسبة لى دى حاجة كده زى اسماعيل ياسين لما خرج من مستشفى المجانين فى أول الفيلم ليعود إليها مختاراً فى آخره رافضاً عالم أولئك الذين يدعون العقل (باكره الفيلم ده جداً). أنا حتى ولو كان لى غرورى (طبعاً لى غرورى الفظيع، وباحبه كمان، هه!)، إلا إنى فى الحقيقة أفضَّل إنى أتكلم بلغة غير دى خالص.
ثانياً يا أخى مين قال إن الناس، وبالذات الغرب اللى انت بتهاجمهم موش شايفين وبيحاولوا رغم كل شىء!؟ كل واحد يشوف بطريقته ويحاول بطريقته. الحياة ليها وسائل عجيبة جداً لفرض قانونها وحقوقها، بما إننا معترفين إن ليها قانون وحقوق. أما إذا ما كانش ليها قانون وحقوق بقى، يبقى نخرس كلنا أحسن، لإننا ما بنتكلمش إلا بلسان من يتصور عن نفسه صلة وثيقة ودرجة من المعرفة بما تريده الحياة وما هو جوهرها وغايتها. والحقيقة إن موش احنا بس اللى من حقنا نمثل الحياة.
د. محمد أحمد (الرخاوى):
أنا مش متأكد قوى من الأمل فى تكاثر الأمل الذى يتكلم عنه عمى لأنه ما زال أقل القليل تحت زحف قوى الانقراض فى الشرق والغرب والشمال والجنوب
د. محمد يحيى (الرخاوى):
يا نهار اِحْوِس!! شرق وغرب، وشمال وجنوب كمان!!!؟ يا أخى أنا بيتهيألى إن الأمل ده كان طول عمره أقل القليل، لكن بعد ملايين السنين وصل لحد عندنا برضه، وادينى أنا وانت بنتكلم أهه، ولسه مانقرضناش. وبعدين انت حاتطلع عين أهلى ليه يا أخى!!؟ يا أخى أنا اللى مصبرنى على لغة يحيى الرخاوى إنه لسة ما اتنازلشى عن الأمل ده، يعنى معناها إنه لسة مراهن على حاجة ما يعرفهاش، يمكن تكون أنا، أو حد من اخواتى، أو انت، أو الغرب، أو التاريخ، ، ولاّ عاوزنا ننتحر بينما انت بتاخد على الغرب إنهم بينتحروا؟؟؟!!!
د. محمد أحمد (الرخاوى):
النقطة التانية يا محمد هى أن تذل لله فتتعلم فتنمو، هو هو بالضبط اللى مايعرفهوش أغلب الغرب لإن أغلبهم يرفض الذل بكبر واضح ولا يعرف جوهر ما ترمى اليه من أن ذلك لله هو هو أول وآخر وجودك كله وعشان كدة يا محمد البيعة أغلبها خسرانة هنا، وطبعا أنا موافق إنها عندك كمان خسرانة لأنها مفيش لعبة أصلا !!!!!! ولله الأمر من قبل ومن بعد
د. محمد يحيى (الرخاوى):
طبعاً لله الأمر من قبل ومن بعد، وده بالضبط اللى مخللينى معترض عليك، وعلى ابويا -زى ما بتسميه هنا-. لكن الحقيقة أنا موش شايف أبداً إن حكمك على الغرب سليم. أعتقد، من قراءة التاريخ، إنهم بيعرفوا ينهزموا أكثر مننا بكثير، وإنهم استفادوا من الحكاية دى أكثر بكثير مننا، لدرجة إنهم انتصروا. إحنا واخدانا العزة بالإثم لدرجة عمالين نعمق فى هزائمنا دون أن نستطيع الاعتراف بأننا ذللنا. يا أخى أنا أعرف من بعض مناهجهم الحياتية كمان إنهم عارفين ده كويس قوى (بعضهم على الأقل). برنامج علاج الإدمان مثلاً (والمدمنين أكثر المغرورين بالحلول العملية الخارجية الكيميائية لو تعرف) لا يقوم ولا ينجح إلا على أساس الذل لله والفرح والالتزام به فى نفس الوقت. والبرنامج ده غربى جداً على فكرة. طبعاً فيه فى الغرب ناس معترضة عليه عشان معترضين على المعنى ده بالضبط. لكن كمان هو ده نفس الغرب اللى ساب البرنامج يشتغل وينمو وينجح ويساعد ناس. أنا موش عاوز أدافع عنهم (ما أنا برضه باحس بالغيرة)، أنا كل الحكاية خايف لحسن نكون بندافع عن نفسنا وعن اللى احنا فيه واحنا موش واخدين بالنا، حتى واحنا بنشتم”نا” معاهم. اللغة اللى بنستخدمها فى هذا الموضوع محتاجة تغيير كامل، زى ما نكون محتاجين نخترع (نبدع فعلاً) لغة ثانية ومفاهيم ثانية وموقف ثانى من الحياة عشان نكمل معاهم، وإذا كان عندنا حاجة نسبقهم بيها نعملها، وإذا كان عندنا حاجة نعلِّمها لبعض ونعلِّمها لعيالنا يبقى نعملِّها صياغة عشان تفضل. موش مستريح أنا خالص للغتك الحكامة والتقييمية دى يا محمد، لا الحكم له لازمة ولا التقييم، ولا بينفعوا فى حاجة والنعمة، ومن قبلها موش باستريح للغة يحيى الرخاوى لما بتشبه لغتك دى فى حاجات، وبصراحة بقى: حتى لو عنده حق فى حاجات. عشان كده أنا ناوى أكتبلك (يعنى وليه تقريباً برضه) مقال حاركز فيه على موضوع اللغة، يمكن أوضح لك قصدى، يمكن يكون لينا مخرج بعد ما نزهق من الأحكام والتقييمات، يمكن نقدر فعلاً نعمل حاجة تخللى ربنا ينصرنا على أنفسنا وعلى مأزقنا، وينصرهم على أنفسهم وعلى مأزقهم “فى نفس الوقت”.
د. محمد أحمد(الرخاوى):
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله
د. محمد يحيى (الرخاوى):
آمين يا رب العالمين
****
تعقيب اضطرارى:
لم أستطع أن أمنع نفسى من التعقيب:
د. يحيى:
“الله يخيبك منك له”
****
ملحق التعقيب:
حتى لو كنت قد نشرت ذلك من قبل، فإنى أرسله إليكما لأننى كتبته وأنى مقارب لسنكما (41سنة).
لو حتى الليل طال ست شهورْ، والتلج اتجمّع فوق قلبِى، والطفل اتجمّد ما السقعهْ، والدم اتوقف فى عروقى، والنهر بقى صخر بِيْلمعْ، والوادى بقى صحَرا بتلسعْ، والبنى آدْمين بقوا مش همّا:
أنا حاعملها…،
وحدى؟..، وَحدى .. وِفْ وِسط الناس،
والحب حايرجعْ من تانى يزرعْ فى قلوب المحرومينذ بذرَة حاترعرع من تانى، تطرحْ شجرهْ لها ضلْ كبيرْ، والبقرة حَاتحلبْ من تانى، والشمس حاتطلعْ يوم تانى، والمطرهْ حتنزلْ ترويَنا، والدنيا حتِتْمِلى حب ونور،
– إبقى قابلنى!!،
وطلعت أدب، قابلت الدب، سرقت الرد، قتلت الغول…،
يا حلاوة الناس،
يا حلاوتى.
ملحق الملحق:
عاجبكم كدا يا ولادْ الـ ….. ،
والله اسمع يا عيّل انت وهوْه غنيوه كتبتها للعيال السنة دى
سوف أعيدها عليكما مادامت حضرتْنى
وأنتم مش محصلين العيال اللى كتبتها لهم:
“الحياه هىّ الحياهْ، أغلى حاجه فيها هيّا: إنى عايش، وِسْط ناسْنا الطيبين، حتى ناسْـنا النُصْ نُصْ، همّا برضهْ، أحلى ناسْ: طيبين، ما انا منهمْ، يبقى لازم زيُّـهمْ، حلو خالصْ، بس انا برضه بَلاقينِى ساعات كدا نُصْ نُـصْ، قلت أتعلم ، وابُصْ:
الحياة الحلوة حلوةْ، حتى لو مُرّة وتِتْأَمِّل شويه، راح تشوف مرارتها حلوةْ، الحياة مش هيصهْ سايبه منعكشهْ، الحياة حركة جميلةْ مُدهـِشـَه، بس بتخوّف ساعاتْ، لمّا بنعرِِّى الحاجاتْ.،
باترعب من خطوتى الجايّة ، ولكنْ، باترعب أكتر لو انّى فضلت سـاكنْ.،
كل ما بالْقانِى ماشى: ما بَـنَاتـْـكُمْ، أنبِسط،
إيدى ماسكه فى إيديُكمْ، بابقى خايف إن واحد ينفرطْ،
يا حلاوا لو تكون الدنيا ديَّهْ، زى ما ربى خَلَقْناَ: هِيـَّـا هيهْ، تيجى رايح، نحوها، تلقاها جايَّه،
الحياة الحلوة تِحلى بْكُلّنا، إنتَ وانَا،
كل واحدْ فينا هوّا بعضنا، بس مش داخلين فى بعض وهربانين، زى كتلةْ قَشّ ضايعةْ فْ بحر طينْ.،
كل واحد هوّا نفسُه،
بس نفسُه هِـيّأ ّ برضه كلنا،
مالى وعيه بربّنا.
…………….
يا محمد يا بن أخى: كفاية نفخ سُم هارى .
يا محمد يا إبنى: كفاية خوف من كلكم.
ولنا عوْدة.