نشرت فى روز اليوسف
26 – 3- 2011
د. يحيى الرخاوي : حتى لا يحكمنا نظام “ألعن” من السابق
1- ما حدث لمصر خلال الشهرين الماضيين يحتاج إلى تحليل علمى وسيكولوجى حيث إنه لم يكن يتوقعه أحد.
ما هو تحليلك وتفسيرك ورؤيتك لما حدث.. ولماذا لم يكن أحد يتوقع ما حدث؟
ج1- أنا لى تحفظ على ما يسمى “تحليل نفسى” أو حتى تحليل علمى نفسى “لأحداث سياسية واحتمال نقلات جذرية مثل التى نعيشها هذه الأيام، لأن هذا يوحى بوصاية ما يسمى العلم على ما هو أكبر من العلم، هذه أحداث تمثل بعض مراحل تطور الشعوب وهى أكبر من المتاح بلغة العلم الحديث، وخصوصا العلوم النفسية أو الطب النفسى الذى هو أقرب إلى الفن بل إلى النقد، حتى أننى اسمى علاجى لمرضاى الآن “نقد النص البشرى” (لكل من المريض وشخصى).
أما حكاية أنه “لم يكن يتوقعه أحد” فدعينى أرفضها رفضا مبدئيا، فقد تصدق هذه العبارة على بعض المنتفعين بالنظام السابق، وكثير من العميان عن ما يجرى فى وعى الناس العاديين، وعن ما يتشكل داخل الشباب وغير الشباب، إن المتابع للإبداع خاصة فى الخمس عقود الأخيرة، يعرف أن كثيرا من المبدعين بكل تنويعات الابداع، قد توقعوه، بل إن بعضهم، ولا استثنى نفسى ولا أخصها، قد رسم خطوطه وحدود بعض تقاصيله ويمكن تقديم عينات فى حديث مستقل.
2- وما هى توقعاتك للمستقبل؟
ج2- أنا متفائل دائما، للأسف، وأدفع – مختارات– ثمنا باهظا لتفاؤلى هذا، أنا متفائل ليس بمعنى توقع الخير “من الوضع جالساً”، ولكن بمعنى أن التفاؤل المسئول يلزمنى بالإسهام فى تحقيقه ولو وحدى بدءًا من هذه اللحظة، وبالرغم من هذا التفاؤل، فلابد أن أقر أننا فى موقف صعب وخطير معا، فأنا – مثلا – متوجس خيفة من النفخ فيما حدث دون وقفة مراجعة وحسابات يقظة، قبل أن نتبادل الأحضان والتهانى والمبالغة فى وصف ما حدث بأنه ثورة ليس لها مثيل فى العالم أو فى التاريخ، هذا الموقف ليس مفيدا أطلاقا، أنا لا أنكر مع فرحتى بكل ما حدث، ولا أخفى عرفانى بالجميل، وامتلائى بالأمل، لكننى فى نفس الوقت أتابع حركات الأيدى الخفية والظاهرة التى تدير الدفة، وتحاول الاستيلاء على النتيجة لصالحها، هى مناورات أقذر وأخبث وهى تطمع فى الانقضاض على كل أحلام الشباب، وإطفاء كل انبهار المصفقين جلوسا.
3- هل الشخصية المصرية بعد ثورة 25 يناير هى الشخصية المصرية التى نعرفها فى رأيك أم حدث تغيير وما هو هذا التغيير؟
ج3- التغيير هو الحياة، اختلاف الليل والنهار، توالى الفصول، ظهور الزهور وزبولها، دورات حياة الدود والحشرات…الخ بدون تغيير لا تستحق الحياة أن تسمى كذلك، حتى لو ركزنا على السطح الظاهر ولاحظنا أنه لا يتغير فى حدود إدراكنا المحدود فعلينا أن نعرف أن هذا العجز هو فى الإدراك وليس نفيا للتغيير الذى لا نراه.
التغيير الذى ظهر مؤخرا، وليس الذى “حدث” مؤخرا، هو مجرد كشف ما تشكل فى وعى الناس والشباب خاصة طوال تلك الفترة من الكمون الخلاّق، الذى حدث هو رفع الغطاء، وليس تحّول الاتجاه، ثم أننا لم نعرف الشخصية المصرية حقيقة وفعلا قبل 25 يناير حتى نحكم عليها بعده، وكم دعوت إلى دراسة إيجابيات اللغة الشبابية والأغنية الشبابية والنكتة الشبابية لنتعرف من خلالها على بعض الشخصية المصرية الحالية بدلا من إصدار الأحكام الفوقية الظالمة والغبية على كل شبابنا دون استثناء.
4- كانت هناك آراء تقول إن الشعب المصرى لن يقوم بالثورة أبدا.. لماذا؟
ج4- الثورة هى جزء لا يتجزء من مسار التاريخ لكل الشعوب، التاريخ هو سلسلة إيقاعات حيوية تتبادل فيها الثورات مع الكمون الإيجابى عادة، والثورة هى إعلان لما تم أثناء الكمون المبدع الذى هو تمهيد للثورة التالية وهكذا.
الشعب المصرى ليس مختلفا عن سائر الشعوب، لكن يبدو أن صبره أطول، وكمونه أكثر ثراء، وطول ذراع دورات إيقاعه بين الثورة والكمون أطول، ربما يرجع ذلك ولو جزئيا علاقته بالأرض المنبسطة، ودورات الفيضان والجفاف للنيل العظيم حتى اختلط إيقاع دورات الناس مع إيقاع دورات النيل العظيم.
5- ما هى الأسباب فى رأيك التى أدت إلى قيام الثورة وما تحليلك لما حدث يوم 25 يناير وخلال الـ 18 يوما التى تلتها؟
ج5- المفاجأة لم تكن فيما حدث، المفاجأة كانت فى التوقيت، وأيضا فى تحديد طليعة إيقاعية بها وعليها، كانت أحوال مصر قبلها هى التمادى فى إفقار الفقير وإثراء الثرى، كان المتوقع أن تنفجر ثورة الجياع والفقراء، وتجرجر وراءها الشرفاء من الطبقة الوسطى وبعض القادرين الملتزمين وبالتالى تكون ثورة انفجار جماعة من أسفل السلم الطبقى، جماعة تجهل التكنولوجيا الحديثة وأيضا لا تحذق آليات التحرك الجماعى، المفاجأة جاءت من أن الطليعة جاءت من خلف الكمبيوتر عبر التواصل الأحدث من طبقة القادرين نسبيا الذين يملكون تسهيلات “النت” ويتواصلون بالفيس بوك، ثم إن الشريحة التى سرعان ما انضمت إلى هذه الطليعة كانت مفاجأة أيضا لأننا كنا نصورها ونتصور أنها شريحة “فافىِ” لا تهمها إلا ملاهيها وملذاتها سواء الإيجابية (الديسكو والرقص والغناء) أو السلبية (الإدمان والانحراف)، المفاجأة أن هذه الشريحة نفسها هى التى انضمت بحماس وإخلاص إلى الطليعة.
المفاجأة الثالثة هو المسار الذى تطورت به هذه الحركة من الانتفاضة (المظاهرة الاحتجاجية) إلى هذا الحجم وهذه القوة وهذا الإصرار الجماعى تقريبا، فكانت تماما مثل النار التى تشعلها قصداً أو تشتعل منك مصادفة، ثم تتمادى بالاشتعال الذاتى،
“متى تشعلوها تشعلوها “حميدة” .. وتَضْرى إذا ضرّيتموها فتضرِمِ”
(بعد تغيير كلمة “ذميمة” إلى “حميدة”)
6- هل كنت تتصور أن الثورة سوف يقوم بها الشباب.. ولماذا؟
ج6- انتفاضة احتجاجية جماعية مخلصة تفجرت منها مشروع ثورة رائعة، دعينا نتذكر – مع الفارق – أن الذى حدث فى يوم 23 يوليو سنة 1952 كان “حركة مباركة” انبعثت وتحددتوقيتها إثر اختلافات عادية تقريبا حول انتخابات فى نادى الضباط، لكن الشعب استقبلها بترحاب ثورى وكانت لشخصية محمد نجيب الكاريزمية الفضل فى ذلك، ثم ثوّرها عبد الناصر على مراحل بالتحامه بالجماهير والقومية من جهة، وبالتغيير الاجتماعى الاقتصادى من جهة أخرى، كثير من الثورات لا تقوم على أنها ثورة من البداية، فهى قد تبدأ بالمصادفة، أو بالتجربة المحتملة الإجهاض، ثم تحدث المفاجأة، تماما مثلما تفتح غطاء زجاجة قديمة، فيخرج منها المارد المحبوس من سنين أو من قرون.
7- هل كنت تتصور أن يوجد فى مصر شباب مثل الذى قام بالثورة.. ومارأيك فى الذين كانوا يشوهون صورة الشباب المصرى ودائما ما يصفونه بالسطحية والكسل وأنه لا يريد العمل.. ويتعاطى الإدمان؟
ج7- بمراجعتى ما كتبت وما قلت فى كل إعلام متاح فى العشر سنة الأخيرة، من مقالات وحتى إبداعات، رفضت هذه المقولات تماما كنت أدافع عن هؤلاء الشباب طول الوقت كما كنت أتوقع منهم كل الخير، حتى أننى لم أتردد فى الدفاع عن اللغة الشبابية والنشاطات الشبابية داعيا إلى أخذ أمورهم جميعا بجدية ومسئولية للتعرف على هذا الوعى الجمعى الطازج النشط الذى أفرز هذه اللغة الشائكة والموجزة والصادمة أحيانا.
8- هل فوجئت أنت شخصيا بعناصر لم تكن تتصور وجودها فى الشخصية المصرية ظهرت مع الثورة.. وما هى هذه العناصر؟
ج8- ليس تماما، ففى نشرة الإنسان والتطور التى تصدر فى موقعى يوميا منذ ثلاث سنوات ونصف محدودة كتبت عن ما اسميته “شىء ما فى الشخصية المصرية” يميزها بجمال وتفرد، لا يمكن تسميته أو تحديده، وهو يصل للأجانب بسرعة ربما أسرع وأجمل مما يصل إلى بعضنا البعض، وقد وردت إلىّ تعليقات عن هذا الشىء المميز، أثبتها فى موقعى وتحاورنا حولها طويلا، وكلها تقر هذا الفرض وتفرح به وترغب فى تنميته، وقد أقر أغلبية المتحاورين بخصوصيته وإيجابيته هذا الشىء الـ “ما”، الذى يميز الإنسان المصرى ويمكن الرجوع فى ذلك إلى من شاء. (نشرة 24-5-2008) www.rakhawy.org
9- وفقا لما حدث .. هل تقييمك أن يتقدم جيل الشباب بحيث يحدث إحلال وتبديل واسع وإتاحة للأجيال القادمة فى المستقبل القريب للمشاركة فى السلطة؟
ج9- من حيث المبدأ “نعم” أما من حيث التوقيت والتفاصيل، فإننى أحذر من التمادى فى الفصل بين الأجيال لأن مثل ذلك يمكن أن يكون خطأ جسيما، الأجيال تتداخل فى بعضها البعض بوعى جماعى عند الشعوب التى تحافظ على حركيتها، وتفاعلها (أتجنب عامدا كلمة حوار لأنه يساء فهمها على أنها “مناقشات”) إننى أؤكد على أنه ما لم يتداخل وعى الأصغر مع بعضه البعض ثم يحرك ظاهرا و باطنا وعى الأكبر كما حدث فى ميدان التحرير، فإن الفصل التعسفى بين الأجيال يصبح افتعالا ضارا على المدى القريب والبعيد معا.
10- وهل ترى فى تقييمك للأحداث أن الأجيال غير الشابة سوف تنسحب فى المرحلة القادمة.. وتنمكش ويصيبها الاكتئاب أم ستكتسب طاقة جديدة بفعل الثورة التى فجرها الشباب؟
ج10- هذا يتوقف على طريقة تعاملنا مع نتائج هذه الأسابيع الستة، وايضا يتوقف على طريقة مواجهتنا شبابا وشيوخا لما يحاك لنا ويراد بنا، الشباب ليس هو السن المثبت فى شهادة الميلاد، الشباب هو القدرة على التغيير وعلى الدهشة وعلى المخاطرة وعلى التجدد وعلى الإبداع، وكل هذا يمكن أن يحدث فى سن التسعين الأمر الذى تأكدت منه حين عاشرت نجيب محفوظ فى هذه السن، أما الشيوخ فهم الذى يتوقفون ويتجمدون ويعيدون ويكررون أنفسهم ومطالبهم هى هى، حتى لو ذهبوا إلى التحرير كل يوم مع الإصرار نفس الوقفة دون استيعاب نابض، ما قد يجمدهم تحت تفس السقف الذى لا يتحرك، هذا الموقف يعلن كهولة مهما كان عمر من يمارسه.
لا أظن أن الأجيال غير الشابة سوف تنسحب، ولا أنا أريد منها أن تنسحب ولا أحب وصف الانسحاب بهذا الوصف السخيف “يصيبها الاكتئاب” إنها يمكنها من خلال احترام حماس الشباب واستيعاب إنجازاته هذه أن تكتسب طاقة جديدة، وهذا يقتضى أن تحسن الاستماع، وأن تحترم آليات التغيير من الشباب وغير الشباب لأن هذا هو الذى يصنع دولة وشعبا واعيا على المدى البعيد.
11- وما تقييمك وتوقعاتك لشكل العلاقة بين طبقات المجتمع وشرائح المجتمع المصرى مستقبلا وفى ضوء الثورة؟
ج11- طبقات المجتمع وشرائح المجتمع لا يمكن جمعها هكذا بهذه البساطة حتى أعلن توقعاتى، فالطبقات المصنفة اقتصاديا واجتماعيا، غير الطبقات المصنفة مبدعين ومقلدين، غير الفئات المصنفة مسلمين ومسيحين، توقعاتى أنه إذا تم توفير “الاحترام” لكل هذه الطبقات مع احتكاكات وعى صادقة وعميقة، فإن وعيا وطنيا عاما سوف يتشكل إيجايبا بحيث يمكن أن يفخر كل فرد فيه أنه مصرى يعيش مع مصرى آخر، فيسهم كل منهم فى صلاح وإصلاح بلده، ومن ثم صلاح وإصلاح العالم فى مواجهة ألعاب القوة العسكرية المالية المستغلة فى طول العالم وعرضه.
12- ما هى التشوهات بشكل عام التى أحدثها النظام السابق على مدى 30 عاما الماضية فى الشخصية المصرية؟
ج12- التشوهات حدثت على مدى أكثر من ستين عاما وليس على مدى ثلاثين عاما، ولكن فى بعض المراحل خلال هذه العقود الستة تم تحقيق بعض الإيجابيات التى غطت هذه التشوهات مرحليا، وحين تمادت التشوهات دون تحقيق إيجابيات تتوازن معها أو تغطيها ظهرت عارية بشعة، التشوهات تجلت أساسا فى غياب التعليم، وكذب الساسة، وموت الوقت، والفخر باللاأخلاق مثل الغش وشحذ مهارات الشطارة، وغياب العدل.
13- وكيف يتم التخلص من هذه التشوهات أو علاجها فى الشخصية المصرية؟
ج13- يستحيل تصور أن هذه التشوهات يمكن أن تعالج أو نتخلص منها بتغيير أفراد سواء كان هذا الفرد رئيسا أو قائدا أم عضوا فى مجلس منتخب صوريا، وأيضا يصعب علاج تشوهات الضحايا المشاركين بالاستسلام والسلبية إلا بالممارسة السليمة فى ظروف إيجابية.
نحن نحتاج أن نبدأ بالتعليم، وبالتأكيد على آليات التغيير، مع التذكرة بأن الديمقراطية الاضطرارية المعروضة الآن على الساحة هى ديمقراطية مغشوشة قصيرة العمر، التشوهات تعالج بأن ينمو تحتها أعضاء سليمة تحل محلها، وليس بعمليات الترقيع والتجميل والدعم السطحى مثلما يحدث فى رشاوى درجات الثانوية العامة أو العلاوات الاستثنائية.
14- هل هناك آثار سلبية ظهرت أو بدأت تظهر بحيث تؤثر بالسلب فى المجتمع المصرى مستقبلا (بعد الثورة)؟
ج14- طبعا، من هذه الآثار السلبية التوقف عن العمل والإنتاج أكثر من اللازم، وما ترتب ويمكن أن يترتب على ذلك من خراب ومزيد من الفقر والإفقار وهذا لن يدفع ثمنه إلا الطبقات الكادحة مهما تخلصنا من فاسدين أو استرجعنا من مليارات.
ومن الآثار السلبية ايضا أن ينقلب نبض الشباب إلى تقلصات متلاحقة دون استيعاب يحتوى ويتمثل الآثار الإيجابية يستثمرها أولا بأول.
وكذلك أن يتمادى غرور الشباب فيستسهل التركيز على تغييرات جزئية أو فردية لكل، أو من، لا يعجبه أداءه بلا تقييم موضوعى للإنجازات الحقيقية، ودون اعتبار للثمانين مليونا البعيدين عن ميدان التحرير جغرافيا ووعيا.
15- كأستاذ وعالم فى الطب النفسى ومفكر ما هى توقعاتك وتقديرات ورؤيتك وتصورك للسلوك وردود الأفعال التى يمكن أن يقوم بها رجال النظام السابق سواء كانوا داخل السجون أم خارجها؟
ج15- كل شىء وراد، وبغض النظر عن التحالف السرى الحالى الذى شممت رائحته اليوم (الجمعة19/3) بين الإخوان وبين فلولهم بمناسبة اتفاقهم على “نعم” للتغييرات الدستورية وما صاحب ذلك من أشكال الدعاية الدينية الفجة فى مقام لا يجوز فيه مثل ذلك، فإن هذه السلبيات سوف تتجلى أكثر كثيرا بمجرد خوض تجربة انتخابات مجلس الشعب ما لم تتم الانتخابات بالقائمة، وأيضا بعد إتاحة الفرصة لتكوين أحزاب جديدة، تمارس نشاطها الحيوى فى الشارع السياسى بين الناس.
إن الانتخابات بالرقم القومى هى مجرد خطوة لا تكتمل إلا بعد اقرار الانتخابات بالقائمة، حتى أننى قدمت اقتراحا يسمح للمستقلين أن تكون لهم قوائم انتخابية بحد أدنى من الأفراد الذين يتفقون على خطوط إجمالية لتوجهٍ ما، حتى ولو كانوا عشرة دون، الإلزام بتكوين حزب، ومن لا يستطيع أن يتفق مع عشرة مرشحين فليس من حقه أن يمثل دائرة انتخابية من حيث المبدأ.
16- وهل تتوقع عودة النظام السابق من خلال الحزب الوطنى؟
ج16- إن لم يعد النظام السابق تحت لافتة هذا الحزب، فقد يتخلق نظام ألعن منه بمجرد أن نستعمل آلية فاسدة مثل نظام الانتخاب الشخصى، أو اهتزاز سلطة القضاء أو التمييز فى تطبيق القانون لأسباب شخصية أو فئوية أو أية آلية تحرم الناس من التعبير فالتغيير، أى تجمع سلبى فاسد يمكن أن يتخلق بأية وسيلة مناورة خبيثة بما فى ذلك استيلاء سلطة ثيوقراطية على حق بالكلام نيابة عن الله عز وجل، أو بفعل تأثير المال والأعلام المدعم به خاصا وعاما.
17- وما رأيك فى كم الفساد وكم المفسدين الذين كشفت عنهم الأحداث بعد الثورة وهل كنت تتوقع هذا الكم من الفساد؟
ج17- اعتدت باستمرار ألا أصدق إلا أحكام القضاء، وطبعا أنا فوجئت مثل أى مواطن بالأرقام المعلنة، والتى يبدو أنها من كثرتها وتعدد مصادر إعلانها بها بعض الحقيقة على الأقل، ومع ذلك فأنا لا أعرف معنى كلمة “مليار” ولا أتصور إمكان أن أنجح فى عدّ أوراق المليار حتى لو كنت أعمل موظفا بمصرف، لأن عمرى سوف ينقضى قبل أن أتم العدّ، فما بالك حين أقرأ أن فلانا استولى على كذا مليون متر مبانى (لا جنيه) على البحر الأحمر وكلام من هذا.
أنا – مثل كثيرين – فى شوق شديد أن أعرف الأرقام الحقيقية وأحكام المحاكم لأن ما ينشر فى الصحف هو أكبر من مدى خيالى بصراحة، وبالتالى فأنا لم أكن أتوقع هذا الكم من كل شىء، من المليارات والأفدنة وأمتار الأراضى والتعذيب، والكذب، والبجاحة والوقاحة,
18- وهل الشخصية المصرية بطبيعتها تميل إلى الفساد والرشوة أم أن الظروف هى التى خلقت هذه القيم بداخلها؟
ج18- الشخصية المصرية مثل أية شخصية إنسانية تتشكل بما حولها، وتطبق آليات التعامل من واقعها، حين يكون الغش هو الأصل فى الامتحانات، والإكراميات والرشاوى هى الأصل فى التعامل والتسهيلات، والتهرب من الضرائب هو الأصل فى الوفاء بالإلتزامات العامة، والقرابة والمحسوبية وأحيانا الدين هى الأصل فى التعيينات، فكيف لا تتشكل أية شخصية تعيش فى هذا الجو بكل هذه المبادئ والقيم السلبية.
ومع ذلك أنا ارفض فكرة التعلل بالظروف، “بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره”، والمعاذير كثيرة هذه الأيام وأهمها الظروف المبررة للفساد أو الإفساد، بأن الكل هكذا.. إلخ.
19- هل الشخصية المصرية هى التى ساعدت بما تتميز به من طيبة وتسامح وعفا الله عما سلف هى التى أدت إلى هذا الفساد… فى رأيك أم أن هؤلاء المفسدين يتميزون بقيم الفساد بداخلهم؟
ج19- الطيبة والتسامح وعفا الله عما سلف هى قيم إيجابية من حيث المبدأ، على شرط أن تصدر من شخص قوى، أما إذا ادّعاها شخص – مصرى أو غير مصرى – وهو فى موقف ضعيف فينبغى أن نحذر من تفسير أى سلوك سلبى بها.
كل إنسان هو مشروع قاتل بقدر ما هو مشروع مبدع، وهو مشروع لص بقدر ما هو مشروع راعٍ مسئول عن رعيته، والتفاعل الجيد الخلاق بين هذه الاستعدادت هو الذى يصنع البشر حسب ما تتاح لهم من إمكانيات ترجيح هذا من ذاك، على أن المسألة لا ينبغى أن تتركز على تصنيف الناس إلى خيرين وأشرار، وإنما هى فى إتاحة تربية صحيحة تحتوى الشر ولا تنكره لتنمو به فينقلب خيرا، وتحترم الخير وتنميه ليحيط بالشر ويروضه، إن الخيبة البليغة والعنصرية الغبية التى أعلنها “بوش” وهو يصنف العالم إلى محور الشر ومحور الخير (وهو يتصور أنه ممثل للأخير) ليست إلا تصنيفا عنصريا ضد الفطرة وضد خلقة ربنا، كذلك فإن بعض المتعصبين فى كل دين يوجد داخل داخلهم مثل هذا التقسيم وأن كان العنوان ليس “شرا” و”خير” ولكن “صحيح” و”خطأ”، جنة وجهنم، فتدينى هو الصحيح ودين غيرى خطأ، وهذا كامن بداخل أغلبنا للأسف مهما كثرت الأحضان والقبلات والولائم.
20- الأحداث بعد الثورة كشفت عن وجود شبكة جهنمية من الفساد والطغاة حتى إنها تستطيع إفساد أى شخص وتحويل أى شخص برئ إلى مجرم ومتهم.
ج20- كل الذمم “تباع وتشترى” هذا قول قديم أعتقد أنه سليم جزئيا، ومن لم يبع ذمته بعد هو الذى لم يصل المزاد إلى تثمينها بما تستحق كما يتصور صاحبها، وبالتالى فكلما زاد الفساد استطاع الفاسد أن يدفع ثمن ذمم الشرفاء أعلى فأعلى.
أما مسألة تحويل شخص برىء إلى مجرم ومتهم فهى لا تتم قسْراً إلا من خلال قضاء قاصر، فإذا كان السؤال يعنى إمكانية تحويل شخص ساذج إلى مساهم فى الفساد فالرد موجود فى ردى على الجزء الأول من السؤال
21- ما تحليلك ولماذا وصل الفساد إلى هذا الحد ولماذا كان الناس يسكتون عن الفساد؟
ج 21- وصل الفساد إلى هذا الحد لأنه كانت هناك صفقات للتغطية والمشاركة “فوّت وأنا افوّت”، “اسكت وأنا اسكت”، “هات وخد”، والبقاء للأشطر.
22- ما هو تحليلك النفسى والسيكولوجى لشخصية حبيب العادلى ورجال الحزب الوطنى ورجال وشخصيات النظام السابق؟، هل هم شخصيات سيكوباتية سادية فى رأيك أم ماذا؟ وهل هم مرضى نفسيون؟
ج22- أنا لا أحلل شخصيات عن بعد بهذا الشكل، كما أنى أرفض إطلاق أى أسماء أية أمراض أو أعراض على ساسة أو حكام، لأن مرضاى – حتى السيكوباتيين – هم أطيب وأطهر مما وصلنى عن كثير ممن ذكرت فى سؤالك.
23- وما هى رؤيتك والتحليل النفسى لشخصية حسنى مبارك منذ توليه السلطة وحتى اللحظة الأخيرة من حكمه وسلوكه وتحركاته فى المشهد الأخير من حكمه بداية من اندلاع الثورة فى 25 يناير وحتى تنحيته؟
ج23- أنا أرفض ذلك أيضا، وقد كتبت مقالات طوال العشرين سنة الماضية، فى شكل خطابات مفتوحة موجها كلامى إليه شخصيا وهو على قمة السلطة وفيها ما أردت قوله حينذاك بما فى ذلك رفض تصرفات له، وتحذيره نفسه وممن حوله ويمكن الرجوع إليها. (نشرات: 14-3-2011، 15-3-2011، 16-3-2011)
أما بعد أن أبتعد عن الصورة والسلطة، وحيث أننى لا أعرف أية تفاصيل عن كل الأحداث والملابسات فأنا أشعر أن وصفى له بأوصاف مرضية أو سلبية تحت عنوان التحليل النفسى أو الطب النفسى هو موقف غير أخلاقى من حيث المبدأ.
24- لماذا فى رأيك ورغم ما حدث هناك من يؤيد النظام السابق رغم كل مساوئه ويريد عودته؟
ما هو تحليلك النفسى لذلك وهل نحن شعب نتشبث بالماضى ونخاف من المستقبل حتى لو كان أفضل؟
ج24- إذا ثبت بمرور الأيام – لا قدر الله – أن الناس كانو يعيشون فى تحت حكم النظام السابق فى ظل أمان أكبر، وبانتاج أوفر، وبإبداع ممكن، وبفرصٍ تتزايد، عن ما آل إليه الحال الآن أو بعد مضى الوقت الكافى، فمن حق الناس أن يترحموا على هذا النظام، فالمسألة ليست قضية أخلاقية أو أحلام مثالية وإنما هى مسألة تكوين دولة، ووعى عام، وعمل وانتاج ووفاء بالتزامات الستة وثمانين مليونا، مع تطوير قدرات ما هو نقد مستمر وآليات تعبير لما نكتشفه من أخطاء وفساد أولا بأول.
لعل بعض الناس وصلهم احتمال أن ما سبق من كل هؤلاء الفاسدين كان يوفر لهم ما يخشون ألا يتوفر بما هو جارٍ الآن، ومن حق الناس ان يريدوا عودة النظام الواقعى مهما ثبتت مساوئه من أن يتمسكوا بنظام هلامى مثالى مهتز، مهما بلغ علو صوته، وهذه الحقيقة جديرة أن تدفعنا أن نسرع بتقديم الأفضل والأطول عمراً دون أن نكتفى لا بالرشاوى ولا بالوعود.
25- فى رأيك هل البطء فى اتخاذ القرارات وتحقيق مطالب الثورة على أرض الواقع كما يحدث الآن، خاصة فى تغيير الدستور بالكامل وليس تعديله وهو مطلب من مطالب الثورة فى صالح الثورة أم العكس، وهل هو نوع من الالتفاف على الثورة؟
ج25- لا يوجد بطء فى اتخاذ القرارات، ولا يوجد إلزام بأن كل المطالب هى واقعية أو صحيحة مائة فى المائة، ثم إن تغيير الدستور جارٍ، وهو دستور مؤقت، ومع أننى سوف أصوت بـ “لا” فأنا لن أفعل ذلك لأنى أريد أن أغيره جذريا، وإنما لأسباب أخرى، من ضمنها مواجهة مناورات وصفقات أخبث تجرى بشكل خطير لا أكثر ولا أقل.
تعبير الالتفاف على الثورة ينبغى ألا يقتصر على الحزب الوطنى أو أصحاب المصالح سابقا، فالالتفاف وارد من الأمريكيين ومن القوى العالمية المالية، كما أنه وارد من السلفيين الذين يسخرون آيات القرآن الكريم للموافقة حتى على تغييرات الدستور، الالتفاف على الثورة لا يأتى نتيجة البطء فى الاستجابة، وإنما قد يتم أساسا من غفلة القائمين على ما يسمى الثورة أنفسهم ومن عدم وعيهم بكل القوى الخبيثة التى تحيط بهم وفى أيديها خيوط تسيير العالم لصالح المال والتكاثر الاستهلاكى عبر العالم.
26- وما هى تخوفاتك من المستقبل؟
ج26- هى تخوفات بلا حدود، ولكنها لا تبرر أية رغبة فى التراجع، ولا تحل محل حقى فى الفرح بما تم، وهى لا تتعلق بالتماس أعذار لمن كانوا يحكموننا بكل هذا القهر والغباء معا، لكنها تظل تخوفات هائلة حتى تصل إلى ما يسمى التفكير التآمرى الذى اعتز به كأحد آليات تطور الأحياء “البقاء للأذكى تأمرا”،
وقد أوردت فى إجاباتى السابقة عينات كثيرة تحدد مصادر وأسباب تخوفى.
27- المشهد الآن تتصدره الشخصيات الدينية فهل أنت مع الدولة الدينية، وهل ترى أنها الأصلح لمصر؟
ج27- لا يوجد شىء فى الدين أو الإيمان اسمه الدولة الدينية، الله سبحانه سوف يحاسب هذه الشخصيات التى تحتكر تفسير كلماته المقدسة حسابا عسيرا، فهم يتحدثون باسمه ويفرضون أفكارهم بل وأطماعهم على كلماته، وهم يستعملون ما أنزله الله لغير ما أنزل له، وأنا فى نفس الوقت ضد تهميش الدين وجعله مسألة سرية شخصية كما يدعو إليه العلمانيون، وبقدر ما انا ضد استعمال الدين وجعل السلطة الدينية وصية على كلام الله فى السياسة وغير السياسة، فأنا أيضا ضد تقسيم الحياة المتكاملة بهذا القول الشائع “أن الدين لله والوطن للجميع”، وكأنها تورتة متنازع عليها، فالدين لله والوطن لله، لكن لا يوجد وكلاء لله لتنفيذ أحكام ملكية الدين أو الوطن، وأيضا أنا ضد شطب الديانة من البطاقة الشخصية، لكنى مع ترك هذا الخيار لكل مواطن: من يريد أن يثبته فليفعل، ومن يترك الخانة شاغرة فهو حر، أنا أفرح بابنتى التى تعلق الصليب فى مكان ظاهر حول جيدها نفس فرحتى بإبنى الشاب الذى يرتدى خاتم الخطوبة أو الزواج من معدن غير الذهب، لكى أعبد الله على دينى لابد أن اسمح لغيرى، حتى الكافر، أن يفعل مثلى “قل يا أيها الكافرون …” .. “لكم دينكم ولى دين” (صدق الله العظيم) كما أنى أيضا أريد أن أعلن هنا أننى أتواصل مع مواطنىّ مرضى وأصحاء بكل ما هو أنا، وليس فقط بما يظهر منى على سطحى، الدين أصل فى الوجود، وطريق للإيمان، وليس له علاقة بهذه الشعارات التى تسخره ضد فئة من البشر، ولصالح فئة أخرى للاستيلاء على سلطة بزعم أنها الأقرب إلى الله.
أنا أرفض كل وصاية من أية سلطة دينية أو سياسية إلا لصالح الناس ولنفع الناس وتعمير الأرض وإطلاق الإبداع كدحا إلى وجه الله تعالى، دون وصاية من أى فئة على غيرها خصوصا الفئات التى تتبوأ كراسى الحكم.
لا ضر ولا ضرار،
وما ينفع الناس يمكث فى الأرض
وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر
إذن فلا يوجد شئ اسمه “الدولة الدينية بالصورة الشائعة أصلاً ، ولا بغير الصورة الشائعة، لقد كانت خطأ تاريخيا وتم تصويبه، ثم رفعت الأقلام وجفت الصحف والله على ما أنوى شهيد”.
28- وهل الشخصية المصرية شخصية متدينة بطبعها ومن يريد أن يحكم شعب مصر يجب أن يدغدغ مشاعر الناس عن طريق الدين، وهو ما حدث مع نابليون منذ دخوله مصر عندما أشاع أنه أسلم حتى لا يقاوم المصريون الجنود الفرنسيين أثناء الحملة الفرنسية، وأيضا ما فعله القائد الفرنسى كليبر عندما أسلم وتزوج من مصرية مسلمة لنفس الهدف ثم خطاب أوباما الرئيس الأمريكى الذى ألقاه عن مجيئه إلى مصر ولماذا اختار فى رأيك مصر ليلقى خطابه ثم تركيزه فى الخطاب عن الإسلام واحترامه له وأن والده كان مسلما.
ج28- المصرى متدين فعلا منذ قدماء المصريين بمعنى أن حدس أجدادنا القدماء سمح باكتشافهم أن ثمة حياة بعد ما نعرف عن حياتنا هذه، وأن ثم وجود واحد أعلى له جاذبية ضامة، كل ذلك قديم قديم فى المصريين، ومن هذا المنطلق يمكن الحديث عن أن الشخصية المصرية متدينة بطبيتعها حتى لو ألحدت عقولها الظاهرة.
لكن هذا لا يبرر الاستسلام لأية وصاية سلطوية دينية تتحكم فى تفاصيل علاقة المصرى بدينه وكدحه على طريق الإيمان إلا فى حدود التنظيم المجتمعى الأرقى الذى يساهم فى تحرير البشر، وتنمية الإبداع، سعيا إلى وجه الحقيقة تكاملا مع الوعى الكونى الأعظم توجها إلى وجه الحق سبحانه تعالى.
29- وهل فى رأيك أن الأحزاب الدينية سوف تنجح فى انتخابات مجلس الشعب؟
ج29- هى سوف تنجح بقدر ما تتمكن من المناورة ودغدغة الغرائز الدينية “لا الدين، ولا الأيمان” أى بقدر ما تستغل سذاجة الناس بالتلويح والرشاوى والتمييز فى الدنيا والآخرة، حتى لو أخفت كل ذلك تحت لافتات ليس فيها ذكر للدين.
30- إذا جاء رئيس الجمهورية فى الانتخابات المقبلة ذا خلفية دينية ما رأيك فيما سيحدث فى المستقبل فى مصر؟
ج30- سيتوقف ذلك على حقيقة نوع الديمقراطية التى نمارسها، فإذا كانت ديمقراطية قادرة فسوف نحسب أداء هذا الرئيس بالأنتاج والإبداع والتصدير والنقد والتعليم والحرية، أما إذا كانت ديمقراطية مغشوشة مناورة فسوف يستعملها هذا الرئيس وفرقته فى تغيير الدستور باسم الدين، ويتم قمع الاختلاف، بالتكفير أو النفى أو الإعدام باسم الدين، وسوف يحسب له أداؤه من قبيلته وعشيرته ليس بالمقاييس السالفة الذكر لصالح الناس وتعمير الأرض ونمو الإبداع وإنما بمدى مطابقة أداء هذا الرئيس لظاهر التدين، وهنا قد يطول عمره بعض الوقت فى السلطة حتى تقوم ثورة جديدة تكشف مدى بعد نظامه عن الدين الحقيقى فالإيمان وهكذا.
31- وما هو رايك وتصورك للدور والشكل الذى يمكن أن يلعبه الدين والشخصيات الدينية فى الدولة والمجتمع فى خلا الفترة المقبلة؟
ج31- سبق الإجابة عليه
الدين أصل فى الحياة وليس حكرا لفئة دون الآخرى، وهو ليس ممارسة فردية، وهو ليس تسكينا للقلق، وليس رشوة لفئة دون آخرى، وليس سرّا علىّ أن أخفيه عن الآخرين، وكل ذلك لوجه الله والناس دون وصاية.
32- فى تقديرك ورؤيتك وتصورك ما هى المواصفات المثالية التى يحتاجها المجتمع من قادة الرأى العام، الآن وفى المستقبل، وهل هذه المواصفات تتوافر فى القادة الحاليين للرأى العام؟
ج32- لا يوجد حاليا ما يسمى “قادة الرأى العام” فى العالم كما كان عبر أزمان سابقة، يصدق هذا فى مصر بوجه خاص، ثم إنه بعد ثورة التوصيل والتواصل أصبحت المسألة تتوقف على كفاءة حركية البشر، وخاصة الأصغر منهم وهم فى حالة تخليق ما أسميه “الوعى البشرى العام الجديد”، وأتصور أن هذا يتكون تلقائيا عبر العالم فى مواجهة ألعاب وأسلحة الانقراض الشامل التى يمارسها ما يسمى “النظام العالمى الجديد”: بالمال القذر والسلاح القاتل للجنس البشرى كافة.
33- هناك وقائع كثيرة فى العالم، وفى مصر أيضا أكدت أن الشعوب تستطيع أن تصنع التغيير حتى بدون قائد، فهل تتوقع أن يستطيع الشعب المصرى أن يسقط فكرة ارتباطه تاريخيا والممتدة إلى مئات السنين بوجود وقائد أو زعيم.. ومن هو الزعيم والقائد فى رأيك وتصورك الذى سيظهر خلال هذه الفترة؟
ج33- هذا صحيح، الاستغناء عن قائد له كاريزما احتمال وارد، لكنه صعب ويحتاج لوعى جديد لتنظيم التواصل والوقوف فى مواجهة تكوين وعى سلبى نوعى متحيز جديد بنفس تسهيلات آليات ثورة التواصل، لقد أصبح النقد ممكننا أولا بأول عبر الإعلام اللامركزى (النت والفيس بوك)، حتى سمح بالشك حتى فى تفسير الظواهر التى كنا نعتبرها طبيعية جدا جدا مثل زلزال اليابان وقبل ذلك زلزال هاييتى وتسونامى ولكن لهذا حديث آخر.
34- ما رأيك وما هو تحليلك السيكولوجى للشخصيات المرشحة لمنصب الرئيس؟
ج34- قلت إننى لا أفعل ذلك أصلا، ورأيى ينبغى أن ينبع من دراستى لبرنامج هذا الرئيس وتقيمى لقدراته على تنفيذه أكثر مما يتعلق بتحليل نفسى له أو توصيف شخصتة، المسألة سياسية تقاس بالإنجاز السياسى والنجاح العملى لتوفير حاجات الناس وتأمينهم وإطلاق طاقات إبداعهم بغض النظر عن نوع شخصية من يكون القائم بذلك، وهذا يتم حين تصبح الدولة دولة مؤسسات لا عزبة أفراد
35- ومَنْ من هذه الشخصيات فى رأيك ترشحه لمنصب الرئيس ولماذا فى رأيك؟
ج35- فى وقت سابق نشرت عشرين اسما يمكن أن يلوا هذا المنصب، بشكل جدى مرة، وبشكل ساخر أخرى، والآن أكرر أنه حين تكون الدولة – كما قلت حالا “دولة مؤسسات” – يصبح أى فرد يحترم قواعد المؤسسة وعنده قدرة تسييرها: هو الأصلح.
36- هناك تشكك الآن داخل الشعب لكل ما يدور حوله هل هذا الشعور خطر على المجتمع.. وعلى الثورة وهل سيستمر.. وكيف ستعود الثقة للشعب ويطمئن على مستقبله؟
ج36- الثقة لا تعود بالوعود ولا بالتصريحات ولا بتغيير الأفراد ولا بتحقيق المطالبات بإعلان ميثاق أو حتى دستور، الثقة تعود بالممارسة، والنقد أولا بأول، ومن ثَمَّ التصحيح أولا بأول من واقع الواقع: من أول طوابير الخبز، حتى حجم النشر والتثقيف وانطلاق الفنون مرورا بالتعليم فى المدارس، وانتظام حركة المرور، وانتشار الأمن.