الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حالات وأحوال (9) تابع: رحلة التفكيك والتخليق (5) “المتن” من واقع الجلسة (تحقيقيا لما جاء بنشرة الثلاثاء الماضى)

حالات وأحوال (9) تابع: رحلة التفكيك والتخليق (5) “المتن” من واقع الجلسة (تحقيقيا لما جاء بنشرة الثلاثاء الماضى)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 16 -11-2015

السنة التاسعة

العدد: 2999

حالات وأحوال (9)

تابع: رحلة التفكيك والتخليق (5)

“المتن” من واقع الجلسة

(تحقيقيا لما جاء بنشرة الثلاثاء الماضى)

مقدمة:

نكرر أن هذه الحالة تمثل نموذجا أتيحت له الفرصة أن يبدأ بجدل بين وعى المعالج ووعى المريض من خلال الوعى البينشخصى، لينتقلا معا إلى حركية الت10-11-2015-شكيل ضمن الوعى الجمعى بقيادة نفس المعالج، أملا فى أن يتخلق كيان جديد يستفيد من التفكك لصالح النمو، بديلا عن التثبيط لصالح التسكين الذى إذا تمادى فربما ينتهى إلى سجن الاغتراب من جديد، حتى لو سمى هذا الاغتراب شفاء أو عادية لمجرد اختفاء الأعراض الظاهرة المزعجة.

نحن نفترض أنه فى هذه المرحلة يكون الخيار بين أن نثبطِّ هذا النشاط تماما وكلية على حساب أى فرصة للنمو، وخوفا من تمادى المسار السلبى، وبين أن نحافظ على حركيته ونحن نهدئ من حِدَّتِهِ لنتمكن من الإحاطة به وإعادة توجيهه إلى مسار نبض النمو بديلا عن مشروع إبداعٍ مُجْهَض مفسِّخ، وهذا يحتاج إلى قراءة النص البشرى ثم إعادة تشكيله “معا” (نقده) بمساعدة كل المعطيات العلمية والفنية والإبداعية المنتقاة والمتدرجة زيادة ونقصا وحسنَ توقيتٍ.

وبعد

ثم مضت سبعة أشهر ونصف، واظب “محمد” فيها على حضور جلسات المجموعة صباح كل أربعاء، ورجع إلى عمله نقاّشا حاذقا، دون أن يضطر إلى أن يطربقها إنجازا مرهقا مغتربا، وزاد تعرفه على أفراد المجموعة دون اعتماد مفرط على قائدها، لكنه ظل متمسكا – نسبيا- بأمله فى العودة إلى قديمه “كما كنت!!” (محمد طربقها) كما ظل المعالج وأغلب المشاركين يأملون فى حل أفضل، يتخلق منه محمد جديد فى “رحم حركية الوعى الجمعى”.

…………

وكانت محكات الحفاظ على الأمل هى:

 أولا: انتظام محمد فى الحضور دون تغيب إلا نادرا.

وثانيا: استمراره فى العمل دون انقطاع (وأيضا دون أن يطربقها)

…………

وانتقل هذا الخلاف والحوار من اللقاءات والحوارات الثنائية مع المعالج إلى المجموعة العلاجية، وكان التركيز على رفض التفكك والدفاعات المترتبة عليه، أى رفض محمد فركشنى، أى رفض المرض، لكن فى نفس الوقت كان تنبيه المعالج المستمر يشمل أيضا رفض العودة “كما كنت” أى رفض محمد طربقها: 

وفى نشرتَىْ اليوم وغدًا نقدم نص التفاعل الذى دار فى جلسة لاحقة بعد حوالى سبعة اشهر من أول جلسة حضرها محمد، وهو ما بين تضافر معظم أعضاء المجموعة، وليس قائدها فقط فى احتواء الحمل فى “محمد دلوقتى” بمشاركته بداهةً،

 وفيما يلى نقدم نص المقتطفات التى نأمل أن تؤكد هذه الرسالة.

المقتطفات:(1)

د/ يحيى:  يا محمد يابني هو فيه حاجة: احنا بندور على إسم ثالث غير “محمد طربقها الجديد”, دا اسم طويل قوى، إحنا كنا قلنا فيه “محمد طربقها القديم”، لو كان ممكن يرجع، وفيه “محمد بس” من غير طربقها، وفيه محمد المشلول المجنون اللى فركش ولخبط الدنيا على بعضها وخلاص، وفيه محمد عبد الله اسمه بالبطاقة، وكنا بنقول مش عايزين نرجع للقديم علشان ما نكررش تاني، ولا عايزين المحتج اللى فركش كل حاجة.

محمد/ يعني مش حارجع زى الأول؟؟!!

د/ يحيى: لاّهْ، أنا قولتلك 100 مرة لأ، وإنت قولت 100 مرة لأ على اللآَّه بتاعتى، ورجعت قولتلك 100 مرة لأ, وباين ما فيش فايدة، يا ابنى “زى” الأول اللى أنت عايز ترجع له هوّا اللي إنكسر مننا.

محمد/ يعني فيه دلوقتي محمد أحسن من كده؟

د/ يحيى:  باين فيه تالت يا شيخ! وقلنا نسمية محمد طربقها علشان نحترم الجدعنة بتاعتك وزودنا عليه كلمة “الجديد” لقيناها مش لايقة, ما فيش حد بيندهوله بتلات كلمات يا ابنى… “محمد طربقها الجديد” تقيلة علينا عشان نشتغل بيها, مش مهم الاسم، بس تكون الأول وصلتك الرسالة يابني بتاعة إن الرجوع للقديم ماهواش غاية المراد.

محمد/ مش هو الحل يعنى!!؟؟

د/ يحيى: لأ، مش هو الحل بأمانة, إحنا بقالنا ست شهور بنقول ونعيد فى الحكاية دى هو يمكن يكون الحل لما يكون تلصيمة والسلام، إنما إنت كنت مجنون رسمي يابني, لما انكسرت الدنيا إتفركشت، حانرجع للقديم هانستحمل فوق طاقتنا، حتتفركش مننا تاني، أو تتليس بأسمنت مسلح بقى, أخدت بالك؟

محمد/ أه.

د/ يحيى:  فاحنا بندور على إننا نحترم القديم لأنه جَدْعَنَه، طربقها ده معلم وسهِل وكسِّيب وكده، ونحترم الجديد حتى لو فركشها لأنه إحتجاجي على الظلم اللي كان موجود, يقوم يطلع الثالث وهو بقى اللي بندور عليه, وبنحاول نألف له اسم خصوصى.

محمد/ يبقى “محمد بس”.

د/ يحيى:  طب نسمي إيه اللي بيتكون ما بينا دلوقتى؟ العيّل محمد ولا نسميه إيه؟

محمد/ محمد طربقها.

د/ يحيى: تانى؟!! مش طربقها ده هو اللي كان جدع وبيستحمل وكان ياعينى بيتظلم وياخد فوق دماغه, بجد يعني أنا باحترمه برغم إنه اتكسر فى الآخر، بس مش عايز أرجعله، إيه رأيك؟ نسميه إيه دلوقتى؟ آدى احنا بنحترمه وفى نفس الوقت مش عايزينه؟

محمد/ مش لاقيله إسم تانى.

د/ يحيى: هو صغير قوي وخايب وبِيْشَغَّلْ برضه، وكان نفسنا يكبر بالراحة لكن باين علينا مستعجلين، لازم نستحمل ونديله فرصة.

محمد/ نعمل إيه؟

د/يحيى/ أصل الظاهر الثالث ده بيلم حسنات ده وحسنات ده عشان يطلع حاجة غير ده وغير ده، وهوه لسه صغير ومش متعرفين عليه, مالهوش معالم قوي… فاكر؟

محمد/ فاكر.

د/ يحيى: فاكر إيه يا شيخ؟!! بصراحة أنت باين عليك مُصّر قوى ترجع للقديم ودى جدعنه منك وشرف إنك تعوز ترجع لمحمد طربقها القديم لأنه كان جدع، بس خد فوق دماغه، كان ناشف فراحِ متْشَقَّقْ بسهولة.

محمد/ عايز أرجع أحسن من الأول.

د/ يحيى:  أحسن دى فيها أحسن طربقها قوي، وفيها أحسن باختلاف، يعنى معدّى طربقها.

لا يظن أحد أن هذا المقطع الذى طال هكذا ليس إلا مناقشة نظرية أو أنه حوار للإقناع، فهو يجرى بعد أكثر من ستة أشهر فى المجموعة، وهو يذكرنا بأول مقابلة قبل بداية التحاق محمد بالجروب (نشرة المقابلة الأولى 26-10-2015)، وهنا نشير إلى أن عرض النَّفْسِمْراضية(2)منذ البداية مع تحديد هدف العلاج هو مجرد تخطيط لخريطة الطريق، أما تحقيق الغاية العلاجية النمائية فهو عملية جارية طول الوقت بكل آليات المجموعة  العلاجية، محاطة بالوعى الجمعى فالجماعى فى رحاب الوعى الأشمل كما ذكرنا، وأن هذا الحوار الذى جاء فى هذا المقطع الطويل السابق لم يكن ليجرى بهذه الصورة، ما لم يكن قد تم تحريك كل الكيانات التى يمكن أن تشارك فى إعادة التشكيل، بكل آليات العلاج مع مشاركة من يشارك من افراد المجموعة تلقائيا ضمن مسار التفاعل والنقد والتشكيل كما يمكن أن نرى فى المقطع التالى مباشرة:

(تدخل منى) متأخرة(3)

منى: إزيكوا !!

د/ يحيى:  الساعة 8:20 يا منى

منى: معلش إتأخرت بس غصب عني.

د/ يحيى:  أيوه يا محمد, احنا عايزين حاجة أحسن من الأول, بس أحسن يعنى شكل تاني.

محمد/ هو ده اللي نفسي فيه.

د/ يحيى:  وأنا نفسي فيه برضه بس الفرق لما يكون الواحد نفسه في حاجة، يكون بيشتغل علشان يعملها، أنا وإنت بنشتغل ومعانا زمايلنا والحمد لله, ومحمود النهاردة معانا, والحمد لله معانا فهمي من الأول، ألا قول لى يا محمد هوّ أنا باحب مين فيهم من التلاتة.

محمد/ فى مين؟ أنهو محمد قصدك؟

د/ يحيى:  هما 3, واحد صغنطوط لسه بنعمله سوا سوا، و”طربقها الجدع” “ومحمد المحتج” اللي إتفركش وإتفركشنا معاه, أنا علاقتي مع مين من الـ3 دول؟

محمد/ محمد الجدع.

د/ يحيى:  اللي هو طربقها القديم؟ والباقيين لأ!!؟؟

محمد/ تقريبا.

د/ يحيى:  يا شيخ حرام عليك!! بعد كل ده؟ يعني بذمتك أنا ما أحترمتش الفركشة بتاعتك، ولاّ أنا ماباحبش اللي بيتكون معانا ده ومش عايز يتجدعن  ويكبر وسطينا؟ حابقى دكتور إزاى لو كده؟ حابقى زيك بالظبط واعوز أرجع للقديم وسلامتك وتعيش، ويا ريت نقدر, أصل الأمور مش نظرية, أنا عاذرك وعاذر الدكاترة، بس احنا ما قُدَّمناش غير كده, أنا باحب مين فيهم؟

محمد/ شوف إنت بتحب مين فيهم وابقى قل لي.

د/ يحيى:  لا يا شيخ، أنا باسألك عشان تقولى شوف انت، أنا باسألك انت عن اللي وصلك؟ أنا يهمنى اللى وصل لك مش أنى أقول، برضه يهمنى اللي وصل لمحمود، اللي وصل لفهمي, بس اللي وصلك أنت أهم, أنا باحب مين فيهم يا محمود.

محمود/ بتحب محمد الصغير؟

د/ يحيى:  والتانيين أوديهم فين؟ هو ممكن محمد الصغير يكبر إلا من خلال الباقيين.

محمود/ أنا عن نفسي باحب محمد الصغير.

د/ يحيى:  أه، من حقك, كتر خيرك، الصغيّر اللي بيكبر ولا الصغير بس؟

محمود/ لأ الصغير بس.

د/ يحيى:  طيب ماشى، دا منتهى الصدق، بس يا ترى ينفع؟ وانت يا فهمى؟.

فهمي: ممكن محمد الصغير.

د/ يحيى:  الصغير بس ولا محمد الصغير اللي بيكبر.

فهمي: محمد الصغير اللي بيكبر.

د/ يحيى:  إنت عارف الفرق؟

فهمي: أه.

د/ يحيى:  طب كمل بقى, كمل اللي كنت بتقوله ولا خلاص كده !!

فهمي: خلاص كده.

د/ علياء: طب إنت يا محمد بتحب مين؟

محمد/ واحد معين ولا كله.

د/ علياء: التلاتة

د/ يحيى:  هي بتسألك عن التلاتة اللى همّا أنت.

محمد/ باحب محمد طربقها القديم.

د/ يحيى:  يا عَلْياء: هو بيحب محمد طربقها القديم، ومصمم، وبالتالي عايزني أحب محمد طربقها، واسيب التانيين وهوا يرجع له ونخلص.

د/ علياء: (لمحمد) هو مش إنكسر يبقى مش نافع.

محمود/ سيبه على جنب بقى.

محمد/ أتمنى أشوفه أحسن من كده.

د/ علياء: ماهو ده اللي بنقول فيه.

إبراهيم: أنا لا باحب محمد طربقها القديم ولا محمد طربقها الجديد.

د/ يحيى:  إمال بتحب مين يا إبراهيم؟

إبراهيم: أنا باحب محمد دلوقتي اللي هو بيكبر.

إبراهيم – كما ذكرنا – شاب حول العشرين – متوسط الذكاء، متواضع المشاركة كان يبدو أنه غير منتبه ثم فوجئت بهذه المشاركة الإيجابية التى أكدت لى أن ما يصل إلى أى فرد من أفراد المجموعة لا ينبغى أن يقاس بمدى مشاركته الظاهرة ولا حتى بدرجة انتباهه الإيجابى كما ذكرنا، نحن نفاجأ كثيرا من خلال عمق المشاركة والمواكبة لحركية الوعى الجمعى، نفاجأ بتلقائيته وإبداعية بعض من كنا نحسبهم بعيدين، كما حدث مع إبراهيم فى هذا الموقف.

د/ يحيى:  ماشي… تصور يا محمود الواد إبراهيم ده غاب ثلاثة أشهر, وجه مصحصح وراح طالع بالإسم اللي كنت بادَوَّرْ عليه، اسم أحسن من محمد الصغير, أصله مش صغير، راح سماه محمد “دلوقتي” حلو قوي يا إبراهيم.

منى: (متداخله) أه.

د/ علياء: إسم جميل جداً, تبع “هنا ودلوقتي” وبتاع.

د/ يحيى:  لأ “محمد دلوقتي” أظرف, محمد دلوقتي وبس، حلوة دى.

محمود/ محمد هنا ودلوقتي.

د/ يحيى:  لأ خلينا في “محمد دلوقتي” كفاية.

إبراهيم: أنا عايزُه “دلوقتي”.

د/ يحيى:  واحده واحده يا إبراهيم، دى هيا طلعت كده منك تماما التمام الله يخليك، مش عارف طلعت إزاى، ولو هو محمد دلوقتى زى ما وصلتك يبقى أنا اطمن إن حد اعترف بيه، يقوم يكبر يكبر ما فيش فايدة، (ثم لمحمد), إيه رأيك يا محمد في “محمد دلوقتي”.

محمد/ أنا شايف إن هو لسه تعبان.

د/ يحيى:  صح أهو هو ده الشرف الحقيقي إن هوه، تعبان، طبعا حايبقى دلوقتي تعبان، أمال حايبقى عيل وخلاص.

د/ علياء: ما هو التعب ضرورى يا محمد، بس تعب شكل تانى.

د/ يحيى: يعني يا محمد دلوقتي مش برضه ده إسم ميّه ميّه، الاسم اللى اخترعه إبراهيم ده، طب ندور نشوف محمد المحتج اللى كان اسمه فركشها, يبقى عندنا محمد طربقها ومحمد فركشها ومحمد دلوقتي إيه رأيك دى بقت شغلانة.

د/ علياء: طب ومحمد طربقها القديم؟

د/ يحيى:  ما هو موجود، ما انتيش شايفة صاحبه متمسك بيه إزاىّ، بس ظهر اسم أحسن منه، ولسه محمد فركشها موجود برضه بس يمكن يستاهل يبقى له اسم تانى، مثلا يبقى محمد المحتج، أهو اسم جديد برضه.

………………

مروان: طب هو محمد دلوقتي عامل إيه؟

د/ يحيى:  زى ما انت شايف! إيه رأيك يا محمد.

محمد/ خليها محمد طربقها.

د/ يحيى:  تانى؟!!!

محمد/ طب نخليه محمد دلوقتي.

د: يحيى:  هما التلاته دول نخليهم مع بعض ازاى؟ إزاى وهمّا تلاته نكلم مين فيهم؟

محمد: طيب محمد دلوقتي، بس لسه التعب موجود فيه.

د: يحيى: أه صحيح ده تعب طبعا، أنا محترم ده خالص المهم إنك قبلت الإسم ولو بالعافية, خلينا نمسك التعب بقى علشان ده حقك مش حانتفرج ونسمّي وخلاص يا ترى تعمل إيه في التعب ده يابني؟

…………

…………

ونكمل غدًا

[1] – المقتطفات هى عينة حرفية – تقريبا-  مع ما لزم من بضع حذف أو إضافة (بين أقواس) حتى يتواصل المعنى، لأن نقل أى جلسة كاملة يحتاج إلى عشرات الصفحات، وقد لا يوصل الرسالة العلمية أو التعليمية بشكل كافٍ هادف.

[2] – Psychopathology

[3] – منى سيدة، بلدى محجبة، فى العقد الثالث أم لثلاثة، غير متعلمة، عضوة قديمة فى المجموعة، وقد مرت بتجربة إيجابية حين تخلصت من جانّ كانت تقول إنه لبسها، تخصلت منه من خلال التفاعلات والسيكودراما ضمن العلاج الجمعى، ثم صاحَبتْه ثم طردته واستغنت عنه، وكانت قد حضرت محاولات تخليق محمد (الجديد) منذ البداية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *