نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 21-12-2015
السنة التاسعة
العدد: 3034
حالات وأحوال (17)
تابع: رحلة التفكيك والتخليق(13)
مقابلة أخرى غير تقليدية (1)
(امتداد الوعى الجمعى فى الوعى البينشخصى)
(المقابلة الإكلينيكية بتاريخ 28-8-2008)
بعض ما سبق:
المقدمة:
مازلنا مع محمد عبد الله (م. طربقها – م. فركشها – م. فركشنى – م. دلوقتى – م. نفسية…الخ)
وقد طالت مدة تغيبه فلزم افتراض أن حالته تحتاج إلى تذكرة سريعة قبل أن نواصل (ما أمكن) نواصل حسب الطلب.
تذكرة بالحالة:
محمد شاب عمره 25 سنة، دبلوم صنايع، نقاش، لا يعمل منذ 8 شهور – يسكن فى حى شعبى جنوب القاهرة. حضر للاستشارة ودخل القسم الداخلى فى مستشفى قصر العينى، وتمت أول مقابلة بتاريخ أول مقابلة سنة 13/7/2006، صدرت مع التعقيب هنا فى نشرة:26-10-2015،(1) التاريخ العائلى: إيجابى، الخال: فصام متدهور المدرسة: كان بيحب المدرسة، وكان مجتهد، ماسقطش ولا سنة. العمل: نقاش، محبوب، شاطر، يطبق ورديتين عادة يصرف يوميته كلها، (وساعات كان بيجيب هدايا لاخواته).
الأسرة: الأب قاسى (شخصية بارنوية)، الأم طيبة، طـُلـِّقـَا، و”محمد”: صبى، تزوجت الأم، وتناوبت إقامته بين الأب والأم.
الحالة العقلية الراهنة (الحاضر بها) فى يوليو 2006:
الإدراك: هلوسة سمعية (أصوات تسبه، وتأمره بأفعال لا يريد فعلاها)
التفكير: ضلالات الإشارة وضلالات المتابعة والإضرار
الحالة الوجدانية: قلق وتوتر وحزن متماوج مع حكى الخبرات المؤلمة
البصيرة: معطوبة نسبيا، الإعاقة: توقف عن العمل فى الشهور الأخيرة
ملاحظات هامة:
- تجنبت وضع التشخيص فى البداية مع أنه حسب التقليد الغالب يمكن تشخيصه ببساطة على أنه فصام بارنوى مع تشخيص فارقى فصام وجدانى اكتئابى.
- إنه برغم حبه للمدرسة وتفوقه النسبى لم يكمل لظروف الأسرة الاقتصادية
- أنه بالرغم مما أسماه سرا حدث فى الجيش إلا أن التعب بدأ بعد خروجه من الجيش، وليس بعد الحادث (الحقيقى أو المزعوم)
- أن الهلوسة السمعية كانت أصواتا نسائية أساسا
- أنه متوقف عن العمل (نشرة 20-10-2015) برغم كفاءته فيه وتشجيع المعلمين له
وقد تم تقديم المقابلة الأولى ثم التعرف على بعض تفاعلاته فى العلاج الجمعى (نشرة 24-11-2015) و(نشرة 30-11-2015) و(نشرة 1-12-2015) الذى التحق به متأخرا ثم عرضت مقابلة أخرى بعد انتهاء العلاج وخروجه من المستشفى، وقد ظهر بعض ذلك فى النشرات السابقة حتى الآن:
ولعلنا لاحظنا من خلال ذلك:
أنه قد تم احتواء الأعراض وقبولها باعتبارها كيانات حاضرة تحتاج للاعتراف فالترجمة والاستيعاب أكثر من الرفض والإخماد والاستبعاد، وأعمق من التفسير والتأويل، وهكذا تحولت الأعراض إلى ذوات متقابلة، وقد أمكن من خلال العلاج الجمعى أن ينقلب الصراع (اللا شعورى بينها) إلى حوار جدلى تحت مظلة الوعى الجمعى، وذلك بمشاركة أعضاء المجموعة تحت قيادة الطبيب المـَدرِّب وبالتدريج جرى الاعتراف فالقبول لكل حالات الذات = “مستويات الوعى” لتساهم فى تشكيلات الوجود معا: حالة كونها تتفاعل “هنا والآن” داخل رحم الوعى الجمعى حتى اقترح عضو بسيط اسما للكيان المتخـَلـِّق فى رحم العلاج الجمعى وهو “محمد دلوقتى”.
خرج محمد من القسم الداخلى وأكمل الانتظام بشكل معقول فى العلاج الجمعى مترددا من العيادة الخارجية وواصل عمله حسب الاتفاق مع المعالج الأساسى ثم:
تردد على المعالج بعد غياب قصير فى لقاءات متباعدة ولم تأخد المقابلات الشكل التقليدى للعلاج النفسى مما سمح أن يعرض من خلالها نموذج للتفاعل من خلال الوعى البينشخصى على خلفية من حضور دارسين وأطباء متدربين لا يمثلون جماعة حيوية مثل حالة العلاج الجمعى، لكن يبدو أنه كان لحضورهم دور غير مباشر فى تأكيد العلانية والانتماء إلى وعى جماعى مشترك بشكل أو بآخر.
تعريف بالمحمدين (مع نفى ما يسمى ازدواج أو تعدد الشخصية):
محمد طربقها: هو المثل الواضح لمواصلة الكفاح اليومى المغترب (معنى: طربقها: ايجابيا فى صنعته = الانجاز السريع القوى)، مع ضعف الاعتراف والرؤية والعلاقاتية والسماح، حتى الإنهاك فالاستهداف للكسر.
محمد فركشنى: هو محمد الداخلى الذى اختار الحل المرضى بالكسرـ وبدأ التفكك نتيجة للإنهاك والنسيان والتهميش والتصفيق الاستغلالى، (وأحيانا كان يطلق عليه محمد فركشها إما على سبيل زلة لسان أو إشارة إلى أن التفسخ تعدى “فركشة” محمد إلى “فركشة” الواقع والعلاقات معا)
محمد عبد الله هو الاسم الرسمى المسجل فى الرقم القومى، وقد ذُكر مرة أو مرتين ولم نعد إليه.
محمد دلوقتى: هو الكيان الذى راح يتخلق “هنا والآن” أثناء العلاج الجمعي (وطبعا أثناء رحلة النمو المضطرة طول الوقت) وهو يتخلق من الجدل بين كل الذوات نتيجة لتنشيط الوعى البينشخصى، واحتواء الوعى الجمعى لوعى المشاركين فى مسيرة الكدح وحمل الأمانة من خلال العلاج الجمعى.
محمد نفسية: هو الاسم الذى اقترحه “محمد”: ، وتبين من رفض المعالج له، وحوارهما حوله، أنه كان مَهْربا تبريريا لبعض سلبيات المكسب الثانوى للمرض.
(ثم إن هناك اسماء أخرى ظهرت واختفت بسرعة مثل “محمد طربقها الجديد” أو “محمد الصغيّر” أو “محمد بس“)
ملحوظة: قد نُعِيد هذا الموجز كل أربع أو خمس نشرات إذا طالت الحالة، أم يا ترى تكفى الإشارة إليه برابط؟ أم نتوقف؟ برجاء الإفادة!
شكرا
*****
النشرة:
المقابلة: بتاريخ: 28/8/2008 (بعد مرور أسبوع من المقابلة الماضية):
….
“محمد”: يدخل على اجتماع الدرس دون استئذان: صباح الخير: فيه إيه إن شاء الله!! (يضحك)
د.يحيى: صباح الفل: زى ما انت شايف أهه مفيش أى حاجه، مستنيينك!! أدينى جيت مخصوص زى ما اتفقنا
“محمد”: طب كويس الحمد لله ، والله أنا مصدّقك، أهم حاجه إن إحنا شوفنا بعض
د.يحيى: إسم الله! اسم الله!!
“محمد”: خلاص بقى! أروّح (بهزار)؟
د.يحيى: إنت عارف الإثنين دول (يشير إلى طبيب وطبيبة من الحاضرين) إتخطبوا
“محمد”: والله؟ الف مبروك
د.يحيى: بس قاعدين مبلّمين زى ما يكونوا متجوزين بقالهم 10 سنين
“محمد”: مين دول
د.يحيى: الجوز دول(2)
“محمد”: دول لسه صغيرين أهم وزى العسل الإثنين
د.يحيى: المهم حمد لله على سلامتك
“محمد”: الله يسلمك
يلاحظ: أن العلاقة تتواصل بطريقة غير تقليدية وكأنه أصبح أحد أفراد أسرة إنسانية، طبيعية، ليست أسرة رسمية (مريض <=> طبيب + درس الأطباء) ولا حتى تمثل أسرة علاجية منضبطة (العلاج الجمعى)، ويتأكد ذلك من لهجة الود من البداية وكأنه لقاء بين أصدقاء فعلا، وذلك بعد تجاوز الاستئذان مادام هناك موعد مسبق، كما نلاحظ درجة الدفء فى اللقاء منذ البداية مع دعوة لمشاركة الجالسين، ولو كخلفية، للقاء فلا يعودون مجرد متفرجين، وربما هذا وذاك، ومثله، هو ما ساهم فى كسر الحواجز ليس فقط بين المعالج و”محمد”: ، وإنما بين الجميع بدرجةٍ ما.
د.يحيى: هو أنا طَلَّعت الشغل بتاع زمان اللى كنت كاتبه عنك بتاع الدكتور هشام أول مرة، وجايبه معايا على أساس إيه: أولاً أنا تحت امرك، وبعدين كان عندى حاجات كده عايز استفسر منك عليها
“محمد”: آه، وانا تحت أمرك.
د.يحيى: أنا لما سيبت لك الإختيار إنك تيجى أو ما تجيش، وانت فضّلت تيجى حسيت إن دى حاجه كويسه إنى آجى مخصوص، وإنت تيجى مخصوص، بصراحة انبسطت.
“محمد”: أنا مانمتيش عشان ماتأخَّرْش
د.يحيى: دا بقى كلام زى مواعيد الغرام
“محمد”: لو نمت مش هاصحى
د.يحيى: ولا ينام الليل إلا خلىّ البال
“محمد”: أصل الدكتور يحيى بحاله جايلى مخصوص، لازم انا أجى مظبوط
د.يحيى: يا واد بـَطـَّل بقى، المهم لما رجعت للكلام اللى إحنا قلناه سوا، إفتكرت يعنى حاجات مهمه ماكملنهاش.
“محمد”: هو أنا فيه شوية حاجات كده بتحصل لى اليومين دول مش فاهمها.
د.يحيى: طيب قول إنت الأول.
“محمد”: خيالات كده وحاجات جنسيه غريبه مش فاهمها.
د.يحيى: جنسيه؟ أهى دى جديده دى.
“محمد”: مش قوى، آه، وافضل أعيش معاها كده والله الحاجات ديه تعبانى اوى.
د.يحيى: صبرك بالله.
“محمد”: أنا مش فاهم إيه اللى بيحصل ده.
د.يحيى: الصبر يا راجل، هى ظهرت إمتى؟
“محمد”: من ساعة ما تعبت، من ساعة ماخرجت من المستشفى
د. يحيى: من ساعة ما تعبت؟ ولاّ من ساعة ما خرجت من المستشفى؟
“محمد”: من ده على ده
د.يحيى: إنت خرجت إمتى؟
“محمد”: خارج بقالى فترة
د.يحيى: إنت خرجت من المستشفى وجيت الجروب وحضرت بانتظام تقريبا، ماكنش فيه خيالات جنسية ولا جبت سيرة على حاجة زى كده، هوّا إيه اللى جرى.
“محمد”: طيب دى بتيجى إزاى دى؟ مش فاهم
د.يحيى: أنا حتى لما قريت الورق القديم…، مالقيتش كلام من ده
“محمد”: (مقاطعا) ولا أنا عاوزها كده، ولا فيه حاجه
د.يحيى: بس واحده واحده حانشوف الحكاية سوا، عندنا فرصه النهارده بالراحة، بس الأول تحدد إنها جات لك من ساعة ماخرجت من المستشفى، ولاّ إمتى؟ بصراحة أنا مش فاكر، لو كان كده كنا اتكلمنا فيها مثلا
“محمد”: لأه مش من ساعة ماخرجت من المستشفى بالظبط
د.يحيى: ماهو أنا بشكـِّـكْ فى ده، لإنك قعدت معانا سنة بعدها ماكانش فيه خيالات جنسيه، وكلام من ده على الأقل ما جيبتش سيرتها فى الجروب، فهى ظهرت قريب
“محمد”: يمكن قريب، بس يعنى
د.يحيى: بيتهيألى هى كانت موجوده مدفونه من زمان بس ظهرت قريب
“محمد”: من فترة، يعنى مش قريب قوى، لأه من فترة
د.يحيى: باين توقيت الأحداث عندك مهزوز شوية، وده مش عيب، يمكن علشان كده الأحداث بتخش فى بعضيها.
- نلاحظ محاولة ضبط توقيت ظهور الأعراض مع مسيرة العلاج حيث أن ذلك يعتبر من أهم ما يمكن الانتباه إليه فى علاقته بما يسمى بــ:”نقلة الأعراض”(3) وتحديد وقت النقلة مع مراحل العلاج وطبيعة وحركية العلاقة العلاجية، ثم ظهور هذه الأعراض الجديدة (أو التى اعتبرها المعالج جديدة) بعد انتهاء انتظامه فى العلاج الجمعى الذى امتد بعد خروجه من المستشفى لمدة سبعة أشهر تقريبا، وفيه تنبيه لمتابعة تغير التركيب النـَّفـْسِمـْراضِى أولا بأول.
- كما نلاحظ أنه مهما اختلف رأى الطبيب مع “محمد”: فإن الاختلاف لم يقلل من احترام رأى “محمد”: تجنبا لاتخاذ موقف يشبه موقف التحقيق، إذ لا يوجد مبرر عند محمد لاختراع أعراض جديدة دون وجودها، كما أن ظهور الأعراض هو غير الحكى عنها كما أشار الطبيب بقوله: “يمكن هى كانت مدفونة من زمان بس ظهرت قريب”.
- ثم ننبه إلى تعبير “الأحداث بتخش فى بعضها” الذى يشير إلى احتمال اختلاف حركية الزمن عند “محمد”: أيضا.
- وأخيرا نلاحظ التقبل الذى يجرى بين الاثنين لرأى كل منهما للآخر، وإدراك مستوى العلاقة من خلال ذلك.
ثم نكمل:
“محمد”: يادكتور يحيى مش هاينفع
د.يحيى: هوّا ايه اللى مش حاينفع؟ أنا متصور إنها ظهرت قريب مع التعب الأخرانى دلوقتى
“محمد”: جايز بس هى معايا من فترة كبيرة
د.يحيى: يمكن موجوده من فترة كبيرة بس ظهورها باين إنه من قريب، ما هو “وجودها” غير “ظهورها”
“محمد”: أنا كنت فاكر أخر مرة كلمتك فيها، ما كانش فيها السيرة دى
د.يحيى: بصراحة احنا ماتكلمناش أوى يعنى، دى مقابلة على الماشى وانت واقف فى الطرقة(4)ده كان إزيك سـَلـَمَاتْ
“محمد”: آه صحيح مفيش كلمتين كده ومشيت على طول
د.يحيى: وقبل كده برضه ما جبناش سيرة الحكاية “الجنسية” دى نهائى، باين انها كانت على جنب خالص، إيه اللى خلاها تنط لنا دلوقتى
“محمد”: أهوه الموضوع ده اللى مـْضيعنى
د.يحيى: واحده واحده، أنا مصدقك، من امتى الحكاية دى؟
“محمد”: آه، بقالها فترة طويلة
………
د.يحيى: مش يجوز هى موجودة من زمان قوى زى ما قلت لك، يمكن من 10 سنين ولاّ أكتر
“محمد”: مش قادر أحددها بس هى فترة كبيرة
د.يحيى: ما نحاول نحددها سوا دلوقتى
“محمد”: خلاص حَدِّدْها
د.يحيى: هو أنا الى باحددها؟ هو أنا اللى باشوفها
- من أهم آليات هذا الأسلوب هو البدء بقبول حقيقى لما يقوله “محمد”:، مهما اختلف مع مقياس “العادى” والشائع، ولكن أيضا وربما قبلا مهما اختلف عن رأى الطبيب، ونكرر أن هذا ليس أبدا ما يقال عنه أن الطبيب “يأخذ “المريض”: على قد عقله” وإنما هو تصديق حقيقى باعتبار أن ما يعيشه “محمد”: حتى لو كان يؤلفه تأليفا هو يعيشه فعلا، أما مستوى حضوره فى واقعه الداخلى، أو تحويره أيضا بالواقع الداخلى، أو تأليفه بذاكرة تحت السطح أو حتى تكملته بخيال ظاهر، فكل هذا نابع من “محمد”: أيضا، صحيح أن العلاج يتناول كل مستوى من هذه المستويات بشكل مختلف لكن البداية تظل دائما هى التصديق واحترام الخبرة.
- نلاحظ أيضا استجابة المريض الإيجابية ربما نتيجة لهذا التصديق، وأنه ترك التحديد الحاسم للزمن الذى ظهرت فيه جذور هذا الواقع قبل أن تظهر فى هذه الصورة التى لم نسمّها بعد، فأصبح الزمن مفتوحا لكن تم الاتفاق على أنها مدة طويلة (حتى قبل المرض)، وهذا يجرنا إلى الحديث عن ظاهرة سَبْق التوقيت(5) ليس فقط لبداية المرض وإنما أيضا لكل عرض على حدة، من هنا وجب أكثر احترام توقيتات “المريض”: – خاصة الذهانى – حتى لو تعارضت مع المعلومات من أهله أو رأى الطبيب أو واقع الحال.
“محمد”: بس هى دى عندى أنا بس؟ ولا عند الشباب كلهم
د. يحيى: دى إيه؟
“محمد”: اللى أنا حكيت لك عليها دلوقتى.
د.يحيى: يا ابنى دى خلقه ربنا
“محمد”: طيب مثلاً قول لى السبب مثلاً إيه
د.يحيى: مفيش سبب ولا بتاع، إحنا بنى آدمين وهى موجوده فينا طبيعى، ندفنها؟ ولا نشتغل فيها؟
“محمد”: ممكن تجيلى دلوقتى وأنا قاعد والله باكلمك دلوقتى، أنا باتكلم بجد
د.يحيى: يا خبر!! حاسب يا راجل احنا معانا بنات، بس برضه نعترف بيها.
“محمد”: لأه نشتغل فيها وياريتها تروح
د.يحيى: يا محمد يا ابنى، نشتغل فيها، غير مسألة يا ريتها تروح، لما نشتغل فيها بشجاعة وأمانة لابد أن نتوقع إنها تختفى لما مايبقاش لها وظيفة
“محمد”: أنا عايزها تروح عشان أعرف أشوف حالى
د.يحيى: يامحمد يابنى إنت بقيت عفريت، تروح يعنى إيه، يعنى نـِقـُصّ حته منك ونرميها فى الزبالة؟! ينفع ربنا يخلقنا بيها واحنا نعمل العمله دى؟! ماينفعش، ربنا خلقنا كل حاجة فينا على بعضها، نروح احنا ماسكين حته ونرميها فى الزباله وتقول تروح، تروح فين؟!
“محمد”: ماشى
- نلاحظ أن المناقشة دارت حول الظاهرة وراء العرض الذى يشكو منه محمد هذه المرة، وهو العرض الذى يبدو أنه أقرب إلى الصور الخيالية منه إلى الهلوسة الحسية، وهو ما سوف نرجع إليه فيما بعد.
- ثم نلاحظ إن إقرار أصل الطبيعة البشرية هو البداية قبل أى تفسيرات لاحقة، وهذا الإقرار يصل إلى المرضى من خلال علاقة علاجية بالمشاركة، أعنى غالبا من خلال أصالة حركية الوعى البينشخصى أكثر وأسهل مما تصل إليه التفسيرات النفسية المركبة.
- يلاحظ أيضا أن الحوار قد تواصل عن ظاهرة لم تتحدد بالضبط بالألفاظ الصريحة بين المتحاورين، فقد كانا يتحدثان عن التعامل الكبتى لحيوية الجنس الذى خلقه الله فى البشر (وغير البشر) بالحظر الجاهز فـالقهر الشعورى واللاشعورى، وإن كانت المحاورة لم تحمل أى معنى بسماح غير مسئول، وربما كانت بداية محمد هى الأقرب إلى فتح الباب هكذا حين سأل “هىَّ عندى أنا بس ولاّ عند الباقيين كلهم” ثم محاولة التنبيه من المعالج أنها الأصل “احنا بنى آدمين، وهى موجودة، نرميها ولا نشتغل فيها”، وتعبير “نشتغل فيها” غير “نسمح بها” أو “نعترف بها” وهذا ما قد يظهر، فيما بعد.
- وأخيرا فإن الحوار تضمن أن التخلص من جزء من الطبيعة البشرية هو بمثابة إلقاء هذا الجزء فى القمامة، وهذا ما يمكن أن يبدأ فى توصيل جرعة من السماح للمريض بتخفيف جرعة الكبت الجاف الذى يبدو أنه من فرط تراكمه وجاهزيته عند “محمد” قد تشقق حتى خرجت من شقوقه هذه الأعراض فى صورة الأخيلة الجنسية هكذا.
وغدًا نكمل.
[1] – ثم إلتحق بالعلاج الجمعى لمجموعة من العيادة الخارجية، ثم خرج من القسم على أن يواصل العمل ويتردد للعلاج الجمعى، وقد كان، ثم واصل المتابعة الداعمة حتى ظهرت أعراض جديدة فكانت هذه المقابلة بعد اللقاء الأول بما يقرب من عامين.
[2] – (يشير إلى طبيب وطبيبة من صغار الحاضرين للدرس تمت خطبتهما من أسبوع)
[3] – Symptom Shift
[4] – كان “محمد”: قد حضر بغير موعد فاعتذر له المعالج فى الممر أثناء انصرافه.
[5] – Antedating
هذه الظاهرة تعنى أن المريض يحدد وقت بداية المرض، قبل وقت ظهور العرض بوقت سابق بمدة طويلة لقدومه للاستشارة أو لمعاناته أو إعاقته، بمعنى أنه يعلن أن المرض قد بدأ من شهور أو سنين، فى حين أنه لم يظهر على السطح (السلوك والشكوى) إلا من أسابيع مثلا. وقد حدد لى أحد المرضى، – وكانت حالة هوس – أن مرضه بدأ منذ الولادة، فى حين أنه كان قد بدأ منذ أسابيع وكأنه كان يتكلم عن صدمة الميلاد لأتو رانك، Otto Rank وحدد توقيت الشفاء من هذا المرض ببداية نوبة الهوس وكأن هذه النوبة قد حررته مما فرض عليه منذ الولادة.