الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حالات الإشراف على العلاج النفسى: الحالة: (8) غموض التشخيص، واحتمالات التلاعب

حالات الإشراف على العلاج النفسى: الحالة: (8) غموض التشخيص، واحتمالات التلاعب

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 23-9-2018

السنة الثانية عشرة

العدد: 4040

من حالات الإشراف على العلاج النفسى (1)

مقدمة:

للتذكرة: اليوم الأحد هو يوم المقتطفات الإكلينيكية والعملية والإشراف.

 الحالة: (8)

غموض التشخيص، واحتمالات التلاعب

د. رياض زكى: المريض عنده 24سنة، حايتخرج قريب من الجامعة (خاصة)، يعنى فاضل له مادتين يعنى، وله أخين مش شققا أكبر منه ووالده، متوفى ووالدته موجودة.

د. يحيى: وبعدين؟

د. رياض: هو تقريبا ماعندوش شكاوى، يعنى هوه شخصيا ما بيشتكيش من حاجة، الشكوى من الأم إنه سرق منها مبلغ كبير حوالى 11000 جنيه وصرفهم، وماعملش بيهم حاجة، وبقاله فترة بيكذب كتير سواء فى نتائج الكلية أو أى حاجة، وهو سقط كتير فى الكلية حوالى ثلاث سنوات، وهما عايشين جنب خاله دلوقتى، والده توفى وهو فى تالته اعدادى وهما بيمروا من فترة طويلة قوى بمشاكل قضائية عشان الورث والحاجات دى وكلها فشلت وضاع عليهم كل الورث بتاعهم.

د. يحيى: مشاكل قضائية مع مين؟

د. رياض: مع أخواته اللى هما الأكبر اللى هما مش شققا، مشاكل على الورث بتاع والده.

د. يحيى: إخواته أكبر بقد إيه؟!

د. رياض: يعنى واحد حوالى 13 سنة والتانى 10سنين.

د. يحيى: أبوه كان بيشتغل إيه؟!

د. رياض: أبوه كان مدرس بس كان عامل مشاريع، كان سافر شوية الخليج رجع عمل مزرعة دواجن، وشوية أعمال تانية.

د. يحيى: وبعدين؟

د. رياض: العيان أول ماشفته لقيته كل حاجة فى الدنيا عملها، وكل حاجة ينفع يعملها، وكل حاجة ينفع “يبقاها” حسب تعبيره هو.

د. يحيى: يبقاها يعنى إيه؟!

د. رياض: يعنى يبقى زيها، مش يقلد، لأ يبقاها بتحدى كده ما اعرفشى إزاى.

د. يحيى: وبعدين؟ يمكن ده اللى بيسموه “شخصية كأن”، (2)اللى بيبقى زى اللى حواليه من غير ما ياخد باله أيا كانوا اللى حواليه.

د. رياض: أنا مشكلتى معاه إن التشخيص ده نفسه مش مريح، أنا مش عارف أشتغل معاه ازاى، التشخيص يعنى بالنسبة لى غريب شوية.

د. يحيى: بتشوفه بقالك قد إيه؟

د. رياض: شهر ونص، يعنى 6 مرات، إمبارح كانت سادس مرة.

د. يحيى: بس إنت ما قلتلناش إيه التشخيص لحد دلوقتى، مش مهم، مش هيه دى القضية.

د. رياض: فيه حاجة تانية جديدة، إحنا بعد ما ابتدينا تلات أربع مرات، راح اتدين وبقى يصلى ويقرأ قرآن.

د. يحيى: إمتى بالظبط؟

د. رياض: بعد تالت جلسة تلقائيا من غير ما أطلب منه أى حاجة وانتظم فى الشغل.

د. يحيى: شغل إيه؟

د. رياض: هو فاتح شركة غريبة كده ما بتعملش أى حاجة، وفيها حتة النصب دى، احتمال، هوه بيعرف ينصب وبيعرف يمثل ويقلد شخصيات ويعمل شخصيات، يعنى حتى الأهل استفادوا من ده فى القضايا لأنه كان بيعمل نفسه ظابط ويمسك طبنجة ويعمل نفسه حكومة عشان يحل المشاكل بطريقة غريبة جدا.

د. يحيى: السؤال بقى؟

د. رياض: هوه التشخيص ده بالنسبة لى غريب.

د. يحيى: تشخيص إيه !! هو إحنا فى العلاج النفسى بنبتدى بالتشخيص، دا إحنا حتى بننسى التشخيص بعد العلاقة ما تتقدم والعيان يقرّب، إنت بتتكلم عن نوع مختلط من اضطراب الشخصية، يعنى ما فيش معالم محددة أو شكوى تقول ده العرض الفلانى، كلها سمات شخصية مش مظبوطة.

د. رياض: مش لاقى حتة كده أبنى عليها خالص، كمّ فظيع من الدمار لأى حاجة.

د. يحيى: حلوة حتة أبنى عليها دى، بس هوّا يعنى إنت حاتبنى على التشخيص؟

د. رياض: أنا أقصد التركيبة دى كلها على بعضها.

د. يحيى: التركيبة معلشى، لكن التشخيص ده مجرد يافطة، إحنا فى العلاج النفسى مابننشغلشى بالتشخيص، هوه مهم، لكن إحنا بنخليه يبقى مركون على جنب، الشغل بيبقى مع “التركيبة” زى ما انت بتقول.

د. رياض: ده أول سؤال، السؤال التانى هوا راح اتدين بعد تالت جلسة، وراح اشتغل حاجة كده من عالـْوشّ، مش عارف ليه.

د. يحيى: إنت شايف فيه تناقض؟

د. رياض:…. يعنى.

د. يحيى: وبعدين؟!

د. رياض: وبعدين هوه طول الوقت بيتكلم كتير قوى وعنده أقوال فظيعة فى كل حاجة، زى ما يكون حاسس بكل حاجة باوريها له، و كل حاجة باقولها له هو شايفها، زى ما يكون بيحرق الشغل أول بأول، ده مابيسيبش حاجة تتقال خالص إلا ويعلق عليها تعليق صح تقريبا.

د. يحيى: الله نور، دول بقى يا رياض عاملين زى المثقفين اياهم، يبقى عارف كل حاجة وخلاص، بس هنا فيه حاجة مهمة، إن الرؤية دى اللى ساعات بنسميها البصيرة المعقلنة، ما مفيش لها فايدة، دا حتى ساعات تكون معطلة وتدخل صاحبها فى مناورات العلاج بلا طائل.

د. رياض: الظاهر إنه هو كمان لقط منى كده إنى حاشخصه مريض، راح موقف كل حاجة، وما مسكتشى عليه أى كدبة، لكن أنا حاسس إن دى مناورة وبس.

د. يحيى: خلى بالك المسألة مش مسألة إنت مسكت أو ما مسكتش، قلت لكم إحنا مش وكلاء نيابة، المسألة فرصة تعديل سلوك، وإعادة تشكيل شخصية.

د. رياض: إزاى؟

د. يحيى: بصراحة التركيبة دى صعبة فعلا، وبالتالى إحنا محتاجين وقت، ست أسابيع مش كفاية، لازم نستنى شوية وكل ما كانت التركيبة صعبة كل ما احتاجت لمدة أطول ويبقى السؤال الأولى بالمناقشة دلوقتى بيقول: هل العلاج النفسى بالشكل ده مفيد ولا مضرّ، القضية دلوقتى فى المقام الأول إنه “ييجى ولا ما يجيش”؟ هل فيه ضرر من مجيئه؟ يعنى يمكن يستعمل العلاج كمبرر لمزيد من السلوكيات دى، ولا هوه عايز يتغير بصحيح؟

فى الحالات دى قبل مانقول إحنا نعمل إيه، نشوف الضرر المحتمل من العملية العلاجية، أنا شخصيا عندى رغبة إنه ياخد فرصة، أنا حريص على إنه ييجى على الأقل عشان نتعرف على بقية التركيبة، أنا ما سألتكش عن أى مشاكل قانونية محددة، هل تصادم مع القانون مثلا؟

د. رياض: هو كداب ومبالغ فى كلامه بس مافيش حاجة واضحة، وكمان شغله مش منتظم اتنقل بين كذا شغلانة.

د. يحيى: بصراحة الحالة دى مهمة فى تدريبك، خصوصا بعد النقلة إلى التدين زى ما انت قلت، حتى التدين ده ما نقدرشى نسقف له من غير ما نشوف أى تغير تانى حقيقى فى السلوك، ودى حاجات تخلينا ما نستعجلشى فى الحكم، دا فيه احتمال إنه يكون بيكذب على نفسه قبل ما يكذب علينا حتى فى التدين.

 ثم خد عندك حكاية التمثيل دى، ساعات بيبقى فيه احتمال إنه مايكونش تمثيل، يبقى زى مايكون تيارين من الوعى فتحوا على بعض واحد بيعمل العملة على إنها حقيقة والتانى بيلبسها ويتدبس فيها، تبان إنها تمثيل، وهو نفسه يمكن يتهم نفسه بالتمثيل، إنت ممكن تسميها “تأليف” بمعنى إن قرار المرض، أو قرار التقمص، من أى مستوى من مستويات الوعى، هو اللى أصدره، يبقى هوه اللى مسئول عنه. دا الأمر بيوصل أحيانا إن المريض يمثل الجنون، عشان تعتقد إنه بيتصنع، تقوم تحكم عليه إنه مش مجنون وإنه بيمثل، يقوم يكمل فى الجنون الحقيقى بتاعه، وأظن ده بنسموه المناورة المزدوجة Bouble Bluffing.

وبعدين حتى بعد ما نتبين التركيبة ماشية إزاى، الحكاية بتبتدى مش بتخلص، تبدأ الحكاية بالنسبة لتحديات العلاج، يعنى: تبص تلاقيك بتقول لنفسك: طب وأنا حاعمل إيه فى الهيصة دى، تلاقى قدامك مستويات للوعى متداخلة وملعبكة، تلاقيك محتاس يعنى مش عارف تتهمه، ولا تصدقه، المهم ما تتصرفشى معاه كأنك وكيل نيابة.

د. رياض: والدوا؟، ينفع أديله دوا؟

د. يحيى: طبعا ينفع ونص، بس مش دوا كذا عشان التشخيص كيت، ولا مجرد مسكنات، هى الأدوية حاتسكن الكذب ولا النصب؟؟!! لأ، إنت اتكلمت من الأول عن التركيبة، فهو لو بينام كويس، وله شغل منتظم حتى لو نصب، ممكن تأجل دور الدوا شوية، لكن مع تقدم العلاج، حاتلاقى الأمور بتتقلـّب معاك، وخلـّى بالك إن ظهور أعراض جديدة فى الحالات دى، بيبقى دليل كويس على نشاط عملية إعادة التشكيل أو شىء من هذا القبيل، وساعتها بندى الدوا المناسب سوا سوا، حسب مستوى الوعى اللى عايزين نضبطه، أو نهمّده، لحساب مستوى وعى أنضج، وأقرب للواقع وللقيم الإيجابية، وانت عارف أن منظومة أى مستوى وعى، هى عقل نيوروبيولوجى وإن الأدوية بتاعتنا، ولو بدرجة تقريبية بتنشن على العقل الناشز ساعات وتساعدنا واحنا بنظم التبادل والنبض والسلوك والكلام ده، ودى مسألة صعبة جدا بس ممكنة ورائعة.

****

التعقيب والحوار:

أ. اسلام أبو بكر:

أنا عايز أسأل سؤال مش عارف بقى حايبقى سؤال غبى ولا سؤال عادى، لو فرضنا الشخص ده ماراحش لدكتور نفسى وإنه موجود يتعايش مع المجتمع بالشكل اللى هو عليه، عايز أعرف إيه خطورة مثل هذه الشخصية على المجتمع ثم على نفسه أو العكس؟ أصلى أعتقد إن مثل هذه الشخصية يوجد منها نسخ كتيرة فى المجتمع أنا قابـِـلت كذا واحد منهم تقريبا.

شكرا.

د. يحيى:

عندك حق فى السؤال، وليس عندى إجابة محددة، فقط أذكرك بضرورة التمييز بين ما هو مرض، وما هو سمة للشخصية، وما هو أخلاق، وما هو جريمة.. وهو أمر صعب فى هذه الحالة، وعلينا أن نركز على ما يخص تخصص  مهنتنا دون أن نستدرج للعب أدوار خارج نطاقها.

د. سعاد موسى:

….. حكاية تيارين للوعى دى مهمة جدا وبتسهلّ فهم العيانين، ومع الوقت بتسهل الشغل معاهم.

الشغل بيبتدى لما العيان يقدر يغزل التيارات المختلفة فى نسيج واحد أعتقد البداية ممكن تكون أثناء العلاج وساعات بيبقى العلاج تحضير لذلك والعيان يكمل المسيرة لوحده.

د. يحيى:

يا خبر يا سعاد!!

أين أنت؟ إزيّك؟

هل يا ترى الشغل يبدأ هكذا كما تقولين، يعنى (غزل التيارات المختلة فى نسيج واحد)، وعلينا أن ننتبه حتى نكتشف إنه ممكن داخلنا وبنشتغل فيه، ونكملّ؟ لو حصل أو بيحصل واحدة واحدة يبقى تحققت أهم ميزات العلاج عامة والعلاج النفسى خاصة ودورنا أن نحيط بهذه العملية وندعمها حتى يتم إعادة التشكيل إن أمكن!!

د. نرمين عبد العزيز :

 فهمت ليه ساعات تخلى مريض ما ينفعش يمشى من غير دوا، تقوم توقف إنت الدوا عنه وتمشيه على العلاج النفسى فقط، لحين إشعار آخر، وذلك فى الفقرة التى ذكرت فيها: “لو بينام كويس وله شغل منتظم حتى لو نصب، ممكن تأجل دور الدوا شوية، لكن مع تقدم العلاج، تلاقى الأمور بتتقلب معاك، وظهور أعراض جديدة فى الحالات دى، بيبقى دليل كويس على نشاط عملية إعادة التشكيل أو شئ من هذا القبيل، وساعتها بندى الدوا المناسب سوا سوا حسب مستوى الوعى اللى عايزين نضبطه أو نهمده، لحساب مستوى وعى أنضج، وأقرب للواقع والقيم الإيجابية”.

د. يحيى:

شكرا يا نرمين، ولعلك تلاحظين كيف تركت تكرارك للفقرة كلها، لأنى شعرت أنك أحببتها، ولأنى أردت من خلالك إن أعيد توصيلها.

أ. هالة حمدى البسيونى:

– شخصية بهذه التركيبة الصعبة دى محتاجه وقت أطول، على الأقل لمعرفة المزيد من الأعراض أو ربما يظهر شىء جديد يفيد فى العلاج.

– أحسست بخوف من احتمال استخدام العلاج كمبرر لأفعاله، أو أن يزيد فيها بحجة أنه مريض وأنه غير مسئول عن أفعاله.

– استوقفنى التناقض الذى حدث ولم أستطع تفسيره وبالتالى لم أفهمهه حتى الآن.

د. يحيى:

تعليقاتك الدالة، لا تحتاج إلى تعليق،

 حتى وقوفك عند التناقض واحترامك للعجز عن التفسير “الآن” هو موقف جيد، على الله يوصل للزميل المعالج، يأخذ وقته، ويصبر، ويواصل، والله المعين.

[1] – من كتاب (“بعض معالم العلاج النفسى” من خلال الإشراف عليه (1 إلى 20) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2017)، والكتاب يوجد فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net ، ونكرر التنويه أن كل الأسماء مستعارة.

[2] – As if Personality, Helen Roich

النشرة التالية 1النشرة السابقة 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *