نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 2-7-2017
السنة العاشرة
العدد: 3592
جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (15)
مقتطفات من كتاب:
“حكمة المجانين” (2)
مقدمة
هذا الكتاب الذى عثرتُ عليه أثناء الإعداد لإعادة طبع أعمالى كما ذكرت أمس وقبل ذلك ، رحت أتبين من خلاله أكثر فأكثر أننى اكتشفت فيه، وفيما سبق أن سجلته وعجزت عن تسويقه وإبلاغه لمن يهمه الأمر، اكتشفت ما كنت أحب أن يصل إلى أصحابه، وأنا منهم.
وقد وجدت أن ما يحتويه من ألف حكمة وحكمة، لا يمكن قراءتها كما تقرأ كتب الموضوعات العلمية أو الأدبية المتكاملة، أو حتى كتب التداعيات أو الشعر، فخطر لى أن أستعمل بنطا أكبر، ومساحات أوسع، لأتغلب على جرعة التكثيف التى تحتاج إلى قراءة بطيئة متأنية مراجـِعة، وجربت ذلك، لكنه لم يف بالغرض أيضا
رأيت أن أجمع كل ثلاث أو أربع حكم، أو أكثر أو أقل، فى ما يبدو لوحات مستقلة، لعلى أستطيع أن أوصّل الرسالة كما وصلتنى مؤخرا (مع أننى كاتبها) للقارئ الكريم الذى آمل أن يتفضل فيقرأها ببطء مثلما فعلت أنا وأنا أراجعها، ويا حبذا لو استقبلها كلها (جشتالتيا) أولا قبل أن ينتقل ليفك شفرتها.
بعد أن نشرت أمس التعريف بفكرة هذا الكتاب مقتطـِفا ما تيسر من مقدمات الطبعات المتتالية، أكتفى اليوم بتقديم كلمة الكتاب بعد التصدير والإهداء، لأبدا من الغد نشر ما تيسر تباعا أيام السبت والأحد والإثنين ، دون أى تعليق هذه المرة حتى لا أفسد الرسالة كما فعلت حين أضطررت للشرح على المتن لكلٍّ من ديوانىْ : “سر اللعبة”، “أغوار النفس”
وبعد
أولا : الإهداء
بصراحة أنا أتردد عادة فى إهداء أعمالى إلى من يحضرنى من أصحاب الفضل والريادة، وكثيرا ما أهديها لمجاميع من الناس، وتزداد صعوبتى حين يكون العمل فيه مرارة وتعرية، فأشفق على من أهديه العمل وأكاد أعتذر له وأنا أقدمه له ،
وقد أعلنت صعوبتى هذه فى مقدمة ديوانى أغوار النفس قائلا:
أَهدى مينْ؟ أَهدى إِيهْ؟
هوَّا عُمْر المُرّ يِتْهادَى يا عالَم؟
قلت انطْْ فْ وسط خلــْق الله جميعاً..
همُّه دول حِمْل الكَلاَمْ المُـــرّ والدَّم اللِّى يِغْلي.
هــمَّـا دول حِمْل الحقيقةْْ.
قلت أهْدِيهاَ لْبلدنا،
للِّى غنّى .. والَّلى صَحَّاهْ الغُنَى.
يَا مَاقُلْتُوا يَا أَهْل مصر يا فنانين،
يا غلابَه، يا حضارَهْ، يا تاريخ.
يا ما قُلـْـتُوا، ويَا مَا عِدْتُوا.
صَحِّيتُونى.
[واللى بَنَتْ مَصـْـر كاتْْ فى الأصل: غِنَّيَوهْ].
***
الهديّه للى غنّى، قال: “بَهِيّهْ لىِ يَاسينْ”،
واللِّى صَحَّى لَيْلَى والمجنوُنْْ يِـغَـنُّوا لمْصَرْ تانى.
واللِّى علــِّـمنى حلاوة الـمُـرْ.. من جُوّا النَقَايَهْْ،
واللِّى.. واللِّى.. واللِّى.. واللِّى.. والجَمِيعْ
.
يا ترى تقبل يا شَاِعر مَصْر يا صاحب الرِّبابَةْ؟
يا تَـرَى يا اهْل الحَضَارَهْ والكَلاَمْ الحِلْو واللِّحْنِ الأدَانْ.
تقَبلُوا منِّى الهدِيَّهْ؟
أصلى غاوى،
بس يا خسارَهْ مانِيشْ لا بِسْ طاقِيَّه،
قلت انقَّـْـط بالَكَلامْ.
ثم إنى رجعت إلى إهداء الطبعة الأولى من الكتاب الحالى “حكمة المجانين” (1980)، فوجدتها كالتالي:
“إلى أصدقائى المجانين ، الكرام الضائعين ، الذين رأوا الحقيقة، فعجزوا عن التعبير عنها، فصرعتهم..، فهاموا على وجوههم يضربون فى الأرض، لا يرجعون، أهدى بعض ما علمونى إياه : أعترافا بفضلهم، ورفضا لِحَلهِم، وأملا فى غدهم، وغدنا أجمعين”
بصراحة أحببت هذا الإهداء وما حمل من رسالة، لكننى لا أعرف لماذا عدلت عن التكرار، أعتقد أن ذلك له علاقة بقراءتى للحِكَمِ الأخيرة من هذا الكتاب ابتداء من الحكمة 719إلى نهايته، إذ يبدو أننى تذكرت أو تنبهت إلى الآيتين الكريمتين : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ، فشعرت أننى لا أكتب ما أكتب، ولا يصبـِّرنى على ما يجرى وأنا أكتب،ولا بعد ما أكتب، إلا أننى أوجه كل ذلك، وغير ذلك له وحده، لا شريك له،ويذلك أمرت، فتوكلت عليه واستأذنته أن يكون هذا العمل ، وغيره، وكله كل كله، إن استحق أن يكون كلـِمـًا طيبا، أن يكون كما قال:“..إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِح يرفعه..”
ثم إني انتبهت إلى أننى لم أضف العنوان الفرعى “فتح أقفال القلوب” ، إلا استلهاما أيضا مما وصلنى من الآيات الكريمة : “كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” الآية (14) المطففين&”..أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” الآية (24) محمد &”أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا” الآية (46) الحج & “فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَ الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” الآية (46) الحـج
التصدير:
ثم إنى صدّرت هذا الكتاب بكلمة لم أدرجها فى الحكــَم الألف وواحده قصدا، قلت فى هذه الكلمة:
مثل البرق بين الغيوم السوداءْ
سوف تخترقُ هذه الكلمات غيامَ فكركْ،
لتصل إلى وجدانك مباشرة،
فلا تحاول أن تفهمها جدا! ….
ولسوف تشرق فى وعيك بعد حين
.. .. .. .. .. ! ! !
يا ترى – عزيزى القارئ- هل هذا التصدير يغريك بالصبر علىّ، أم يدعوك إلى لعنتى؟
أنا متحمل النتائج فى كل الأحوال، وواثق فيك تماما، والله معنا.
تعالو نبدأ اليوم بالحكم الست الأولى، وهى حكم تمهيدية أيضا لم تدخل تحت أى فصل من الفصول الستة، ومع ذلك بدأ العد، بها، وهى تقول :
رجاء وتوصية
(1)
إذا عدتَ إلى هذه الكلماتْ، فوصلتـْك عن طريق قناة إدراكٍ أخرى،
أو تحمـّلتها بصبر جديدْ، فاعلم أنك أصبحت أقرب إليك، وإلىّ، وإلينا، فإلينا، وإليه.
(2)
لا تتسرع فى الحكم على هذه الكلمات، ولـْتـَتـَذكـَّر أن القاضى إذ يُصدر أحكامهُ
لا ينبغى ألا ينسى أنه يحكم أيضـًا – بل قبْلا – على نفسهْ.
(3)
إذا لم ترَ هذه الكلمات فى نفسك، فقد تتعثــَّر فيها أثناء سيرك، وإذا لم تتعثر فيها أثناء سيرك فقد تراها فى أولادك،
وإذا لم تجدها لا هنا ولا هناك، فعُدْ إلى البحث عنها داخلك،…… لعلها تسربت إليك من ورائك.
(4)
يا وحدتى لو لم تفهم ماكتبتُ،
ويا خوفى ومسئوليتى لو فهمتَ،
وياويلنا معا: لو فهمتَ أنت غير ما أردتُ أنا.. أو عكسه….
ويا أسفى لو اكتشفتُ عجزى أن أوصّل ما وصلنى،
ويا شرفنا لو احترمنا كل ذلك فواصلنا المحاولة.
(5)
لا أعرف كيف تقرأ هذا الذى كتـَبـْـتـُهُ،
ولكن الذى أعرفه أنه قد يغريك بالرجوع إليه للكشف عن طبقاته الخفيــَّة،
.. وأيضا طبقاته الظاهرة الأخرى،
هو قد يختفـى منك فى زحمةِ ذاكرتك المتاحة،
لكن كيف تضمن أن تختبئ من آثاره المتسحـِّبة المُستعادة؟
(6)
ما دامت حقائق اللوح البيولوجى المحفوظ فى الـدَّنـَا DNA لكلٍّ منَّا تتحدى القراءة المباشرة،
فلنعذرْ المؤرخين وأساتذة التاريخ والعلماء حين:
يشوهون الحقائق،
أو يؤلفونها،
أو يصدّقونها،
ولكن لا داعى أن يفرضوها علينا فرضا.
المقطم 5 يناير 2015
وإلى الغد
ننشر الحكم الثلاثة التالية
دون تعليق
(مع استعدادى للرد – مترددا – على ما يصلنى عن كل ذلك، أعنى أى من ذلك فى بريد الجمعة).