نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 25-2-2024
السنة السابعة عشر
العدد: 6021
ثلاثة دواوين (1981 -2008)
الديوان الثالث: “دورات وشطحات ومقامات“ [1]
المجموعة الثالثة: مقامات
المقامة الخامسة:
لحظة صمت
وعُدْنا
فقالت وقلنا…
وما كنتُ أحسب أَنّا هُنَا..
فما كان منَّا تبدَّى جديدا بِنَا،
وما كنتُ كُثْرا ولكن رجْع الصدى: تردَّدَ حتى تمادتْ، فمادتْ،
فراحتْ تعاتبُ ذاك الذى حال دون لقانا،
كأن الذى كان قد كان منه وليس بنا،
وما كان يوما يحق العتاب لمثل الذى ليس أهلا لَهُ.
وما غبتُ عنها، وما راح مِنِّى الكلام:
انطلقنا،
كأن الحديث استمَّر بغير انقطاع طوال المدى.
تُهدهِدُ منّى الجِنَـان، أذوب بجُنـْح الحنان، أخاف الفناءَ بغير أوان الخلود- كفى!!
وما صالحتـْـنى، فما كان قَبْلا خصامٌ، وما كان إلا غياب الرؤى خلف خطف البصر،
كذاك التـَقـيـْـنَا.
وحَقّ الذى لا يقال،
وحقّ الذى ليس مِثـْلاً لمِثل الذى كْنُتَ تَعنْى ولمـّـا تَقُـلـْهُ،
وحقّ الحياة،
وحقّ الممات الذى مات فى سِدرة المنتهى،
وحقّ الذى ليس حقا سواه:
أقولُ:
بأن الذى كَاَن لمَّا يكن ذات يوم فراقا،
ولكنْ تأجَّل ذاك الحديثُ إلى جَاءَ يومٌ يقال له :”بغير أوان”.
فقالت “….”.
خجلتُ.
غمزتُ التى بجوارى، فعادتْ تقول الذى كان قبْلا،
تغافلتُ قصداً،
فعادتْ،
تصنَّعتُ فـَهـْمـًا غبيَّا،
تغاضتْ.
فقلت كلاما كثيرا لكى لا أقول الحقيقةَ:
“… قطُّ، وبـَـعدُ، وإلاّ، ومثلَ الذى كان حتى الثـُّمالةَ شيئا فشيئا .. وكيتَ وكيتَ
فهـَـمَّتْ
فـَـهـِـمْتُ، فَهَيَّا إذنْ،
فـرِحتُ، غفوتُ، انتبهتُ…اختفتْ:
توارتْ وراء الدخيلِ الخبيثِ العذولِ الغريبِ المقــزِّزِ رد المجالسِ،
لصِّ الحروفِ، خبيثِ الطويةِ ..ما لسْت أدرى، …إلى آخره.
فعادت تـُهَرْولُ، قالتْ:
أعابـِثُ خِلاَّ قديما (أنا!!!)
قفزتُ على القفزٍ أجرى إليها،
فعادت تسارع خطفَ الخُطَى.
وما قلت شيئاً غريباً،
وما كنتُ يوما بعيداً،
فأنشدتُها نَبْض لحنٍ قديم تَردَّدَ دَوْماً على حجرها،
فقالت: أَعِـدْ.
فرِحْتُ جديدًا، وراح الغناء يغنى بنا:
“..تطير الطيورُ بجوف الكهوفِ لتنحتَ تحت السماء طيوفَ اللقاء، تبيضُ النوارسُ فى جوفِ بحرٍ عميقٍ،
يناشدُ همسَ المحَار حفيفَ المياهِ بموجٍ تهادى..”
فتهفو
فأدعو القدير: سماحا.
أنا المستجيرُ بكل الحضورِ يودِّع هاذى الجميلةُ؟؟!؟
…. كلا.
إلى عودةٍ تستميحُ الغروبَ يكون شروقا حبيبا كمثل الذى كان يوما بنا،
وأكثُرُ دفئاً،
وأوثقُ وصلاً،
لأن الذى كان زيفا يموت،
يموت ولو طال عمر الخداع، ولو طال مهما يطول،
سلاما.
سلاما إلى عودةٍ رغم أنف الوداعِ،
سلاماَ.
المونمارتر : الساعة عشرة وربع صباحا: 1/7/1993
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى: ثلاثة دواوين (1981 – 2008) الديوان الأول: “ضفائر الظلام واللهب”، الديوان الثانى: “شظايا المرايا”، الديوان الثالث: “دورات وشطحات ومقامات”. منشورات جمعية الطب النفسى التطورى. (2018)
– المجموعة الثالثة: مقامات: المقامة الخامسة: “لحظة صمت” من الديوان الثالث: “دورات وشطحات ومقامات”، ص (325)