نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 20-10-2022
السنة السادسة عشر
العدد: 5528
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) [1]
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (96)
الفصل الثانى
فى مقام الحيرة، والدنيا تضرب تقلب!!
الأصداء
96 - “بعد الخروج من السجن”
غص البهو بطلاب الحاجات، جلسنا نتبادل النظر فى قلق ونمد البصر إلى الباب العالى المفضى إلى الداخل المغطى بجناحى ستارة عملاقة خضراء. متى يبتسم الحظ ويجيء دوري؟،. متى أدُعى الى المقابلة فأعرض حاجتى وأتلقى الرجاء، الباب مفتوح لا يصد قاصدا ولكن لا يفوز باللقاء إلا أصحاب الحظوظ. على ذاك تمضى الأيام فأذهب بصدر منشرح بالأمل ثم أعود كاسف البال. وخطر لى خاطر لماذا لا أختفى فى مكان فى الحديقة حتى إذا انفض السامر وخرج الرجل لرحلته المسائية رميت بنفسى تحت قدميه. لكن الخدم انتبهوا لتسللى وساقونى إلى القسم، ومن القسم إلى السجن، فألقيت فى ظلماته، عبثا حاولت تبرئة ساحتى، كيف أذهب طامعا فى وظيفة شريفة فتنتهى بى المآل إلى السجن. وانتهى إلينا التهامس بأن الرجل الجليل سيزور السجن ويتفقد حاله ويستمع إلى شكاوى المظلومين. عجبت أن يتيسر لى فى السجن ما تعذر فى الحياة. وهذه حاجتى إلى عطفه تشتد وتتضاعف. وأحنيت رأسى بين يديه وقصصت قصتى لم يبد عليه أنه صدق ولم يبد عليه أنه كذب، قلت بضراعة: “كل ما أتمنى ان يسمح لى باللقاء بعد الخروج من السجن” فقال بصوت هاديء وهو يهم بالسير: ” بعد الخروج من السجن”.
أصداء الأصداء
تطل على رحلة البحث الذى لم يكل محفوظ عن مواصلتها: فى “الطريق”، وفى زعبلاوى، حتى أولاد حارتنا، وغيرها، والإضافة هنا تأتى من أن البحث فى الخلاء لا يؤتى ثماره لمن لا يمتلك وسائله، ولابد لمثل هذا الباحث فى الخلاء أن يطول انتظاره إلى مالا نهاية، فلا مفر من رجعة إلى سجن الحواس وقيود الواقع، ولا بديل عن طقوس العبادة الراتبة، ومع تعميق الرضا بهذا السجن يقترب الباحث من العثور على ما يبحث عنه، فهو – هكذا – أقرب للعاديين المنتظمين المتابعين لقوانين عامة الناس، منه للمتفرغين فى البحث أو دائمى الانتظار أملا فى لقاء، وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من فرصة عرض قضينه عليه فإن اللقاء لن يتم إلا بعد تجاوز سجن الحياة الراتبة، إما بالوجد الواصل، وإما بالموت، وفى الحالين يتم الخروج من السجن الحياة الأدنى، فاللقاء بعد الخروج من قيود الاغتراب أو العمى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net
صباح الخير يا مولانا:
المقتطف : …اللقاء لن يتم إلا بعد تجاوز سجن الحياة الراتبة، إما بالوجد الواصل، وإما بالموت
التعليق : يا الله ،لله دركما يا مولانا ،هذه التقسيمه الرخاوية على السمفونية المحفوظية ،تحرك فى وعيى ما يثير شجونى ،وخاصة فى ذكرك للوجد الواصل ، حين تعتصرنى ذكرى اللقاء الذى حرمت منه فسجنت فى وجودى ها هنا ،فيأتينى صوت الست أم كلثوم تغنى : “أن مر ع الخاطر ذكراه تنزل من الوجد دموعى “