الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (71) الفصل‏ ‏الثانى: ‏فى ‏مقام‏ ‏الحيرة‏، ‏والدنيا‏ ‏تضرب‏ ‏تقلب‏!!

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (71) الفصل‏ ‏الثانى: ‏فى ‏مقام‏ ‏الحيرة‏، ‏والدنيا‏ ‏تضرب‏ ‏تقلب‏!!

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 28-4-2022                                  

السنة الخامسة عشر

العدد: 5353

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) [1]

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (71)

الفصل‏ ‏الثانى

فى ‏مقام‏ ‏الحيرة‏، ‏والدنيا‏ ‏تضرب‏ ‏تقلب‏!!‏

الأصداء

‏71- ‏اللؤلؤة

‏”‏جاءنى ‏شخص‏ ‏فى ‏المنام‏ ‏ومد‏ ‏لى ‏يده‏ ‏بعلبة‏ ‏من‏ ‏العاج‏ ‏قائلا‏: ‏تقبل‏ ‏الهدية‏. ‏ولما‏ ‏صحوت‏ ‏وجدت‏ ‏العلبة‏ ‏على ‏الوسادة‏. ‏فتحتها‏ ‏ذاهلا‏ ‏فوجدت‏ ‏لؤلؤة‏ ‏فى ‏حجم‏ ‏البندقة‏. ‏بين‏ ‏الحين‏ ‏والحين‏ ‏أعرضها‏ ‏على ‏صديق‏ ‏أو‏ ‏خبير‏ ‏وأسأله‏ : “‏ما‏ ‏رأيك‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏اللؤلؤة‏ ‏الفريدة‏.”‏؟‏ “‏فيهز‏ ‏الرجل‏ ‏رأسه‏ ‏ويقول‏ ‏ضاحكا‏:،”‏أى ‏لؤلؤة‏.. ‏العلبة‏ ‏فارغة‏”. ‏وأتعجب‏ ‏من‏ ‏إنكار‏ ‏الواقع‏ ‏الماثل‏ ‏لعينى.‏

‏ ‏ولم‏ ‏أجد‏ ‏حتى ‏الساعة‏ ‏من‏ ‏يصدقنى. ‏ولكن‏ ‏اليأس‏ ‏لم‏ ‏يعرف‏ ‏سبيله‏ ‏إلى ‏قلبى.”‏

أصداء الأصداء

الحلم‏ – ‏كما‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏أشرت‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏بالضرورة‏ ‏ما‏ ‏يحدث‏ ‏أثناء‏ ‏النوم‏، ‏ولكنه‏ “‏العالم‏ ‏الآخر‏” ‏بشكل‏ ‏ما‏، ‏وحلم‏ ‏هذه‏ ‏الفقرة‏ ‏يكشف‏ ‏عن‏ ‏تركيبة‏ ‏بشرية‏ ‏أساسية‏ ‏وعميقة‏، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏هى ‏من‏ ‏أبعد‏ ‏المناطق‏ ‏عن‏ ‏الدراسة‏ ‏والبحث‏، ‏والفرض‏ ‏الذى ‏أطرحه‏ ‏لتفسير ذلك‏ ‏يقول‏:‏

إن‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى، ‏مهما‏ ‏عرفنا‏ ‏أبعاده‏ ‏ومراميه‏ ‏وتركيباته‏ ‏وأقطابه‏ ‏لايحكمه‏ ‏وينظمه‏ – ‏فقط‏ – ‏ما‏ ‏نعرف‏ ‏عنه‏، ‏لأن‏ ‏ثمه‏ ‏منطقة‏ ‏مجهولة‏ ‏تـسـقط‏ ‏أحيانا‏ ‏إلى ‏الخارج‏ (‏منذ‏ ‏الفاكهة‏ ‏المحرمة‏ ‏فى ‏الجنة‏ ‏حتى ‏حكاوى ‏الأساطير‏)، ‏أو‏ ‏تظل‏ ‏قابعة‏ ‏فى ‏الداخل‏ (‏نسميها‏ ‏أحيانا‏ “‏الذات‏” ‏ونظل‏ ‏نبحث‏ ‏عن‏ ‏تحقيق‏ ‏الذات‏ ‏دون‏ ‏تحديد‏ ‏: أىّ ‏ذات‏ ‏تلك‏ ‏التى ‏نحاول‏ ‏تحقيقها‏) ‏أو‏ ‏هى – ‏هذه‏ ‏المنطقة‏ ‏الأخرى – ‏تـُفـعـلـن‏ ‏لتعيد‏ ‏تنظيم‏ “‏الممكن‏ ‏من‏ ‏المتاح‏”، ‏وهى ‏هى ‏مصدر‏ ‏طاقة‏ ‏الإبداع‏ ‏المتجدد‏ ‏باعتبار‏ ‏أن‏ ‏الإبداع‏ ‏هو‏ ‏البحث‏ ‏المتصل‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏استكشاف‏ ‏مجهول‏ ‏ليصبح‏ ‏معلوما‏ ‏جزئيا‏ ‏يؤدى ‏إلى ‏مجهول‏ ‏أكبر‏، ‏معلوما‏ ‏ناقصا‏، ‏فمجهول‏ ‏أكبر‏، ‏وهكذا‏..، ‏وهذه‏ ‏المنطقة‏ ‏الأساسية‏ ‏والمحورية‏ ‏والخاصة‏ ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏اسم‏، ‏وهى ‏مرتبطة‏ ‏ارتباطا‏ ‏وثيقا‏ – ‏من‏ ‏وجهة‏ ‏نظر‏ ‏هذا‏ ‏الفرض‏ – ‏بمفهوم‏ ‏الغيب‏، ‏وعندى ‏أن‏ ‏الإيمان‏ ‏بالغيب‏ (‏تدينا‏) ‏هو‏ ‏من‏ ‏قبيل‏ ‏الاعتراف‏ ‏الذاتى ‏بهذه‏ ‏المنطقة‏ ‏الأساسية‏ ‏الجاذبة‏ ‏الموجـهه‏ ‏المفجـرة‏ ‏المجهولة‏، ‏وهى ‏منطقة‏، ‏أو‏ ‏مساحة‏، ‏أو‏ ‏جوهر‏، ‏بدون‏ ‏إسم‏: ‏اسماها‏ ‏سعد‏ ‏الله‏ ‏ونوس‏ ‏الماسة‏، ‏وأسماها‏ ‏محفوظ‏ ‏هنا‏ ‏اللولؤه‏، ‏وهو‏ ‏نفس‏ ‏الاسم‏ ‏الذى ‏أطلقته‏ ‏عليها‏ ‏فى ‏قصيدة‏ ‏قديمة‏ ‏لى ‏لم‏ ‏تنشر‏، ‏ويبدو‏ ‏أن‏ ‏جذب‏ ‏هذا‏ ‏الاسم‏ ‏يرجع‏ ‏لأن‏ ‏اللؤلؤ‏ ‏يكمن‏ ‏داخل‏ ‏جوف‏ ‏القوقع‏، ‏والناظر‏ ‏من‏ ‏خارج‏ ‏لايراه‏ ‏أصلا‏ ‏رغم‏ ‏أنه‏ ‏هو‏ ‏المطلوب‏ ‏أولا‏ ‏وأخيرا‏.

أما‏ ‏لماذا‏ ‏لا يرى‏ ‏الآخرون‏ ‏اللؤلؤة، فلسببين، ربما‏: ‏الأول‏ ‏أن‏ ‏صاحبها‏ ‏نفسه‏ ‏يراها‏ ‏بعين‏ ‏اليقين‏، ‏لا‏ ‏بعين‏ ‏الواقع‏، ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يراها‏ ‏تحديدا‏ ‏متصلا‏ ‏وإنما‏ ‏حضورا‏ ‏واجبا‏ ‏واعدا‏، ‏والثانى ‏أنها‏ ‏لا‏ ‏تـُـرى ‏أبدا‏ ‏من‏ ‏الخارج‏ ‏وإنما‏ ‏الذى ‏يـُرى ‏منها‏ ‏ليس‏ ‏سوى ‏أثارها‏ ‏الإيجابية‏ (‏الإبداع‏) ‏أو‏ ‏آثارها‏ ‏السلبية‏ ‏بواسطة‏ ‏محاولة‏ ‏إخفائها‏ ‏بأعراض‏ ‏مرضية‏، ‏أو‏ ‏بموقف‏ ‏سلبى ‏من‏ ‏الآخرين‏.‏

ثم‏ ‏عدت‏ ‏أتوقف‏ ‏عند‏ ‏أن‏ ‏صاحبنا‏ ‏تلقاها‏ “‏هدية‏” ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏سبق‏ ‏من‏ ‏فرض‏ ‏يؤكد‏ ‏أنها‏ ‏موجودة‏ ‏كامنة‏ ‏واعدة‏ ‏من‏ ‏البداية‏ ‏عند‏ ‏كل‏ ‏الناس‏ ‏بلا‏ ‏استثناء‏، ‏ثمة‏ ‏من‏ ‏يلغيها‏ ‏أصلا‏، ‏وثمة‏ ‏من‏ ‏يسمع‏ ‏عنها‏ ‏فينكرها‏، ‏وثم ‏من‏ ‏يستبدلها‏ ‏بمثيلتها‏ ‏من‏ ‏اللؤلؤ‏ ‏المزيف‏ -‏خشية‏ ‏السرقة‏- ‏فلا‏ ‏يتمتع‏ ‏بها‏ ‏أصلا‏، ‏فلماذا‏ ‏وردت‏ “‏اللؤلؤة‏” [2] ‏فى ‏هذه‏ ‏الفقرة‏ ‏كهدية‏ (‏من‏ ‏الخارج‏)‏؟‏ ‏

تفسيرى ‏لذلك‏ ‏أن‏ ‏الهدية‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏هى ‏اللؤلؤة‏، ‏وإنما‏ “‏الوعى ‏بها‏” ‏وبقيمتها‏ ‏وطبيعتها‏ “‏الخاصة‏ ‏الخفية‏”، ‏و‏”‏البديعة” والله ‏أعلم‏…‏

_______________

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

[2] – جزء من قصيدة “اللؤلؤة”

 

4 تعليقات

  1. د.مروة عبداللطيف

    لفت إنتباهي استخدام تعبير “عين الواقع وعين اليقين “وتذكرت قول الله عز وجل ( كلا لو تعلمن علم اليقين ،لترون الجحيم ،ثم لترونها عين اليقين )
    ربما هي مايسميها القدماء العين الثالثه ..العين التي ترى ما سيكون وليس ماهو كائن ..ولله اعلم

    • الاستشهاد جيد
      أما التشبيه فأنا لا أوافقك عليه، ومن هم هؤلاء القدماء الذين تستشهدين بهم.
      ثم إنها ليست عين ثالثة وربما تكون العين الداخلية، وهى ليست عين واحدة بل ربما عيون كثيرة،
      عذرا

  2. أقسم بالله يا مولانا الحكيم إن دهشتي و أنا اتلقى منك ما تستطيع قدرتي تلقيه من فتوح الله عليك لهي دهشة تشبه اهتزاز الأرض بنزول الماء عليها جمالا و اجلالا
    وددت لو استطعت الصمت عملا بقول الشاعر نزار قباني إن الصمت فى حرم الجمال جمال و لكن أسمح لى بتعقيب و إن كان متواضعا حتى أشعر أني أمارس نعمة الحمد بهذا التفعال
    ربطت بين كلام حضرتك عن الإبداع بأنه استكشاف مجهول ليصبح معلوما جزئيا يؤدي إلى مجهول أكبر …معلوما ناقصا ، مجهول أكبر. و هكذا …….
    ربطت بين هذا و بين ما يطلق عليه وجود بالقوة و وجود بالفعل حيث أن كل مجهول هو موجود بالقوة و الاستكشاف منه هو تغيير من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل ولن يفرغ الموجود بالقوة و لن تفرغ الحياة فينا من هذا الاستكشاف

    و أما عن روعة و فتح تفسير حضرتك بأن الهدية لم تكن اللؤلؤة و إنما هي “الوعي بها ” فهذا التفسير وحده هو مفتاح سحري للوعي

    و أخيرا لا أملك إلا الحمد لله راجية بها من الله المزيد لك و لي ولجميع شهود حضرتك و طلاب رزقهم مما افاء به الله عليك من فتوح …….
    و كل عام وحضرتك طيب و بألف خير و عطاء لا ينفذ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *