نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 17-3-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5311
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (65)
الفصل الثانى: فى مقام الحيرة، والدنيا تضرب تقلب!!
الأصداء
65 – اللحن
”فى حلم ثان وجدتنى فى حجرة متوسطة يضيئها مصباح غازى يتدلى من سقفها، فى ركن منها جلس جماعة من الرجال والنساء على شلت متقابلة يتسامرون ويضحكون بأصوات مرتفعة، لم يكن فى الجدران باب ولا نافذة إلا فتحة صغيرة فى اتساع عين منظار مرتفعة بعض الشىء، فلم أر منها إلا سماء تتوارى وراء المساء، شعرت برغبة شديدة فى العودة إلى أهلى ودارى، ولم أدر كيف يمكن أن يتيسر لى ذلك، وسألت السمار: أكرمكم الله كيف أستطيع الخروج من هنا؟ فلم يلتفت إلى أحد وواصلوا السمر والضحك، وغزت الوحشة أعماقى، عند ذاك لاح لى من خلال الفتحة وجه غير واضح المعالم وقال لى: إليك هذا اللحن أحفظه منى جيدا، وترنم به عند الحاجة، وستجد منه الشفاء من كل هم وغم.”
أصداء الأصداء
مثلما يذيب دفء الشمس “شبورة الصباح”، أرى الفتور الذى هددنى فى بداية هذا الفصل وهو ينقشع أمام نبض هذه الأحلام المتلاحقة التى تصلنى كدفقات اقتحام شروق الشمس غيامة الضباب.
يظهر فى هذا الحلم “رحم الدنيا”، وتولد قصيدة قصيرة “سماء تتوارى وراء المساء”، وتتأكد لى العلاقة بين الموت والعودة، فكرة العودة أصيلة فى الوجود الإنسانى سواء كانت فى تعبير “أن يسترد الله أمانته” كما يفهم الموت عند أهل التقوى، أو أفادت أن يرجع الجزء المنفصل إلى الالتحام بأصله كما يشير المتصوفة عادة، العودة إلى الأهل والدار وصلتنى هنا باعتبارها العودة إلى الأصل” الكل”، وحين تستحيل العودة إراديا (إلا بالانتحار، وهو ليس عودة وإنما إجهاض) ينبغى أن نتكيف ونحن “فى الانتظار” حتى يحين الأوان.
هذا اللحن الذى هبط عليه من الفتحة التى تبدو منها السماء وهى تتوارى وراء المساء، يمكن أن يكون “دينا” له طقوس وأنغام على طريق الإيمان، كما يمكن – وهذا مستبعد نسبيا – أن يكون اغترابا له أيضا فعل التنويم والتسكين، وأما الشفاء من الهم والغم (أو اختفاؤهما) فهو يتحقق بأى من الاحتمالين مع اختلاف المسار والمصير
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net