الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (44) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (44) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 21-10-2021                               

السنة الخامسة عشر               

العدد: 5164

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (44)

الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

الأصداء

‏44- ‏شق‏ ‏الطريق‏ ‏

كنت‏ ‏أنتظر‏ ‏لصق‏ ‏جدار‏ ‏بالطريق‏ ‏الضيق‏ ‏المكتظ‏ ‏بالناس‏ ‏والدكاكين‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏التاريخ‏، ‏كنت‏ ‏معذبا‏ ‏فى ‏مقام‏ ‏الحيرة‏، ‏تتجاذبنى ‏رياح‏ ‏متضاربة‏. ‏وجذبتنى ‏قوة‏ ‏خفية‏ ‏إلى ‏ناحية‏ ‏ما‏، ‏فرأيت‏ ‏عجوزا‏ ‏وقورا‏ ‏يشع‏ ‏طيبة‏ ‏وصفاء‏ ‏أقبل‏ ‏نحوى ‏حتى ‏صار‏ ‏على ‏بعد‏ ‏شبر‏ ‏منى، ‏وهمس‏: ‏إنها‏ ‏لا‏ ‏تساوى ‏شيئا‏. ‏أيقنت‏ ‏أنه‏ ‏قرأ‏ ‏هواجسى ‏وأنه‏ ‏يدعوننى ‏إلى ‏قطع‏ ‏الروابط‏، ‏ارتجفت‏ ‏جوارحى ‏وخفق‏ ‏قلبى ‏بشدة‏، ‏وتبدى ‏لى ‏الاغراء‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏حسناء‏ ‏لم‏ ‏أشهد‏ ‏لجمالها‏ ‏مثيلا‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏لكنى ‏ترددت‏، ‏وفى ‏تلك‏ ‏الآونة‏ ‏رجعت‏ ‏زوجتى ‏حاملة‏ ‏قراطيس‏ ‏العطارة‏ ‏جارة‏ ‏أبنائى ‏الثلاثة‏. ‏وأفقت‏ ‏من‏ ‏غشيتى، ‏وحملت‏ ‏الأصغر‏ ‏بين‏ ‏يدى، ‏وتقدمت‏ ‏أسرتى ‏أشق‏ ‏لها‏ ‏طريقا‏ ‏وسط‏ ‏الزحام‏.‏

أصداء الأصداء

حيرة‏ ‏محفوظ‏ ‏حيرة‏ ‏إيجابية‏ ‏رائعة‏، ‏فهى ‏حاضرة‏ ‏معظم‏ ‏الوقت‏، ‏لكنها‏ ‏ليست‏ ‏ضياعا‏ ‏فارغا‏، ‏لأنها‏ ‏حيرة‏ ‏ذات‏ ‏توجه‏، ‏صحيح‏ ‏أنه‏ ‏توجُّـه‏ ‏غير‏ ‏محدد‏ ‏الوجهه‏، ‏لكنـه‏ ‏توجـه‏ ‏أكيد‏، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏توجها‏ ‏إراديا‏ ‏إن‏ ‏صح‏ ‏التعبير‏ (‏انتظر‏ ‏ظهور‏ “‏عبد‏ ‏ربه‏”، “‏التائه‏” ‏فيما‏ ‏بعد‏)، ‏واستعمال‏ ‏محفوظ‏ ‏تعبير‏ “‏مقام‏ ‏الحيرة‏” ‏يجعل‏ ‏النفـرى ‏يحضرنا‏، ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يفرض‏ ‏نفسه‏.‏

وحيرة‏ ‏محفوظ‏ ‏محكومة‏ ‏قبلها‏ ‏بإيمانه‏ ‏العميق‏، ‏ومحكومة‏ ‏بعدها‏ ‏بواقع‏ ‏رائع‏ ‏يفرض‏ ‏نفسه‏ ‏فى ‏إصرار‏ ‏روتينى ‏رتيب‏، ‏واقع‏ ‏يبدو‏ ‏محفوظ‏ ‏وكأنه‏ ‏اختاره‏، ‏ومع‏ ‏ضمان‏ ‏هذا‏ ‏القبل‏ ‏والبعد‏، ‏فليحتر‏ ‏كما‏ ‏يشاء‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏هذين‏ ‏الضمانين‏ ‏هما‏ ‏اللذان‏ ‏شجعاه‏ ‏أن‏ ‏يستثمر‏ ‏حيرته‏، ‏فيتوق‏ ‏إلى ‏حياة‏ ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏بها‏ ‏ساعة‏ ‏تدق‏ (‏فقرة‏ 42) ‏ثم‏ ‏ها‏ ‏هو‏ ‏يسمح‏ ‏لنفسه‏ ‏أن‏ ‏يتوق‏ (‏استجابة‏ ‏إلى ‏دعوة‏ ‏داخلية‏ ‏واضحة‏) ‏إلى ‏نهاية‏ ‏ما‏، ‏وأنه‏ ‏يكفى ‏هذا‏ ‏ما‏ ‏دامت‏ “‏لا‏ ‏تساوى ‏شيئا‏”، ‏فهى ‏هواجس‏ ‏الخلاص من كل ذلك‏.‏

وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏إغراء‏ ‏هذه‏ ‏الدعوة‏ ‏وتزيينها‏ “‏حسناء‏ ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏مثيل‏” ‏فإنه‏ ‏يدرك‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏مخيف‏، ‏فيخفق‏ ‏القلب‏ ‏وترتجف‏ ‏الجوارح‏ ‏ليلحقه‏ ‏الواقع‏ ‏الرائع‏‏، ‏فيوقـّع‏ ‏بالرضا‏ ‏والعودة‏ ‏حاملا‏ ‏صغيره‏ ‏مع‏ ‏سائر‏ ‏مسئوليات‏ ‏اختياره‏ ‏للاستمرار‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏بدت‏ – ‏أو‏ ‏تأكد‏ ‏أنها‏ – ‏لا‏ ‏تساوى ‏شيئا‏.‏

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

 

admin-ajax (1)

admin-ajax

2 تعليقان

  1. صباح الخير يا مولانا:
    المقتطف : واستعمال‏ ‏محفوظ‏ ‏تعبير‏ “‏مقام‏ ‏الحيرة‏” ‏يجعل‏ ‏النفـرى ‏يحضرنا‏، ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يفرض‏ ‏نفسه‏
    التعليق : ما هذا الذى يحدث في سطر واحد ؟! أهكذا تجتمع النقائص فى وجود حى ينبض بحركيتها ،؟! أيجمع محفوظ بين ” المقام ” و”:الحيرة “؟! ،فتجيبه بحضور مولانا النفرى الذى لا يفرض نفسه ؟! بالله عليك يا مولانا كيف استطعتما أن تجعلانى ألهث خلف هذه الحركة التى لم أستطع اللحاق بها لأتصور : كيف استطاع محفوظ أن يجعل الحيرة مقاما ؟! وكيف استطعت يا مولانا أن تصف حضرة مولانا النفرى بهذه الجرعة المنضبطة بالحضور دون فرض النفس ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *