نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 16-9-2021
السنة الخامسة عشر
العدد: 5129
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (39)
الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت
الأصداء
39- سؤال بعد ثلاثين عاما
بعد انقطاع عشرين عاما عن حى الشباب دعتنى مناسبه إلى عبوره لولا ما جاش فى صدرى من عواطف نائمة ماعرفته فى عمائره الجديدة وزحامه الصاخب، وثبتت عيناى على بيت قديم بقى على حاله، فشعرت بابتسامة ترف على الروح والجسد، إنها اليوم وحيدة فى الثمانين، وآخر لقاء جمع بيننا بالمصادفة كان منذ ثلاثين عاما، حين أخبرتنى بهجرة وحيدها إلى الخارج بصفة نهائية. ومضيت ومظلتى، وقصدت الباب بعد تردد وضغطت على الجرس، فتحت شراعة الباب عن وجه امرأة غريبة فداريت إرتباكى بسؤالها: ألا تقيم ست سامية هنا؟ فأجابت بسرعة:
- نحن نقيم هنا منذ ثلاث سنوات! تحولت عن موقفى فى حيرة، وذهبت إلى مشوارى وأنا أتساءل ترى أين هى؟، هل تقيم فى حى آخر؟ هل لحقت بابنها فى الخارج؟، هل رحلت عن دنيانا دون أن نعلم رغم القربى؟ وهل يصلح ذلك نهاية لذلك التاريخ المؤجج بالعواطف والأحلام ؟” وجمعنى فى نفس العام مأتم مع الباقين من الأسرة فسألت أحدهم: ماذا تعرف عن ست سامية؟ فرفع حاجبيه بدهشة وقال: أعتقد أنها مازالت تقيم فى البيت القديم!
أصداء الأصداء
تعيش (أى) “ست سامية” فى وجدان من عاشروها (مثل أية ست سامية أو سامي) بقدر ما يريدون، وتحتل مكانها فى الوعى حيث أرادوا
فتصلنى رسالة تقول إنه يبدو من الأفضل أن نترك أعزاءنا هناك (هنا) دون أن نحاول أن نتحقق من موقعهم الحقيقى الذى صاروا إليه، هل هم فى الداخل أم فى الخارج.
ثم إن المأتم الذى جمعه مع أفراد العائلة كان بمثابة اجتماع من يهمهم الأمر لإعلان “خلود” الذين ذهبوا: بأنهم باقون فى ذاكرتنا ما لم نحاول إخلاء محال إقامتهم فينا باستجوابات واختبارات للواقع قد تصدمنا نتائجها الكاذبة حين يخبرونا – عبثا- أنهم ماتوا أو رحلوا مع أنهم هنا فى ذاكرتنا لا يموتون أبدا.
(قارن كيف يقوم النسيان بالإعدام – فقرة 11- فى مقابل هذا الخلود هنا)
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net