نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 6-5-2021
السنة الرابعة عشر
العدد: 4996
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (19)
الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت
الأصداء
19 – من التاريخ
“فى ذلك الوقت البعيد قيل إنه هاجر أو هرب، والحقيقة أنه كان يجلس على العشب على شاطئ النيل مشتملا بأشعة القمر، يناجى أحلامه فى حضرة الجمال الجليل، عند منتصف الليل سمع حركة خفيفة فى الصمت المحيط. ورأى رأس امرأة ينبثق من الماء أمام الموضع الذى يفترشه، وجد نفسه أمام جمال لم يشهد له مثيل من قبل، ترى أتكون ناجية من سفينة غارقة؟ لكنها كانت غاية فى العذوبة والوقار، فداخله الخوف وهمَّ بالوقوف تأهبا للتراجع، ولكنها قالت له بصوت ناعم: إتبعنى فسألها، وهو يزداد خوفا : إلى أين؟
- إلى الماء لترى أحلامك بعينيك
وبقوة سحرية زحف نحو الماء وعيناه لاتتحولان عن وجهها.
أصداء الأصداء
لم تظهر “النداهة” عند محفوظ إلا نادرا، وإن ظهر الاختفاء الغامض كثيرا، حتى البحث عن الأب فى “الطريق” كان اندفاعا من الإبن لا جذبا من الأب الغائب المجهول. نداهة يوسف إدريس غير نداهة سعد الله ونوس فى الإشارات، غير نداهة بلدنا التى كانت أقرب إلى هذه الصورة هنا فى الأصداء، منها إلى صورة إدريس أو سعد الله، كانت تظهر لنا – فى الحواديت التى كنا نعيشها رأى العين – فى صورة منديل يقترب من الشاطيء، أو امرأة وهى تملأ الجرة ثم تنزل للترعة وتنادينا، وكان النداء ملحا، والإغراء جاذبا، لكن الغرق لم يكن هو المصير، وهنا أيضا، قبل أن يقابلها، وبعد أن استجاب لها، كان المصير هو الانجذاب، ثم إنى أضيف من عندى: الإختفاء “الواعد بالعودة”، وهذه الصورة: الاختفاء الغامض الذى يبدو أنه يسمح بالعودة هى أعمق أعماق التركيبة البشرية، هكذا صعد المسيح (عليه السلام)، وهكذا اختفى الحاكم بأمر الله فى جبل المقطم، وهكذا ظلت التكية فى الحرافيش تعمق الإختفاء وتعد بالوعد الغامض، ولم أجد عندى أى ميل أن أبحث عن رمز رأس هذه المرأة وعلاقته بالعنوان “التاريخ”، إذ كفانى أن أرى هذه التيمة المكررة عن التاريخ : النداهة، والاختفاء الغامض (لأضيف من عندى: والوعد بالعودة).
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net