الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (16) الفصل الأول: “الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت”

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (16) الفصل الأول: “الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت”

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 15-4-2021                          

السنة الرابعة عشر                

العدد: 4975

 تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ)  (1)

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (16)

الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

الأصداء

‏16- ‏الوظيفة‏ ‏المرموقة

أخيرا‏ ‏مثلتُ‏ ‏بين‏ ‏يدى ‏مدير‏ ‏مكتبه‏، ‏وصلت‏ ‏بفضل‏ ‏اجتهاد‏ ‏مضن‏ ‏وشفاعة‏ ‏الوجهاء‏ ‏المكرمين‏. ‏ألقى ‏نظرة‏ ‏أخيرة‏ ‏على ‏التوصيات‏ ‏التى ‏قدمتها‏ ‏ثم‏ ‏قال‏: ‏لشفاعتك‏ ‏تقدير‏ ‏وأى ‏تقدير‏ ‏ولكن‏ ‏الاختيار‏ ‏هنا‏ ‏يتم‏ ‏بناء‏ ‏على ‏الحق‏ ‏وحده  ‏فقلت‏ ‏برجاء‏:

– ‏إنى ‏على ‏أتم‏ ‏استعداد‏ ‏للاختبار‏،

‏-‏أرجو‏ ‏لك‏ ‏التوفيق‏ ‏

فسألته‏ ‏بلهفة‏ : ‏متى ‏ندعى ‏للامتحان‏ ؟

 فتجاهل‏ ‏سؤالى ‏وسألنى: ‏ولماذا‏ ‏هذه‏ ‏الوظيفة‏ ‏بالذات‏ ‏على ‏ما‏ ‏تتطلبه‏ ‏من‏ ‏جهد‏ ‏خارق؟

‏ ‏فقلت‏ ‏باخلاص‏: ‏إنه‏ ‏الحب‏، ‏ولا‏ ‏شيء‏ ‏سواه‏، ‏

فابتسم‏ ‏ولم‏ ‏يعلق‏ ‏

ورجعت‏ ‏وأنا‏ ‏أتذكر‏ ‏قول‏ ‏صديقى ‏الحكيم‏ “‏من‏ ‏ملك‏ ‏الحياة‏ ‏والإرادة‏ ‏فقد‏ ‏ملك‏ ‏كل‏ ‏شيء‏، ‏وأفقر‏ ‏حى ‏يملك‏ ‏الحياة‏ ‏والإرادة‏”.‏

أصداء الأصداء

‏وكيف‏ ‏يقرر‏ ‏الواحد‏ ‏منا‏، ‏فقيرا‏ ‏أو‏ ‏غنيا‏، ‏أن‏ ‏يملك‏ ‏الحياة‏ ‏أو‏ ‏يمتلك‏ ‏الإرادة؟‏ ‏أو‏ ‏يملك‏ ‏إرادة‏ ‏الحياة؟‏ ‏بدت‏ ‏المسألة‏ ‏أنها‏ ‏ليست‏ “‏إرادة‏ “‏بالمعنى ‏السطحي ‏(‏أنا‏ ‏أريد‏، ‏أنا‏ ‏أقرر‏) ‏بل‏ ‏إنها‏ ‏امتحان‏، ‏يتطلب‏ ‏جهدا‏ ‏خارقا‏، ‏لايخفف‏ ‏منه‏ ‏إلا‏ ‏دافع‏ ‏قوى ‏هو‏ ‏حب‏ ‏الحياة‏، ‏لا‏ ‏ليست‏ ‏هى ‏هذه‏ ‏الحياة‏ ‏تماما‏، ‏لأن‏ ‏الاختيار‏ ‏فيها‏ ‏لايتم‏ ‏غالبا‏ ‏بناء‏ ‏على ‏الحق‏ ‏والعدل‏ ‏وحده‏، ‏ثم‏ ‏من‏ ‏ذا‏ ‏الذى ‏قال‏ ‏إن‏ ‏أفقر‏ ‏حى ‏يملك‏ ‏الحياة‏ ‏والإرادة‏، ‏راجع‏ ‏معى : “‏أفـــقـر‏ ‏حى ‏يملك‏ ‏الحياة‏..!!” ‏وهل‏ ‏يوجد‏ ‏حى ‏لايملك‏ ‏الحياة؟‏ ‏ربما‏، ‏بالذات‏ ‏إذا‏ ‏أمعنا‏ ‏مليا‏ ‏فى “‏يملك‏”، ‏فلربما‏ ‏وصلتنا‏ ‏إشارة‏ ‏ضمنية‏ ‏تقول‏ : ‏إن‏ ‏الذى ‏يحيا‏ ‏لكنه‏ ‏لا‏ ‏يملك‏ ‏الحياة‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يتنفس‏ ‏أو‏ ‏يتحرك‏ ‏لكنه‏ ‏لا‏ ‏يختار‏، ‏ولا‏ ‏يحب‏،‏

فلكى ‏تنقلب‏ ‏الحياة‏ ‏إلى ‏وظيفة‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏شفاعة‏ ‏حتى ‏يشغلها‏ ‏طالبها‏، ‏رغم‏ ‏ما‏ ‏بها‏ ‏من‏ ‏مشقة‏، ‏فإن‏ ‏ذلك‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏يحبها‏ ‏شاغلها‏، ‏هنا‏ ‏يتدخل‏ ‏عامل‏ ‏جديد‏، ‏حب‏ ‏الحياة‏، ‏الذى ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏هو‏ ‏هو‏ ‏إرادة‏ ‏الحياة‏، ‏وقد‏ ‏يصل‏ ‏الأمر‏ ‏بنا‏، ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ذلك‏، ‏أن‏ ‏نتصور‏، ‏أو‏ ‏نصدق‏، ‏أن‏ ‏الاختيار‏ ‏يتم‏ ‏بناء‏ ‏على ‏الحق‏ ‏وحده‏، ‏فمن‏ ‏له‏ ‏حق‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يحبها‏، ‏وكأنه‏ ‏يخلــقها‏ ‏هو‏، ‏ولا‏ ‏يستسلم‏ ‏لمجرد‏ ‏التواجد‏ ‏فيها‏، ‏فهى ‏الإرادة‏، ‏ولا‏ ‏مشقة‏ ‏بعد‏ ‏هذا‏ ‏الاختيار‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏أن‏ ‏المختار‏ ‏هو‏ ‏أفقر‏ ‏حى، ‏لأنه‏ ‏أحبها‏، ‏فأرادها‏ ‏فملكها‏، ‏وهل‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏فرق‏ ‏بين‏ ‏غنى ‏وفقير‏؟‏

 

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

admin-ajax (1)

admin-ajax

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *