نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 27-4-2023
السنة السادسة عشر
العدد: 5717
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ)[1]
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (123)
الفصل الثالث
“إبن حظ”: طفل تائه (يا أولاد الحلال)
فى ثوب كهل يعبد ربه
الأصداء عودة إلى النص:
123- الإنتظار:
ولكن لماذا هذا الكهف بالذات؟ قيل إن سيدة المكان كانت تطوف بالموقع حول الكهف فى المواسم، وكثيرون قد جنوا بسحر جمالها وجدّوا فى البحث عنها دون جدوى. وقيل إنها قد تختار قرينها ذات يوم فى الكهف. وقصد الكهف أناس لا حصر لهم ولكن عبد ربه التائه ومريديه هم الذين صمدوا إلى النهاية.
أغلب أحاديثهم وأغانيهم عن المرأة الجميلة ينتظرون الرضا، ولا يعرفون اليأس.
أصداء الأصداء
هذه المرأة، سيدة المكان، حاضرة عند محفوظ فى كثير من أعماله، وهى الحياة مرة، وهى المتعة المتكاملة مرة، وهى اللذة الغامرة مرة، وهى الوعد الآمر الناهى مرات، وهى “الحقيقة” مع كل ذلك.
ولكن لماذا تطوف “الحياة” هنا حول الكهف هكذا ؟
بدت لى الحياة /المرأة هنا مثل الرحم الآمن، حاضرة محيطة، تطوف بالموقع حول الكهف، دون أن تفرض نفسها ظاهرة، فتنقلب عزلة الإنسان المختارة إلى ائتناس بمن فى مثل عزلته معه وبه نحوها فى انتظارها، ويلاحظ أن المرأة هنا لا تقتحم الكهف وهى تنادي من يريدها يدفع مهرها، وهى لا تستجيب تلقائيا لكل من يلبى النداء، فهى تختار فى النهاية، وسواء كانت هى الحيوية الحسية التى دافع عنها محفوظ طول العمل (بل طول العمر) أو كانت الحقيقة الكشف، أو كانت زخم الحياة الكل بلا تفسير، فإن محفوظ يشير هنا إلى أن المسألة ليست ثمرة تقطف، ولا هى من نصيب المتلهف المتعجل، وإنما من أراد صحبتها حقيقة وفعلا فإن مهرها هو الصبر والمثابرة، وقد نجح محفوظ شخصيا فى هذا المضمار بشهادة الشهود، فهو يتمتع بصلابة الموقف وحب الحياة وشجاعة الرأى، تحت كل الظروف وفى كل الأزمان، مهما كان، فهى من نصيبه ونصيب من على شاكلته –إن وجد- .
ومع ذلك لا يوجد تأكيد على أن المرأة اختارت قرينها من بينهم هو وصحبه تحديدا، ولا على أنها سوف تختار أحدهم دون الآخر، ومن هنا هم ينتظرون الرضا ولا يعرفون اليأس، وكأن الوصول الحقيقى هو فى الانتظار المُصِرّ، الذى يحافظ على قيمة الهدف وحيويته بصفة دائمة.
[ملحوظة: تمنيت فى هذه اللحظة أنى كنت كتبت هذا النقد قبل أن أصبح أحد الحرافيش، كما تمنيت ألا أكون قد ألزمت نفسى أن أبعد عن بعض ما عرفت من سيرة محفوظ الذاتية شخصيا مكتفيا بما ورد حرفيا فى الأصداء، ولولا هذا وذاك لقلت ما عرفت، مما كان يمكن أن يضيء أكثر، لكنه في نفس الاتجاه……].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net