نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 18-3-2021
السنة الرابعة عشر
العدد: 4947
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (12)
الفصل الأول: “الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت”
الأصداء
12- المرح
”نظرت إلى بعينين باهتتين ذابلتين، النظرة تشكو مر الشكوى وتريد أن تبوح ولكن اللسان عاجز. كنت أعودها والحجرة خالية. الجلد متهرئ، والعظام بارزة، والأركان يفوح منها رائحة الموت، ياصاحبة المداعبات التى لا تنسى: طفولتى عامرة بمداعباتك اللطيفة، لم يكن يعيبك إلا الإغراق فى المرح أى نعم، إلا الإغراق فى المرح”
أصداء الأصداء
شيخوخة أخرى حبس فيها اللسان دون المشاعر والتوق للبوح، هذه الحبسة هى نتيجة جلطة بالمخ فى الأغلب; لأن النظرات مازالت تستطيع أن تشكو “مر الشكوى” وتريد أن تبوح، لكن اللسان عاجز، شيخوخة مهترئة، لم تنجح معها حيوية النظرة، وإلحاح البوح أن تحول دون أن تغمر الأركان رائحة الموت، هذه الصورة “هكذا” استدعت الماضى: ليظهر التناقض بين نظرة عجوز يحيط بها “رائحة الموت”، وما كانته وهى صاحبة المداعبات التى لاتنسى، وكان المفروض أن نمصمص الشفاه، وخلاص، فإذا حدث هذا: فما الداعى؟ وأين الابداع؟ وأين الأصداء؟ فتقفز تفصيلة صغيرة تجعل الصورة ذات عمق هام، وهى أن هذه المداعبات ليست كل الحكاية، لكن كان ثمة إغراق فى المرح، وماذا فى ذلك؟ هذا الذى كان يعيبها، لماذا كان يعيبها؟ ولماذا التأكيد على أن هذا هو الذى كان يعيبها؟
هنا ثلاثة مستويات:
الإغراق فى المرح، والمداعبات اللطيفة،
ثم نقلة واسعة إلى عينين ذابلتين تشكوان مر الشكوى،
ولسان عاجز.
لم أجد تفسيرا لهذا العمق الذى رضيت عنه دون وعى بسبب هذا الرضا، ولم يكفنى أنه كسر الاستقطاب المسطح بين انطلاقة الصبا وعجز الشيخوخة، ثم افترضت أنه ربما كان الكاتب – أو الزائر – يريد ان يعلن أن هذا الإنكسار العاجز فى النهاية، كان كامنا من قديم، وأن “الإفراط” فى المرح كان غطاء تآكل بمرور الزمن، وحين أطل العجز برأسه راح يعلن أن ما كان من إفراط، كان إفراطا لا أكثر، وأن هذا المآل هو أمر طبيعى لمثل ذلك الإفراط الذى يتضمن احتمال الافتعال، وهكذا تتجاوز الرسالة تعرية الاستقطاب السطحى بين المرح فى أول العمر، والانكسار فى نهايته.
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net