الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد: يا حضرات المستشارين: أنقذوا “الرجل” من شعوره بالنقص!!

تعتعة الوفد: يا حضرات المستشارين: أنقذوا “الرجل” من شعوره بالنقص!!

نشرة “الإنسان والتطور”

28-3-2010

السنة الثالثة

العدد: 940

 

تعتعة الوفد

يا حضرات المستشارين: أنقذوا “الرجل” من شعوره بالنقص!!

التاريخ – الحيوى فالإنسانى- ينبهنا أن هناك خطأ جوهرى فيما يجرى عبر العالم حاليا من تهوين من شأن المرأة، التاريخ الحيوى يقول إن الأنثى هى الأصل، هى صانعة الحياة، والذكر كائن مضاف إليها، هل يكون هذا هو سبب ما يصاب به الرجل من ذعر حين تقترب المرأة من عرينه، مع أنه لم يعد أسدا؟

منذ أكثر من ثلث قرن، نشرتُ بحثا مطولا بعنوان “تحرير المرأة .. وتطور الإنسان”   “‏المجلد‏ ‏الثانى ‏عشر‏ ‏سبتمبر‏ 1975:‏ المجلة الاجتماعية القومية”، تناولتُ فيه تاريخ تطور الأنثى والذكر حتى صار إلى ما هو “رجل” و”امرأة”، قلت فيه :

‏ “… كان‏ ‏النمو‏ ‏هو‏ ‏الدافع‏ ‏الطبيعى ‏للتناسل‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏الأمر‏، …‏.‏ ثم‏ ‏يظهر‏ ‏أول‏ ‏أنواع‏ ‏التناسل‏ “‏بالاتحاد‏ ‏المؤقت” ‏بين‏ ‏اثنين‏ ‏من‏ ‏البروتوزوا‏ ‏الضعيفة‏ ‏التى.. ‏كررت‏ ‏الانقسام‏ ‏حتى ‏أنهكت‏، ‏فتتحد‏ ‏اثنتان‏ ‏من‏ ‏البروتوزوا‏ ‏ ‏وتصب‏ ‏كل‏ ‏منهما‏ ‏من‏ ‏نواتها‏ ‏تيارا‏ ‏من‏ ‏البروتوبلازم ‏‏إلى ‏جسم‏ ‏الأخرى ‏ثم‏ ‏تنفصلان‏، ‏وقد‏ ‏قويتا‏ ‏بهذا‏ ‏التزاوج‏ “المجدد‏ ‏للشباب” …..إلخ”

“…..ثم ننتقل‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏إلى ‏التناسل‏ ‏بالاندماج‏‏ ‏حيث‏ ‏لا‏ ‏ينشأ‏ ‏فى ‏”البندورينا” (‏مستعمرة‏ ‏برتوزوية‏) ‏كائن‏ ‏جديد‏ ‏إلا‏ ‏باتحاد‏ ‏جرثومتين‏ ‏متناهيتين‏ ‏فى ‏الصغر‏، على ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الخطوة‏ ‏لا‏ ‏تضطرد‏ ‏على ‏سلم‏ ‏التطور‏ ‏بالضرورة‏، ‏فنجد‏ ‏أن‏ ‏كائنات‏ ‏أرقى (‏الفطريات‏) ‏تتناسل‏ ‏جيلا‏ ‏بالانقسام‏، ‏وجيلا‏ ‏بالاتحاد‏ ‏بين‏ ‏جرثومتين‏ ‏فيتكون‏ ‏الجيل‏ ‏الثالث‏… ‏وهكذا‏ (‏وكأن‏ ‏الحاجة‏ ‏إلى ‏الذكر‏ ‏لم‏ ‏تتأكد‏ ‏بعد‏) . نفس‏ ‏الظاهرة‏ ‏نجدها‏ ‏فى ‏كائنات‏ ‏أرقي‏: ‏إذ‏ ‏نجد‏ ‏”بق”‏ ‏النبات‏ ‏المسمى “أفيس” ‏يمر‏ ‏بطور‏ ‏تخرج‏ ‏منه‏ ‏بويضة‏ ‏كبيرة‏ ‏وإناث‏ ‏فقط…‏، ‏وتستمر‏ ‏أجيال‏ ‏الإناث‏ ‏تتلاحق‏ ‏دون‏ ‏ذكور‏ ‏حتى ‏فصل‏ ‏الصيف‏ ‏حيث‏ ‏تخرج‏ ‏فجأة‏ ‏ذكور‏ ‏تلقح‏ ‏إناث‏ ‏جيلها‏ ‏التى ‏تضع‏ ‏البيضة‏ ‏الشتوية‏… ‏ إلى أن قلت:

“….. من‏ ‏ ‏ ‏ذلك‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نخلص‏ ‏… ‏إلى الاستنتاجات‏ ‏التالية‏:‏

‏1 – ‏إن‏ ‏تميز‏ ‏الكائنات‏ ‏إلى ‏جنسين‏ قد قام بوظيفة‏ ‏التهجين‏ ‏أساسا‏ ‏لتحسين‏ ‏النسل‏ ‏وبالتالى:ارتقاء‏ ‏النوع‏.

‏2 – ‏إن‏ ‏الذكر‏ ‏ليس‏ ‏لازما‏ – ‏دائما‏ – ‏للتناسل‏، ‏وأنه‏ ‏حتى ‏بعد‏ ‏ظهوره‏ ‏تطوريا‏ ‏أمكن‏ ‏الاستغناء‏ ‏عنه‏ ‏  لبضعة‏ ‏أجيال‏

3 – ‏إن‏ ‏الأنثى ‏كانت‏ ‏هى ‏أساس‏ ‏الحياة‏ ‏ومحورها،‏ ‏ وقد‏ ‏كانت‏ ‏الطبيعة‏ ‏سخية‏ ‏مع‏ ‏الإناث‏ ‏إلى ‏حد‏ ‏مفرط‏، ‏مستهينة‏ ‏بالذكور‏ ‏إلى ‏حد‏ ‏ملفـِت‏،

4- ”….كان الذكر يستمد ‏وجوده‏  ‏من استعماله “بعض الوقت”، وليس من ضرورته للحياة، ‏ذلك لأن ‏حاجة‏ ‏الأنثى ‏إليه‏، كانت كثيرا ما تكون موقوتة ‏بأداء‏ ‏مهمته‏ ‏التلقيحية‏ ‏أحيانا‏ (‏مثل‏ ‏النحل‏ ‏والعناكب‏)،

5- لعل ‏أدلّ‏ ‏دليل‏ ‏على ‏تفاهة‏ ‏دورالذكر‏ ‏هو ما يحدث فى حالة ‏السنجام‏ (‏وهو‏ ‏طفيلى ‏يعيش‏ ‏داخل‏ ‏الطيور‏) إذ‏ ‏نجد‏ ‏كائنا‏ ‏كبيرا‏ ‏يفرز‏ ‏بويضة‏ (‏أنثى‏) ‏ثم‏ ‏كائنا‏ ‏أصغر‏ ‏منه‏ ‏يعيش‏ ‏متصلا‏ ‏به‏ ‏على ‏الدوام‏ (‏ذكر‏) ‏وكأنه‏ ‏طفيلى ‏عليه‏، ….

تفوق المرأة الموازى لتقدم الأنثى:

يبدو أن ‏الرجل المعاصر قد وصلته – سرا فى قاع وعيه- هذه الأخبار التطورية الكامنة فى تكوينه البيولوجى، ‏و بدلا من أن تخفف هذه الأخبار من عماه، وتشحذ بصيرته،  وتدفعه للسعى للإسهام مع المرأة التى لها فضل بداية الزراعة، فالمجتمع الإنسانى، فالحفاظ على الحياة وتطوير إنسانيتهما معا، بدلا من ذلك راح- بتخلف تدهورى منقطع النظير- يتمادى فى غروره وقسوته وبطشه، فتصور أنه بذلك يمكن أن يعوض نقصه التاريخى باستعمال أسلحة السلطة التى اغتصبها لقهر المرأة وإجهاض تطور الجنس البشرى فى آن واحد. على أنه برغم القسوة والظلم والقهر فإن مسيرة تطور الإنسان تثبت كل يوم أن الرجل فشل فى  تغطية شعوره بالنقص هذا، أو تعويض نقصه الحقيقى، بما مارس من عدوان مهلك بلا جذور بقائية، عدوان على حقوق المرأة، ثم على المرأة، ثم عدوان على البشر كافة نساء ورجالا، أطفالا وشيوخا

يتجلى دور المرأة الإيجابى الإبداعى عبر التاريخ الإنسانى، بعد التاريخ الحيوى- في أغلب ما جاء فى  الأساطير الموثوق بها عبر العالم دون اتفاق، وسوف أعتمد فى الاستشهاد هنا على بعض ما وصلنى مما أورده المبدع باحث التراث أ.د.يوسف زيدان، (صاحب عزازيل) فى (ملحق) روايته الباكرة : “ظل الأفعى” (2006):

  • تـُجمع أغلب هذه المصادر على زعامة المرأة للقبيلة قبل الرجل، وعلى وتفوقها فى مراحل تطور الإنسان الأولى: أرتميس، افروديت، أنّانا، عشتار، إيزيس، ديانا..إلخ”
  • … يظل هذا الوضع حتى دخول البشر مرحلة الحضارة المدونة، حتى يتم التحول الظالم الذى طرأ على البشرية نتيجة غلبة السلاح وطغيان الظلم لبضعة آلاف عام الأخيرة، حين راح هذا التحول يهوّن من دور المرأة ويخلع عنها الزعامة والقيادة، ليعلى من شأن الرجل حتى التقديس الزائف بعد أن امتلك القوة المادية (الأسلحة) فتفوق بالعدوان والغدر.
  • يروى زيدان فى رسائل الأم : كيف تجسد ذلك فيما جاء فى لوحة مسمارية فى أسطورة اغتصاب شوكاليتودا “صاحب البستان للربة “إنانـّا” وهى نائمة منهكة وقد تعرت، وحين استيقظت (كما تحاول المرأة المعاصرة أن تفيق لتسترد دورها) وراحت تبحث عنه لتنتقم منه، احتمى بإخوته الذكور حسب وصية أبيه، (وهو مايحدث بتكاتف الرجل اليوم ضد المرأة خوفا من تفوقها عبر العالم : من أول الصين حتى مجلس الدولة فى مصر مرورا بأمريكا)
  • بلغت الإهانة والتهوين أن حاول الرجل، بعد أن سرق السلطة، أن يفرض على المرأة أن ينتقل دورها من “الوعى” إلى “الوعاء”، أى من تجسيد الوعى بالحياة وأسرار الوجود إلى أن تصبح وعاء لشهوة الرجل الجنسية المؤقتة، فانقلب ميزان الحياة، وتصور الرجل أنه قد أفلح فى تغطية شعوره بالنقص، أو تعويض نقصه الفعلى، وكأنه بذلك قد أخفى عن نفسه أن دوره فى إتمام دائرة الوجود هو دورثانوى لا يتم إلا فى لحظة إطفائه الشبق، وهو دور لا يدوم إلا للحظات حين يفرغ فيها قطرات بيضاء من خلاصة جسمه دون أن يدرى كنهها..إلخ

وبعد

أنتهى بحثى السالف الذكر إلى أنه لا يوجد فرق بين قدرات الرجل والمرأة فى جوهر التكوين، أو توجه التطور. الفرق هو فى نقطة البدء فحسب: فقد افترض “وينيكوت” أن المرأة تبدأ من “كينونة قادرة” to be ثم تكتمل بفعل إبداعى مشتمل نابع من كينونتها، أما الرجل فبدايته من حركة فاعلة to do تسمح له- إن سارت فى الاتجاه الصحيح- أن يحقق كينونته الوجودية الإبداعية، وحين يتحقق هذا للمرأة وذاك للرجل يحقق كل منهما ما هو “إنسان متكامل”، يتكافلان لتستمر حركة التطور إلى وجه الحق تعالى.

خاتمة

أختم  بأن أخاطب مستشارى التاريخ التطورى، وليس فقط مستشارى مجلس الدولة مرافعا:

يا حضرات المستشارين، عبر العالم : أدعو الله  أن يهديكم إلى  أن تستلهموا التاريخ فتنقذوا الرجل من غروره وغبائه وعماه، بأن تتيحوا الفرصة للمرأة أن تسترد مكانتها، ليس على حساب الرجل الذى قد يفيق ليلحق بها فيتخلص من شعوره بالنقص، والتفاهة، والطفيلية إذ يحرر نفسه لصالح إنسانيته، وليس على حسابها، إكمالا لمسيرة التاريخ فى الطريق الصحيح الذى خلق له، وتهيأ للكدح فيه، فاعلا كائنا، هو وشريكته الكائنة الفاعلة، معا، إلى وجه الحق تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *