“نشرة” الإنسان والتطور
11-10-2009
السنة الثالثة
العدد: 772
تعتعة الوفد
ماذا يحدث فى المصريين؟:”هنا والآن”؟!!
“ماذا حدث؟ “ماذا حدث للمصريين؟
“ماذا حدث للمصريين فى نصف قرن؟ (أو أكثر أو أقل)،
ما الحكاية؟
العنوان شديد الجاذبية، ليس فقط للقارئ العادى وإنما يبدو أنه كذلك للناشرين المحترفين. صناعة النشر تجارة مهمة، لها وعليها كل مناقب ومثالب ما يسمى: “سياسة السوق المفتوح”، لكن يبدو أنه مفتوح لغيرى ممن يحذق لغته وآلياته.
أقر وأعترف أنه لا يعيب أى دار نشر (خاصة أو عامة) أن يكون هدفها المكسب، كما أنه لا مفر من أن أقر أيضا – مع بعض الحسد وربما الحقد – أنه يحق لأى كاتب صدرت الطبعة العشرين أو الخمسين من كتابه خلال شهور، أن يفرح بنجاحه لجذب كل هؤلاء القراء إلى عمله، وبالتالى يصبح أهلا لأن تقبل عليه دور النشر لمزيد من النشر، وأنا لست من هؤلاء، لذلك غمرتنى الدهشة حين اتصل بى المسئول الفاضل عن النشر فى إحدى أهم دور الشر، وطلب منى أن اكتب كتابا لهذه الدار الكريمة، وحين استفسرت عن موضوع الكتاب أجابنى بهذا العنوان المشهور: “ماذا حدث للمصريين؟”، وحين أشرت إلى مدى ترامى أبعاد الموضوع ومسئوليته، طمأننى بقبول كل ما أكتب، فاستوضحته عن الموعد، فقال: “خذ راحتك”، ويا ليته ما قالها، أى والله، لاننى حين آخذ راحتى لا أنتهى أبدا، سنوات مضت، وأنا ما زلت آخذا راحتى، قراءة ومراجعة وتحضيرا، بلا إنجاز خالص.
فى نفس التوقيت تقريبا، شرفنى أ.د. أحمد نوار، وأ.د. أحمد مجاهد، بشرف أن أتولى موقعا متميزا (رئيسا) فى مؤتمر أدباء مصر فى سوهاج (نوفمبر 2006) وكان الموضوع المحورى للمؤتمر بنفس العنوان، “ماذا حدث للمصريين؟”، فكانت بداية كلمتى ردا على هذا السؤال أنه: إيش عرّفنى ماذا حدث للمصريين، واستقبل الحاضرون الكلمة بدهشة مبدئية، ثم شرحت ما أعنى، وكيف أن الإجابة شديدة الصعوبة بهذا التعميم.
ظللت مدينا لدعوة النشر الكريمة من دار النشر هذه، خاصة بعد أن بلغنى أنهم قد وافقوا على نشر عمل آخر لى أعتز به جدا، فزاد شعورى بالخجل والعرفان، وصممت أن أسدد دينى وأنجز لهم ما طلبوه سالفا.
حين هممت بالبدء فى المهمة، توقفت طويلا أمام المنهج، وحين راجعت حاسوبى وجدت أننى لم أكتب – حتى فى الطب النفسى – إلا عن “ماذا حدث للمصريين”، لكن النظرة الثانية بينت لى أننى إنما أكتب عن “ما يحدث”، لا عن “ما حدث”، قلت : “هذا هو ما يمكن أن يميز إضافتى.
عدت أجمع ما وصلنى عن هذا الموضوع فوجدت أن الباحث الناقد المبدع أ.د. جلال أمين هو أول من ابتدع هذا العنوان الجذاب، فحمّلته المسئولية عما آلت إليه الحال تحت هذا العنوان، قلت :هى سنة استنها، له أجرها، وعليه وزرها إلى يوم الدين!! بدأت بمراجعة المزيد مما كتبه فى ذلك تحت عناوين أخرى: مثل “وصف مصر فى نهاية القرن العشرين؟”، وأيضا “عصر الجماهير الغفيرة” وحتى “ماذا علمتنى الحياة”، وكلها بلا استثناء فيها من الصدق والشجاعة والإبداع ما يجعلك تشعر أنك عرفت جيدا ماذا حدث للدكتور جلال أمين بصفاته الشخصية والإنسانية والمصرية، وإلى درجة ما، حالة كونه فى مواجهة لبعض مشاكل وشخوص بعض المصريين، لكننى بقدر ما تعرفت عليه بكل هذه الميزات، رفضت أن أقبل أن يكون ممثلا شخصيا للمصريين كلهم، ولا حتى أغلبهم، معظم هذه الكتابات هى سير ذاتية أمينة، وآراء مهمة لصاحبها، يصدق عليها قوله فى كتابه الأخير فى الجزء المعنون: “ماذا حدث للمصريين؟” أنه اكتشف “..ان أفضل مقال يكتبه هو الذي يجمع بين الخاص والعام، بين تجربة شخصية ومشكلة عامة ذات مغزى تتعلق بأحوال المصريين..”، هذا هو فى كل ذلك.
رحت بعد ذلك أجمع ماتيسر بعيدا عنه، بما فى ذلك كتابات الشباب الجريئة والعارية والمعرية، مثل قاموس: “روش طحن” لـياسر حماية، ثم كتاب عمر طاهر (شكلها باظت)، بالإضافة إلى كتابات بعضها أكاديمى ممنهج، مثلا:. د. عزة عزت (التحولات فى الشخصية المصرية) – د. عبد الباسط عبد المعطى (التدين والإبداع فى مصر)، فضلا عن ما ظهر فى الفترة التى أخذت فيها راحتى مثل كتاب أ.د. أحمد عكاشة: “تشريح الشخصية المصرية” (لنفس دار النشر)، بصراحة، توقفت طويلا طويلا، وقلت مستحيل أن يكون ذلك كذلك، ولا مجال لنقد مناهج هذه الكتابات فى هذه العجالة.
انتهيت باختصار إلى أن غاية ما يمكن أن يصل إليه مجتهد فى هذا المجال هو أن يكتب “رأيه” فى: “بعض وصف بعض مصر”، فقلت فليكن هذا هو عنوان كتابى أنا، فجأة استوقفنى تعبير “وصف مصر”، كيف أكتب تحت هذا العنوان وأنا لم أقرا بعناية كافية كتاب جمال حمدان، وربما الأخطر أننى لم أقرأ باستيعاب مفيد ما كتبه المستعمرون الفرنسيون!!! تحت نفس العنوان؟ (تقريبا)؟
ثم إنه قد أتيحت لى فرصة مناقشة إعلامية لبعض إنجازات “مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار”، كما تفضل رئيسه الإبن العالم الأمين أ.د. ماجد عثمان فزودنى مؤخرا ببعض جهد المركز من دراسات وإحصاءات بعضها مقارنة مع العالم، وبها، معلومات وأرقام كبيرة هامة عن قيم المصريين وأشياء أخرى، فخِفت أكثر، وتراجعت حتى عن عنوان التبعيض “بعض وصف..بعض مصر” إلى عنوان المقال الحالى “ماذا يحدث للمصرين”؟ هنا والآن؟”.
رحت أكتب مقدمة عن المنهج وعناوين الفصول من واقع حاسوبى وموقعى، فوجئت أننى أحتاج عشرة آلاف صفحة، قلت: لا، يبدو أننى سأعود لتوصية المسئول عن النشر و”آخذ راحتى من جديد”.
أو ربما، لو كان فى العمر بقية، قد أعود إليكم،
ولكن: واحدة واحدة.
ربما.