“نشرة” الإنسان والتطور
24-10-2011
السنة الخامسة
العدد: 1515
تعتعة الوفد
كيف تكوَّن وعى هؤلاء الشباب؟ أوراق قديمة
أعود من جديد إلى أوراقى فيحضرنى نفس السؤال: كيف تكوّن وعى هؤلاء الشباب، وهل وصلهم، ولو بطريق غير مباشر، بعض ذلك؟ وهل ساهم هذا فى تشكيل وعيهم المسئول عن إنطلاق ثورتهم بعد سنوات من نشر مثل ذلك؟ وكيف نسمح أن ينقض عليهم القناصة بعد ذلك؟ مثلا: هاتان القصتان عثرت عليهما فتصورت أن فى إعادة نشرهما معا ما يرد على هذه الاسئلة ولو جزئيا، وقد نشرتا فى الدستور الأصلى منذ حوالى خمس سنوات بتاريخ : 12 – 7 – 2006، & 28 –11-2006، (برجاء ملاحظة نهاية القصة الثانية).
القصة الأولى: “تعبير”:
(1)
“هذا طريق مسدود”. هذا ما قاله أبوها وهو يراقبها من خلفها وهى تحاول أن تجعل الفأر فى أقصى المربعات يصل إلى قطعة الجبن فى المنتصف. احتجت غاضبة: لماذا قلتَ لى؟ كنت سأعرف وحدى، قال لها: ولكنكِ علّمتِ بالقلم فعلا فى الطريق المسدود، ولا سبيل للرجوع، قالت له: من الذى قال لك إنه لا سبيل للرجوع؟ قال: لا أحد، ولكننى خفت عليك أن تفشلى. قالت: وحضرتك مالك؟
أحس بتنميل فى يده، فعرف أنه كان يستعد لصفعها على قفاها، فنهر كفه ومضى.
(2)
وقفت هى هذه المرة خلفه وهو يفرد الصحيفة أمامه وسألته عما يقرأ، فأجاب بجدية ظاهرة: “اقرأ الإعلانات كما ترين”، فتمادت تسأل: ألا قل لى يا والدى، لماذا خلق الله لنا العقل؟ قال لنقرأ به الإعلانات؟ قالت: ماذا؟ فأكمل وهو يخفى سخريته أكثر: بصراحة يا حبيبتى أنا أقرأ الإعلانات باعتبارها ألغازا تحتاج إلى حل، فلا عندنا ما نشترى به، ولا أنا أفهمها، قالت: ربما لأن حضرتك لا تستعمل عقلك كما يجب. قال غاضبا: ما هذا؟ أنت قليلة الأدب. قالت له: “لماذا يا والدى؟ لقد نبهونا فى المدرسة أن من يستعمل عقله بغير الطريقة التى قالوا عنها سوف يعاقب، وأن ذلك عيب يستأهل الاعتذار؟ قال: ماذا !!! ؟: قالت: ألا قل لى يا أبى هل معقول أن يخلق الله لنا العقل كما هو هكذا مع أنه حرام؟ قال: حرام ماذا؟ ماذا تقولين؟ ألا يكفى أن تحلي به ألغاز ميكى، وأفك أنا به ألغاز البورصة والإعلانات؟ قالت “بورصة” يعنى ماذا؟ قال: والله لا أعلم، ثم أردف: المهم: ماذا قالوا لك أيضا؟ وفيم تستعملين عقلك إذن؟ قالت: أعبر به عما قالوه كما قالوه، قال لنفسه: ربما لذلك غيروا الاسم من مادة “الإنشاء”، إلى مادة التعبير!! ليختصوا هم بالإنشاء، ونختص نحن بالتعبير عما أنشأوه. ثم علا صوت تفكيره الصامت وهو يسأل نفسه: لكن مالفرق بين التقرير والتعبير والتفكير؟ سمعته البنت رغما عنه فسألته: ماذا تقول يا أبى؟ قال: لا شىء.
(3)
سمعتْ الزغاريد والدفوف خارج باب الشقة وهى “طالعة السلالم يا ما شالله عليها، فتراقَصَ داخلها سرا بعد أن اطمأن أن إطار جسدها انغلق عليها بدرجة كافية، متبعا تعليمات صدرت إليه بمجرد أن بدأت النتوء فى صدرها تتحسس طريقها إلى ما خلقها الله، وبتكرار اتباع تلك التعليمات حذق جدار الجسد لعبة التصلب، قالت لأمها: قولى لى يا أمى: هل استعمال الجسد حرام مثل استعمال العقل؟ قالت الأم: ومن قال لكِ إن استعمال العقل حرام؟ قالت: الناس الذين يفكرون نيابة عنا؟ ولكن يا أمى هل ترقص الراقصات فى الأفراح نيابة عنا أيضا؟ قالت الأم: لست فاهمة شيئا. ماذا بك يا بنت؟ تمادت البنت وجسدها يتقافز داخل نفسه يتابع الأنغام والدفوف على السلالم (ياما شالله عليها) ، قالت: أقصد يعنى: لماذ خلق الله لنا الجسد؟. قالت الأم: لتسكن فيه الروح، قالت البنت: وهل الروح تحتاج إلى سكن؟ ثم إن الأستاذ قال لنا إنه ليس لنا دعوة بالروح، لأنها من أمر ربنا فقط، همست الأم لنفسها “صحيح”!! ثم أكملت لنفسها أيضا: إذن لماذا خلق الله لنا الجسد؟. ولم تحاول أن تتذكر أن هذا السؤال هو هو الذى يطرأ على ذهنها كلما جمعها السرير مع زوجها، عادت إلى البنت تسألها: مالذى جعلك تفكرين هكذا؟ قالت البنت: حين عرفت من الأستاذ ورؤسائه أن من يفكر بعقله لا بد أن يعتذر، وربما يذهب إلى النار، وجدت جسدى يفكر بسهولة أشجع. قالت الأم: هل جننت: جسدك يفكر؟!!؟ قالت البنت خائفة: أعنى يعبـّر، قالت الأم: ألعن، أنت تخرفين، يعبر يعنى ماذا؟ عن ماذا؟ قالت البنت: ربما يمكنه أن يكتب موضوع التعبير أحسن، قالت الأم فزعة أكثر: لقد جننت فعلا ، أو لعلك تمزحين، إغربى عن وجهى. تمتمت البنت وهى تمضى: أليس ربنا هو الذى خلقنا هكذا؟
(4)
الزفة ما زالت طالعة السلالم يا ما شالله عليها،
……….. الزفة قد اختفت فى الدور الأعلى، فلمحت البنت قطة جرباء تجرى على باسطة السلم وفى فمها فأر حى فقالت لنفسها بصوت مرتفع: إنها تكره القطط، ولا تحب الفئران.
****
القصة الثانية: “وبرغم الأسئلة التآمرية”
(1)
…نظرتْ إلى السمكة وهى ترقص رقصة الموت معلقة فى طرف السنارة، …….. راحت تتابع رقصتها وهى تتلوى فى يأسٍ صاخب. ……كانت ما زالت أبعد عن الفرحة بصيدها. هى أقرب إلى الاحتجاج، وأعجز عن الفعل: لماذا يقتلون الأطفال فى بيت حانون؟ لماذا تستعمل الولايات الزفت حق الفيتو ضد مجرد لوم إسرائيل؟ لماذا يجمع ديك تشينى مزيدا من المال بمزيد من التجويع والدماء، وقلبه لا يحتمل نصف كعكة من التى تصنعها أمه….؟ لماذا لا يتعلم رؤساؤنا من مهاتير محمد مع أنه أنجز ما لم ينجزوه، ولن ينجزوه؟ ولماذا يورطون أبناءهم فيما لم يختاروه منذ البداية، وغالبا هم لا يعرفون عنه شيئا؟ …..
(2)
أحسّت بلمسة على كتفها فالتفت فإذا بالصغيرة تتمسح بها هامسة بأمرٍ ما، قالت لها “حالا يا حبيبتى، حين نرجع البيت سوف أشوى لك هذه السمكة الجميلة، تأكلين أصابعك وراءها”، نظرت البنت إلى فراغ السنارة وتعجبت، فأسرعت البنت بالتصحيح بأنها قالت لها “أنا خائفة”، وليس “أنا جائعة”، انزعجت الصيادة الأم ولم تقل للبنت: وأنا أيضا خائفة يا حبيبتى، مثلك وأكثر. استمرت البنت لتعلن أنها تريد العودة للبيت لتلعب مع عرائسها، فهى تطمئن معها أكثر من اطمئنانها الآن.
(3)
قالت لنفسها: إن البنت معها حق، أما هى، فهى تريد أن تركن إلى صدره العريض يحتويها بقوة حنون، تريد أن تضع رأسها على كتفه، ليس تماما، تريد أن يغوص رأسها الصغير فى ذلك المنخفض الخفيف أسفل كتفه الأيسر، تريد أن يلمس خدها شعيرات صدره الكثيفة الرمادية التى تسارع بالشيب الجميل قبل شعر رأسه. فجأة، عادت تقفز إليها الأسئلة الخبيثة ذات الإجابات التآمرية”:
لماذا سرقوا منها الحلم؟ لماذا تخاف أن تتكلم فى الهاتف عن العدل؟ لماذا خان جورباتشوف العهد؟ ما الذى أخذه يلتسن معه؟ أيهما أقوى:عائلة روتشيلد أم عائلة روكفلر؟ من الذى فجر مركز التجارة العالمى؟ وكيف حصل بوتين على الحزام الأسود؟ اليمينيون يفدون إلى القاهرة كل صيف يعالجون من أمراض السياسة، والكذب، والقبليّة، والتخلف، والرئاسة، فأين يذهب المصريون للعلاج؟ ولماذا تحتج على صديقتها اللعوب وهى تحكى لها عن ذلك الخليجى البدين الذى تستجيب لدعوته ليلة بعد ليلة، وهى مطممئة لأنه عنين؟ مع أنها ليست منهن؟ ولماذا تحرص على صداقتها ما دامت تواصل الاعتراض على تصرفاتها هكذا؟ والألعن أنها تحرص على سماع تفاصيل الحكايات كلما التقتا؟
(4)
……………
……………
(5)
نظرتْ إلى سنارتها وفوجئت أنها خالية من السمكة التى كانت ترقص رقصة الموت منذ قليل. هل نجحت السمكة أن تتخلص من السنارة المحكمة وتقفز إلى الماء أثناء غفوتها؟ هل لم يكن هناك سمكة أصلا مثلما ألمحت البنت الصغيرة؟ هل هى على الشاطئ حقا أم هى فى حجرة نومها؟
متى يأتى من يعترف بجمالها الخاص جدا، ويراها، ويكون أهلا لصحبتها بقية عمرها؟
يأتى فتراه هى أيضا “كما هو”، فيصنعان معا، مع كل الناس، عبر الإنترنت وغيره، غدا ليس كمثله شىء، بل حاضرا “الآن”، حاضرا ماثلا يعجز أى وصف أن يحيط به.
****
(انتهت القصتان، بعد حذف فقرة واحدة من الثانية)
وبعد
ألا يجدر بنا أن نحافظ على هذا الحاضر الذى يتشكل بعد طول إعداد؟
نحافظ عليه من كل خوّان أثيم؟