الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد: كم نحتاجك يا شيخنا الآن أكثر من أى وقت مضى!!

تعتعة الوفد: كم نحتاجك يا شيخنا الآن أكثر من أى وقت مضى!!

“نشرة” الإنسان والتطور

13-12-2009

السنة الثالثة

 العدد: 835

تعتعة الوفد

من دفتر لقاءاتنا:

 كم نحتاجك يا شيخنا الآن أكثر من أى وقت مضى!!

…. لم أكن أعرفه بهذا القرب، وحين أتيحت لى الفرصة انبهرت، وتعلمت، وتتلمذت، واستلهمت، رحت أسجل بعد كل لقاء (كان يوميا) بعض ما دار، من الذاكرة ولمدة ثمانية أشهر فقط، أتساءل الآن وأنا أقلب فى هذه الأوراق: لماذا لم أواصل تسجيل خواطرى كل تلك السنوات؟ يا للخسارة، ورضيت بهذه العينة التى أنشر منها بعض هذ النصوص من ثلاثة ايام متتالية (4& 5& 6 يناير: 1995) وذلك  بمناسبة ذكرى عيد ميلاده 11 ديسمبر 1911

الأربعاء 4/1/1995

….، دخلت إليه فى حجرته مثل كل صباح، أين لقاءه البشوش؟ ربنا يستر: الأستاذ‏ ‏منزعج‏ ‏انزعاجا‏ ‏حقيقيا‏، ‏ثمَّ أمرٌ يشغله، يكدّره، ‏أخبرتنى ‏السيدة‏ الفاضلة، ‏زوجته الكريمة، ‏أنه‏ ‏سيذهب‏ ‏ابتداء‏ ‏من‏ ‏غد‏ ‏إلى‏ ‏المستشفى (مستشفى الشرطة)‏، ‏لأنه‏ ‏توجد‏ ‏آلات‏ ‏هناك‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏يستعملها‏، حسب اقتراح المعالج الطبيعى مؤخرا، وكنت قد سبق أن ناقشت المعالج الطبيعى فى ذلك، واتفقنا على إمكان الاستمرار على البرنامج الحالى فى المنزل دون أى فارق علمى أو عملى‏، لاحظت هذا الصباح كيف ‏أن‏ ‏الأستاذ‏ ‏بدا لى‏ ‏كأنه يخشى‏ ‏ ‏أن‏ ‏يـُفرض‏ ‏هذا‏ ‏الاجراء‏ ‏عليه‏، بلا ضرورة، ‏تذكرت‏ ‏تمسكه‏ بالبقاء فى المستشفى مدة أطول حين قررنا أن بيته أصبح هو الأفضل للتأهيل ومواصلة العلاج، ثم ها هو  الآن يكاد يرفض التردد على المستشفى ما لم تكن ضرورة قصوى، عرفت من هذا وذاك مدى ألفته للأماكن، طمأنته‏ ‏وشرحت للسيدة‏ ‏ ‏الكريمة حرمه كيف أننى سوف أعمل على توفير كل الأدوات والأجهزة المطلوبة – إن كانت ضرورية- فى المنزل، وذلك بعد  مناقشتى مع الأستاذ الاستشارى المختص، وطمأنتها أننى  على يقين من  أن الدولة والمستشفى على استعداد لتوفير ذلك إذا لزم الامر، حتى ولو اضطرروا  لشرائها خصيصا لتبقى لديه مدة التأهيل،  ‏ثم‏ ‏يتبرع‏ ‏بها‏ ‏لأى‏ ‏مركز‏ ‏تأهيل‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏، فوافقت السيدة الكريمة واطمأنت، وعدت   إليه أبلغه أن رأى الأستاذ الدكتور هو الذى ينفذ، وليس الأخصائى – غير الطبيب- المعالج، وأنه سبق لى أن ناقشت الاستشارى فى هذا الأمر، ‏وحين‏ ‏تأكد‏ الأستاذ من صلابة موقفى ‏وقدرتى على اتخاذ القرار‏، ‏إنفرجت‏ ‏أساريره،‏ ‏وقبَّلنى ‏وأنا‏ ‏منصرف‏ ‏هاتفا‏: “‏يا‏ ‏مفرّج‏ ‏الكروب‏”

وأحببته‏ ‏كثيرا‏ ‏جدا‏.‏

الخميس‏ 5/1/1995‏

….الأنفلونزا‏ ‏تُـلزمنى ‏الفراش، توفيق‏ ‏صالح‏ يبلغنى ‏ ‏بتكليف‏ ‏من‏ ‏الأستاذ‏ ‏بدعوتى للمشاركة ‏ ‏فى ‏جلسة‏ ‏الخميس‏ ‏”الحرافيش‏”، سبق أن تفضل الأستاذ بدعوتى مباشرة واعتذرت شاكرا، ‏ما‏ ‏زلت‏ ‏أفضل‏ ‏أن‏ ‏أحتفظ‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏ التى رسمها خيالى للقاء الحرافيش الأصلى الممتد بين أصدقاء عمر لعدة عقود، ‏اعتبرت‏ ‏نفسى ‏دخيلا‏، جسما غريبا‏ على ‏ناس‏ أحباب قدامى، ‏إيش أدخلنى أنا؟!، لم تكن هذه أول مرة يصر الأستاذ على دعوتى، خجلتُ من فرط الإلحاح، قبلت أخيرا‏ ‏بشرط‏ ‏التجربة‏‏، ‏وأن أحتفظ بحق الانسحاب، ‏ فابتسم وهو يربت على ظهرى، ويحذرنى بأن دخول الحمام ليس مثل الخروج منه، ووافق على شرطى،

 فأحببته أكثر.

الجمعة‏ 6/1/1995‏

….عندى ‏الليلة مهمة‏ ‏فى ‏لجنة‏ ‏مهمة، ‏محمد‏ ‏إبنى ‏حل‏ ‏محلى ‏فى ‏صحبة‏ ‏الأستاذ‏،، أرسلت مع إبنى اعتذارى دون وعد باللحاق، انتهت أعمال اللجنة مبكرا بما سمح لى أن ألحق نهاية اللقاء فى الفندق، فوجئ الأستاذ بحضورى، ووصلتنى فرحته، وترحيبه بى، أكثر من كل مرة، راح يطمئن على أننى أتممت الاجتماع ولم أقطعه لأحضر، ‏سألنى بأبوة (بل بأمومة) حانية عن ‏إنفلونزتي‏، هو لا ينسى!!

أخبرنى ‏الأستاذ‏ ‏كيف‏ ‏استمتع‏ ‏بحديث‏ ‏إبنى ‏عن‏ ‏رسالته للدكتوراه ‏عن‏ “‏الفائض‏ ‏اللغوي”‏،‏ وأنه هو الذى طلب منه أن يلخص له رسالته التى ناقشها حديثا (كنت قد اعتذرت قبل ذلك بأيام لحضور مناقشة هذه الرسالة، فلم ينس أيضا)، كان لا يترك موضوعا علميا إلا واستوضحه، وجدت أنه التقط فى دقائق ما عجزت عن ألم به عن رسالة إبنى فى شهور، قال‏: ‏يعنى ‏مثلا‏ ‏بدل‏ ‏ما‏ ‏نقول‏ ‏ما‏ ‏قلناه‏ ‏منذ‏ ‏قليل‏ ‏فى ‏عشرين‏ ‏جملة، ‏نقوله‏ ‏هو‏ ‏هو‏ ‏فى ‏خمسين‏، ‏فيكون‏ ‏الفائض‏ ‏هو‏ ‏ثلاثين‏، وقد يكون لهذا الفائض وظيفته الإيجابية على غير ما نعتقد”، لا يمكن أن يكون الفضل فيما وصله يرجع  لشرح محمد، وإنما الفضل لتلقيه اليقظ الحاد دائما. سمح لى هذا التعليق أن أتشجع وأبدى ملاحظتى على “وجهة نظر” التى ينشرها الأستاذ سلماوى على لسانه فى الأهرام كل خميس، وقلت له إن بها “فائض” قد يغير المعنى، واقترحت أن يشترط على سلماوى‏  ‏أن يقرأ الحديث عليه فى صورته النهائية قبل نشره، حتى لا يحمل ‏ ‏فكرة‏ ‏مبتورة‏، ‏أو فائضا يخل بالمعنى، واعترض الأستاذ بلطف، وقال إن حديثه ينقله سلماوى بدرجة كافية من الأمانة، وأنه ‏لا‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يعقـّد‏ ‏الأمور‏، ‏وسكتُّ‏ ‏على‏ ‏مضض، لكننى تعلمت نوعا آخر من الحب والسماح‏.‏

حوّلت‏ ‏الموضوع‏ ‏إلى دراستى النقدية‏ التى ‏بدأتها‏ ‏عن‏ ‏أصداء السيرة‏ ‏الذاتية‏‏، وأشرت إلى‏ ‏خطأ‏ ‏ترتيب بعض الفقرات كما نشرت فى الأهرام‏، ‏حيث‏ ‏لاحظت‏ ‏أن‏ ‏”عبد‏ ‏ربه‏ ‏التائه” ‏ ‏قد‏ ‏ظهر‏ ‏لأول‏ ‏مرة‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تحدث‏ ‏وأفتى وتحرك ونصح‏ ‏فى ‏حلقة‏ ‏سابقة‏‏، ‏فابتسم‏، وقال إن هذا الخطأ من الأهرام  فى ترتيب النشر قد جعل ‏ “بتوع‏ ‏الحداثة” ‏يرضون عنى، فقد اعتبروه خطأ مقصودا، وأننى انضممت إليهم حداثيا “حديثا”، ‏ثم خبط‏ ‏بقدمه‏ ‏الأرض‏ ‏ومال‏ ‏إلى‏ ‏الخلف‏ ‏ضاحكا‏ ‏ضحكته‏ ‏الرائعة‏، ‏ووعدنى أن يعطينى أصل الأصداء بخط يده، وترتيبها الصحيح، لأكمل دراستى النقدية بالترتيب السليم، وفعلا أعطانى الأصل

شيخى الجليل: كيف نرد كل هذا الفضل، لناسك الذين يحتاجونك اليوم أكثر من أى يوم.

أطال الله لنا عمرك حتى ينعدل الحال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *