الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد : قولٌ على نصّ “تدريبات نجيب محفوظ”

تعتعة الوفد : قولٌ على نصّ “تدريبات نجيب محفوظ”

نشرة “الإنسان والتطور”

20-11-2011

السنة الخامسة

 العدد:  1542

 

تعتعة الوفد

قولٌ على نصّ “تدريبات نجيب محفوظ”

بمناسبة عيد ميلاد شيخى نجيب محفوظ بعد  ثلاثة أسابيع تقريبا، وأيضا بمناسبة عام محفوظ، للوفاء ببعض ديننا له، ومع إعادة قراءة محفوظ بنقده مجددا، ونقد نقده، الأمر الذى تجلى فى دورية النقد المخصصة له وجهود اللجنة المنوطة بذلك، أتقدم مترددا  بعرض على الإبن والصديق الأستاذ سليمان جودة رئيس التحرير بأن أخصص كتاباتى للوفد لفترة ما – يحددها هو والقراء- بنشر بعض قراءاتى الخاصة لما تعهدت به من فحص فاستلهام  ما أسميته “كراسات التدريب” …التى خطها  شيخى بخط  يده وهو يمارس التدريب للعودة إلى الكتابة، والتى كنت أطالعها يوما بيوم لأرى تقدمه، وقد قمت بجمعها كراسة كراسة بعد انتهائه من كل كراسة، ثم سلمتها للأستاذ الدكتور جابر عصفور رئيس اللجنة بعد رحيله، ليودعها بين آثاره التى تقوم بجمعها لجنة تخليده ذكراه، ثم إنى أخذت نسخة مصورة بإذن المجلس واللجنة،  لأبدأ هذا العمل الذى يبدو أنه لن ينتهى فى حياتى، فقد أنجزت خلال عام تقريبا من قراءة، فإستلهام، ما أسميه: “قول على نص”44 صفحة من صفحات التدريب لا أكثر، وبلغت هذه القراءة بتداعياتها الطليقة حتى الآن 217 صفحة من الحجم الكبير (A4)، فمتى يا ترى يمكن أن تنتهى؟.

لكن دعونى أولا أحكى بإيجاز ماهية هذا التصور ببعض ما سجلته فى العدد الأول من دوريته:

فى ‏السنة‏ ‏الأولى ‏كنت‏ ‏أفرح‏ ‏فرحا‏ ‏لا‏ ‏يخفى ‏حين‏ ‏أنجح‏ ‏أن‏ ‏أقرأ‏ ‏حرفا‏ ‏واحدا من‏ ‏بين‏ ‏كل‏ ‏ما‏ “‏شخبط‏”، ‏بدأت‏ ‏الحروف‏ ‏تتميز‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏هلامى ‏أسفل‏ ‏يسار‏ ‏كل‏ ‏صفحة‏. ‏لم‏ ‏أسأله‏، ‏تبينت‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏توقيعه‏، ‏اسمه‏، ‏لكن‏ ‏ماذا‏ ‏تحت‏ ‏ما‏ ‏يشبه‏ ‏التوقيع‏؟ ‏أشكال‏ ‏أخرى ‏ليست‏ ‏حروفا‏، ‏وبعد‏ ‏شهور‏ ‏تبينت‏ ‏أنها‏ ‏أرقام، فهو التاريخ… “كنت أعيش مع شيخى نجيب محفوظ تلك الاحتفالات بولادة أى حرف جديد وسط “الشخبطة” العنيدة المتكررة، كنا نتهته على الورق، هو كتابة وأنا قراءة، ومع ذلك لم يكن الحمل عسيراً، ولم تتوقف فرحتنا بالولادات المتلاحقة الراقصة العابثة: الأولاد الحروف، والبنات الكلمات، كنت أحاورها وهى تلعب شفتيها غامضة على الورق، حتى خيل إلى أنها كانت أحيانا تخرج لى لسانها لتثبت لى أنها انتصرت على زعم العجز الدائم حسب تكهنات العلم التقليدى، الأمر الذى تحداه شيخى ونجح وانتصر له ولنا”

أثناء قراءتى الآن  لما كتبت من تداعيات طليقة على هذه النصوص فى موقعى، (خلال هذا العام 2011) تذكرت برنامج المرحوم حسن الكرمى فى إذاعة لندن، “قول على قول”، مع الفارق طبعا وهو أن المرحوم الكرمى كان يعتمد على موسوعيته وذاكرته، فى حين أن اعتمادى أنا هو على عمنا جوجل وخبرتى وعشرتى لشيخى، وياللفرق!!.

عن المنهج:

اكتشفت بعد فحص وقراءة أربعة وأربعين صفحة من صفحات التدريب حتى اليوم 11/11/11 أن منهج قراءتى لهذا الصفحات يتطور باستمرار، وهو لم يستقر إلى ما أطمئن إليه حتى هذه اللحظة، وقد ظل المنهج يتطور مع تغير العينات المتاحة، ومع اتساع السماح بطلاقة التداعيات، ويمكن إيجاز ما وصلت إليه حتى الآن كما يلى:

أولا: بدأت  القراءة بالتعليق الموجز على سطر فسطر، أو فقرة ففقرة، وبشكل مرقم أحيانا

ثانيا: رحت آخذ ما كتبه بعد ذلك كمجرد مفتاح لما أتصور أنه خطر له، ولم يكمله، فكنت استوحيه باجتهاد شخصى، وأنا أربط ذكرياتى معه، بمعرفتى به، باستشارة عمنا جوجل، وكنت أنجح حينا وأفشل حينا.

ثالثا: أخذت أتبين أن ما يظهر مسطورا على الصفحات ليس إلا قمة جبل الوعى فعلا، فأفترض أن ما حضر فى وعى شيخى أثناء التدريب هو  أعلى “كلية هذا الوعى”، وأريد أن أؤكد على التعبير “كلية الوعى” لأننى أريد أن أنفى أنه تذكّر محض، أو أنه معان مقصودة بذاتها، فهو نتاج تحريك تلقائى استجابة لحضور خبرات أكثر منه استعادة ذكرى.

رابعا: رحت أؤكد  لنفسى، وللقارئ أحيانا أن ما يخطر لى من تداعيات يمكن ألا تكون له علاقة بشكل مباشر بما كان يخطر ببال شيخى أثناء التدريب، ومن هنا استعرت من المرحوم الكرمى بعض عنوان برنامجه.

خامسا: حين بدأ التكرار فى نصوص لاحقة يفرض نفسه بعد الصفحة 30 تقريبا صرت  أكتفى بالإشارة إلى صفحة تدريب سابقة إلا إذا حضرنى جديد، ولا يزال المنهج يتطور حتى الآن.

بعد كل هذا أخلص إلى الاقتراح الذى أعرضه على رئيس التحرير هكذا:

أن أبدا اليوم بنشر مقتطفات من الصفحة الأولى والثانية، وإن كانت لا تمثل إطلاقا ما وصلت إليه بعد نضج المنهج حتى صفحة 44، آمِلاً فى اختبار ترحيب القراء، وفى نفس الوقت رشوة لرئيس التحرير، خاصة وهو يعلم العلاقة التاريخية لنجيب محفوظ بالوفد بالذات، أو دعنى أحدد بسعد زغلول والنحاس باشا (أين هم الآن، الحمد لله أنهم جميعا اجتمعوا هناك حتى لا يتألمون أكثر مما تألموا، لكنهم يتألمون!!)

وهذه هى العينة الأولى: يارب تقنعك أيها الصديق، يا عم سليمان يا جودة.

ص 1 من الكراسة الأولى

20-11-2011-1بسم الله الرحمن الرحيم

ــــــــ

نحيب محفوظ

أم كلثوم

فاطمة

ــــــ

الله مع الصابرين

سبحان الملك الوهاب

يهب الرزق لمن يشاء

من قد ايه كنا هنا

سلمى يا سلامة

خفيف الروح بيتعاجب

نجيب محفوظ

25-1-1995

 

 

القراءة

نلاحظ من البداية كيف  أنه بدأ بالبسملة، وهذا ما كان يحدث تقريبا طوال فترة التدريب، …، كما أنه بدأ باستجلاب الصبر بعون الله “إن الله مع الصابرين” وهل كان أمامنا إلا مثل هذا الصبر الجميل. ونحن نعايش آثار العدوان بهذه الآثار وهذا الحجم

وبعد تسبيحه للملك الوهاب يدعو الله ضمنا ويسلم بعدله، وهو يذكرنا ونفسه أنه يهب الرزق لمن يشاء، ثم تحضره مباشرة خفة ظله، وحبه للطرب “من قد إيه كنا هنا!!”، يا ترى هل كان يشير إلى عودته للمنزل من المستشفى بعد الحادث والجراحة قبل أسابيع ؟ الأغلب أن “نعم”، لأنه يلحق ذلك مباشرة بأنه : “سلمى يا سلامة”.  ليختم قبل التوقيع بأغنية تعلن رضاه وحالته الجميلة: “خفيف الروح بيتعاجب”

ص 2 من الكراسة الأولى

20-11-2011-2

نجيب محفوظ

أم كلثوم نجيب محفوظ

فاطمة نجيب محفوظ

اللهم احفظهم وباركهم

ليت الشباب يعود يوما

ودار ندامى غادروها

الصبر جميل

إن الله مع الصابرين

نجيب محفوظ

26/1/1995

 

القراءة:

هكذا يتكرر هذا التسلسل فى معظم تدريباته، يبدأ باسمه، ثم اسمىْ كريميته فى أغلب ما كتب،  ثم ها هو يدعو لهم بكل أبوة حانية أن يحفظهما الله، بل يحفظهم، ثم ها هو يحن إلى الشباب لكنه لا يتحسر عليه  “ليت الشباب يعود يوما”. لم يصلنى أبدا (تقريبا) أنه عاش البكاء على ما فات من أيام بالمعنى الشائع، فقد كان يحب الحياة، كما يحب الناس، كما يحب الموت، (سيأتى ذلك تفصيلا لاحقا فى صفحة 42، كذلك و”دار ندامى” صفحة10) ، ما وصلنى هنا – ونحن ما زلنا فى الصفحة الثانية- من تلاحق الأسطر الثلاثة: “ودار ندامى غادروها” ثم “الصبر جميل”. وصلنى متسقا مع موقف هذا العظيم الواعى جدا، بربط الموقف الذى نحن فيه آنذاك، بأن له نهاية، كما أن لهذه الدار نفسها نهاية، وأن من يتعلق بها هو الذى يندم عليها وهو يغادرها حتما، فلا أفضل من الصبر، والصبر هنا له صفة عشتها مع شيخى بكل فرحة هى صفة الجمال فعلاً (وقد ناقشتها لاحقا أيضا) . للصبر مرارة، وللصبر جمال،  وأنا لم أشاهد مرارة الصبر معه أبدا، حتى فى أزمات مرضه قبل الأخير، والذى يجعل الصبر جميلا، هو ما أنهى به يوميته هذه

“إن الله مع الصابرين”

وبعد

هل أواصل يا سليمان يا إبنى؟ وهل يمكنك، بأية تكنولوجيا فائقة أن تنزل صورة ما خطه بيده، علما بأنى التزمت بأقل من عدد الكلمات كل أسبوع ؟

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *