الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد اللغة العربية، والقومية العربية، والوعى القومى (1 من ؟؟)

تعتعة الوفد اللغة العربية، والقومية العربية، والوعى القومى (1 من ؟؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

3-1-2010

السنة الثالثة

العدد: 856

تعتعة الوفد

اللغة العربية، والقومية العربية، والوعى القومى (1 من ؟؟)

حين أنظر إلى ما آل إليه حال العرب، لا أكاد أصدق أن هؤلاء الناس هم أهل هذا اللسان “اللغة العربية”، لكننى أعود فأنتبه أنه لا بد أن أجدادنا العرب هم الذين أفرزوا هذه اللغة. اللغة كيان لا يستورد، وإنما يتخلق من وعى ناس هم قادرون على إبداعه، فهم أهله، وأهل له، ولغتنا العربية علامة حضارية فائقة القدرة، فلابد أن من أفرزها هم ناس متحضرون، إذن ماذا حدث بالله عليكم؟

“اللغة العربية” هى لغة قادرة مرنة خلاقة عبقرية، فهى بكل زخمها ومرونتها وقدراتها وإبداعها وتشكيلاتها وجمالها لا يمكن أن تخرج إلا من حضارة لها نفس هذه المواصفات، هذه مسألة محسومة، فلماذا نعجز هكذا عن حمل أمانتها بما تدل عليه، وبما توحيه لنا أننا “نحن” أهلها، وأهلٌ لها كما ذكرت حالا.

“القومية العربية” المعاصرة شىء آخر، فمنذ بدأ تحديثها منذ أكثر من نصف قرن: بالخطب، والتحريض، والشوفينية، والغرور الكلامى، وبما آلت إليه من تسطيح، وتهميش، وبيانات لفظية، وزيف، وقبلات، وشقاق، ونفاق، لا يمكن أن تدل إلا على قوم تنازلوا عن تاريخهم من جهة، وضلوا عن هدفهم من جهة أخرى

الوعى القومى (العربى)” شىء ثالث: هو مثل أى وعى جمعى: نسيج مشتمل يجمع فى شبكيته، كافة الناس، وهو يتشكل طول الوقت من حركية وعى أفراد قومٍ “معا”، لهم صفات متقاربة،  ويضمهم تاريخ واحد، ويؤلف بينهم فعل تكاملى مشترك، ويجمعهم إلى بعضهم البعض هدف ضامّ،

اللغة العربية تاريخ تليد علينا أن نبدأ منه، ولا نكتفى بالفخر به، ولا باجتراره، تاريخ يقول لنا إن فى جيناتنا التى ورثناها عن أجدادنا ما يثبت أننا أصحاب حضارة هى التى أفرزت هذا اللسان هكذا، اللغة أهم من أى أثر مبنى، حتى الأهرام، اللغة أثر باق فى جينات حية، يمكن تنشيطه  وبعثه لتدب فيه قدراته القادرة على أن تضيف إلى البشرية ما تيسر، فى تكامل مع تواريخ أخرى وحضارات أخرى لها لغات أخرى.

تشكيل الوعى القومى العربى (مثله مثل غيره) هو عملية وناتج حركية هذا البعث المسئول، المفروض أن يتولاه كل من ينتمون إلى هذه اللغة دون استثناء، شريطة أن ينطلقوا من تراث (جينات) أجدادهم يتعهدونا، ليستعلموها فى تواصل، إبداعى فاعل، وليس فى كلام وأصوات منفصلة عنهم، وعنها.

أما ما يسمى القومية العربية، فهى الإطار المجتمعى والسياسى المفروض أن يتعهده المسئولون عنه بما يسمح أن يتشكل الوعى القومى بما هو أهل له، بدءا من دلالات حضارة لغته،

 أما إذا انقلب هذا الإطار إلى سور محيط، يحد من حركية الوعى، وفى نفس الوقت يدعى الانتماء إسما إلى ما يسمى القومية العربية، فهو ليس إلا سجنا، أو على أحسن الفروض “ديكورا” خادعا، يضر أكثر مما ينفع، تماما مثلما تصبح الأهرامات مزارا لا إلهاما ولا مسئولية.

مهمة الدولة والمؤسسات السلطوية هى أن تنشىء وتتعهد آلية التنظيم المجتمعى، سياسيا واقتصاديا، تكافلا وتعاونا، تكاملا واستقلالا، بما يسهل سرعة إيقاع تشكيل وعينا القومى معا: تواصلا، وإبداعا،  عطاء وأخذا.

حين قدمت اللغة العربية فى دلالتها الحضارية فى مقال سابق، أبلغنى بعض المتحمسين إلى دلالة استعمال الحروف العربية فى كتابة أكثر من لغة أخرى، لم افرح كثيرا، فأنا فى مداخلتى هذه متجاوز الشكل ومتجاوز الكتابة (دون إهمال أيهما)، اللغة العربية الدالة التى أعنيها كأساس، هى لغة شفاهية، وحضارتها قائمة قبل وبعد الكتابة، فانتشار الحروف العربية ليست موضع فخرى، اللهم إلا باعتبار أن هؤلاء الناس الذين أبدعوا هذه اللغة العربية (نحن)، كان لهم من التأثير الحضارى ما جعل “شكل” لغتهم المكتوب، صالح لاستعمال شعوب أخرى، قريبة، أو منبهرة، أو تابعة، أو متعاونة.

 الناظر فى ما آل حال من يحملون هذه الجينات أهل هذه اللغة لا بد أن ينتبه إلى عجز الحكام العرب، بما فى ذلك المؤسسات الرسمية، أن يتحملوا  مسئولية تاريخ ناسهم، أو أن يحققوا أمل مستقبلهم، أو أن يفجروا حضارة جديدة من جيناتهم القادرة الواعدة.

من هنا وجب النفخ فى نفير العمل، لنا (كما للناس، كلَّ بلغته)، خاصة بعد ثورة التوصيل والتواصل، فكما قلت فى مقال سابق، أصبحت الكرة مرة أخرى:  فى ملعب الناس، كل الناس، ليشكلوا وعيهم المشارك فى الحفاظ على نوعهم، مثلما فعل النمل بل والصراصير وغيرهم، فنجحت أنواعهم أن تظل أحياء  ضمن الواحد فى الألف الذى تبقى من كل الأحياء، نجحوا  ألا ينقرضوا ضمن الـ99.9% من الأحياء الباقين الأن على ظهر الأرض، برغم أنهم لم يكن عندهم حكومات، ولا تعلموا الكتابة بالحروف!!

هل عرب هذه الأيام ينتمون إلى العرب الذين تجلت حضارتهم فى هذه اللغة البديعة؟

الأصل أن تكون الإجابة بالإيجاب، ومع ذلك فواقع الحال يقول عكس ذلك بشكل أو بآخر.

خلاصة القول:

أبدا بنفسى: أنا أنتمى إلى اللغة العربية، وإلى اللغة العامية المصرية (التى هى إحدى تجليات الفصحى، مثل سائراللهجات المحلية)، أفضل الأولى وأحب الثانية

أنا لا أكاد لا أنتمى إلى القومية العربية بوضعها الحالى، مع أن إمكاناتها، وموقعها، وحماس أهلها، وطبيعة أرضها كان (وما زال) يمكن أن تضعها منافسا قويا فى المربع الذهبى للأخذ بيد نفسها وناسها والعالم بجدارة حقيقية (لن أحدد من هم الذين وصلوا إلى المربع الذهبى فى المونديال الاقتصادى السياسى الحضارى الجديد، لأن التصفيات ما زالت تدور).

  • أنا لا أنتمى إلى القومية العربية الحالية التى لا تظهر إلا فى الخطب، أو قصائد الفخر والهجاء، أو آليات الاعتمادية والمعايرة، أو فى مؤتمرات القمة ذات القبلات والإجماع !!

وبعد

دعونا ندعو إلى تشكيل الوعى العربى، انطلاقا من لغتنا القادرة الجميلة، إلى وعينا المبدع تكاملا مع وعى ناس آخرين لهم لغات أخرى، ليست افضل، ولا دون لغتنا بالضرورة لنحافظ معا على بقاء نوعنا

ولهذا حديث آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *