الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الدستور هل نحن فى حاجة إلى “زعيم”، أم إلى “رئيس”، أم إلى بطل قومى؟

تعتعة الدستور هل نحن فى حاجة إلى “زعيم”، أم إلى “رئيس”، أم إلى بطل قومى؟

نشرة “الإنسان والتطور”

3-4-2010

السنة الثالثة

العدد: 946

 

تعتعة الدستور

هل نحن فى حاجة إلى “زعيم”، أم إلى “رئيس”، أم إلى بطل قومى؟

الذى اضطرنى لفتح هذا الملف الصعب، وأنا بكل هذا الجهل السياسى، هى الصحفية الألمانية التى سألت  السيد الرئيس، أتم الله عليه شفاءه، خلال المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقده الرئيس مبارك مع المستشارة الألمانية ميركل بمقر المستشارية الألمانية “إذا ما كانت مصر تعامل البرادعى كبطل قومى؟ فرد عليها قائلا: إن مصر ليست بحاجة إلى بطل قومى لأن الشعب المصرى بأكمله هو البطل القومى، وبصراحة: أنا لم أستطع أن أحدد ما الذى دعا الصحفية الألماينة إلى استعمال لفظ “البطل القومى” وصفا للبرادعى، هل هو الاستقبال الشعبى فى المطار؟ هل هو الالتفاف حوله من مختلفين فى أمور كثيرة إلا التعلق بأمل التغيير، والبحث عن بديل واقعى محتمل؟

يا ترى ما الفرق بين “الزعيم” و”الرئيس” و”البطل القومى” لشعب ما، عشت مع النحاس باشا زعيما، ومع عبد الناصر بطلا قوميا، ومع السادات رئيسا يحلم بزعامة لم يحققها إلا جزئيا بعد الحرب ثم الاغتيال، حققها بشقيها السلبى والإيجابى معا، كمواطن عادى رحت أنكش فى ذاكرتى لأتفهم السؤال والرد أكثر: ماذا  كان الرئيس – شفاه الله وعافاه- يعنى حين قال إن الشعب ليس فى حاجة إلى بطل قومى، سأل داخلى: إيش عرفه حاجتنا بهذا اليقين نيابة عنا؟ رددت ناهرا: هو أدرى على أية حال.

مثل هذا التعبيرات، “الشعب هو البطل القومى” “الشعب هو القائد” تستعمل فى الأزمات كشعارات ليس لها تفعيل على أرض الواقع: بعد كارثة 1967 تردد مثل هذا الكلام فى مواجهة مظاهرات الاحتجاج قبيل صدور بيان 30 مارس، ثم صدر البيان، ثم استغنى المسئولون عن خدمات الشعب برمته، حتى عاد يتنفس الصعداء من خلال حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر، ثم عادوا فاستغنوا عن خدماته مرة أخرى، ولم يعد الشعب قائدا ولا بطلا قوميا، ولا حتى ناخبا فاعلا.

فى تصورى أنه  لم يعد هناك مكان لما يسمى البطل القومى فى العصر الحديث، ولا حتى مكان لما يسمى الزعيم، قد يقوم أحد الرؤساء أو القادة بدور فذ فى أزمة ما، أو قد يفرض آخر نفسه بألعاب إعلامية قصيرة العمر لفترة أقصر، وقد يكون هذا أو ذاك نائبا عن ناسه أو مفروضا عليهم بألاعيب موقوتة المفعول، لكن كل هذا أصبح هو الاستثناء: خذ عندك أمثلة معاصرة مثل شافيز، وكاسترو، وربما القذافى، وحسن نصر الله، وصنفهم أنت كما تشاء، لكنك سوف تكتشف أنه بغض النظر عن التصنيف، أنها أصبحت صفة “بعض الوقت”.

فى ظل أغلب نظم الحكم السائدة، وتراجع الثورات الرائدة، يبدو أنه لم يعد ثم مجال لظهور ما يسمى البطل القومى التاريخى الحقيقى، او حتى الزعيم، لا أوباما، ولا بيرلسكونى، ولا ميركل، ولا ساركوزى، يعتبر أى منهم بطلا قوميا، ولا حتى زعيما، هم رؤساء لا أكثر، صحيح أن كل واحد منهم قد حاز على أصوات أغلبية الناخبين التى سمحت له أن يكون رئيسا يدير دولتهم لصالح من انتخبه، ومن لم ينتخبه على حد سواء. الظروف التى كانت تفرز بطلا قوميا للناس لم تعد متواترة، تلك الظروف كانت تتمثل فى حروب التحرير، وفى مراحل التحولات الأيديولوجيا الكبرى، وما لا أدرى، أعتقد – باجتهادى المتواضع- أن الظروف الحالية قد تغيرت من حيث:

  • تراجَع دور الأيديولوجيا فى تجميع الناس حول شخص يمثلها، ويمثلهم.
  • تزايدت فرص تواصل الناس مع بعضهم البعض فلم يعد لكلمة “القومى” نفس التأثير التاريخى السابق.
  • زادت سطوة الإعلام التزييفى وأصبح وظيفته ” صناعة الرئيس تفصيلا بمواصفات تحددها القوى التحتية” لكنه غير قادر على إقحام شخص بذاته فى الوعى الجماعى العالمى الناقد اليقظ، لا زعيما، ولا بطلا قوميا
  • اتسعت الشبكة اللامركزية للإعلام، (المواقع الخاصة، والفيس بوك، والمدونات، ..إلخ) مما خفف من غلبة تزييف الإعلام المركزى والعولمى، وإن كان لم يقدر بعد على إفراز “بطل إنسانى عالمى”

فماذا يا ترى كان الرئيس يعنى حين أجاب الصحفية العالمية أن الشعب هو البطل القومى

دعونا ندعو مكررا لرئيسنا بتمام الصحة، والعودة الحميدة إلى شعبه الجميل الوفى المسامح الذى دعا ويدعو له بالسلامة، بحق، بغض النظر عن موقفه منه.

هذا شعب كريم، يستحق أن يوصف بما هو أدق، شعب جميل نبيل مسامح صبور.

ما نحتاج إليه هو “المشروع القومى”، وليس البطل القومى، ولن يكون المشروع قوميا بحق فى ظروف التحديات المعاصرة إلا إن كان جزءا من “المشروع الإنسانى العالمى الجديد”(وليس العولمة المشبوهة). 

ولهذا حديث آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *