نشرة “الإنسان والتطور”
6-2-2010
السنة الثالثة
العدد: 890
تعتعة الدستور
هذه “المحظورة”: مصرح لها بالسير فى الممنوع!!!
كتب أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور سيد عويس كتابا جميلا اسمه “هتاف الصامتين” جمع فيه تلك العبارات الطريفة والجذابة التى يكتبها سائقوا السيارات، النقل بالذات والنصف نقل، وأحيانا التاكسى (والآن الميكروباصات والمقطورات) على مؤخرة عرباتهم، قام فيه بدراسة بالغة الأهمية لهذه العبارات. رحت مؤخرا أتابع بعض ذلك سواء وردت فى الكتاب أم لا، معتمدا على ذاكرتى، فوجدتها تحتاج إلى دراسة جديدة وتفسير مغامر، مثل: “ماتبصش كده يا عبيط، دانا جاية بالتقسيط”، أو “ما تبصليس بعين رضية، بص للى اندفع فيـّه”، نبهنى ذلك إلى البحث فى وظيفة كتابة هذه العبارات، وليس محاولة تفسير محتواها اللفظى ودلالاته، فرجحت أنها مكتوبة لتكسرعين الحسود، (العين الشريرةevil eye عموما)، وهو موضوع علمى لا يريد الجهابذة أن يدرسوه، لكننى وصلت فيه إلى فرض لا يقبله العلماء العظام جدا، فكتمته فى نفسى، وأكتفى هنا بالتلميح إليه سرا: ذلك أننى افترضت أن عين الحسود قادرة على إطلاق طاقة حيوية ما، تستطيع أن تكسر بها هارمونية الاتساق المسئول عن الصحة والتوازن فى داخل الإنسان مع نفسه أو مع خارجه، لا عليك، لا تدقّ كثيرا، ونكمل: بناء على هذا الفرض المهزوز تصورت أن المُعَرّض للحسد يحاول أن يكسر حدة اختراق هذه الطاقة النشاز بعيدا عن لحن تناغمه مع بعضه ومع ما حوله، بأن يحوّل مسارها، ومن هنا فهمت وظيفة عبارات غريبة ليس لمضمونها المباشر، وإنما لوظيفتها التحويلية، مثلا : حين كنت أقرأ عبارة تقول: “سميحة أخت محاسن”، كنت أهمس لنفسى “طيب وأنا مالى”، لكننى انتبهت أننى بمجرد أننى فكرت فى فك هذه الطلاسم ، انتقل انتباهى بعيدا عن الهدف المعرض للحسد. ثم إنى قرأت مرة هذه العبارة: ” هذه العربة مصرح لها بالسير فى الممنوع ” فتصورت أن هذا استثناء خاص لمثل هذه العربة، لأنها تابعة للأمن مثلا، لكنها كانت عربات ربع نقل قديمة، عرجاء، فاستبعدت ذلك، ثم رجحت أن “السير فى الممنوع” هو استثناء يمكن الحصول عليه بشروط ما، وعند تجديد رخصة سيارتى، سألت المسئول عن الشروط الواجب توافرها لمن يريد أن يحصل على هذا الاستثناء، فنظر إلى حضرة الضابط، وتعرّف على وجهى، فرجح أننى أمزح، فخجلت، وضحكت متصنعا أنى فعلا أمزح.
أظن أن ما يجرى مع الجماعة، (ولا مؤاخذة المحظورة)، هو شىء أشبه بذلك، فلم يعد ينقص خبر انتخاب المرشد الجديد، إلا أن يضيفوا بأنفسهم كلمة “المحظورة” على بياناتهم “الرسمية”، مثل الإخبار الرسمى عنها:
مثلا: “أسدل الستار يوم السبت 16 ينايرعلى واحدة من أعنف الأزمات الداخلية التى شهدتها جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة)، بانتخاب الدكتور محمد بديع مرشدا عاما جديدا للجماعة (المحظورة) مما يعد انتصارا للتيار الأصيل على التيار المعارض داخل الجماعة (المحظورة)….إلخ .
ثم لا مانع من ذكر أسماء الناخبين كل واحد باسمه الرسمى، وربما التعريف باسمه الحركى “المحظورى” .
أليس من المحتمل أن تخفف هذه التعديلات اللفظية من جانب الجماعة حرج السلطات الرسمية مما هى فيه هكذا!!. ثم قد يتطور الأمر (فالصلح خير) إلى تحقيق التهادن بينهما، ما دامت الجماعة (المحظورة)، قد أقرت بنفسها أنها محظورة كما تريد السلطة، وهذا يكفى لإثبات حسن النية وطبيعة الحظر فى آن، كما أنه قد يكسر عين الحسود الذى “ينق” على شعبيتها، ومقاعدها فى مجلس الشعب؟
أشعر أننى عقــّدت المسألة وقد تناولها غيرى أكثر مباشرة، لكنى أظن أنه كان ينقصها أمثلة توضيحية، تبين، ولو لأطفالنا، معنى الكلمات التى نستعملها، فقد خِفت عليهم من البلبلة، سألنى حفيدى: “محظورة” يعنى ماذا يا جدى؟، فخجلت واستعبطت، وقبـّلته حتى يسكت، وحين انصرف حضرنى ما يلى:
لو أن طفلا شقيا ذهب يطلب من أبيه زيادة استثنائية فى مصروف اليوم، لأن “نـِفسه” فى العسلية “الممنوعة”، فأعطاه والده ما طلب دون تردد، وهو يقول له: ولكن لا تنس يا حبيبى أنها “ممنوعة”، وأننى نبهتك إلى ذلك، فيجيب الطفل مطيعا أنه يتذكر تعلميات أبيه جيدا، وأنه لذلك أعلن أن ما سيشتريه هو من نوع “الممنوع”، فهو لم يكذب، أو يدعى أنه نسى أن العسلية “ممنوعة”، فيفرح والده بصدقه وأمانته، ويعطيه مصروفه مضافا إليه الزيادة التى طلبها، فينصرف الطفل شاكرا وهو يدعو ربنا أن يزيد الممنوع، ويطول عمر والده، لو حدث ذلك، ماذا يصل الطفل عن معنى كلمة “ممنوعة”؟!
تذكرة خاتمة: البقاء لله، انتقلت القضية الفلسطينية إلى رحمة الله، ومازالت إسرائيل “مزعومة“، ولا عزاء للسيدات (خاصة وزيرات الخارجية) ولا للرجال!!!(خاصة رؤساء الدول).