نشرة “الإنسان والتطور”
17-7-2010
السنة الثالثة
العدد: 1051
تعتعة الدستور
“قلمى” يتحدّانى، وينتصر!!
انتهت تعتعة الأسبوع الماضى بإعلان فشلى أن أكف عن الكتابة، وأن أكتفى – مثلما نصحتً غيرى– بوضع علامة “صح” على واحد من ستين عنوانا قدمتهم فى ثلاث قوائم، وقد جاءتنى استفسارات عن مقطع من شعرى بالعامية استشهدت به مرارا وهو يصور فشلى هذا، وطلب منى بعض الأصدقاء مزيدا من الإيضاح، وأبدأ بأن أعيد هذا المقطع هكذا:
كل القلم ما اتقصف يطلعْ لُـه سن جديدْ،
ويشْ تعمل الكـلْمـَةْ يَابَـا، والقدَرْ مواعيد”؟
خلق القلم مِالعَدَمْ أوراقْ، وِ.. مَــلاَهَا،
وانْ كان عاجبْنٍى وَجَبْ،
ولاّ أتنّـى بعيدْ.
تذكرت أن هذه ليست أول مرة أحاور فيها قلمى، وأقاومه وأنا أحاول أن أثنيه عن شطحه، فقررت أن أخصص هذه التعتعة لجمع ما يحضرنى من حوارى مع قلمى الشقى خلال أربعين عاما، لعله يتكامل فيما يفيد فى الرد على بعض هذه التساؤلات ّ
حين خطر لى أن أكتب لعامة الناس بالعامية المصرية أحكى عن خبرتى مع مرضاى فى ألمهم، وفى حرمانهم، وفى شقائهم، وفى بطولتهم المجهضة، تحفز القلم واستعد، فالتقطت منه أنه ينوى فتح النار ضاربا عرض الحائط بأية وصاية منى، فحاولت أن أثنيه خوفا من رأى زملائى ورفضهم، حاولت أن أتراجع، وفشلت، هكذا:
قلت انـَا مشْ قدّ قـَلـَـمِى.
قلت انا يكفينىِ أَلـَمـِى.
قلت أنا ما لى، أنا اسـْترزَقْ واعيشْ،
والهربْْ فى الأسْـَتـذَةْ زيّـُــهْ مافــيشْْ،
والمراكزْ، والجوايزْ، والـَّذى ما بـْيـنِـْتـهيشْ
قلت اخبِّى نفسى جُـوَّا كامْ كتابْ.
قلت أشـْغـِـلْ روحى بالقولْ والحِسابْْْ.
والمقابلاتْ، والمجالسْ
والجماعه مخلَّصـِينـْلـَكْ كل حاجـَةْْ. أَيْـوَهْ خـَالـِصْْ.
بس بـَرْضـَك وانت “جالسْ”.
……………
القلم صحصح ونطّّ الحْرف منُّه لْوَحدُه بِيخزّق عِينَيَّا،
وابْتْدا قَلمِى يِجَرّحنى أنا:
قالِّى بالذمَّةْْ:
لو كنت صحيح بنى آدمْْ،.. بـِـتـْحِسْ،
والناس قدامك فى ألـَمُهمْ، وفْ فَرَحْتِهُمْ،
وفْ كسْرتهم، وفْ ميلة البخْتٌ،
مشْ ترسـِمـْهُم للناسْ؟
الناس التانيهْْ؟
إٍللى مِشْ قادْرَهْ تقولْ: “آه” عَنْدِ الدَّكْتورْْ.
أصل “الآه” المودَهْ غاليهْ،
لازم بالحَجْزْ،
لازم بالدورْ.
مش يمكن ناسْنا الَغْلبَانَهْ إِللى لِسَّه “ما صَابْـهَاشِ”. الدورْ؛
ينتبهوا قبل الدُّحْدِيرَةْ – قبل ما يغرقُوا فى الطينْ.
ولاّ السَّبُّوبه حَاتتعْطَّلْ لَو ذِعْت السِّر؟
ولاّ انْتَ جَبَان؟
……………
بصراحة انا خفت.
خفت من القلم الطايح فى الكل كليلة.
حيقولُوا إٍيه الزُّمَلاَ المِسْتَنِّيَهْ الغلْطَهْ؟
حيقولوا إيه العُلَماَ المُكْنْ
(بِسْكون عَالْكَافْ .. إِوعَكْ تغْلَطْ)
على عالم أو متعالم بيقول كما راجل الشارع
……………
القلم اتهز فْ ايدى،
طــلّــعْ لى لسانُهْ،
ما يقولوا!!
حد يقدر يحرم الطير من غُـنَـاهْ؟!
من وليف العش، من حضن الحياهْْْ؟!
تطلع الكلمه كما ربِّى خلقْها،
تطلع الكلمةْْ بْعـَََـبَـلْها،
تِبْقَى هىَّ الِكْلمة أَصْل الكُونْ تِصَحِّى المِيِّتِيْن.
والخايفْ يبقى يوسَّعْْ،
أَحْسن يطَّرْطـَش،
أو تيجى فْ عينه شرارة،
أو لا سـَمـَحََ الـلّه
يِكْتِشِفِ انُّه بِيْحِسْ.
وكانت العامية هى الأجهز للقلم ليسارع بتصوير ما ترددت فى تشكيله عن الحس والألم ولغة العيون، والحق تعالى، فاستعجل قلمى ورفض الانتظار حتى أترجم ما وصلنى إلى الفصحى، حبيبتى الأولى، فاضطررت إلى تقديم اعتذارى لحبيبتى الفصحى، بالعامية:
أصل الَحُّدوَتةْ المّرا دِى كان كُلهَّاََ حِسْ،
والحِسْ طَلِعْ لِىِ بالعَامَّى بالبَلَدى الحِلْو.
والقلم اسْتَعْجلْْ.
ما لحِقْشِى يتْرجمْْ، لَتفوتُـه أيُّهاَ هَمْسَةْ،
أَو لَمْسَهْ، أو فَتْفُوتِة حِسْ
معلشى النوبه.
المرّا دى سماح
وَاهِى لسَّهْ حَبِيْبتِى..،
حتَّى لَوْ ضُـرَّتْها غَاِزيهْ،
.. بِتْدُقْ صَاجَاتْْ.…….
وهكذا نجح قلمى فى غواية العامية من ورائى بعيدا عن وصاية النحو والصرف، فتستجيب له الغازية اللعوب، وتسجل “كل فتفوتة حس”وصلتنى منهم أو منى، لكن تظل الفصحى حبيبتى طول الوقت، ويمتد الحوار مع قلمى وطلقته “الكلمة” إلى شعرى بالفصحى، وأنا أحاول الهرب منها فى قصيدتى: “يا ليت شعرى، لست شاعرا!!” التى ختمتها مستسلما حين أصبح هو الذى يقودنى، ولست أنا الذى أسخره لكتابتى، خاصة فى الشعر:
تدقُّ بابى الكلمة،..
أصدّها.…،
تغافل الوعىَ القديمَ…..، أنتفض ْ.
أحاولُ الهربْ،
تلحقنُى،
أكونُها، فأنسلخْْْ.
أمضى أغافلُُُ المعاجِمَ الجحافلْْْ،
بين المَخاضِ والنحيبْ،
أطرحُنى:
بين الضياع وَالرُّؤَى
بين النبى والعدم.
أقولُنى جديدا،
فتولًدُ القصيدةْ.
14/9/ 1983