نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 13-2-2013
السنة السادسة
العدد: 1993
تعتعة التحرير:
“ماذا” لو تكرر “النص” (سكريبت) أكثر دموية؟
كنت – ومازلت- أعجز فِأمتنع عن الفتوى النفسية الوصية للإجابة على ماذا حدث وماذا يحدث داخل ناسنا الآن، لكننى أعود أطرح السؤال على نفسى: يا ترى فعلا ماذا جرى؟ وكيف يفكر هؤلاء الطيبون الغافلون المثابرون الهانجون المائجون، وهل يحذقون ثقافة السؤال، وذكاء قراءة الأحداث وقدرة “تعليق الحكم”، وهل ينتبهون إلى الخيوط التى تحركهم؟ أم أن المسألة تجرى بالانفعال الغالب أو بالقصور الذاتى.
أتقمصهم أحيانا وأتصور أننى أنشِّط خيالهم (خيالى) وأنا أطرح عليهم بعض ما تعلمته من مهنتى مما يوسع الوعى، ويثبت خطانا على أرض الواقع، مثلا: أن يشاركوا فى لعبة “ماذا لو…“؟ وكذلك “ماذا لو لم…؟” وهى لعبة استلهمتها من ألعاب العلاج الجمعى الذى أقوم به بانتظام منذ ما يقرب من نصف قرن، تصورت الآن أن هذه اللعبة، قد تكون مفيدة فى إلقاء بعض الضوء على ما يجرى، أو مراجعة قراءة ما جرى، وربما تساعد فى قراءة ما سوف يجرى.
وأنا أتابع الأحداث، تذكرت أن أول من لعب هذه اللعبة علانية كان الدكتور محمد مرسى شخصيا حين صرّح علانية وكأنه يجيب عن سؤال يقول: “ماذا لو نجح أحمد شفيق”، فصرح دون تردد: “فهى الحرب الأهلية” هكذا خبط لصق، طبعا هو افترض أن نجاح احمد شفيق معناه أن التزوير قد تم مائه فى المائه (قبل التحقيق أو بدون تحقيق) وبالتالى فإن معنى تصريحه هذا أنه سوف سيجمع قواته فور إعلان النتيجة وينزل إلى الميادين والشوارع ومؤسسات الرئاسة، ويخلع هذا الرئيس الناجح زورا بالقوة، فإن تصدت له قوات الدولة بما فى ذلك المجلس العسكرى (كان مازال قائما) فهى الحرب الأهلية، هذا التصريح معروف ومسجل، ولا أظن أن السيد الرئيس يستطيع أن ينكره، ولا حتى أن يتراجع عنه كما اعتدنا منه.
ثم ظهرت النتيجة بفارق بسيط، وفاز هذا الرئيس الذى توعد وأنذر، إذن كانت الكارثة قاب قوسين من الظهور، وحتى الآن هناك شك وصل بعضه إلى ساحة القضاء أنها نتيجة مزورة لصالح الدكتور مرسى وليس العكس، دعونا من ذلك فقد نجح من نجح ولنكمل بخيال متواضع ونحن – وليس الرئيس – نجيب على نفس السؤال، فنواصل التساؤل: ماذا لو نجح الفريق شفيق؟ هل كان سيوفر لهذا البلد الأمان والاستقلال الاقتصادى والتعليم الحقيقى وفرص العمل والسكن بلمسات سياسية سحرية لا نعرفها؟ هل كان سيستورد لنا عبر المطار الذى أتقن إدارته!! آليات الانضباط وحفز الانتاج ورعاية الإبداع؟ وكم كان سيحتاج من الوقت لإتمام بعض ذلك؟ ثم كم كان سيحتاج من الوقت حتى تصل نتائج إنجازاته للناس فيسهمون تلقائيا فى البناء؟ هذا على فرض أننا نعيش فى دولة ديمقراطية حقيقية يرضى فيها المغلوب بدور الخاسر، فيسارع فى الإسهام فى بناء دولته من موقع المعارضة المسؤولة، وفى نفس الوقت يعد نفسه للجولة القادمة!! (أرجوك لا تبتسم، هل توقف خيالك عزيزى القارئ فى ميدان التحرير؟).
طبعا كل ذلك هو أبعد ما يكون عما كان سيجرى على أرض الواقع بناء على تصريح المنافس الجاهز (الرئيس الحالى)، فضلا عن تصريحات جماعته واستعداداتهم وتسليحهم وشعاراتهم وإستنفارهم، فهى الحرب الأهلية كما وعد الرئيس الحالى وتوعد، فالحمد لله على كل حال لأن الذى حدث أخف وأسلم، وهو أن المنهزم والمعترض والآسف والشاكّ والمُحبط والمتوجس شرا قد اجتمعوا إلى بعضهم البعض، وراحوا يمارسون الاحتجاج بأقل قدر من الحنكة السياسية، وأيضا بقدر أقل من الدماء المراقة، فهم لم يستعدوا بميليشيات أو خطط تحتية! وإن اشتركوا فى عدم الانتباه للخيوط المحركة، والقوى المستفيدة. …الخ
دعونا الأن نقف على أرض الواقع مهما كان موقفنا منه، ثم نحاول أن نقفز إلى مرحلة الحاضر فالمستقبل مستعملين نفس السؤال: “ماذا لو…”: أن هذه الحركات الجارية الآن نجحت فى خلع السيد الرئيس بموافقة صريحة أو ضمنية من الجيش؟ الإجابة واضحة من وحى تصريحات الرئيس الحالى واستعدادات جماعته أن مصر سوف تنقلب إلى سوريا فى خلال بضعة أسابيع، إذ لن ينتظر السيد الرئيس المخلوع الجديد وصحبه حتى يثبتوا أن هذا انقلاب غير شرعى، ولن يعطوا أية فرصة لمن يلى بعدهم، أن يجرب منهجه لينجح أو يفشل، وسوف تقوم مظاهرات دامية، وتخريبات مرعبة، وقليل من المظاهرات المؤيدة – مع الوضع فى الاعتبار أن خصومهم الذين سيتولون الحكم فالمسئولية قد أنهكوا تماما خلال عامين وأكثر حتى حققوا هذا الخلع الثانى.
فإذا استمر الجيش يدعم الحكم الجديد بعد الخلع الثانى فقد يتمادى النص (السكريبت) هو هو فنكتشف أننا نشاهد نفس المسرحية بنفس الفصول المعادة، سوف يعاد فصل: “تعديل دستور”، ثم فصل: “انتخابات” قد يكون قد تم الإعداد لها أكثر تسخينا للبسطاء المتدينين لمواصلة تكفير العلمانين المنحلين الذين هزموا الدين واعتلوا كراسى هذا البلد المسلم ليرفعوا راية الفسق والفساد!! وربما فصل: “يسقط يسقط حكم العسكر”،..، وهكذا يأتى برلمان تخريبى رسمى، – إذا فشل التزوير- يكون هو أيضا قد تعلم من الخلع الثانى، وقد تتكرر نفس بقية المسرحية التى نحن فيها الآن، مع تغيير اسم شفيق إلى أى اسم ممن نسمع عنهم من جبهة الانقاذ ….الخ.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا نحرص هكذا جدا على تكرار “نصّ الخلع فالتخريب” قبل أن نستوعب آثار الخلع الأول، وقبل أن نختبر الخيبة الثانية من واقع خيبتها وتبعيتها الاقتصادية إن حدثت، وليس بفعل فاعل يلعب خلف الستار لمزيد من التفكيك والتخريب، والقتل فى المحل!!!
ليس معنى هذا أننى أدعو لأن نستسلم لحاكم بهذا الاهتزاز والتردد لا يعرف ما يفعل، ويفعل ما لا يعرف، حاكم اعتدى على الشرعية وعلى القضاء وكأنه ينقل حجرة مكتبه من مدخل البيت إلى الدور الأعلى، إلا أن أهم ما يميزه الآن هو أنه “الحاكم” وأن علينا أن نقرأ النتائج وليس فقط التصرفات، نقرأها بلغة الاستقلال الاقتصادى، وونوعية ومواقع شركاء التعاون الاقتصادى، والقوة العسكرية، والبناء الابداعى.
فليستمر الرفض، وليستمر الشجـْب وليستمر العمل والصبر فى نفس الوقت، وليتعمق الوعى ولينضج الناس، ولتعلم كل نفس ما كسبت، ثم إما أن نصحح أوضاعنا بجولة الصناديق القادمة أو بعد القادمة وساعتها قد نكون أنضج واكثر مسئولية، وإلا فالمطروح هو أن نستمر فى سطحيتنا وطفولتنا لعشرات سنين قادمة ونحن نكرر نفس السكريبت.
أو قد نبدأ من 1952 فيكون “السكريبت” أطول كثيراً!