نشرة “الإنسان والتطور”
5-12-2011
السنة الخامسة
العدد: 1557
تعتعة التحرير
(قصُّ ممتد: ماذا حدث بعد ما حدث؟)
…. سيد العاقلين!!! (2): يرشح نفسه من باب: الاحتياط واجب
نشر الجزء الأول فى الدستور الأصلى بتاريخ: 17 – 1 – 2007، وتم تحديثه بالجزء الثانى اليوم
الجزء الأول :
يمد الرجل يده ليطفئ السيجارة الحادية عشرة فى المطفأة فتكاد تحرق سبابته، ينتبه ويحسن إطفاءها، تتباطأ هزات الكرسى الهزاز حتى تكاد تتوقف. البحيرة تمتد أمامه فيتذكر كيف فتحوا البحر عليها، يتذكر كيف استقبلت البحيرة أمواجه قلقة مترددة، ثم يرى الآن كيف استكانت فى حضنه، أو لعله هو الذى استكان فى حضنها، كيف غسل وجهها فاحتوت ثورته أقدر وأقوى حتى تهادت أمواجه فتلاعبت أمواجها، تُهاجمه الأرقام فتطمس الصورة كلها فينسى حتى أين هو، يمّحى الفرق بين مكتبه فى الدور السابع عشر على كورنيش النيل وبين جلسته الآن أمام البحيرة/البحر فى مارينا، هو لا يعرف كيف استحال النيل إلى ذلك الثعبان الميت، كما تتحول هذه البحيرة إلى بقايا تلك الضفدعة المفلطحة المشلولة، تحيط بها جثة ذلك الدينصور العملاق الأسطورى.
(2)
ينتبه الرجل إلى البنت وهو تجلس بجواره صامتة تتأمل الشمس وهى تقترب بهدوء من سطح البحر تلثم وجهه قبل أن يحتويها فى عباءته الدافئة، لتشرق شمسا أخرى فى اليوم التالى، التفتت إلى والدها، بدا لها بعيدا بعيدا، سألته فجأة: “ماذا تحسب يا أبى؟”، قال لها: “ومن أدراكِ أننى أحسب؟” قالت: آسفة، خيل إلى ذلك، لكن يا أبى بالله عليك: ماذا بعد كل هذا؟” قال الرجل فى سماح مستغرب: “هذا ماذا يا حبيبتى؟ ” قالت البنت “نحن لن نستطيع أن نصرف كل ما عندنا قبل أن نموت.”، قال الأب فى انزعاج متوقع: “قبل ماذا!!؟!” قالت “..حتى لو حضرتك عشت ألف سنة”، فلن تصرف نصف هذا قبل أن تموت”، زاد انزعاج الرجل، وعلا صوته غير مصدق: “من ذا الذى يموت؟” قالت البنت دون تفكير: “حضرتك”، لكنها استدركت بسرعة “أعنى حضرتك أوّلا، أليس الأكبر يموت أولا؟ “قال الأب: “ليس دائما”، قالت البنت: “هو حضرتك إن شاء الله حين تموت، أنا سأرث كم؟”.
(3)
تذكر الأب صورة أزعجته رسمها صلاح جاهين بها نفس المعنى، تصور أنها –ابنته – هى التى أوحت لصلاح بهذا الكاريكاتير مع أنه مات قبل مولدها غالبا. سألها “متى عيد ميلادك يا جميلتى؟ قالت البنت: هل أنا جميلتك يا أبى، أم جميلة فقط، ولماذا أشعر أننى لست جميلة؟ قال أبوها: أنت مثل القمر يا حبيبتى، قالت: لكن القمر مظلم من داخله جدا، ثم استمرت: “لماذا أنا لست مثل الناس؟ قال لها: أنت أحسن منهم ألف مرة، قالت: “لهذا أنا لست مثلهم، أنا لست ناسا”، لماذا ربّيتنى هكذا يا أبى؟” ثم استمرت باندفاعةٍ ما: “هل أنت تكره الناس يا أبى؟”. انزعج حتى كاد ينتفض: ما هذا الذى تقولينه، أنا كل حياتى للناس”، قالت دون أن تفكر: “أنا لا أصدقك”، فاض به وهمّ أن يصفعها لكنه تراجع محتجا: “لا تصدقينى؟! هل أنا كذاب؟ أنا كل حياتى وأموالى وعرقى وجهدى للناس””، لم تقل له: “لا يا شيخ”؟؟ لكنها قالت: “أنا لم أقل هذا، أنا التى لا أصدق حضرتك، أنا غبية يا أبى، كل ما أعرفه هو أننا لن نستطيع أن نصرف ما عندنا قبل أن نموت؟ قال: نحن نصرفه على الناس، قالت البنت بحدّة غريبة: “هل تصدق نفسك يا أبى؟” لم يتردد، برغم اهتزازه الداخلى، أن يقول: “جدا جدا”، ثم أضاف: “جدا”. قالت البنت “ربما”: قال: “ربما ماذا؟” قالت ربما عرفتُ كيف أصرف ميراثى حين تموت حضرتك إن شاء الله”، قفز قلب الرجل بدل أن يقفز هو من على الكرسى، وصاح: “تقولينها ثانية!!؟، ثم هدأ ليضيف وكأنه يمزح :”هل تريدين موتى عاجلا لتعرفى؟” قالت البنت على الفور “بعيد الشر، إذا كنتُ لا أعرف كيف أصرف مصروفى الشهرى الآن، فكيف أتصرف بعد موت حضرتك إن شاء الله؟ ربنا يخليك يا والدى”، قال الرجل وكأنه لم يسمع إلا الدعوة الأخيرة، “ويخليك لى يا حبيبتى”، قالت: “يخلينى أعمل ماذا وأنا هكذا؟” قال: “هكذا ماذا، أنت فل الفل” قالت: “يا ليتنى أَجَـن يا أبى لأرتاح”، فزع الرجل ولم يصدق، فأكمل وكأنه لم يسمع: ” ما كل هذا ؟ ما كل هذا؟ لماذا تقولين ما تقولين يا حبيبتى؟” قالت “ربما حين أجن أستطيع أن أجمع ما لا أستطيع أن أصرفه، ثم أدعى أنه للناس، أو أفرقه عليهم أولا بأول فيقولون مجنونة، ويعذروننى”
قال الرجل صائحا لعله يكتم ما تحرك بداخله : أنت تمزحين، أنت لا تفهمين معنى ما تقولين، لا تشغلى بالك يا حبيبتى، حين تكبرين سوف تعرفين كيف تفعلينها دون أن تُجنّى ولا يحزنون، ألا ترى أن أباك سيد العاقلين؟
قالت:
جدا، جدا
ثم ماذا حدث حتى 20 نوفمبر 2011
قالت البنت لأبيها: لكننى لا أريد أن أهاجر، قال أبوها: وأنا لا أريد أن أتركك وحدك وسط هؤلاء الوحوش، قالت: أنا هنا لست وحدى، أنا مع الناس، قال أبوها: وهل هؤلاء تسمينهم ناسا، هؤلاء وحوش يهاجم بعضهم بعضا، إسمعى الكلام واعقلى، لن ينفعك أحد من هؤلاء حين يسرقون ما جمعتُ لكم، بل وربما يغتصبونك وأنا بعد على قيد الحياة، قالت البنت: ولكن قل لى يا أبى: لماذا سترشح نفسك ما دمت ستهاجر؟ ولماذا تصر أن تأخذنى معك؟ قال: الاحتياط واجب ،أنا أؤمنك كما حاولت طول عمرى، قالت: كيف؟ قال: سوف أهاجر لألحق بشقا عمرى بعد أن كدت أذهب طُرهْ وأنا أهربه حتى لا يستولى عليه اللصوص؟ قالت: من هم اللصوص يا أبى؟ قال: الثوار، قالت: طيب، هذا سبب الهجرة ، فما هو سبب الترشيح؟ هل إذا نجحت سوف تدخل مجلس الشعب السويسرى؟ قال: أنا لو نجحت سوف أعوض كل ما خسرت فى خلال شهور؟ قالت البنت: أليس عندك خبر بما جرى!! قال أبوها : كل هذا وليس عندى خبر؟ قالت : عندك خبر بماذا؟ قال: بكل ما حدث، عندى ونصف، وإلا فلماذا خاطرت ونقلت ما استطعت من أموالى إلى سويسرا، قالت : فماذا أفدت مما وصلك؟ قال: أن أكون حريصا أكثر إذا نجحت، وأنقل فائض أموالى أولا بأول إلى هناك، قالت البنت: كذا؟ قال: طبعا، ألا ترين أن أباك سيد العاقلين؟
قالت:
جدا، جدا