الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة التحرير : حتى لا نؤجرها للصين: “ق” جديد!!

تعتعة التحرير : حتى لا نؤجرها للصين: “ق” جديد!!

نشرة “الإنسان والتطور”

 21-5-2012

السنة الخامسة

 العدد: 1725

 

تعتعة التحرير

حتى لا نؤجرها للصين: “ق” جديد!!

كتب لى صديق استشارى طبيب نفسى د. صادق السامرائى، تعرفت عليه عن طريق الشبكة النفسية العربية (د. جمال التركى، تونس)، وهو عراقى شاعر جميل، يعمل فى أمريكا كتب يقول: “لدى صديق صينى يمزح معى عندما يدور الحديث عن بلادى، فيقول لى ضاحكا” إعطونا بلادكم لمدة خمسة أعوام فقط: وعندما زرت الصين أدركت أن صديقى كان على صواب”!،

فكتبت إليه ردا جاء فيه:

…. أثناء محنتنا الحالية ونحن عاجزون عن ضبط وربط الشارع، وعن الإمساك بدفة الانتاج والإبداع لتكون ثورة فحضارة، تمنيت أن ندرس تنويعات من نظم وآليات الضبط والربط، كما ندرس آليات التعبير للتغيير، وليس للتنفيث والتفريغ، تمنيت أن نقتدى بأى نموذج نجح فى تكوين دولة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وتوقفت عند الصين مغيظا (وحاقدا بينى وبينك) على هذه البلاد وكيف استطاعت أن توازن بين الاقتصاد الحر وبين الضبط والربط السياسى الرئاسى، وهى تصدّر للعالم منتجاتها الصناعية بل والزراعية، كيف استطاعت أن تؤكل مليارا ونصف بنى آدم خبزا وخضارا وفاكهة ولحوما!! وتصدر الباقى؟ ولقد وافقت صديقك الصينى …. وتمنيت لو أجرناها مفروشه خمسين عاما لا خمسة أعوام لتتعلم منه ثم ننطلق بدونه.

أنا لم أعجب بالصين إعجابا مفرطا بلا شروط أبدا لا فى مدها الشيوعى السلطوى القاسى، ولا فى إنتاجها الكمى بالغمر الميكنى المتحدى، لكننى أحب النجاح جدا جدا، وأحب الانضباط، وأحب الإنتاج وأحب الوقت وأحب ربنا، الصين ليس فيها ربنا لكنهم صنعوا ربا من كونفوشيوس وماوتسى تونج والإنتاج وقبول التحدى، وكنت دائما أعتبرها الوجه الآخر للغول الأمريكى الكمى المتوحش، وللاغتراب الاستهلاكى الأرخص نسبيا، لكن الأيديولوجية التى تحدد نوعية الحياة، ومنظومة القيم: هى هى، وأنا أتصور أنه لو أن الصين انتصرت على أمريكا فى الصراع الاقتصادى القائم، فإن وضعنا لن يتغير، وسوف تظل افواهنا مفتوحة اندهاشا، ونحن ننتظر المعونة الصينية، وربما التسليح الصينى، وحتى وساطة الصين بيننا وبين المدللة إسرائيل، تماما مثلما هو الحال مع أمريكا.

وقع فى يدى مقال كنت قد قرأته قديما فى صحيفة “نهضة مصر بتاريخ 21-11-2009″، وهو مترجم وملخص (غالبا) من مجلة تايم بواسطة (سمر أنور) بعنوان خمس دروس من الصين لـ”أمريكا” جاء فيه:

“..عندما فشلت الولايات المتحدة زعيمة النظام الرأسمالى فى التصدى للركود الاقتصادى المسيطر على العالم منذ أكثر من عام (لاحظ المقال سنة 2009)…. لم تجد نموذجا ناجحا أكثر من النموذج الصينى الشيوعى، أما الدروس التى نصحت التايم أمريكا أن تأخذ بها فكانت عامة وبدت لى أقرب إلى التنظير والآمال منها إلى التطبيق والأفعال، ومع ذلك فرحت بالعنوان وبالمبدأ.

الدرس الأول: الطموح حددت المجلة معنى للطموح بأنه عدم الاستسلام للواقع، وترجمتُهُ أنا  إلى “اقتحام المستحيل ليكون ممكنا”!، وضربت المجلة مثلا عندما ضربت الأزمة الاقتصادية الصين أواخر العام الماضى (2008) أنفقت 585 بليون دولار على مدار عامين لإقامة بنية تحتية ضخمة، …الخ وشبكات السكك الحديدية وهى تسعى لتطوير البذور الخضراء الجديدة والصناعات فائقة التقنية،..الخ”.

طيب!! ونحن؟

إذا كانت الولايات المتحدة تغار وتقتدى هكذا فما هو حالنا نحن الآن، وأين كل ذلك من الاحتجاجات الفئوية، والمظاهرات التغييرية، وحقوق الإنسان المستوردة، من هذا الإنجاز الذى لا يمكن أن يتم إلا بوعى جماعى يضحى فى سبيل الإنجاز تحت مظلة عدل يضمن للجميع حقوقهم، لا يمكن أن تصف حكومة بمثل هذه الشجاعة دون أن يتصف شعبها بنفس الشجاعة والانتماء حتى العبادة.

ثم انتقل المقال إلى الدرس الثانى وهو: التعليم وأوضح المقال كيف أن ويليام ماكهيل أحد الأعضاء السابقين فى السفارة الأمريكية ببكين أن الصينيين لا يهتمون بتعليم الأطفال للأساسيات فقط، بل تشجيعهم على تعلم الرياضيات والعلوم، ويمضى الطالب الصينى الكثير من الوقت فى تأدية واجبه المنزلى مقارنة بالطالب الأمريكى، حيث أوضح استطلاع أجرى عام 2007 من قبل وزارة التربية والتعليم بأمريكا أن 37% من الطلاب الأمريكيين يمضون 10 ساعات فقط فى الواجبات المدرسية كل أسبوع. وأكد تقرير أجرته جمعية آسيا عام 2006، أن الطلاب الصنيين يمضون ضعف عدد الساعات التى يمضيها الطلاب الأمريكيون فى الواجبات المنزلية.

طيب!! ونحن؟

إذا قارنا ذلك بما يجرى عندنا بمقياس المجاميع الخيالية الدالة على الرشاوى الامتحانية، والمرتبطة بالدموع الأسرية التى تحدد طريقة التصحيح، المتأثرة بالمحازن الإعلامية المصاحبة للامتحانات (مثلا الثانوية العامة)، لأمكن معرفة جانب من موقفنا من التعليم، أما الجانب الآخر، فهو ما يرتبط بالدروس والغش، والفصول الخالية من كل من المدرسين والطلبة معا.

أما الدرس الثالث فهو: الادخار حيث يقول المقال أن أمريكا أدركت أن السياسة التى تتبناها الصين تقوم على أساس: ادخر كثيرا واستهلك قليلا، وهى على النقيض مع سياسة المجتمع الأمريكى، والتى تقوم على الإسراف، وصرح أوباما بأن أمريكا فى حاجة إلى تعلم سياسة التدبير الصينية، حيث انخفض معدل الادخار فى أمريكا عام 2005 إلى الصفر وهو ينبه إلى إن زيادة الإدخار ستؤدى إلى زيادة الاستثمار بمرور الوقت .

طيب ونحن؟

المعادلة الصعبة هى كيف نوفق بين الدعوة للادخار مع ضمان الفائدة الشهرية أو السنوية، وبين الدعوة للاستثمار، للانتاج والتعمير وتحريك السوق وتشغيل الناس.

أما الدرس الرابع والخامس: (وقد غيرت الترتيب) كما جاءا فى المجلة من الصين لأمريكا فهما عن “العناية بالمسنين” و”البناء للمستقبل“، وقد وجدتهما درسين لا ينقصان أمريكا تحت مظلة التأمينات والخدمات الاجتماعية من ناحية، ثم التخطيط وحسابات الجدوى من ناحية أخرى لكن المقال يشير إلى أن الصين سبقت حتى فى هذين المجاليين.

طيب ونحن؟

الحمد لله ما زال عندنا للكبير مكانه فى قلوبنا وفى جيوبنا وفى عيوننا وفى قلوبنا، ومازلنا نحرص على ألا نقول لهما أفٍّ ولا ننهرهما، (إلا إذا تولوا رئاسة البلاد ولا قوة إلا بالله)،

أما البناء للمستقبل فبرامج المرشحين مليئة بالألفاظ والوعود، يا ترى ماذا فى برامج مرشحى الرئاسة فى الصين؟

وبعد

أعترف أننى لم أجد فروقا كبيرة بين دولتين هما فى نظرى وجهين لعملة واحده هى فرط الانتاج للاستهلاك، وفرص السيطرة، للاستبداد.

ليكن نحن نحتاج إلى هذا البناء التحتى أولا، وشطارتنا ألا نقف عنده، بل ننطلق منه إلينا وإلى كل الناس!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *