نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 14-11-2012
السنة السادسة
العدد: 1902
تعتعة التحرير
المستضعفون، والهجرة، وأرض الله الواسعة!
قال الشاب لأخته: أرجوك لا تزعلى منى، قالت: لابد أنك عملت عملة سوداء، قال: أنا ليس لى ذنب، هى جاءت من ربنا، قالت: من هى؟ ثم إن ربنا لا يمطر الناس بالبلاوى، نحن الذين نظلم أنفسنا، قال: عليك نور، جئت بالتائهة، ماذا قال ربنا للذين تتوفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم؟ قالت: إيش عرفنى؟ قال: قال لهم: ” أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا “، قالت: أخيراً !!؟ قررتَ الهجرة؟ قال: أبدا والله، أنا استخرت الله، ورميت ورقة يا تصيب يا تخيب فى السفارة، يشاء السميع العليم أنى أكسب القرعة، يبقى ربنا هو الذى كتبها لى، قالت: كتب لك ماذا؟ ماذا تقول؟ قال الشاب: فزت فى قرعة السفارة الأمريكية، قالت: يا خبر أسود!! قال: لماذا أسود، وهل أحد يطول، قالت: حسبتك تمزح، قال: بصراحة أنا فعلتها وأنا غير مصدق، كيف يُنسب بنى آدم كبير هكذا إلى وطن آخر بضربة حظ!! قالت: حظ سىء أم حظ حسن، قال: إيش عرفنى، حين أجرب سأخبرك، قالت: وهل ستكمل الإجراءات؟ قال: يارب لا تطلع مكلِّفة، كان حقهم يعطون من يكسب منحة فوق البيعة يتمم بها الإجراءات، قالت: ومصر؟ قال: مالها؟ قالت: هل ستتخلى عنها، قال: وهل أنا كنت سانِدها اسم الله، قالت: آه صحيح، أنت مثل قِلّتك، قال: ولا هى كانت ساندانى، قالت: تتكلم عنها بصيغة الماضى وكأنك أصبحت أمريكيا، قال: أنا لا أعرف بعد هل تشترط أمريكا أن تكون لى جنسية واحدة أم ماذا، قالت: لنفرض أنها اشترطت ذلك، قال: ساعتها سوف أتخلى عن الجنسية المصرية طبعا، قالت: هكذا بهذه البساطة، قال: إطمئنى ياستى، سوف أتخلى عنها بكل صعوبة، هل هذا يرضيك؟ قالت: طول عمرك نذل.
*****
قالت البنت لأمها: وهل ستتركينه يا أمى؟ قالت الأم: وهل بيدى شىء، قالت: قد لا نراه ثانية، قالت الأم: الذى فى علمه سوف يتمه، قالت البنت: مادمت مؤمنه هكذا فسوف أقول لك أنا أيضا، قالت الأم: تقولين ماذا يا ابنتى، واحدة واحدة علىّ، ربنا يخليكم، قالت البنت: أنت تعرفين أننى طلعت الثانية فى مسابقة الغناء التى نظمتها روتانا، قالت الأم: وكنت تستحقين أن تطلعى الأولى بصراحة، قالت البنت: المهم اتصل بى أحدهم وعرض علىّ أن أغنى فى فلسطين، قالت الأم: فى غزة أم فى الضفة؟ قالت البنت: أقول لك فى فلسطين تقولين غزة أم الضفة!! قالت الأم: وهل توجد فلسطين غيرهما، قالت: فلسطين المحتلة، قالت الأم: اسرائيل يعنى؟ قالت: نعم ، قالت الأم: أقسم بالله العلى العظيم أنك جُنِنْتِ؟ قالت البنت: ربما، قالت الأم: أنا وافقت على خيبة أخوك البليغة، فأمريكا تلم كل من هب ودب، أما أنت التى تعلِّميننا “معنى مصر” ليل نهار، فماذا جرى لك؟ قالت البنت: هل الألعن أن تغنى بنت مصرية فى اسرائيل، أم أن نعيش أحذية قديمة فى أقدام الأمريكيين والإسرائيليين “نتبع ونشحذ”، ثم يتغير الحكم لتنقلب المسألة أن “نشحذ ونتبع” بثورة أو بغير ثورة، أصلية أو مستوردة، هل رأيت تغييرا آخر؟ قالت الأم: وياليتنى ما رأيت، ها هو أخوك أصبح أمريكيا وأنتِ سوف تغنين فى اسرائيل، ومن يدرى ربما تصبحين إسرائيلية، قالت البنت: كل شىء جائز، قالت الأم: ما هذا؟! أنا أقتلك قبل هذا؟ قالت البنت: تقتلينى استباقا مثلما قتلوا الشيخ ياسين، قالت الأم: ألا تذكرين دموعك عليه؟ قالت البنت: كانت دموعى على العدل أكثر.
*****
قال الأب لابنه: إفعل ما تشاء يا إبنى فأرض الله واسعة، لا تظلم نفسك أكثر، وأنا مع الآية الكريمة جدا، قال الشاب: ربنا يخليك يا أبى، ولكن أرجوك إقنع أمى، قال أبوه: وماذا يفيدك أن تقتنع؟ هل هم فى السفارة يحتاجون توقيعها لإتمام الإجراءات، قال الشاب: أبدا، لكننى أريد أن تظل راضية عنى، قال ابوه: قل لها أنك راجع حين تقوم بإصلاح حال مصر، قال الشاب: ما هذا؟ هل أمى “مكلفة بإصلاح حال مصر”؟ قال الأب: أمك تصلح حال أبيك المائل، فهل ستصعب عليها مصر؟ قال الشاب: هى لم تعترض على سفرى، هى اعترضت على جنسيتى الجديدة، قال أبوه: وما لها هى، قال: أنا كنت متصورا أنك انت الذى ستعترض، قال أبوه: أنا أخشى اعترض فتحملنى مسئولية إصلاح مصر؟ قال الشاب: إذن من الذى سيصلحها؟ قال ابوه: ايش عرفنى، إسأل نفسك أنت وزملاءك، قال الشاب: لقد عملنا ما علينا وهم الذين سرقوها، قال أبوه: تستأهلون، وهل أنت ذاهب لأمريكا لتكمل المشوار هناك باعتبارها أرض الله الواسعة، قال الشاب: هذا كلام ربنا، قال أبوه: أرجوك لا تلصق خيبتك بأوامر ربنا، قال الشاب: انت يا أبى تعرف ربنا أكثر من الذين يحكمونا باسمه، قال أبوه: إعمل معروفا أنا ليس لى دعوة بهم!
*****
قال الأخ لأخته: لقد رجعت فى قرارى، قالت البنت: وأنا كذلك، قال: لمْ تقولى لى، قالت: لأنى أعرف أنك تعرفنى، قال: إذن لماذا أزعجتِ أمى؟ قال: تعجبت لموقفها منك وكأنها لا تعرف أن أمريكا هى إسرائيل وإسرائيل هى أمريكا، قال: ولماذا عدلت انت عن قرارك، لقد كان غناء لا هجرة، قالت: استخسرت صوتى فيهم أولاد الكلاب، قال: ربما كانت خطوة ليقدروك فى بلدك، قالت: يغور التقدير إن جاء عن طريقهم، ولكن لماذا عدلتَ أنتَ عن قرارك، قال: حين أخبرت صديقى رياض كاد يقتلنى، قالت: رياض مَنْ؟ قال: رياض عبد النور صديق طفولتنا، قالت: إبن طنط تريزا، قال: نعم، قالت: كنت أتصور أنه سيسبقك، أو على الأقل سوف يتبعك، قال: لقد قال لى حين عرضت عليه الأمر: “نسافر وندعها لمن يا وغد؟” وحين ذكرت له الآية بداية الاستخارة، قال لى وكأنه يعرفها أكثر منى: هذه الآية تنهى عن أن نظلم أنفسنا، وعن أن نعيش مستضعفين، وليست دعوة أن تتخلى عن بلدك، قالت: رياض؟!!! قال: رياض!! قالت: كنت أحسب أنه أوْلى بالهجرة، قال: هو فعلا سيهاجر، قالت: فلماذا اعترض؟ سيهاجر إلى أين؟ قال أخوها: إلى مصر قالت: انت تخرّف، قال: اكتشفت أننى لا أعرف معنى الهجرة.
قالت: يبدو أن أرض الله واسعة فعلا.
قال: وقلوب الناس أوسع.