نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 23-01-2013
السنة السادسة
العدد: 1972
تعتعة التحرير
إلى متى…؟ إلى أين….؟
قال الأب لابنه: أنا مالى؟ البركة فيكم، قال الشاب لأبيه: فى مَنْ يا أبى؟ أليست هى بلدكم ايضا؟ بل بلدكم أصلا؟ ثم أنتم الذين أنجبتمونا فيها فلابد أن تتحلموا مسئوليتها معنا، قال الأب: ما هذا الكلام الصعب، خلنا فى محاولة الحصول على أسطوانة بوتاجاز لتطبخ لنا أمك ما نتقوت به، قال الشاب: ولماذا الاسطوانة إذا لم يكن عندها ما تطبخه أصلا، قال الوالد: أرأيت كيف؟ قال الشاب: رأيت كيف ماذا؟ قال الأب: أرأيت ماذا فعلتْ بنا ثورتكم؟ قال الابن: أهى ثورتنا وليست ثورتكم؟ قال الأب: بل ثورتنا كلنا إن شاء الله، قال الابن: هل نسيت يا أبى بهذه السهولة ما فعلناه، وكيف استشهد منا من استشهد من أجلِك، من أجلنا؟ لم تبق إلا أيام ونحتفل بمرور عامين على ثورتنا المجيدة، قال الوالد: ألا تخجل وأنت تقول “عامين”؟ قال الشاب: أخجل؟! أخجل من ماذا؟ مِنْ أننا قمنا بالثورة؟ قال أبوه: لا أقصد ذلك يعنى، ولكن أقصد يعنى أن الثورة تكون ثورة حين تكون ثورة، قال الشاب: ما هذا يا أبى؟ هل تشككنى فيما رقصت له أثناء قومتنا الأولى حتى قبّلتنى أنا وأختى وقلت لنا “أخيرا أزلتم عنا العار”، قال الوالد: حصل، قال الشاب: إذن ما هذا يا أبى؟، أنا أعرف أنك تكره النظام السابق كره العمى، ماذا جرى لك؟ هل أصبحتَ من الفلول؟ قال الأب: فلول يعنى ماذا؟ قال الابن: أنت يا ابى الذى علمتنى معنى الكلمة، ومن هم الذين يستحقون أن نصفهم بها بالنسبة للجيش المنهزم، تقول لى الآن فلول يعنى ماذا؟ قال الأب: سامحنى يا إبنى لقد نسيت، لو سمحت، ابحث لى لو سمحت عن “زنوبة”، قال الشاب: زنوبة مَنْ ؟ قال الأب: يا إبنى أريد أن أتوضأ، زنوبة كى أتوضأ، قال الشاب: آه يا أبى هكذا، فهمت، لقد حسبتها اسم المرأة التى تساعد أمى أحيانا، ولا أخفى عليك فقد لاحظت نظرات حضرتك وتعجبت اين أبحث لك عنها، قال الأب: ما هذا الذى تقوله يا ولد؟ هل جننت؟، قال الابن: لا أقصد، أنا قلت نظرات فقط، وهل يمكن لرجل أن يتحكم فى نظراته وأمامه امرأة بهذا الشكل وهى تمسح، قال الأب: بهذا الـ “ماذا” يا ولد؟ ماذا تقول؟ قال الشاب: لقد سمعت أن الحكومة تبحث استيراد أجهزة تقيس زوايا نظر الرجال إلى النساء فى الشوارع والمصالح، قال الوالد: أنت تمزح أم تخرف؟ قال الشاب: الاثنان معا يا أبى، ولكن اطمئن لن يضعوها فى البيوت، قال الوالد: إخرس يا غبى، قال الابن: آسف نسيت نفسى، أصل أنا أريدك معنا يا أبى فى الاحتفال يوم 25، قال الأب: الاحتفال بماذا؟ أنا متفرغ لإعادة تقسيم مرتبى ليتناسب مع الزيادات الجديدة فى الأسعار، قال الابن: وهل هذا سيستغرق كل وقتك بحيث لا تشاركنا فرحتنا، قال الوالد: فرحتكم بماذا؟ قال الشاب: بالثورة يا أبى، قال الوالد: هل قرأت متى ستعلن زيادة الأسعار ومتى ستفرض الضرائب الجديدة، قال الإبن: أهذا هو كل ما يهمك؟ قال الأب: نعم طبعا، ماذا تريد منى أكثر من تدبير أمورى حتى لا تكون فضيحتى بجلاجل، قال الشاب: أريد أن أشعر أنها بلدك مثلما هى بلدى، قال الأب: وهل تشعر حقا أنها بلدك؟ قال الابن: طبعا؟ قال الأب: “بأمارة” ماذا؟ قال الابن: بأمارة أننى أشارك فى كل دعوة إلى ميدان التحرير وأواصل مع أصحابى الإصرار على تحقيق كل مطالب الثورة، قال الأب: التى هى ماذا؟ قال الابن: هل تسخر منى؟ هى “العيش” و”الحرية” و”العدالة الاجتماعية”، قال الأب: ولماذا تسميها مطالب الثورة؟ أليست هذه هى مطالب أى إنسان يولد على ظهر هذه الدنيا، قال الابن: نعم، لكننا حرمنا منها وأنتم السبب، وقد آن الأوان أن نستردها، قال الأب: تقول من السبب؟!! قال الابن: أنتم، قال الأب: نحن من؟ قال الابن: انت وأمى، قال: تقصد نحن السبب لأننا أنجبناكم؟ قال الابن: ليس تماما، ولكنك ذكّرتنى على أية حال؟ قل لى بالله عليك كيف استطعتما أن تنجبانا وأنتما ترزحان تحت كل هذا الذل؟ قال الأب: ماذا جرى لك اليوم يا ولد، أهذا هو احتفالك بمرور عامين على الثورة، تقل حياءك على والديك هكذا؟ هل وصل الأمر؟ قال الشاب: والله يا أبى لا أقصد، لكننى فعلا أتعجب كيف تحمّل جيلكم كل هذا القهر وتلك المذلة دون أن ينتفض أو يغضب أو يثور، قال الوالد: ومن قال لك أننا لم ننتفض ونغضب، أما حكاية نثور هذه فقد أنجبناكم لكى تثوروا نيابة عنا، قال الشاب: هل تعرف يا أبى أننى كنت قررت ألا أتزوج أصلا، وإذا تزوجت ألا أنجب، حتى لا أعرّض أولادى لمثل ما تعرضتُ له، قال الأب: وهل غيرت رأيك؟ قال: نعم طبعا، قال: وهل أنت واثق الآن أن أولادك لن يتعرضوا لإذلال أقبح وأقسى مما تعرضنا له، هذا إذا استطعت أن تنجب أنت أصلا، قال الشاب: ماذا تقول يا أبى؟، قال الوالد: واحدة بواحدة، قال الشاب: أنت دمك خفيف يا أبى، تهزل ونحن فى عز الغم، قال أبوه: غم ماذا ونحن نحتفل بالثورة بعد أيام؟ قال الشاب: ربنا يخليك يا أبى، قال الوالد: يخلينى أعمل ماذا؟ قال الشاب: الذى تقدر عليه.
*****
قال الشاب لأخته: هل ستأتين معى للاحتفال فى التحرير، قالت: طبعا هل عندك شك؟ قال: نعم، أبى أصبح من الفلول، قالت: أحسن، قال: نهارك أسود أنت الأخرى ماذا تقولين؟ قالت: أنت لم تدعنى أكمل، قال: أكملى، قالت: أحسن من الرقص على السلم، وأحسن من الكذب أيضا، قال: لكن ابى لا يفعل هذا ولا ذاك، قالت: الجميع يفعلون هذا وذاك، قال لها: أنا خائف، قالت: من ماذا؟ قال: من يوم الاحتفال، قالت: ماذا تتوقع؟، قالت: قد تشتعل نارا، قالت: خلها تحرق الذين سرقوها، قال: سوف تحّرقنا نحن أولا، قالت: نحن لا نحترق، نحن ننصهر فنُصقل وسط النيران، قال: هذا هو، قالت: هو ماذا؟ قال: لا أعرف، قالت: ولا أنا، قال: وإلى متى وإلى أين؟
قالت: إيش عرفنى!؟
قال: الحمد لله.