الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الثلاثاء الحرّ: حديث لمجلة لغة العصر عن: التكنولوجيا والإنسان

الثلاثاء الحرّ: حديث لمجلة لغة العصر عن: التكنولوجيا والإنسان

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 22-01-2013

السنة السادسة

العدد: 1971

 الثلاثاء الحرّ:

 يوم الثلاثاء يسترد حقه فى الاختيار:

حديث لمجلة لغة العصر عن:

التكنولوجيا والإنسان

 1)   هل يمكن أن يكون الانترنت بديلا طبيعيا لعلاقاتنا الاجتماعية ؟

   د. يحيى:

لا طبعا، يستحيل، لكنه أمر وارد، وهو من مضاعفات التقدم، وينبغى الانتباه إلى العمل على الحد من هذا الاحتمال الذى يزحف بخطى حثيثة واثقة وهو لا يضع اعتبارا كافيا للطبيعة البشرية سواء من ناحية التركيب الفطرى، أو طبقات الوعى أو العلاقات الأعمق بين البشر الممتدة إلى العلاقة بالكون إلى وجه الله، حتى لو سمى ذلك بأسماء أخرى.

2)   هل الانترنت والتكنولوجيا الحديثة عملت عازل بين الفرد وأسرته أي بين جيل وجيل: مثلا الآباء والأبناء ؟

    د. يحيى:

نعم، وهذا العازل ليس فقط بين جيل وجيل ولكنه قائم بين أفراد نفس الجيل، مثلا بين الزوج وزوجته، أو بين الفرد وأخوته وزملائه، فمن يستغرق فى صحبة هذه الأدوات الحديثة يتضاءل الوقت المتاح له للتواصل مع غيره من البشر، كما تتضاءل بالتالى فرص المشاركة والروابط الإنسانية الحقيقية اللازمة لضرورة استمرار الإنسان إنسانا، ونسبة الطلاق بين الذين يفرطون فى استعمال هذه الأدوات تتزايد باستمرار، وقديما قالت زوجة أحد الفقهاء، قيل “أبى حنيفة”، أو “الزبير بن بكار”: “والله لهذه الكتب أضر عليَّ من ثلاث ضرائر “!

3)   هل من الممكن أن يثور الفرد علي التكنولوجيا ؟

   د. يحيى:

كلمة الثورة لا تعنى تحطيم الأصنام فقط، هى ليست مجرد تفكيك القديم، فحتى لو وصلت التكنولوجيا التواصلية إلى أن يكون أغلب آثارها سلبا، فإننا لا نستطيع أن نتخلص منها كلها تحت زعم أن هذه ثورة ضرورية على الآلات ليعود الناس لبعضهم البعض دون حائل مهما بدا براقا أو قادرا فى ذاته، الثورة هى تحطيم ثم إعادة تشكيل، أعتقد أن علينا – نحن البشر – أن نقوم بعملية “تثوير استعمال التكنولوجيا” بين البشر، أعنى استعمالها لتُعَمِّقَ وتكثر من تنويعات قنوات التواصل، لا أن تحل محل السبل الطبيعية فتقل قنوات التواصل الإدراكى والتواصل الوجدانى ولا يتبقى إلا التواصل الرمزى والكمِّى التكاثرى.

4) بعد تطوير الإنسان الآلي (الروبوتات) قيل أنه يمكن الاستغناء عن الإنسان البشري فى العمل اليومى؟ ما هى وجهه نظر حضرتك؟

    د. يحيى:

لا يمكن الاستغناء عن الإنسان فى العمل اليومى وغير اليومى ليس فقط لأن آلة قامت بالعمل، ولكن لأن “العمل” كقيمة: هو أساسىُّ فى تكوين البشر ونموهم، إن الذى يمكن الاستغناء عنه باستعمال الروبوت هو العمل الميْكنى الصرف، الذى يأخذ وقت الإنسان وجهده دون أن يضيف إليه، هذا هو ما يمكن أن تقوم به الروبوتات لتوفر الوقت للإنسان لعمل أكثر عمقا وأوسع إبداعا وأدفأ تواصلا، وهذا النوع الإنسانى جدا من العمل ما زالت التكنولوجيا عاجزة تماما عن توفيره.

5) ما مدي تأثير كثره استخدام الهواتف المحمولة لدي الشباب في غير التحدث مثل الألعاب والتصوير والبرامج وسماع الأغاني ؟

د. يحيى:

بصفة عامة، هو نفس ما ذكرنا سابقا فى عموم السلبيات، لكن ما أضافه السؤال تحديداً هو تعبير “غير التحدث” وهى إضافة مهمة، فإذا كان فى الهواتف المحمولة سلبياتها فى تغيير نوع التواصل (برغم إيجابياتها الفائقة فى نفس الوقت) فإن تمادى استعمالها فى الألعاب والبرامج وسماع الأغانى يزيد من فرص “الاستكفاء الذاتى” وهذه ظاهرة سلبية فى ذاتها، لأنه لو تمادى مثل ذلك بين البشر – أوفى أى نوع من الأحياء – لانقرض هذا النوع مع مرور الزمن، إن سماع أغنية فى المذياع مثلا –وليس فى جهاز التسجيل أو المحمول- هو فرصة ضمنية – غير شعورية فى العادة – للمشاركة “مع من لا تعرف”، وهذا مهم وضرورى، فإن التواصل البشرى الخلاق لا يقتصر على عمل علاقات مع من تعرف فقط، وتواصل “التلقى” له دور مهم مثل التواصل المباشر.

 6) ما تأثير الألعاب الإليكترونية على الأطفال واستخدامهم لجهاز الكمبيوتر فهناك ألعاب يترفه بها الطفل ولكن يكون لها مغزى من مصمميها ؟ كألعاب الحروب التى تعلم الأطفال العنف والتمرد؟

   د. يحيى:

هذا محتمل، فأنا أشك فى نوايا تشكيل الوعى من مصادر مستوردة طول الوقت، خصوصا وعى الأطفال، لكننى لا أتصور أن ألعاب الحروب فقط هى التى تعلم الأطفال العنف، الذى يعلم الأطفال – والكبار – العنف هو تلويث الوعى البشرى بفصل جماعات الإنسان عن بعضها البعض بالتعصب والتمييز وغياب العدل والتسطيح، وكل هذا يصل للأطفال والكبار من الألعاب وغير الألعاب.

المفروض أن ألعاب الأطفال تنمى خيال الطفل ولا تقتصر على  شحذ المهارات، والألعاب عموما أفضل من تمضية الوقت أمام التليفزيون حتى أمام ما يسمى برامج الأطفال التى يغلب عليها عندنا ما يغلب على مجلات الأطفال المحلية، وقارئوا مجلة “ميكى” (وأنا منهم) يمكن أن يدلوكم على الفرق بينها وبين مجلة “علاء الدين” مثلا (ولا مؤاخذة!) بالنسبة لتنمية الخيال، مقابل النصح السطحى المباشر!

7) ما هو تأثير شبكات التواصل الاجتماعية علي الجمهور كالزواج وخاصة بعد نشوب ظاهره تبادل الزوجات والأزواج عن طريق الانترنت ؟

   د. يحيى:

أن تحل هذه الشبكة محل “الخاطبة” زمان، هذا أمر لا ينبغى أن نرفضه، فقط علينا أن نحرص على التأكد من صدق وأمانة هذه “الواسطة” الجديدة، وهذا ممكن بطرق متعددة.

أما أن يساء استخدام مثل ذلك فيما يسمى تبادل الزوجات أو الأزواج، فهذا أمر شاذ شائه، وهو وراد ضمن أى شذوذ يعترى أى تنظيم اجتماعى ضلّ طريقه من بناء المجتمع إلى التركيز على حث التسيب وسوء استعمال ما يسمى الحرية.

8) الآن كاميرات الموبايل بانتشارها الكبير فى المجتمع مع بعض الشباب جعلتهم يستخدمونها بطريقه سيئة وعشوائية (في المواصلات  والجامعات والكافيهات) يعني مثل مجموعه بنات واقفة تتكلم في موضوع نلاقي واحد متطفل صورهم وعرض الفيديو أو الصور على مواقع التواصل، فحضرتك ترى أن انتشار هذه الوسائل واستخدامها بهذا الشكل  له مردود سلبي أم ايجابي وخاصة أننا في مجتمع شرقي؟

    د. يحيى:

بالوصف الذى جاء فى السؤال المردود سلبى بلا أدنى شك، وحين قال قرآننا الكريم (وهذا موجود فى كل الأديان غالبا) “وَلا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًافَكَرِهْتُمُوهُ” كان يعلمنا بعض ما ينبغى أن نتعلمه، وفى رواية عن سيدنا عمر رضى الله عنه ما معناه أنه اعتلى سوراً ليضبط جماعة يقصفون ويشربون منكرا، فلاموه أكثر مما لامهم، وعرّفوه أنه  ارتكب ذنبا مثلهم أو أكثر، لأنه لم يستأذن قبل أن يدخل، وتجسس عليهم ايضا. إن انتشار مثل هذه الوسيلة الجديدة مع تمادى تدهور الأخلاق كما هو حادث الآن هو خطر حقيقى لا أعرف كيف نتجنبه.

9) الآن: كل بيت مصري فيه أكثر من جهاز اليكتروني إذا كان (لابتوب – دسك توب-الآى باد – وباقي الاجهزه الأخرى) والأطفال يستخدمونها، ويتسع حجم استعمالها وسيتم تزويد المدارس بجهاز الآيباد حتى يحل محل الكتاب المدرسى؟

مع كل التقدم ده من وجه نظرك هل ترى أن هذا التقدم سوف ينمى ذكاء الطفل وقدراته أم أنه سوف يحوله إلي ماكينة؟

   د. يحيى:

هذا تقدم تقنِّى جيد، ومثل كل ما جاء فى هذا التحقيق له إيجابياته كما أن له سلبياته، فهو يعطى مساحة أكبر لممارسة التفرد والتميز، لكنه يزيد فرص الاستكفاء الذاتى كما يقلل من إلحاح الحاجة إلى “المعيّة” (أن تكون “مع” آخر)، سواء زميل أو مدرس أو والد أو والدة.

أما أنه الوسيلة المثلى لتنمية ذكاء الطفل، فهذه مبالغة ينبغى التوقف عندها، وعلينا أن نتعمق فى تعريف الذكاء حيث أنه “القدرة على الربط بين العلاقات” الذى هو نوع من الإبداع وهذا يختلف عن شحذ مهارات السرعة، واتساع دوائر الإطلاع أو لَمعَان المتعة التى تتيحها هذه الآلات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *