نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 6-2-2013
السنة السادسة
العدد: 1986
تعتعة التحرير
أهذه هى مصر؟!!!
قالت البنت لأخيها: أهذه هى مصر؟ قال أخوها: طبعا، قالت: هل أنت متأكد؟ قال: ماذا جرى لك؟ أنت تخرفين، أبعد كل هذا تسألين هذا السؤال السخيف؟ نعم هى مصر ونصف، قالت: لقد عشنا محرومين من الانتماء لما يسمى مصر بعد أن استولى عليها غير أهلها، ولولا ما وصَلنا من عموم ناسها المجهولين الذين أصروا، برغم كل شىء، أن يظلوا هم الممثلون الحقيقيون لما هو مصر لما ثـُرْنا باسمهم ومن أجلهم، قال أخوها: هكذا يكون الكلام، يبدو أنك أفقت من عبطك، قالت: ماذا تقول؟! أنا لم أتراجع، قال: لم تتراجعى عن ماذا؟، قالت: عن سؤالى: “أهذه هى مصر”؟ قال: إسمعى، لا تربكينى أكثر مما أنا مرتبك، قالت: مرتبك لماذا؟ قال: لما يجرى، قالت: وماذا يجرى؟، قال: كل هذا، قالت: وماذا يربكك فى كل هذا؟ قال: يربكنى أن هذه ليست هى مصر، قالت: هأنتذا تخرف مثلى، لماذا تقول ذلك؟ قال: هذه الوجوه الكارهة، والنظرات الحاقدة، والتجهم البدائى، والكلام المسموم، ليست نحن، ليست مصر، قالت: هذا ما يفزعنى حتى أكاد أنكر بلدى ثم أنكر نفسى، إن ما يزعجنى هو هذه القسوة الطافحة، وهذه الدماء السائلة، وهذا القتل المجانى، وهذا الذهول الإغمائى، وهذه الأقنعة السوداء، والكمامات المرعبة، والذقون الكاذبة، والسواد الكاشف، لا ..لا ..ليسوا هم ناسنا الطيبون البسطاء، هناك خدعة، قال: وأية خدعة!! كأن أحدا مدّ يده داخلنا ونشل طبيعتنا وأصلنا وفصلنا، قالت: كأن ناسنا قد أفرغوا من الناس الحقيقين، قال: ومن الذى أفرغنا، قالت: أولاد الكلب اللصوص، قال: سرقوا ثورتنا، وكذبوا علينا، قالت: أية ثورة، إنهم أجهضوها وهى بعدُ جنينا، قال: لا لم يحدث، لقد ولد الطفل كامل النمو، وها نحن خرجنا نجدد مولده بعد عامين، هل نسيت منظر كل هؤلاء الناس المصريين الغاضبين يملأون الدنيا كلها بإصرارهم، لقد أرعبوا اللصوص والجزارين، قالت: الطفل لا يتجدد بإعادة ولادته وإنما برعايته حتى ينمو، قال: من أين لك بكل هذه الفلسفة. أنا أشم فيك رائحة التنكـّر لما فعلنا، قالت: إسمح لى، أنا التى بدأت أشك فى ذكائك، تنكـّر ماذا وهباب ماذا؟ أنا لا أكاد أتعرف على نفسى حين أشاهد هذه المناظر التى لا تكف تلك القنوات عن عرضها، هؤلاء الناس؟ هل تبلـّدت مشاعرهم إلى هذه الدرجة؟ قال: أى ناس؟ قالت: ناس الإعلام يا شيخ، قال: ماذا تريدين منهم، هل تريدين أن يخفوا عنا الجارى حرصا على مشاعرنا الرقيقة، قالت: والله فكرت فى هذا، لماذا لا يطمئنونا أن مصر مازالت مصر، قال: كيف بالله عليك؟ قالت: حتى الأغانى التى تتغنى بحب مصر الثورة يشع منها صهد لافح، الحب شىء آخر، الزرع شىء آخر، الخضرة شىء آخر، الطين شىء آخر، الوطن شىء آخر، قال: ما هذا؟ تقولين شعرا؟ قالت: ليتنى أعرف، الشعر نفسه مهربٌ آخر.
****
قالت البنت لأمها: مالك يا أمى؟ قالت أمها: مالك أنت يا حبيبتى، أنا بخير، قالت البنت: أهذه هى مصر؟ أين مصر يا أمى؟ قالت الأم: أنت مصر يا ضناى، قالت البنت: أنا؟ وحدى؟ قالت: وأخوك كذلك، قالت: فلماذا هذه الدموع؟ قالت الأم: على مصر، قالت البنت: أحضنينى يا أمى أنا خائفة، قالت الأم: تعالى يا حبيبتى لا تخافى، شدة وتزول، قالت البنت: كيف تزول مع كل هذا التبلد وهذا البله، قالت الأم: تبلد من؟ وبله ماذا؟ قالت البنت: هؤلاء الذين تولوا أمرنا وهم لا يعرفوننا، هم ليسوا نحن، ليسوا منا، قالت الأم: ولا هم يعرفون أنفسهم، ولا يعرفون ربنا، قالت البنت: لقد تأكدت من ذلك، قالت الأم: لا تثقى إلا فيه وفيما نعمل، قالت البنت: وهل تركوا لنا فرصة أن نعمل؟ قالت الأم: هذا صحيح، معك حق، اتركينى الآن يا حبيبتى، أتركينى لو سمحت، لا أريد أن ترينى هكذا، قالت البنت: آنا آسفة يا أمى، آسفة.
****
قال الشاب لأبيه: مالك يا ابى، قال أبوه: لا شىء يا إبنى دعنى فى حالى، قال الشاب: لا أريد أن أدعك حتى لا تدعنى بدورك، قال: دعنى يا إبنى ربنا يخليك أنا لست ناقصا، قال الشاب: أنا ناقص، قال أبوه: ناقص ماذا؟ قال: ناقص أرضا أقف عليها، قال أبوه: غير فاهم، قال الشاب: أشعر أن أحدهم قد سحب الأرض من تحت قدمىّ، قال الأب: ماذا تقول؟ ما هذا؟، من ذا الذى سحب الأرض؟ أنا غير فاهم، قال الشاب: أنت فاهم يا أبى: إعمل معروفا لا تتركنى، قال أبوه: ماذا جرى لك يا إبنى، ماذا تقول، “لا أتركك” يعنى ماذا ؟ هل أنت صغير؟ قال الشاب: كلهم خونه، كلاب، قال أبوه: كل من؟ قال: كل اللصوص، قال أبوه: اللصوص فى السجون الآن، أليس عندك خبر؟ قال الشاب: أنت الذى ليس عندك خبر، قال أبوه: لا عندى، اعمل معروفا لا تجرجرنى إلى ما أغلقت بابى دونه، قال الشاب: وتتركنى وحيدا يا أبى؟، قال أبوه: عندك أصحابك، عندك أختك، أنتم لا تشبعون كلاما، قال: لقد شبعنا، هل سمعتنى يا أبى وأنا أقول لك لا تتركنى وحدى، قال أبوه: نعم سمعتك، قال الشاب: ماهذا! ما هذا! أنا آسف يا أبى، ما هذا ؟ ماذا بعينيك؟ أنا لم أرك تبكى أبدا يا أبىً، قال أبوه: أبدا ، لا شىء، أنا لا أبكى يا إبنى، إطمئن، أنا لن أتركك أبدا، قال الشاب: لكنهم طردونا نحن الاثنين، نحن كلنا، قال الأب: هذا صحيح، قال الشاب: لا،.. ليس صحيحا، رجعت فى كلامى، لا تصدّقنى.
****
قالت البنت لأبيها: ليس هكذا يا ابى، ليس هكذا، قال أبوها: أنا آسف “هكذا” ماذا؟ قالت: كل هذا الصمت، كل هذا اليأس، قال لها: من قال لك أنى يائس، قالت: أخى، قال: هو فهمنى خطأ، قالت: لكن ذلك وصلنى أيضا، قال: وأنت أيضا فهمتـِنى خطأ، قالت: يعنى أنت لست يائسا؟ قال: أبدا، قالت: فما الحل؟، قال: أن تكون البداية بداية، قالت: لكننا بدأنا، قال: البداية لا تكون بداية إلا إذا كانت ليست هى هى النهاية، قالت: فهمت، قال: الحمد لله، قالت: ربنا يخليك يا أبى، قال: ويبارك فيك يا حبيبتى، أرجوك لا تبتعدى عن أمك كثيرا، قالت: حاضر،
قال: وأخيكِ،
قالت: ما له؟
قال: لا شىء.